كان النصف الأول من عام 2023 بمثابة زوبعة، مع اتجاهات السوق غير المتوقعة والمؤشرات الاقتصادية التي تخالف التوقعات. ففي نهاية عام 2022 تنبأت معظم التوقعات بحدوث ركود وتراجع في سوق الأسهم، بسبب استمرار رفع الاحتياطي الفدرالي نسب الفائدة والشركات التي تواجه صعوبات بسبب ضغوط الائتمان،  ومع ذلك كان الواقع مختلفا.

وفي التقرير الذي نشرته مجلة "فوربس"(Forbes) الأميركية، قال الكاتب دان إيرفين إنه وبينما كانت سوق الأسهم الأميركية تشهد ارتفاعا في النصف الأول من العام، تدهورت المؤشرات الاقتصادية بوتيرة متسارعة. ولمواجهة أسرع دورة لرفع الأسعار في التاريخ ظل الإنفاق الاستهلاكي -خاصة التوظيف- مرنا بشكل ملحوظ.

من الحكمة أن يتوخى المستثمرون الحذر (غيتي) وقائع واستجابة

وحسب الكاتب؛ فإن السوق والاقتصاد يعملان بشكل منفصل، وغالبا يتباعدان على نطاق واسع؛ ففي أقصى الحالات يضطر سوق الأسهم في نهاية المطاف إلى الاستجابة للوقائع الاقتصادية، مما يجعل أداء السوق على المدى القصير مقياسا ضعيفا لصحة الاقتصاد أو سوق الأسهم في المستقبل.

ولفت الكاتب إلى أنه سيكون من الحكمة أن يتوخى المستثمرون الحذر، لأن الأسواق الهابطة التي يطول أمدها هي عملية مليئة بالانهيارات تليها ارتفاعات قوية قد تستغرق سنوات وليس شهورًا فقط، للوصول إلى نهايتها.

فعلى سبيل المثال؛ وخلال الانهيار التكنولوجي بين أوائل عام 2000 وأواخر عام 2002، شهد مؤشر "ناسداك" 8 سلاسل مستمرة بنسبة 20% على الأقل، وسلسلتين بنسبة 52 و56% على التوالي.

كل هذا يعني أن التركيز على الفترات القصيرة لأداء سوق الأسهم لا يخبرنا كثيرا عن الاتجاه الذي يسير نحوه الاقتصاد أو سوق الأسهم في النصف الثاني من العام.


ركود ومؤشرات

وبيّن الكاتب أنه تاريخيًا تعد دورات رفع أسعار الفائدة تمهيدًا للركود، ففي 9 من فترات الركود العشر الأخيرة منذ عام 1954 سبقت دورات رفع المعدل مباشرة بداية الركود.

ومع السرعة القياسية لدورة رفع أسعار الفائدة الحالية والتأخر الذي يبلغ 12 إلى 18 شهرا الذي تستغرقه زيادة الأسعار لتصفية الاقتصاد، فليس من المستغرب إحصائيا أننا لم ندخل في حالة ركود حتى الآن.

وفي هذا الشأن؛ صرح رئيس مجلس إدارة الاحتياطي الفدرالي جيروم باول مرارا بأن بنك الاحتياطي الفدرالي يعتقد أنه بحاجة إلى إبطاء الاستهلاك لتحقيق معدل التضخم المستهدف بنسبة 2%.

لكن لا يزال سوق العمل تنافسيا للغاية رغم التشديد النقدي، مما يؤدي إلى نمو كبير في الأجور يساعد على دعم مستويات الاستهلاك المرتفعة، وهو ما يجعل التضخم من الصعب تعديله وفق هدف الاحتياطي الفدرالي.

ووفق الكاتب؛ فهذا يعني أن سياسة بنك الاحتياطي الفدرالي تبدو كأنها تحفيز للبطالة، إلا أن العديد من المستثمرين يجادلون بأن البطالة المنخفضة المستمرة التي يعاني منها الاقتصاد هي مؤشر آخر على احتمال حدوث هبوط ناعم.

ومع ذلك، يُظهر لنا التاريخ مرة أخرى أن البطالة لا تبدأ الارتفاع بشكل ملموس حتى يبدأ الركود بالفعل؛ ففي 10 من آخر 12 حالة ركود منذ عام 1948 لم تبدأ البطالة في الارتفاع حتى بدأ الركود بالفعل.


وأشار الكاتب إلى أنه لتجنب انفجار متجدد للتضخم مشابه لما حدث في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، أعلن بنك الاحتياطي الفدرالي أنه يعتزم إبقاء أسعار الفائدة مرتفعة لفترة طويلة.

ونظرا للتأخر الذي استمر 12 إلى 18 شهرا في زيادة معدل التدفق إلى الاقتصاد، فإن الاحتفاظ بالمعدلات عند مستويات مرتفعة يجعل الركود أكثر احتمالية، ويمكن أن يعمق ويوسع عملية الوصول إلى القاع في السوق.

وهناك اعتبار آخر، وهو أن الإنفاق الحكومي يوازن تأثير ارتفاع أسعار الفائدة. ونظرا للزيادة الهائلة في الإنفاق الحكومي المباشر من خلال تشريعات التعافي من تداعيات "وباء كوفيد-19" وقانون خفض التضخم وقانون الاستثمار في البنية التحتية والوظائف؛ فقد نشهد تأثير برامج الإنفاق هذه في إبطاء بداية الركود وزيادة فترات التأخر في استجابة السياسة النقدية.

احتمالات وترجيحات

ويرى الكاتب أنه باستخدام التاريخ كدليل، يبدو من المحتمل حدوث ركود في أواخر هذا العام أو أوائل العام المقبل. وبالتأكيد الهبوط الناعم ممكن، لكن يجب على المستثمرين الأخذ في الحسبان النتيجة الأكثر ترجيحا وتجاهل الاحتمالات الاقتصادية المتفائلة.

فمن الناحية التاريخية، يبلغ سوق الأسهم ذروته قبل فترة وجيزة من الركود، ثم ينخفض قبل نهاية فترة الركود. إذا اتبعت الأسواق المعايير التاريخية، فقد نتوقع انخفاضا في المستقبل القريب.

وختم الكاتب تقريره بالقول إن البيئة الاقتصادية الحالية تجعل عوائد بنسبة 5% على "سندات الخزانة قصيرة الأجل شبه الخالية من المخاطر" جذابة للغاية أثناء انتظار مزيد من الوضوح حول اتجاه الاقتصاد؛ وبالتالي سوق الأسهم على المدى المتوسط.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: أسعار الفائدة سوق الأسهم

إقرأ أيضاً:

إبراهيم عبد المجيد: الفلسفة والفنون غذاء الكاتب في عصر الذكاء الصناعي وهيمنة الصورة

يحمل الأديب المصري إبراهيم عبد المجيد على عاتقه تقديم مدينته الإسكندرية للقارئ العربي، وعبر أعماله التي تمتد لعقود، استطاع عبد المجيد أن يخلق عالما أدبيا متفردا، يجمع بين الحس الإنساني العميق والتحليل الواقعي لقضايا المجتمع.

بدأ رحلته مع الأدب في سبعينيات القرن الماضي، وأصبح أحد أبرز الأصوات التي عكست التحولات الاجتماعية والسياسية في العالم العربي. عبد المجيد، صاحب الرواية الشهيرة "في الصيف السابع والستين" التي جاءت إحدى أوائل الإبداعات التي وثقت تداعيات هزيمة 1967، ظل منذ بداياته ملتزما بالقضايا الكبرى التي تشغل الإنسان العربي، مع احتفاظه بمرونة فنية سمحت له بالتحليق في فضاءات السرد بأشكالها المتنوعة.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية "لعبة منقلة" ولهذا جاءت "الخربة" في 49 فصلاlist 2 of 2أدب السجون السورية.. شهادات على جحيم معتقلات نظام الأسدend of list

في هذا الحوار، يفتح إبراهيم عبد المجيد نوافذ رؤيته على المشهد الثقافي الراهن، مناقشا أسباب كثرة الإنتاج الروائي وضعف الصدى الملموس له، ودور النشر الإلكتروني في طغيان الكم على الكيف، وتأثير الثورة المعلوماتية على الإبداع الأدبي. كما يشاركنا تجربته الشخصية مع الكتابة، وتحديات النشر، ونصائحه لجيل الروائيين الشباب، فإلى الحوار:

الحديث عن رؤيتك للمشهد الثقافي لا سيما عالم الرواية، من زوايا عدة.. منها كثرة الإنتاج الروائي دون إحداث صدى ملموس.. ما أسباب ذلك من واقع خبرتك؟ إعلان

المشهد الثقافي عامر بالإنتاج في كل مجلات الكتابة. الرواية والشعر وسائر الفنون. كذلك الدراسات الفكرية والترجمة من اللغات الأخرى للغة العربية. الوقوف عند الرواية فقط فيه ظلم لسائر الفنون، لكن هذا ما جرى منذ منتصف السبعينيات. قفز العالم كله إلى الرواية باعتبار أن ما يحدث فيه يحتاج إلى الحكي أكثر من الإيجاز. مشى الكثيرون وراء مقولة زمن الرواية فأهملوا إنتاجا رائعا في المجالات الأخرى. فجأة في العقدين الأخيرين صارت الرواية هدفا للكثيرين. تحول إليها شعراء ونقاد وفنانون. لا يضايقني هذا فللإبداع تجلياته المختلفة. لكن بعيدا عن هؤلاء دخل حقل الرواية الكثيرون ممن يحكون فقط دون فهم لبناء الرواية وتطوره عبر التاريخ. وكما أقول دائما فالكتابة ليس ماذا تكتب لكن كيف تكتب. الأمر يحتاج إلى متابعة من النقاد، لكن الإنتاج كثير جدا فمن الصعب على النقاد المتابعة. كذلك غلبت النزعة الاستهلاكية في التسويق، فهناك من يشتري الإعجابات بصفحات مدفوعة على الإنترنت، ويتصور أن هذا دليل على قيمة روايته. لكن في النهاية لا يبقى غير الجيد من الأعمال، لذلك لا أتوقف عند هذه الظاهرة.

⁠مع النشر الإلكتروني وكثرة دور النشر الورقية.. كيف يسهم ذلك في طغيان الكم على الكيف؟ حبذا لو تتحفنا هنا بالمقارنة مع أول إنتاجك الروائي والصعوبات التي واجهتها.

مؤكد يساعد النشر الإلكتروني وكثرة دور النشر في طغيان الكم على الكيف. بعض دور النشر تنشر 200 نسخة من كل طبعة للرواية وتعلن أنها الطبعة العاشرة. حين بدأت أنشر كانت الطبعة الواحدة 3 آلاف نسخة وتتكرر مع المبيعات. اختلف الزمن. لا تزال بعض دور النشر محتفظة بالروح القديمة لكنها قليلة.

أما أول إنتاج لي فكان رواية "في الصيف السابع والستين" التي انتهيت منها عام 1974 لكن كانت هناك رقابة علي الكتب قبل النشر. تقدمت بها للرقابة أكثر من عام وكان الرقيب يرفض نشرها لأسباب سياسية، فالرواية تسجيلية عن هزيمة 1967 وأيام الحرب. في عام 1979 ألغى الرئيس السادات الرقابة على الكتب قبل النشر، فنشرتها في دار الثقافة الجديدة في سلسلة كان يشرف عليها صنع الله إبراهيم. الآن بعض دور النشر رغم عدم وجود رقابة مبدئية على الكتب، تتوجس من بعض العبارات أو الأفكار لأن هناك رقابة أخرى على السوشيال ميديا من جهات وأشخاص لا يعرفون أن الفن خيال، فيتعاملون مع ما تقوله الشخصيات باعتباره رأي المؤلف، ومن ثم صرت أنشر ما يعتذر عنه الناشرون خارج مصر في "دار المتوسط" التي يديرها الفنان والشاعر خالد الناصري في ميلانو بإيطاليا. والحمد لله تدخل إلى مصر.

إعلان  دور أهل الخبرة والريادة في الإنتاج الروائي.. كيف ينقلون خبرتهم للجيل الجديد؟ هل ورش الكتابة تسهم في ذلك؟

مؤكد تساعد ورش الكتابة في فهم الفن الروائي، لكن الأهم هو أن يقرأ الكاتب تاريخ الأدب تاريخ المذاهب الأدبية، من كلاسيكية ورومانتيكية وواقعية وعجائبية وغيرها. هذا متوفر في الكتب النقدية وفي مذكرات بعض الكتاب. مهم أن يعرف الكاتب ذلك ليقرر أين يقف ومن أين يبدأ فلا يكون حديثه مكررا لا قيمة له.

 مع الثورة المعلوماتية والذكاء الاصطناعي المتنامي.. كيف يحافظ الأديب على تفرده؟

أنا من جيل قديم وأرى الذكاء الاصطناعي في الأدب والإبداع فاقدا للروح، ومهما غذيته من معلومات سيكون رده ميكانيكيا لا روح فيه. يمكن استخدامه في العلوم أو حتى الترجمة، لكن في الإبداع يظل الأمر قاصرا.

⁠على فرض أنه أتيحت لك فرصة الإفادة من منصات التواصل في تسويق أعمالك.. ما الاختلاف الذي كنت تتوقعه؟

– أنا أترك ذلك للناشر ولا أشغل نفسي به. فقط أنشر مقالاتي علي منصات التواصل بعد نشرها في مواقع ومجلات. كذلك أنشر أخباري وأخبار رواياتي وما يكتبه النقاد عنها. أفعل ذلك من باب الاحتفاظ بها. يسعدني الاهتمام من المتابعين طبعا لكن أنا متعتي فيما أكتب. ما بعد ذلك متروك للقراء وهم أحرار.

⁠ما الأحلام التي تراودك اليوم؟ هل يمكن أن تترجم في عمل ما؟

انا مشغول بكتابة رواية جديدة وأنتظر رواية ستنشر في دار المتوسط في يناير القادم. حين أكتب رواية لا انشغل بشيء آخر.

لو قدمت جملة من النصائح لشباب الروائيين.. ما أبرزها؟

كما قلت من قبل أن يقرأ في تاريخ الأدب وتطوره، وأن المهم هو كيف يكتب لا ماذا يكتب. الكتابة فن وللرواية أو الشعر أو المسرح أو الرسم مدارس فنية علي الكاتب الشاب أن يدركها. كذلك الاهتمام بالفنون الأخرى مثل السينما والفن التشكيلي تساعده على التصوير الفني والإيجاز في الحكي، وحبذا لو قرأ شيئا من الفلسفة ليعرف قضايا الوجود، وكيف تنعكس في مواقف شخصياته. الفلسفة مهمة جدا للكاتب لا تقل أهميتها عن القراءة في تاريخ الأدب أو علم النفس أو التاريخ أو غيرها.

إعلان

مقالات مشابهة

  • من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي … حمالة الحطب
  • إبراهيم عبد المجيد: الفلسفة والفنون غذاء الكاتب في عصر الذكاء الصناعي وهيمنة الصورة
  • رسالة جديدة من الكاتب الحر احمد حسن الزعبي في معتقله من سجن ام اللولو
  • وفاة الكاتب والمترجم الجزائري بوداود عميّر
  • من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي .. ليلة واحدة فقط
  • د. البراري .. ألم يحن اطلاق سراح الكاتب الوطني الكبير أحمد حسن الزعبي؟!!
  • تحذير الفيدرالي الأميركي: مخاطر تهدد الاقتصاد الليبي
  • من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي .. بانتظار القافلة
  • عام مضى.. معلومات الوزراء يستعرض مؤشرات وتقارير المؤسسات الدولية حول أداء الاقتصاد العالمي
  • «معلومات الوزراء» يستعرض مؤشرات المؤسسات الدولية حول أداء الاقتصاد العالمي