عربي21:
2025-03-17@13:46:51 GMT

عن الطفل الشهيد يوسف أبو شعر كيرلي وأمثاله

تاريخ النشر: 5th, February 2024 GMT

يظهر الطبيب الفلسطيني محمد حامد أبو موسى على الفضائيات حتى وقت قريب كالآلاف من ذوي الشهداء في غزة؛ ثابت الجنان، يراعي عمله بمهنية ورقي رغم جرحه الشديد باستشهاد نجله الأصغر يوسف (7 سنوات).. اشتهر الأخير عربيا بسبب وصف والدته أثناء البحث عنه في المستشفى قبل أن تعرف باستشهاده: "شعره كيرلي وأبيضاني وحلو"، خاصة أن صوتها كان ممتلئا بالشجن وكادت تبكي في منتصف الكلمات.

. عرفه الملايين من بين أكثر من عشرة آلاف شهيد صغير السن عظيم المكانة لأنه استشهد في أيام العدوان الغاشم الأولى، ولأسباب أخرى.

عرف الغرب الشهيد الصبي بسبب ترجمة مجموعة من الشباب العرب لقصة حياته واستشهاده عبر تقنية "الذكاء الاصطناعي"، وهو ما يتمنى كل مخلص لأمته أن يتوافر للآلاف من شهداء غزة وفلسطين صغارا وكبارا. فخلف كل شهيد اليوم وأمس ومنذ بداية المعركة الممتدة مع العدو الصهيوني قصة تستحق أن تُروى وتُدرسَ وتخلد، ليبقى النضال من أجل نصرة القضية الفلسطينية المركزية من قضايا الأمة العربية والمستضعفين بعامة.

ستبقى ذكرى يوسف أبو موسى العطرة في دنيانا، كما سيبقى مصيره وجميع أمثاله من الشهداء في حواصل طير أخضر في أعلى الجنان.. شاءت الأقدار أن يكون مصور شاب بارع بكاميرا ثابتة قريبا من أبيه الطبيب في المستشفى لحظة لقائه بأمه؛ التي كانت ما تزال تبحث عن أصغر أبنائها متمنية أن يكون حيّا. تتبعهما المصور وهما يسألان في قسم الطوارئ، اختصر الفيديو وجزّأه لمشاهد لم تُخل بالمضمون، شملت هرولة الأب وخلفه زوجته في أنحاء المستشفى، بينما في الواقع سبقهما قصف في نفس الليلة في المخيم القريب من منزل الطفل. استشهد يوسف وعدد من صغار وكبار العائلة التي تقيم في بيوت متجاورة، كان الصبي يعاني الجوع نتيجة للحصار اللا آدمي، خرجت أمه لتستعير من جيرانها ما يستر جوعه فتم قصف الحي وهدم البيت عليه!

عايش الملايين الأم وهي تصرخ بلهجة مصرية -نظرا لأمها المنتمية لمحافظة الشرقية-: "يارب نلاقيه.. يا رب"، يرد الأب في محاولة للتمسك بالأعصاب المتوترة: "ما أنا قاعد بدور عليه".. يمضي الموكب الصغير حتى يجد شبابا تطوع بنقل المصابين والشهداء وتوثيقهم بكاميرا أخرى، يرى الأب صورة ابنه فيها، يكرر السؤال: "أين وجدته؟!"، يصمت الشاب حياء ووجعا، يعيد الأب السؤال الملهوف، يجيبه زميل الشاب في أسى وتوتر مكتوم: "حملتُه للثلاجة"، يمسك الأب برأسه، يشعر بالدوار، يكاد يسقط، يدرك أن عليه الانتقال للمشرحة في مبنى آخر من المستشفى، يقف بعد دقائق قليلة عند درجات السلم القليلة المؤدية إليه، يتوقف الركب البشري القليل العدد محتارا ومضطرا، تصرخ زوجته:

- اطلع، "يمكن مش هو"؟!

يدخل الأب المشرحة لثوانٍ، تتخلى قدما الأم عنها، تجلس في الخارج، ترن الكلمات من فم شاهدة على ما يحدث، تقول باختصار ووجع متمنية أن تكون الإجابة بالنفي: "أهو؟!"، يخرج الأب مهرولا، يجيء ضمير الغائب في المرة الثانية مفجوعا: "هو"! تبدأ كلمات التعزية والتصبير في التتالي، يحسم المشهد الأب المكلوم، يقول في استسلام المُجهد:

- دعوني جميعا.. الحمد لله على كل حال وحسبنا الله ونعم الوكيل.

يخرج إلى حيث تجلس زوجته، لا يجيب عن أسئلتها، تحاول امرأة مقربة منها تهدئتها تصرخ:

- وجدتم يوسف.. رأيتم حبيبي.. خدوني ليه.

تحاول المرأة التراجع، تبكي الأم صارخة "يجب أن أراه"، فيما أخو الشهيد الذي يكبره بعام أو أكثر قليلا يصرخ، تعود القافلة الصغرى للمشرحة، تميل الأم لتقبيل ابنها الراحل، يحذر شقيقها الواقف وراءها -دون أن تراه- من أن يكشف الطبيب الذي يعرض الجثمان وجه الشهيد بالكامل لئلا ترى الأم ما خلّفه القصف عليه، تُقبله وتقول في أحد الفيديوهات بعدها إنها كانت حريصة على أن تكون "قوية" لئلا ينهار زوجها، أرادت أن تبقى صلبة لئلا "يقع".. تحمد الله بعدها أن ابنها لم يمزق القصف جثمانه لكي يبقى "جميلا" في مخيلتها طوال عمرها.. يتمنى الأهل في فلسطين وغزة اليوم أن تنجو جثامين أحبابهم من التمزيق!

تمنى كل محب لأمته ولكفاح الأشقاء الفلسطينيين أن تأخذ هيئة أو مؤسسة عربية منصفة على عاتقها ترجمة مثل هذا الفيديو للإنجليزية وغيره ليفهم الغرب معاناة الفلسطينيين "أكثر"، وليعرفها الذين لا يعرفونها. ما يزال العالم يرى أفلاما من "بوليود الهندية" و"هوليود الأمريكية" وغيرهما لتمجيد الذين هم أقل شأنا بمراحل، ويبقى شهداؤنا دون أن يعرف العالم عنهم شيئا. لم يعرف أحد معلومات تفصيلية عن الشهيد يوسف أبو موسى والآلاف من الأطفال من أمثاله الذين يُستشهدون منذ الساعة الأولى ومن الأسبوع الأول للمحرقة الهائلة على غزة وفلسطين، من مثل يوسف والآلاف غيره، حتى جاءت مجموعة شباب في مؤسسة إعلامية فقدمت الصورة شبه كاملة عنه وكأنها على لسانه، باللغة الإنجليزية.

لكَم يتمنى كل مناضل حر ألَّا تهدر قصص هؤلاء في الدنيا مثلما أُهدرت دماؤهم، يوقنون -أيضا- أن الشهداء جميعا في خير حال لدى خالقهم، أحياء، ولكن سكان الأرض حتى حين بحاجة لقصصهم كي يستمروا في رفع رؤوسهم مفتخرين بهم، غير متناسين ولا متعودين على سفك دمائهم كما يتمنى العدو بإدامة العدوان، حتى ليتجاوز يومه المائة على غزة وأطراف من فلسطين الحبيبة. دوامُ تذكّر مثل هذه القصص ووضعها أمام أعين العرب والعالم يعين على تغيير واقع أليم، ليبقى أمام الأجيال أن أمة العرب تستحق الحياة مهما أحاطت بها الأحزان!

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الفلسطيني الشهداء الأطفال فلسطين الاحتلال أطفال شهداء مجازر مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

بين دفتين لن تتكلم لغتي للأديب الناقد د. عبد الفتاح كيليطو

الأديب الناقد د.عبد الفتاح كيليطو، كالعادة في كتاباته لا تسطيع فهم منهجه ورموزه ومغازيه من الكتابة إلا لمامًا، وهو أمر ليس مملا بالنسبة لي، بل أدخل في تحدٍّ شخصي لفهم أغوار كتاباته ومراميه التي يرمي إليها ويقصدها، وهو من الأدباء القلائل الذين يمتازون بهذا الأسلوب في الكتابة.

تغرق معه عندما يغوص في عمق اللغة ومقارباتها مع اللغات الأخرى، حتى لتظن أنك لن تنجو من هذا الغرق، ثم فجأة يناولك مجدافا أو خشبة تنجيك من الغرق، إنه سحر الكاتب الذي يخادع به القراء، ويجعلهم أسارى سحره النفاذ، بل بسحره هذا يجعلهم هائمين تائهين، لا يقدرون على ترك الكتاب أو التنازل عنه للحظة، يحاولون فهم ما فيه بصبر وأناة.

وأضيف إلى ذلك أن كل كتاب من كتاباته التي قرأتها غير هذا الكتاب عالم آخر غير مكرر، فالرجل موسوعي بامتياز، له قدرة عجيبة في توظيف قراءاته المتعددة في الأدب العربي أو الآداب الأخرى، بحيث يجعل من قراءاته تلك نصوصا وإشعاعات ينطلق بها كالغيث المنهمر علما وفكرا وأدبا وحكمة، دون أن يتنازل عن هويته وفكره.

أما فكرة هذا الكتاب "لن تتكلم لغتي" فقائمة على لغتنا الأم "العربية" بوصفها أهم مكون ثقافي لهويتنا وفكرنا. إلا أننا في عالم متعدد العوالم ومتعدد الثقافات واللغات، ويطرح تساؤلات عن العلاقة بين الفرد ولغته الأم، وكيف يمكن للغة أن تؤثر في تشكيل فهمنا للعالم من حولنا، وكيف يمكن أن نخفف من حدة الصراع بين اللغة الأم واللغات الأخرى، سواء على مستوى الاستعمال اليومي أو على مستوى التأليف والكتابة. يستخدم كيليطو في هذا الكتاب أسلوباً سردياً مميزاً، حيث يمزج بين ما يحدث في الواقع والنقد الأدبي، وهو ما جعل الكتاب أشبه برحلة فكرية حوارية في عالم النقد الأدبي.

كيليطو في كتابه هذا "لن تتكلم لغتي" أي لغة يقصد، وهو يتقن مع لغته الأم لغتين أخرييْن تحدثا وكتابة "الفرنسية والإنجليزية"، إنه يعكس تجربته للقراء عبر تعاملاته مع الآخرين ممن لا يتحدثون لغته الأم "العربية" وما هي المعضلات والمشكلات والأزمات التي يواجهها ككاتب عربي خاصة أو ما يواجهه العربي المعاصر عامة، وهو ما يوجد صراعا داخليا على مستوى الهُّوية التي ينتمي إليها؛ فضلا عن الغربة والتعدد الثقافي والمعاناة التي يجدها العربي في مجتمع متعدد اللغة والثقافة والفكر.

من هنا يتبين لماذا لا يريد الكاتب أن يتكلم الأجانب لغته "لن تتكلم لغتي" مدافعا عنها ومنافحا عن مكانتها، فقال في كتابه هذا: "في يوم من الأيام تبين لي أنني لا أحب أن يتكلم الأجانب لغتي. كيف حصل هذا؟ كنت أعتقد أنني شخص متفتح، متسامح، يتمنى الخير للغرباء كما يتمناه لذويه، وفضلا عن ذلك كنت أحسب أن من واجبي أن أعمل في حدود إمكانياتي، على أن يكون للغتي (إشعاع) وأن يتزايد عدد الذين يتحدثون بها .. إلخ، لكن هذا الهدف النبيل توارى يوم أدركت أنني أكره أن يتكلم الأجانب لغتي، كانت هذه الكراهية في الواقع قائمة على الدوام، ولكنني لم أكن على وعي بها، فلم أكن أجرؤ على البوح بها لنفسي، وبالأولى لغيري، لكنني أطرحها الآن على القارئ، وعلى الثقافة العريبة؛ لنتساءل كيف تعاملت هذه الثقافة، ماضيا وحاضرا مع لغتها ومع اللغات الأخرى؟" انتهى.

"لن تتكلم لغتي" استعمل الكاتب أداة النفي "لن" الزمخشرية التي تفيد النفي القطعي، وهي صرخة مدوية، تعبر عن قلقه وخوفه على لغته وهويته وثقافته؛ لئلا تتآكل وتندثر في هذا العالم المتعدد من اللغات الأخرى والثقافات، فهو من ناحية يشعر أنه كان من واجبه العمل لإغناء الآخرين بلغته ويتسامح معهم وهو باب من أبواب التسامح والانفتاح على الآخر؛ لكنه اكتشف أخيرا أن استعمال الأجانب للغته يعرّضها إلى الخطر؛ إذ لا يتعاملون معها مثل ما يتعامل هو معها، ولا يقدرونها التقدير المعتبر الذي يقدرها هو، وهي بهذه الطريقة تضيع وتندثر.

أي تكلم بلساني وإلا فاغرب عن وجهي أو اصمت. وهو هنا يحكي عن حالات شائعة، لماذا لا تتكلمون مثلما أتكلم؟ لماذا لسانكم مختلف عن لساني؟ فالكاتب يشعر بالغضب والسخط عندما يجهل الآخر لغته، بل يزداد حنقًا وغمًّا لو تعمّد الآخر التحدث بلغة أخرى ليستهزئ به ويغيظه أو حين يتكلمان لغة مشتركة، ويتعمَّد الآخر استعمال كلمات أو ألفاظ فلسفية عميقة لا يفهمها الكاتب؛ مما يجعل الجلوس معه شيء لا يُطاق. هنا تطير به الذكرى إلى مقامات الحريري عندما يتقدم أبو زيد السَّرُوجي وابنُه إلى أحد القضاة ويخاطبانه بكلام غير مفهوم. فيقول لهما: "إمَّا أن تُبِينا، وإلا فَبِينا". إما أن تتكلما بوضوح أو فاغربا عن وجهي.

مقالات مشابهة

  • الأم أيقونة الإبداع ومصدر الإلهام للأدباء
  • بين دفتين لن تتكلم لغتي للأديب الناقد د. عبد الفتاح كيليطو
  • أجمل عبارات ورسائل التهنئة بمناسبة عيد الأم 2025
  • كيف تأتي النعم من قلب المحن؟.. دروس من قصة يوسف عليه السلام
  • يوسف علي موسليام يساهم بـ20 مليون درهم في حملة «وقف الأب»
  • يوسف علي موسليام يساهم بـ 20 مليون درهم في حملة «وقف الأب»
  • خلى بالك.. ما هى الموافقة الخطية التى اشترطها القانون لسفر الأبناء؟
  • مدرب توتنهام يتمنى تخلص لاعبيه من مرض خطير
  • ربة منزل تتخلص من أطفالها الثلاثة بمنطقة أبوزعبل بالقليوبية
  • حبس الأم وزوجها 4 أيام على ذمة التحقيقات في واقعة اتهامهما بقتل صغيرها بمطروح