أكد الوزير والدبلوماسي الجزائري السابق عبد العزيز رحابي أن الجزائر ليست مسؤولة عما يجري في مالي، مبرزا الدور الذي تلعبه في لمّ شمل الفرقاء هناك ودورها في بسط باماكو سيطرتها على كامل التراب المالي.

واتهم رحبي في تصريحات نشرتها صحيفة "الخبر" الجزائرية في عددها الصادر اليوم الإثنين، دولا وقوى كبرى ودولا مناوئة قال بأنها "تسعى لوضع نظام إقليمي جديد في المنطقة يستهدف تغيير ميزان القوى وإضعاف موقف الجزائر واستنزاف الجيش الجزائري"، وذكر دور كل من الكيان الصهيوني والإمارات والمغرب.



وحول تاريخ العلاقات بين الجزائر ومالي، قال رحابي: "أظن أن السلطة الجديدة في مالي لم تراع الرصيد التاريخي للعلاقات الجزائرية المالية، فمالي كانت من الدول الأولى التي اعترفت بالحكومة الجزائرية المؤقتة، وكانت لدينا قاعدة عسكرية في الصحراء في غاو، وبالتالي هذا كله رصيد على أساسه تبنى الثقة وعلى أساسه يبنى التشاور، والجزائر قامت بمجهود كبير من أجل أن تبسط دولة مالي سلطاتها على كل التراب المالي، والجزائر ساهمت بقوة في تأمين شمال مالي وتأمين حدودها والحد من قوة الإرهاب كذلك، لأن مشكلة مالي لها علاقة مباشرة بمشكلة الإرهاب الدولي".

وأضاف: "الاتفاق الذي رعته الجزائر، كان محل ترحيب من كل المنظمات العالمية كالأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي والجامعة العربية والاتحاد الأوروبي، وبالتالي هذا الاتفاق كانت لديه ضمانات ورضا المجتمع الدولي، وعليه لا يمكن لهذا الاتفاق، بين عشية وضحاها، أن يصبح سببا لمشاكل مالي، لكن الأمر له علاقة أساسا بطبيعة الحكم الجديد في مالي".

وحمّل رحابي مسؤولية فشل اتفاق الجزائر للسلام في مالي إلى السلطة المالية الجديدة، وقال: "في تقديري السلطة الجديدة في مالي دخلت في عملية إرساء نظام إقليمي جديد في المنطقة، قد يتجاوز إمكانياتها وقد يتجاوز خطابها السياسي الحالي".

وتابع: "نلاحظ ان هناك ملامح نظام إقليمي جديد لقوى عظمى تنشط في مالي بالمناولة والهدف منه أن يخلف النظام الذي أسس بعد استقلال الجزائر، الذي يرتكز على تأييد كل الدول التي تعيش تحت الاستعمار وعلى استقلالية القرار، وأن تكون لدى الدول السلطة على المواد الأولية، وأن تكون المنطقة خالية من القوى العسكرية الأجنبية، وهذه النقطة مهمة كثيرا ونجحنا في ذلك منذ الاستقلال.والجزائر حاربت كل ما هو متعلق بفكرة وجود قوى أجنبية، وحتى ولو تتدخل هذه القوى ظرفيا من أجل مساعدة بعض الدول الافريقية في المنطقة".

وحول طبيعة النظام الإقليمي الجديد الذي يتم السعي لإرسائه، قال رحابي: "في تصوري، النظام الإقليمي الجديد الذي يسعون لإرسائه، يخلق ضغطا على الحدود الجنوبية للجزائر، ونقطة الضعف بالنسبة لمنطقة الساحل هي الحدود غير المؤمنة، لأن دول الساحل ضعيفة وليس لديها جيوش قوية ولا تملك الإمكانيات حتى تستثمر في تقوية جيوشها، وبالتالي تصبح من مسؤولية الجزائر أن تحمي حدودها وحدود جيرانها، يعني تؤمن ما بعد الحدود او ما يسمى بحدود الأمن القومي".

وعن معالم ومواصفات هذا النظام الإقليمي الجديد، قال رحابي: "القوى العظمى متواجدة في الساحل، فروسيا متواجدة عبر مليشيات فاغنر، والولايات المتحدة لديها قواعد عسكرية، بالإضافة إلى نشاط كل من إسرائيل والإمارات والمغرب، فتحول الساحل بحكم ضعف أنظمته إلى حلبة لصراع المصالح، ولا يمكن أن نعزل ذلك عما يجري في أوكرانيا وما يحدث في فلسطين، فنحن نعيش حرب نفوذ لا تنحصر في أوكرانيا  فقط بل هي متحركة".

وجوابا على سؤال عن موقع مالي ضمن هذا النظام الإقليمي الجديد، قال رحابي: "هم لا يملكون الإمكانيات الذاتية لا السياسية ولا الدبلوماسية ولا العسكرية، حتى تكون لديهم هذه اللهجة مع الجزائر التي لا مسؤولية لها بما يجري داخل مالي، بالعكس الجزائر لديها الفضل الكبير على استقرار مالي".

وأضاف: "لكن إذا تبنى بلد هذه اللهجة يعني أنه يعول على قوى غير إقليمية، أو دخل في استراتيجية لقوى غير إقليمية، فلا يعقل أن تتملص من اتفاق الجزائر وتتراجع عن كل الالتزامات مع جماعات الشمال وتقارن بين إمام محترم في مالي وهو الإمام ديكو بمنظمة "الماك" الانفصالية العنصرية الممولة من الخارج".

وتابع: "على سبيل المثال لما تنظر الى الخريطة الجغرافية لا يمكن أن تتصور أن دول الساحل تبحث عن مخرج نحو المحيط الأطلسي، هذا لا منطق جغرافي ولا منطق اقتصادي، بل رسالة دبلوماسية واضحة أن هذه هي معالم النظام الإقليمي الجديد الذي يريدون تثبيته في منطقة الساحل، التي تحولت إلى منطقة تجارب لكل الدول".

وحول الهدف من هذا النظام الإقليمي الجديد، قال رحابي: "في تقديري أن الهدف من النظام الإقليمي الجديد، هو محاولة الإنقاص من نفوذ الجزائر، ووضع الجيش الجزائري تحت الضغط المستمر وإدخاله في حرب استنزاف، وكذا خلق مشاكل للاقتصاد الجزائري وما يترتب عن ذلك من مشاكل اجتماعية".

 وتابع: "حرب استنزاف هدفها الوحيد هو إضعاف الجزائر، لأن الجزائر ليست عضو في أي منظومة عسكرية إقليمية أو عالمية، بل هي تدافع عن حدودها بإمكانياتها الخاصة، وفي حال كان هناك ضغط على الحدود يمكن أن يكون على حساب الاستثمار الداخلي، أي في المجال الاقتصادي والاجتماعي"، وفق تعبيره.



وكانت الجزائر، قد أعربت في وقت سابق، عن "أسفها الكبير" لإعلان السلطات الانتقالية في مالي انسحابها من اتفاق السلم والمصالحة، الموقع مع حركات الأزواد عام 2015، ضمن مسار الجزائر.

جاء ذلك في بيان لوزارة الخارجية الجزائرية، عقب إعلان المتحدث باسم الحكومة في مالي العقيد عبد الله مايغا، عبر التلفزيون الرسمي، إنهاء الاتفاق بشكل فوري بسبب ما قال إنه "تغير في موقف بعض مجموعات (حركات انفصالية) الموقعة على اتفاق السلم والمصالحة".

وقال بيان الخارجية إن "الجزائر أخذت علما، بأسف كبير وانشغال عميق، انسحاب السلطات المالية من اتفاق السلم والمصالحة الوطنية في مالي المنبثق عن مسار الجزائر".

وأضاف البيان، أن "الجزائر تود أن تشير إلى خطورة القرار على دولة مالي بحد ذاتها، وعلى المنطقة التي تطمح للأمن والاستقرار، وأيضا بالنسبة للمجموعة الدولية التي وضعت ثقلها وإمكانيات كبيرة من أجل مساعدة مالي على استعادة الاستقرار عبر المصالحة الوطنية".

واحتضنت الجزائر في 2014، مفاوضات طويلة بين الحكومة المركزية في باماكو وفصائل سياسية ومسلحة بشمال مالي، عرفت بمسار الجزائر، توج بتوقيع اتفاق للسلم والمصالحة في 15 يونيو/ حزيران 2015.

وقادت الجزائر، في هذا المسار وساطة دولية موسعة، شاركت فيها الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، ودول الساحل، والمجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا (إيكواس)، والاتحاد الإفريقي، إلى جانب الولايات المتحدة وفرنسا، من أجل مساعدة الماليين على حل أزمتهم.

وفي أغسطس/ آب الماضي، اندلع القتال بين الانفصاليين والقوات الحكومية المالية بعد ثماني سنوات من الهدوء، حيث سارع الجانبان إلى سد الفراغ الذي خلّفه انسحاب قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.

يذكر أن القادة العسكريون في مالي الذين استولوا على السلطة في انقلاب عام 2020، طلبوا من بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي (مينوسما) بمغادرة البلاد في يونيو/حزيران الماضي، واتهموا قواتها بـ"تأجيج التوترات المجتمعيّة".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية الجزائري مالي تصريحات دول الساحل تصريحات الجزائر مالي دول الساحل المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی مالی من أجل

إقرأ أيضاً:

ما الذي يحدث في المنطقة؟

يمانيون ـ بقلم ـ عبدالرحمن مراد

على مدى فترة زمنية وجيزة لا تتجاوز عشرة أَيَّـام، تسقط دولة بكل مقدراتها ويغادر رئيسها، ويحدث أن تتحَرّك المعارضة إلى المدن ولا يتجاوز الحدث دور التسليم والاستلام، وكأن الأمر قد دبر بليل والصورة الظاهرة لا تتجاوز الشكل الظاهر للناس، فما الذي يحاك للأُمَّـة؟

تتسع دائرة الأهداف للعدو الصهيوني فيحتل جزءاً كَبيرًا من الأراضي السورية بعد أن دخلت المعارضة السورية إلى دمشق، وتنشط الماكنة العسكرية لتضرب أهدافاً عسكرية ومعامل كيميائية وتشل حركة القدرات والمقدرات التي تراكمت عبر العقود الطويلة، وتتجاوز المعارضة فكرة الفوضى الخلاقة وتمنع المساس بمؤسّسات الدولة، وتتجاوز هيئة تحرير الشام فكرة الغنيمة التي كانت فكرة أصيلة في معتقدها، وتذهب إلى النظام، وحفظ المقدرات، وتعلن إجراءات احترازية لضمان الأمن والاستقرار، ثم تبادر “إسرائيل” لضرب المعامل ومخازن الأسلحة بحجّـة تأمين أمن “إسرائيل”، وضمان عدم وصول الأسلحة للجماعات العقائدية التي استلمت السلطة في سوريا، وتذهب قوات سوريا الديمقراطية المتعددة الأعراق والأهداف إلى خيار التسليم لبعض المدن مع احتفاظها بقرى متاخمة، وعدد كبير من جيش النظام السوري السابق يدخل العراق بكل عتاده، ثم يأتي مستشار الأمن القومي الأمريكي ليزور المنطقة، ويعلن أن ضمان أمن “إسرائيل” فرض ضرورة القيام بعمليات عسكرية احترازية، ويعلن صراحة أن “إسرائيل” أصبحت أقوى من أي وقت مضى.

أخذت الناس نشوة الانتصار ولم يدركوا أبعاد ما يحدث في المنطقة، التي تتعرض لعملية تهجين، وصراع لن يهدأ في المدى القريب المنظور؛ فالسيناريو الذي نشاهد اليوم بعض تفاصيله لا يهدف إلى استقرار المنطقة العربية، ولكنه يمهد الطريق لـ”إسرائيل” كي تكون هي الدولة المهيمنة على مقدرات الأُمَّــة، وعلى أمنها وعلى نشاطها الاقتصادي، والعسكري، وهو المشروع الذي يقف ضده محور المقاومة منذ انطلاق ثورات الربيع العربي إلى اليوم.

سوريا التي فرح الغالب من الناس بثورتها، وهللوا وصفقوا، لن تصبح دولة موحدة ومستقرة في قابل الأيّام، ومؤشرات ذلك قائمة، وتعلن عن وجودها في الأرض التي تحكمها؛ فقوات سوريا الديمقراطية خليط غير متجانس من جماعات متعددة العرقيات، وهي مدعومة بشكل كلي ومباشر من أمريكا، وهيئة تحرير الشام فصائل متجانسة لكنها تنطلق من عقائد غير موحدة وإن كان يجمعها الإطار السني، لكن تختلف العقائد والمنطلقات وكلّ فصيل له منظوره الذي قد لا يتسق مع ظاهرة الاعتدال التي بدا عليها قائد العمليات العسكرية أحمد الشرع في الكثير من بياناته والكثير من تعليماته التي صاحبت دخول دمشق بعد تسليم نظام بشار الأسد لها، وفق صفقة وتوافقات تمت بين النظام وبعض الحلفاء كما تقول الكثير من التداولات التي لم يتم تأكيدها، لكن حركة الواقع دلت عليها؛ إذ ليس معقولاً أن يسقط النظام بكل تلك السلاسة والهدوء ودون أية ممانعة أَو مقاومة بأي شكل من الأشكال مهما كانت المبرّرات؛ فبشار الأسد لم يكن ضعيفاً ولكنه يملك مقومات البقاء أَو الصراع على أقل تقدير لزمن محدود لكنه اختزل المقدمات في نتائجها، فرأى التسليم خياراً لا بُـدَّ منه، وقد كان التسليم خياراً قديماً لبشار لولا حزب الله الذي قلب المعادلة في اضطرابات الربيع العربي قبل عقد ونيف من الزمان، ويبدو أن خيار الضغط على بشار قد بلغ غايته مع انشغال حزب الله بحربه مع العدوّ الصهيوني، فكان استغلال الفرصة في سقوط سوريا لأهداف متعددة، وفي المجمل هي أهداف تخدم الوجود الإسرائيلي ولن تمس حياة المواطنين بسوريا بخير ولا تعدهم برخاء ولا برفاه؛ فالمؤشرات التي صاحبت تسليم واستلام السلطة تقول إن “إسرائيل” تريد من سوريا بلدًا منزوع السلاح لا يشكل خطراً على أمنها، كما أن الخيار الدولي يذهب إلى مبدأ التقسيم؛ إذ أننا لن نشهد بلدًا موحدًا كما كان في سالف عهده، بل سوف نشهد بلداً مقسماً تتنازعه القوميات والعرقيات والعصبيات المتعددة وقد يتحول إلى دويلات صغيرة قابلة للتهجين حتى تحقّق “إسرائيل” غايتها في تحقيق دولة “إسرائيل” الكبرى.

السياسة الأمريكية اليوم تحدها موضوعياً أربعة سيناريوهات معلنة وهي:

– السيناريو الأول عدم الاستقرار على نطاق واسع.

– السيناريو الثاني عدم الاستقرار المحلي.

– السيناريو الثالث الحرب الباردة.

– السيناريو الرابع العالم البارد، وهو نتيجة منطقية للسيناريوهات الثلاثة أي الوصول إلى الاستقرار في المستقبل من خلال ثنائية الخضوع والهيمنة للشعوب التي تنهكها الصراعات والفقر.

ومن خلال سياسة عدم الاستقرار الواسعة والمحلية ومن خلال ما يصاحب ذلك من حرب باردة يصل العالم إلى حالة من تهجين الهويات التي سوف تقبل التعايش مع الواقع الذي يفرضه النظام الدولي الرأسمالي، وتعزيز قيم جديدة للمجتمع الحداثي الجديد حتى يكون عنصراً كونيًّا رافضاً الهوية الجزئية، التي تصبح فكرة غير مقبولة في مجتمع الحريات الفردية المطلقة لمجتمع ما بعد الحداثة، الذي يشتغل عليه اليوم النظام الدولي الرأسمالي، وبسبب ذلك سارعت بعض الدول مثل روسيا إلى إعلان فكرة الأمن الثقافي القومي الذي بات مهدّداً من خلال الحرب الباردة التي تنتهجها السياسة الأمريكية في مستويات متعددة منها مجال الآداب وشبكات التواصل الاجتماعي والدراما ذات الأثر الكبير في محتواها الرقمي، فمصطلح “الهجنة ” مصلح جديد يدخل المجال الثقافي ويهدف إلى تحديد نقاط الالتقاء بين الثقافات؛ بهَدفِ تذويب الفوارق لينشأ مجتمع كوني يقفز على فكرة الهويات القومية.

خلاصة الفكرة أن ربيعاً جديدًا قادماً يتجاوز فكرة الفوضى الخلاقة يقوم على تنمية الصراعات ويتخذ من الحرب الباردة سبيلاً للوصول إلى غاياته ومؤشراته بدأت من سوريا.

مقالات مشابهة

  • كاتب ياسين.. الروائي الجزائري الذي أخذ الفرنسية غنيمة حرب
  • وجهاء "الساحل" يطالبون قيادة سوريا الجديدة بوقف التجاوزات
  • مزايا المقر الإقليمي…لقجع يُقبر أحلام الجزائر بضم “البوليساريو” للكاف والفيفا
  • الأسلحة الكيميائية وسر نظام الأسد المظلم الذي تخشاه إسرائيل والغرب
  • ما الذي يحدث في المنطقة ؟
  • تحرك تركي عسكري سريع ومكثف في الساحل يباغت الدول المجاورة
  • قصف صاروخي إسرائيلي يستهدف موقعاً عسكرياً للجيش السوري في طرطوس
  • ما الذي يحدث في المنطقة؟
  • آثار الدمار الذي خلفه نظام الأسد بمدينة حرستا بريف دمشق
  • مالي وبوركينا فاسو والنيجر تعفي مواطني إكواس من تأشيرة الدخول