رحاب... حضن التراب أرحم ، من كان يدري أن أحضان التراب ستكون أرحم ، أكثر دفئا وطمأنينة من حياة أمّ أفنت عمرها وضحّت بشبابها من أجل زوجها وأولادها.
من كان يدري أن صرخة مكتومة ستشق صخب الحياة ، وتخلد في العدم بعد شجار بشع يدفع الزوج إلى ضرب زوجته وحبيبة أيامه الصعبة ورفيقة عمره ووحشة الأيام ، بالحزام 3 ساعات متواصلة ، من كان يدري أن رجلا عاقلا يدخر بين ضلوعه كل تلك الوحشية ، ويربي في صدره حيوانا مفترسا مهيّأً للفتك بأقرب الناس إلى قلبه.
من يخبر رحاب اليوم ، أن كل زينتها صارت إلى التراب ؟ وأن فراشها الدافئ لم يعد غير محض عذاب ، من يخبر رحاب أن الموت إنسحاب ، مجرد إنسحاب عادل مقارنة بحياة الوحوش ، التي كانت تحياها ، في قصة غريبة الشكل تشهدها محافظة المنيا، وبسبب الغضب الشديد ، انهال زوج على زوجته بالضرب المبرح واسقطها على الأرض واستخدم " الحزام " كأداه لمعاقبتها على فعل " تافه " ولكن من وجهه نظره كبير، ليستغرق في الضرب المبرح لزوجته 3 ساعات ، ولم يدرى ان أجلها قد يأتى فى ذلك الوقت العصيب ، لتلفظ انفاسها الأخيرة في ساحة المنزل المغلق من الصدمة والحزن على وحشية زوجها .
ففي ضواحي مركز ومدينة مغاغة شمال محافظة المنيا ، هنا دارت رحى قصة مصطفي الزوج المتشبع بعالم الذكورية المتوارثة في عالمنا الصعيدي ، تربى على ان الرجل رجل ، و ( الست ست ) ، وفي عرفنا احنا الصعايدة ، المرأة لا ترفع عينها امام زوجها ، نعم لا ترفع عينها امام زوجها ، فقل ما شئت عن الحريات التي نالتها المرأة ، لكن الكلام (حاجة ) والفعل حاجة اخرى .
دخل مصطفى على زوجته رحاب ، وحدثت بينهما مشادة كلامية عادية ، بين مصطفى ورحاب زوجته ، ينهرها الزوج بكلمات ، وبخلاف العرف ترد رحاب وتدافع عن نفسها امام اتهامات زوجها في التقصير في واجبات المرأة والزوجة ، وهنا تقفز ذكورية مصطفى معتبرا وقوف زوجته امامه لترد عليه ، هي بمثابة إهانة لرجولته وجرم لايغتفر ، عفوا اقصد ذكوريته وليس رجولته فشتان بين الرجولة والذكورة ، لينهال عليها ضربا بالحزام 3 ساعات متواصلة .
لم ترحم رحاب توسلاتها وصراخها ، الجميع حاول ان يمنع الجريمة ، في ظل ضرب بالحزام بشكل قوي ومتواصل ولكن الزوج أحكم إغلاق أبواب المنزل من الداخل ، حتى فاضت روحها البريئة في التو واللحظة ، ماتت رحاب ضحية وقوفها امام زوجها ، والرد على شتائمه والدفاع عن نفسها ، ماتت رحاب ضحية الجهل و(جين) الذكورية اللعين الذي استباح بها كل الحرمات ، في القسوة وعدم الرحمة والشفقة ، وموت الضمير ، ماتت مع جين الذكورية اللعين والذي إستباح وانتهك كل صفات الإنسانية .
الشرطة تقبض على الزوج القاتل ، وتدفن رحاب وسط بكاء كل الجيران والأهل ، لبشاعة الجريمة النكراء ، الجميع اصابته حالة من الدهشة والذهول ، الجريمة من بشاعتها وفظاعتها الجمت السن الجميع من فداحتها ووحشيتها ، من يقتل نفس بغير ذنب ، وبحزام جلدي 3 سعات متواصلة ، بشاعة مابعدها بشاعة .
وكشفت تحقيقات نيابة مغاغة الجزئية ، والتي اجراها طارق ابو هشيمة وكيل النائب العام بمغاغة ، في الجناية رقم 26743 لسنة 2023 ، والمقيدة برقم 2102 لسنة 2023 كلي شمال المنيا ، والتي احالها المستشار طارق جلال صوفي المحامي العام الأول لنيابات شمال المنيا ، بإحالة المتهم الي محكمة الجنايات ، لأنه في غضون شهر اكتوبر لعام 2022 بدائرة مركز مغاغة ، ضرب عمداً مع سبق الإصرار زوجته المجني عليها وتدعى " رحاب. ر "، وكان ذلك علي إثر خلافات زوجية نشبت بينهما .
فأحدث بها الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية ، مستخدماً في ذلك اداة" حزام جلدي " لم يضبط ــ وكان ذلك علي إثر خلافات زوجية نشبت بينهما ، ولم يقصد بذلك قتلها ، ولكنه الضرب المبرح الواقع عليها افضي إلي موتها ، وذلك علي النحو المبين بالتحقيقات، واحرز اداة " حزام" مما تستخدم في الاعتداء علي الأشخاص دون وجود مسوغ قانوني او مبرر من الضرورة المهنية او الحرفية.
حيث كشفت التحقيقات التي اشرف عليها المستشار عمر الحوتي ، رئيس نيابة شمال المنيا الكلية ، بأن المجني عليها ، والتي تعاني منذ طفولتها بإصابة في رأسها ، نتج عنها نزع جزء من عظام الجمجمة ، وعلي اثر خلافات زوجية نشبت بينها وبين زوجها المتهم ، قام الأخير بدفعها فأسقطها ارضاً، وتعدي عليها بالضرب المبرح بحزام جلدي قرابة الثلاث ساعات ، وظلت تستغيث بلا مجيب حتي خارت قوتها ، فأحدث بها الإصابات المبينة بتقرير الصفة التشريحية ، ولم يقصد بذلك قتلها بيد ان هذا الضرب افضي إلي موتها ، وذلك علي النحو المبين بالأوراق.
وشهد والد المتوفاة بتحقيقات النيابة العامة ، بأنه علم من زوجته وابنائه بدخول نجلته المجني عليه لديوان المستشفي ، وان المتهم زوج المجني عليها تعدي عليها بالضرب ، مما أدي الي وفاتها ، واضاف والد المجني عليها ، بأن نجلته مصابة سلفاً منذ طفولتها ، بفقد بعظام الجمجمة.
كما وشهدت والدة المتوفاة ، بأنها علمت بدخول نجلتها المجني عليها بالمستشفي ، فإنتقلت اليها فابصرت عدة اصابات بجسدها ، وانها تتهم زوجها بالتعدي عليها بالضرب ، واكدت تحريات الرائد الحسيني محمد جابر رئيس مباحث مركز شرطة مغاغة ، والتي اشرف عليها العقيد أحمد عبدالعظيم القوري ، وكيل فرع البحث الجنائي بشمال المنيا ، صحة الواقعة .
وثبت من تقرير الطب الشرعي الخاص بالمجني عليها ، إصابتها عبارة عن كدمات رضية بالطرفين السفليين ، وهي عبارة عن إصابات رضية تحدث من الإصطدام بجسم أو اجسام صلبة راضة آياً كانت ، وتشير الوانها الي كونها قبل الوفاة بأكثر من بضعة ايام ، وهي جائزة الحدوث والمعاصرة لما جاء بمذكرة النيابة العامة ، مثل الضرب بالحزام واظهرت الصفة التشريحية وجود إحتقان بالأوعية الدموية علي سطح المخ.
وقضت محكمة جنايات المنيا ، برئاسة المستشار محمد عبدالحميد قطب ، وعضوية المستشارين حسين علي نسيرة وتامر مجدي يعقوب وبحضور اسلام عاطف يؤنس وكيل النيابة ، وبأمانه سر محسن فكري الشيمي ، حضورياً بمعاقبة المدعو "مصطفي .م. س. م" بالسجن المشدد لمدة ثلاث سنوات ، والزامه بدفع المصاريف الجنائية ، وإحالة الدعوي المدنية إلي المحكمة المدنية المختصة بلا مصروفات.
وقال رئيس المحكمة قبل النطق بالحكم، ان المحكمة تطمئن يقيناً إلي رواية شهود الإثبات ، ويرتاح ضميرها اليها وترتكن اليها ، كما تطمئن إلي ادلة الثيوت في الدعوي ، ومن ثم فقد وقر في يقين المحكمة وعقيدتها علي وجه الجزم ، ان المتهم لم يقصد قتلها ، ولكنه الضرب المبرح الواقع عليها افضي إلي موتها ، فأصدرت المحكمة حكمها المتقدم.
الزوج مصطفى يقضي عقوبة السجن ، بعدما خسر زوجته وأم أولاده في لحظة غضب ، وجهل وعدم دراية ورحمة وشفقة بزوجة افضت إليه بربيع عمرها ، وكانت دون شك السند والعون في أزمات الحياة ، ماتت رحاب لتلقى روحها الرحمة والعدل عند رب العباد ، ولتسجل الواقعة بصمة عار على مجتمع تسوده أفكار بالية .
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: رحاب التراب حياة ضحت أخبار محافظة المنيا الضرب المبرح المجنی علیها شمال المنیا ذلک علی
إقرأ أيضاً:
في غرفة العناية المركّزة
تدخل إلى المستشفى، تذهب إلى جناح العناية المركزة، تشاهد جثثًا نائمة، لا تقوى على الحراك، محاطة بالأسلاك، والأنابيب، والأجهزة الطبية، تشاهد أولئك الراقدين، الذين استسلموا لمرضهم، ولطبيبهم، وتشاهد ملامح القلق، وأحيانًا اليأس على وجوه ذويهم، أُمٌّ تبكي حين ترى ابنها ممددًا على سرير، وأبٌ يحاول التماسك، وأخت تحاول كتم دموعها، وزوجة تمسك بالمصحف تدعو لزوجها، وزوج يسعى من أجل بصيص من الأمل لزوجته، تراهم جميعًا واجمين، ينتظرون اللحظة التالية، بينما يقوم الأطباء والممرضون بعملهم «المعتاد»، مشهد يشعرك بضعفك، بإنسانيتك، بحزنك، وانكسارك.
ليس هناك أسوأ من الانتظار أمام سرير مريض، لا تعرف مصيره التالي، مؤلمة تلك اللحظات الفارقة بين الأمل واليأس، بين الموت والحياة، الجميع سواسية فـي ذلك المكان، يحاولون التماسك، والتمسك بحبل التفاؤل، وسط أمواج عاتية من القلق، يطلبون من الطبيب أن يطمئنهم على حال مريضهم، ولكنه لا يملك أحيانًا غير مصارحتهم بالحقيقة المؤلمة: «ليس هناك من أمل إلا بالله».. لا يجد المرء فـي تلك اللحظة إلا اللجوء إلى الخالق، يشعر بضعفه أمام جبروت الموت، ويمنّي نفسه أن تُستجاب دعواته، ولكن تمضي الأمور ـ أحيانًا ـ على غير إرادته، لا يكف ذوو المرضى عن الدعاء، حتى الرمق الأخير، إنه سلاح العاجز أمام قدرة الله.
أحيانًا تأتي لحظة الفرج، يُشفى المريض بعد أيام، أو أشهر من الغيبوبة، يفتح عينيه، ويرى العالم كأنما يراه لأول مرة، تدب فـي أوصاله الحياة، وسط «صدمة» أهله، الذين فقد بعضهم الأمل فـي شفائه، وتبدأ احتفالات محبيه بنجاته، يفرحون به كيوم ولادته، تلك اللحظة التي يخرج فـيها من كماشة الموت، إلى مسار الحياة، لحظة زمنية فارقة فـي الذاكرة، لم تكن التجربة سهلة، بذل الأطباء قُصارى جهدهم كي يُنقذوا حياة إنسان لا حيلة له إلا بالله، نجحوا، وذلك مبلغ غايتهم، تحمّلوا صراخ ذوي المريض، وتفهموا انفعالاته، وقدّروا ظرفه الإنساني، ولم ينتظروا الشكر من أحد، فشفاء المريض هو مكافأتهم التي سعوا لأجلها.
فـي جناح العناية المركزة يرقد طفل صغير، أو فتاة يافعة، أو رجل فتيّ، أو شيخ عجوز، يرقدون جنبًا إلى جنب مستسلمين لأقدارهم، لا أدري ما الذي يدور فـي أدمغتهم فـي ذلك الحين، هل ينقطعون عن العالم؟.. هل ينتهي تفكيرهم؟.. أي عالم خفـيّ يعيشونه؟.. هل بإمكانهم التخيل؟.. هل يشعرون بألم أهليهم؟.. هل يمر عليهم شريط حياتهم؟.. (حبيباتهم.. لحظات طيشهم.. خيباتهم.. انتصاراتهم.. حكاياتهم.. من ظلمهم.. ومن ظلموه؟..).. لا يملك الإجابة سواهم، وقد لا يملكون الإجابة بعد شفائهم، فذاكرتهم المشوشة لا تتسع لكل تلك الأسئلة، يخرجون ـ إن كتب الله لهم النجاة ـ إلى حياتهم العادية، قد يتذكرون فـي وقت ما، كيف عادوا من فم الموت، فـيتّعظون، وقد يمضون دون أن يلتفتوا لتلك اللحظات العصيبة.
فـي المستشفى، وحيث العناية المركزة، يتساوى الأحياء بالأموات، الجميع فـي سبات عميق، لا يلوون على شيء، يقضون أيامهم قابضين على جمرة الأمل، يحاولون الفرار من قَدَر إلى قَدَر..
شفى الله كل مريض يعاني، وأعان أهله، ومُحبيه على لحظات الانتظار المرير، وكفانا الله وإياكم شرور «أمراض الفجأة» التي كثرت هذه الأيام، ورحم الله موتى المسلمين جميعًا.