سواليف:
2025-07-11@05:57:03 GMT

معجزة الإسراء والمعراج – دروس وعبر

تاريخ النشر: 5th, February 2024 GMT

#معجزة_الإسراء_والمعراج – دروس وعبر

ماجد دودين

الْحَمْدُ للهِ الَّذِي تَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ، وَتَنَزَّهَتْ ذَاتُهُ، وَعَظُمَتْ آلاؤُهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، أَسْرَى بِعَبْدِهِ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى، وَأَرَاهُ مِنْ آيَاتِهِ الكُبْرَى، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ النَّبِيُّ الْمُصْطَفَى، (صلى الله عليه وسلم) وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أُولِي النُّهَى، وَعَلَى التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الجَزَاءِ الأَوْفَى.

كانت معجزة الإسراء والمعراج من أجلّ المعجزات وأعظم الآيات التي تفضل بها المولى سبحانه على نبيه ومصطفاه محمد صلى الله عليه وسلم، ولأهميته هذه المعجزة فقد ذكرها الله تعالى في كتابه الكريم في موضوعين، الأول: في سورة سميت باسم هذه المعجزة وهي سورة ” الإسراء” والتي بدأها سبحانه بقوله تعالى:” سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1) سورة الإسراء.

مقالات ذات صلة ما بين ماشطة ابنة فرعون وتضحيات المرابطين حياة أمة ودين… 2024/02/05

والثاني في سورة النجم قال تعالى: ” وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18) سورة النجم .

عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ” أُتيتُ بالبُراقِ، وهو دابَّةٌ أبيضُ طويلٌ، فوق الحمارِ، ودونَ البغلِ، يضعُ حافرَه عند مُنتهَى طرْفِه، فركبتُه، حتى أتيتُ بيتَ المقدسِ، فربطتُه بالحلْقة التي تَربِطُ بها الأنبياءُ، ثم دخلتُ المسجدَ، فصليتُ فيه ركعتَينِ، ثم خرجتُ، فجاءني جبريلُ بإناءٍ من خمرٍ، وإناءٍ من لبنٍ، فاخترتُ اللبنَ، فقال جبريلُ: اخترتُ الفطرةَ …” صحيح الجامع.

وفي حديث مالك بن صعصعة -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ” بينا أنا عندَ البيتِ، بين النائمِ واليقِظانِ، إذ أقبل أحدُ الثلاثةِ بين الرجُلَين، فأتيتُ بطستٍ من ذهبٍ، ملآنَ حكمةً، وإيمانًا، فشق من النحرِ إلى مراقِ البطنِ، فغسل القلبَ بماءِ زمزمَ، ثم مُلئَ حكمةً، وإيمانًا، ثم أتيت بدابةٍ دون البغلِ، وفوقَ الحمارِ، ثم انطلقتُ مع جبريلَ عليه السلامُ، فأتينا السماءَ الدنيا، فقيل من هذا؟ قال: جبريلُ، قيل: ومن معكَ؟ قال: محمدٌ، – قيل: وقد أرسلَ إليه! مرحبًا به -، ونعم المجيءُ جاء. فأتيتُ على آدمَ عليهِ السلامُ، فسلَّمتُ عليه، قال: مرحبًا بك من ابنٍ ونبيٍّ. ثم أتينا السماءَ الثانيةَ، قيل: من هذا؟ قال: جبريلُ، قيل: ومن معك؟ قال: محمدٌ. فمثل ذلك، فأتيتُ على يحيى وعيسى، فسلَّمتُ عليهما، فقالا: مرحبًا بك من أخٍ ونبيٍّ. ثم أتينا السماءَ الثالثةَ، قيل: من هذا؟ قال: جبريلُ. قيل: ومن معك؟ قال: محمدٌ. فمثل ذلك، فأتيتُ على يوسفَ عليه السلامُ، فسلَّمتُ عليه، قال: مرحبًا بك من أخٍ ونبيٍّ. ثم أتينا السماءَ الرابعةَ، فمثلَ ذلك، فأتيتُ على إدريسَ عليه السلامُ، فسلَّمتُ عليه. فقال: مرحبًا بك، من أخٍ ونبيٍّ. ثم أتينا السماءَ الخامسةَ، فمثلَ ذلك، فأتيتُ على هارونَ، فسلَّمتُ عليه، قال: مرحبًا بك، من أخٍ ونبيٍّ. ثم أتينا السماءَ السادسةَ، فمثلَ ذلك. ثم أتيتُ على موسى عليه السلامُ، فسلَّمتُ عليه، فقال: مرحبًا بك، من أخٍ ونبيٍّ، فلما جاوزتُه، بكى. قيل: ما يُبكيك؟ قال: يا ربِّ هذا الغلامُ الذي بعثتَه بعدي، يدخل من أُمته الجنةَ، أكثرُ وأفضلُ مما يدخل من أمتي. ثم أتينا السماءَ السابعةَ، فمثلَ ذلك، فأتيتُ على إبراهيم، فسلَّمتُ عليه، فقال: مرحبًا بك، من ابنٍ ونبيٍّ. ثم رُفع لي البيتُ المعمورُ، فسألتُ جبريلَ، فقال: هذا البيتُ المعمورُ، يصلي فيه كلَّ يومٍ سبعون ألفَ ملَكٍ، فإذا خرجوا منه، لم يعودوا فيه آخر ما عليهم. ثم رُفعتْ لي سدرةُ المنتهى، فإذا نبِقُها مثلُ قلالِ هجرَ، وإذا ورقُها مثلُ أذانِ الفيَلةِ، وإذا في أصلها أربعةُ أنهارٍ، نهران بأطنان، ونهران ظاهران. فسألتُ جبريلَ، فقال: أما الباطنان ففي الجنةِ، وأما الظاهران فالفراتُ والنيلُ. ثم فرضت عليَّ خمسون صلاةً، فأتيتُ على موسى، فقال: ما صنعتَ قلتُ: فُرضت عليَّ خمسون صلاةً، قال: إني أعلم بالناس منك، إني عالجتُ بني إسرائيلَ أشدَّ المعالجةِ، وإنَّ أمتكَ لن يُطيقوا ذلك، فارجعْ إلى ربِّك، فاسألْه أن يخففَ عنك. فرجعتُ إلى ربي، فسألتُه أن يخفِّف عني، فجعلها أربعينَ. ثم رجعتُ إلى موسى عليهِ السلامُ، فقال: ما صنعتَ؟ قلتُ: جعلها أربعينَ، فقال لي مثل مقالتهِ الأولى. فرجعتُ إلى ربي عز وجل، فجعلها ثلاثينَ. فأتيتُ على موسى عليه السلامُ، فأخبرتُه، فقال لي مثل مقالتهِ الأُولى. فرجعتُ إلى ربي، فجعلها عشرينَ، ثم عشرةٍ، ثم خمسةً. فأتيتُ على موسى، فقال لي مثلَ مقالتهِ الأولى، فقلتُ: إني أستحي من ربي عز وجل أن أرجعَ إليه، فنودي: أن قد أمضيتُ فريضتي، وخففتُ عن عبادي، وأُجزي بالحسنةِ عشرَ أمثالها

الراوي: مالك بن صعصعة الأنصاري | المحدث: الألباني | المصدر: صحيح النسائي | الصفحة أو الرقم: 447 | خلاصة حكم المحدث: صحيح | التخريج: أخرجه النسائي (447) واللفظ له، وأخرجه البخاري (3207)، ومسلم (164) باختلاف يسير

ومعجزة الإسراء والمعراج فيها مشاهد عظيمات وآيات باهرات يتعلم منها المسلم الدروس والعبر والتي منها على سبيل المثال لا الحصر:

الثبات على الحق والتزام المبدأ: ويتضح ذلك من المشهد الذي رآه النبي صلى الله عليه وسلم لماشطة ابنة فرعون، عَنِ ‏‏ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما ‏‏قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (‏‏لَمَّا كَانَتْ اللَّيْلَةُ الَّتِي ‏‏أُسْرِيَ ‏‏بِي فِيهَا، أَتَتْ عَلَيَّ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ، فَقُلْتُ: يَا ‏جِبْرِيلُ‏،‏ مَا هَذِهِ الرَّائِحَةُ الطَّيِّبَةُ؟ فَقَالَ: هَذِهِ رَائِحَةُ ‏‏مَاشِطَةِ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ ‏‏وَأَوْلادِهَا، قَالَ: قُلْتُ: وَمَا شَأْنُهَا؟ قَالَ: بَيْنَا هِيَ تُمَشِّطُ ابْنَةَ ‏‏فِرْعَوْنَ ‏‏ذَاتَ يَوْمٍ، إِذْ سَقَطَتْ ‏‏الْمِدْرَى ‏‏مِنْ يَدَيْهَا، فَقَالَتْ: بِسْمِ اللَّهِ، فَقَالَتْ لَهَا ابْنَةُ ‏ ‏فِرْعَوْنَ:‏ ‏أَبِي؟ قَالَتْ: لا، وَلَكِنْ رَبِّي وَرَبُّ أَبِيكِ اللَّهُ، قَالَتْ: أُخْبِرُهُ ‏‏بِذَلِكَ! قَالَتْ: نَعَمْ، فَأَخْبَرَتْهُ، فَدَعَاهَا فَقَالَ: يَا فُلانَةُ؛ وَإِنَّ لَكِ رَبًّا غَيْرِي؟ قَالَتْ: نَعَمْ؛ رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ، فَأَمَرَ بِبَقَرَةٍ مِنْ نُحَاسٍ فَأُحْمِيَتْ، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا أَنْ‏ ‏تُلْقَى هِيَ وَأَوْلادُهَا فِيهَا، قَالَتْ لَهُ: إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً، قَالَ: وَمَا حَاجَتُكِ؟ قَالَتْ: أُحِبُّ أَنْ تَجْمَعَ عِظَامِي وَعِظَامَ وَلَدِي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَتَدْفِنَنَا، قَالَ: ذَلِكَ لَكِ عَلَيْنَا مِنْ الْحَقِّ، قَالَ: فَأَمَرَ بِأَوْلادِهَا فَأُلْقُوا بَيْنَ يَدَيْهَا وَاحِدًا وَاحِدًا إِلَى أَنْ انْتَهَى ذَلِكَ إِلَى صَبِيٍّ لَهَا مُرْضَعٍ، وَكَأَنَّهَا تَقَاعَسَتْ مِنْ أَجْلِهِ، قَالَ: يَا ‏‏أُمَّهْ؛‏ ‏اقْتَحِمِي فَإِنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ، فَاقْتَحَمَتْ). ‏‏قَالَ ‏‏ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: ‏تَكَلَّمَ أَرْبَعَةُ صِغَارٍ: ‏‏عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ‏‏عَلَيْهِ السَّلام،‏ ‏وَصَاحِبُ ‏جُرَيْجٍ،‏ ‏وَشَاهِدُ ‏‏يُوسُفَ‏، ‏وَابْنُ ‏مَاشِطَةِ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ. “أخرجه الإمام أحمد في ” المسند ” (1/309)، والطبراني (12280)، وابن حبان (29)، والحاكم (2/496)”.
أهمية الصلاة ومنزلتها في الإسلام: وذلك أن الصلاة هي الفريضة الوحيدة التي فرضت ليلة الإسراء والمعراج في السماء السابعة وبدون واسطة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” …. ثُمَّ فُرِضَتْ عَلَيَّ الصَّلَوَاتُ خَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَومٍ، فَرَجَعْتُ فَمَرَرْتُ علَى مُوسَى، فَقَالَ: بما أُمِرْتَ؟ قَالَ: أُمِرْتُ بخَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَومٍ، قَالَ: إنَّ أُمَّتَكَ لا تَسْتَطِيعُ خَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَومٍ، وإنِّي واللَّهِ قدْ جَرَّبْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ، وعَالَجْتُ بَنِي إسْرَائِيلَ أشَدَّ المُعَالَجَةِ، فَارْجِعْ إلى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ، فَرَجَعْتُ فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا، فَرَجَعْتُ إلى مُوسَى فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا، فَرَجَعْتُ إلى مُوسَى فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ فَوَضَعَ عَنِّي عَشْرًا، فَرَجَعْتُ إلى مُوسَى فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ فَأُمِرْتُ بعَشْرِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَومٍ، فَرَجَعْتُ فَقَالَ مِثْلَهُ، فَرَجَعْتُ فَأُمِرْتُ بخَمْسِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَومٍ، فَرَجَعْتُ إلى مُوسَى، فَقَالَ: بِمَ أُمِرْتَ؟ قُلتُ: أُمِرْتُ بخَمْسِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَومٍ، قَالَ: إنَّ أُمَّتَكَ لا تَسْتَطِيعُ خَمْسَ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَومٍ، وإنِّي قدْ جَرَّبْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ، وعَالَجْتُ بَنِي إسْرَائِيلَ أشَدَّ المُعَالَجَةِ، فَارْجِعْ إلى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ، قَالَ: سَأَلْتُ رَبِّي حتَّى اسْتَحْيَيْتُ، ولَكِنِّي أرْضَى وأُسَلِّمُ، قَالَ: فَلَمَّا جَاوَزْتُ نَادَى مُنَادٍ: أمْضَيْتُ فَرِيضَتِي، وخَفَّفْتُ عن عِبَادِي. “[البخاري: 3598].
الصداقة الحقيقية مبادئ ومواقف: حينما عاد النبي صلى الله عليه وسلم من رحلة الإسراء والمعراج وقصّ على قريش ما حدث، انطلق نفرٌ منهم إلى أبي بكر رضي الله عنه يسألونه عن موقفه من الخبر، فقال لهم: ” لئن كان قال ذلك لقد صدق “، فتعجّبوا وقالوا:” أو تصدقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس وجاء قبل أن يصبح؟”، فقال: “نعم؛ إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك، أصدقه بخبر السماء في غدوة أو روحة “، فأطلق عليه من يومها لقب “الصدّيق “.

هكذا الصداقة الحقيقية مبادئ ومواقف، ولله در من قال:

جزى الله الشدائد كل خير * * * * * عرفت بها عدوي من صديقي

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: {ما دعوت أحداً إلى الإسلام إلا كانت له عنه كبوة وتردد ونظر إلا أبا بكر، ما عتم عنه حين ذكرته) يعني: ما تردد، قال: (ما عتم عنه حين ذكرته وما تردد فيه) إنه يقين كامل أن هذا الرجل صلى الله عليه وسلم لا يكذب}.

قَالَ عُمَرُ بْنُ – الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: “لَوْ وُزِنَ إِيمَانُ أَبِي بَكْرٍ بِإِيمَانِ أَهْلِ الْأَرْضِ لَرَجَحَ بِهِمْ “شعب البيهقي – [144]. وكان يقول ليتني شعرة في صدر أبي بكر.

الفاحشة سبب لانتشار الأمراض والبلاءات: ويتضح ذلك من هذا المشهد، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في حديث الإسراء قال: ثم مضت هنية فإذا أنا بأخونة –يعني: الخوان المائدة التي يؤكل عليها لحم مشرح – ليس يقربها أحد وإذا أنا بأخونة أخرى عليها لحم قد أروح ونتن عندها أناس يأكلون منها، قلت: يا جبريل! من هؤلاء؟ قال: هؤلاء من أمتك يتركون الحلال ويأتون الحرام” البيهقي: دلائل النبوة 2/392.

لذا فقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من انتشار الفاحشة (الزنا) وكذا التبرج والسفور وجعل ذلك سببا لانتشاء الأمراض والأوجاع فقال: “لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ في قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلاَّ فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ في أَسْلاَفِهِمُ الِّذِينَ مَضَوْا. أَخْرَجَهُ ابن ماجة (4019).

مكانة المسجد الأقصى في الإسلام: للمسجد الأقصى قدسية كبيرة عند المسلمين ارتبطت بعقيدتهم منذ بداية الدعوة. فهو يعتبر قبلة الانبياء جميعاً قبل النبي محمد صلى الله عليه وسلم وهو القبلة الأولى التي صلى إليها النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يتم تغير القبلة إلى مكة. وقد توثقت علاقة الإسلام بالمسجد الأقصى ليلة الإسراء والمعراج حيث أسرى بالنبي صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وفيه صلى النبي إماما بالأنبياء ومنه عرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء. وهناك في السماء العليا فرضت عليه الصلاة. ويعتبر المسجد الأقصى هو المسجد الثالث الذي تشد إليه الرحال، فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم إن المساجد الثلاثة الوحيدة التي تشد إليها الرحال هي المسجد الحرام، والمسجد النبوي والمسجد الأقصى. عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «…. وَلا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِ الحَرَامِ، وَمَسْجِدِي، وَمَسْجِدِ الأَقْصَى.». صحيح البخاري برقم (1189)، وصحيح مسلم (1397).

قال شوقي:

أَسرى بِكَ اللَهُ لَيلاً إذ مَلائِكُهُ – وَالرُسلُ في المَسجِدِ الأَقصى عَلى قَدَمِ

لَمّا خَطَرتَ بِهِ اِلتَفّوا بِسَيِّدِهِم – كَالشُهبِ بِالبَدرِ أَو كَالجُندِ بِالعَلَمِ

صَلّى وَراءَكَ مِنهُم كُلُّ ذي خَطَرٍ- وَمَن يَفُز بِحَبيبِ اللَهِ يَأتَمِمِ

حَتّى بَلَغتَ سَماءً لا يُطارُ لَها – عَلى جَناحٍ وَلا يُسعى عَلى قَدَمِ

وَقيلَ كُلُّ نَبِيٍّ عِندَ رُتبَتِهِ – وَيا مُحَمَّدُ هَذا العَرشُ فَاِستَلِمِ

إن الربط بين المسجد الأقصى، والمسجد الحرام وراءه حكم ودلالات وفوائد، منها:

– أهمية المسجد الأقصى بالنسبة للمسلمين، إذ أصبح مسرى رسولهم -صلى الله عليه وسلم، ومعراجه إلى السماوات العلى، وكان لا يزال قبلتهم الأولى طيلة الفترة المكية، وهذا توجيه وإرشاد للمسلين، بأن يحبوا المسجد الأقصى، وفلسطين لأنها مباركة ومقدسة.

– الربط يشعر المسلمين بمسئوليتهم نحو المسجد الأقصى وضرورة الجهاد لتحريره.

– الربط يشعر بأن التهديد للمسجد الأقصى، هو تهديد للمسجد الحرام وأهله.

لقد وقف دافيد بن غوريون زعيم اليهود، بعد دخول الجيش اليهودي القدس، يستعرض جنوداً وشباباً من اليهود، بالقرب من المسجد الأقصى، ويلقي فيهم خطاباً نارياً، يختتمه بقوله: لقد استولينا على القدس ونحن في طريقنا إلى يثرب.

وبعد ذلك نشر اليهود خريطة لدولتهم المنتظرة التي شملت المنطقة من الفرات إلى النيل، بما في ذلك الجزيرة العربية، والأردن، وسورية، والعراق، ومصر، واليمن، والكويت، والخليج العربي كله، ووزعوا خريطة دولتهم هذه بُعيد انتصارهم في حرب 1967م في أوروبا.

بعد كل محنة منحة، فقد تعرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لمحن عظيمة، فهذه قريش قد سدت الطريق في وجه الدعوة في مكة، وفي ثقيف، وفي قبائل العرب، وأحكمت الحصار ضد الدعوة ورجالاتها، من كل جانب، وأصبح الخطر يحدق بالنبي -صلى الله عليه وسلم- بعد وفاة عمه أبي طالب أكبر حُماته، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- ماض في طريقه، صابر لأمر ربه، لا تأخذه في الله لومة لائم، ولا حرب محارب، ولا كيد مستهزئ، وحان الوقت للمحنة العظيمة، فجاءته حادثة الإسراء والمعراج، على قد من رب العالمين، فيعرج به من دون الخلائق جميعاً، ويكرمه على صبره وجهاده، ويكلمه دون واسطة، ويطلعه على عوالم الغيب دون الخلق كافة، ويجمعه مع إخوانه من الرسل في صعيد واحد، فيكون الإمام والقدوة لهم، وهو خاتمهم وآخرهم.
إن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان مُقدِماً على مرحلة جديدة، مرحلة الهجرة، والانطلاق لبناء الدولة، يريد الله تعالى للَّبِنات الأولى في البناء أن تكون سليمة قوية متراصة متماسكة، فجعل الله هذا الاختبار والتمحيص، ليخلص الصف من الضعاف المترددين، والذين في قلوبهم مرض، ويثبت المؤمنين الأقوياء الخلص، الذين لمسوا عياناً صدق نبيهم بعد أن لمسوه تصديقاً، وشهدوا مدى كرامته على ربه، فأي حظ يحوطهم وأي سعد يغمرهم، وهم حول هذا النبي -صلى الله عليه وسلم- المصطفى، وقد آمنوا به، وقدموا حياتهم فداء له ولدينهم، كم يترسخ الإيمان في قلوبهم أمام هذا الحدث الذي تم بعد وعثاء الطائف، وبعد دخول مكة بجوار، وبعد أذى الصبيان والسفهاء.
إن شجاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- العالية، تتجسد في مواجهته للمشركين، بأمر تنكره عقولهم، ولا تدركه في أول الأمر تصوراتهم، ولم يمنعه من الجهر به الخوف من مواجهتهم، وتلقي نكيرهم واستهزائهم، فضرب بذلك -صلى الله عليه وسلم- لأمته أروع الأمثلة في الجهر بالحق، أمام أهل الباطل، وإن تحزبوا ضد الحق، وجندوا لحربه كل ما في وسعهم، وكانت من حكمة النبي -صلى الله عليه وسلم- في إقامة الحجة على المشركين، بأن حدثهم عن إسرائه إلى بيت المقدس، وأظهر الله له علامات تُلزم الكفار بالتصديق، وهذه العلامات هي:

وصف النبي -صلى الله علي وسلم- بيت المقدس، وقد أقروا بصدق الوصف، ومطابقته للواقع الذي يعرفونه. وإخباره عن العير التي بالروحاء.
إخباره عن العير الثانية وعن العير الثالثة التي بالأبواء، وقد تأكد المشركون؛ فوجدوا أن ما أخبرهم به الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان صحيحاً، فهذه الأدلة الظاهرة كانت مفحمة لهم ولا يستطيعون معها أن يتهموه بالكذب، كانت هذه الرحلة العظيمة، تربية ربانية رفيعة المستوى، وأصبح -صلى الله عليه وسلم- يرى الأرض كلها، بما فيها من مخلوقات، نقطة صغيرة في ذلك الكون الفسيح، ثم ما مقام كفار مكة في هذه النقطة؟ إنهم لا يمثلون إلا جزءاً يسيراً جداً من هذا الكون، فما الذي سيفعلونه تجاه من اصطفاه الله -تعالى- من خلقه، وخصه بتلك الرحلة العلية الميمونة، وجمعه بالملائكة، والأنبياء -عليهم السلام-، وأراه السماوات السبع وسدرة المنتهى، والبيت المعمور، وكلمه -جل وعلا.

إن شرب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اللبن حين خيِّر بينه وبين الخمر، وبشارة جبريل -عليه الصلاة السلام- هُديت للفطرة، تؤكد أن هذا الإسلام دين الفطرة البشرية، التي ينسجم معها، فالذي خلق الفطرة البشرية، خلق لها هذا الدين، الذي يلبي نوازعها واحتياجتها، ويُحقق طموحاتها، ويكبح جماحها: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} الروم: 30.
إن صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- بالأنبياء دليل على أنهم سلموا له بالقيادة، والريادة، وأن شريعة الإسلام نسخت الشرائع السابقة، وأنه وَسعَ أتباعَ هؤلاء الأنبياء ما وسع أنبياءهم؛ أن يسلموا بالقيادة لهذا الرسول ولرسالته، التي لا يأتيها الباطل من بين يديه ولا من خلفها.

معجزة الإسراء والمعراج من المعجزات العظيمة التي أكرم الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم، وأعلى بها شأنه، وكانت تخفيفاً لألم رسول الله وحزنه وما لاقاه من قومه من إعراض وأذى. وليس هناك تاريخ ثابت يحدد زمن حادثة الإسراء، والمهم هو أن نعلم أن رحلة الإسراء والمعراج وقعت يقظة لا مناماً، وكانت بجسده صلى الله عليه وسلم وروحه. وإن حادثة الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس لتؤكد هوية القدس الإسلامية.

ستظل معجزة ورحلة الإسراء والمعراج مدرسة للمسلمين، يستلهمون منها الدروس والعبر، حتى يحققوا قول الله فيهم:” كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ “ (آل عمران/110).

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: النبی صلى الله علیه وسلم معجزة الإسراء والمعراج المسجد الأقصى رضی الله عنه علیه السلام بیت المقدس رسول الله إلى م وس ى ال م س ج د على موسى ی الله ع ص ل و ات ى م وس ى فقال ل إلى رب له عنه من هذا

إقرأ أيضاً:

حب الأوطان من الإيمان

إنَ وطنناَ المملكةَ العربيةَ السعُوديةَ وطنٌ عظيمٌ القدرِ رفيعُ المكانةِ، يكفيهِ شرفاً أنهُ مهدُ النبوةِ ومُنطلقِ الإسلامِ وقلعتُهُ الحصينةِ ومنارةُ التوحيدِ العاليةِ الرفيعةِ إلى قيامِ الساعةِ، كما في قولهِ صلى الُله عليهِ وسلمَ “لا هجرةَ بعد الفتحِ” يعني فتحَ مكةَ لأنها أصبحت دارُ إسلامٍ وستظلُ كذلكَ بإذن اللهِ إلى آخرِ الزمانِ.

فسيبقى هذا الوطنُ الذي نعتز بهِ أبدَ الدهرِ مهداً للإسلامِ وحصناً لهُ ومأرِزاً، وملجأ بعد اللهِ إلى يومِ الدينِ فقد قال النبيُ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ “إِنَّ الإِيْمَانَ لَيَأْرِزُ إلى المدينَةِ كمَا تَأْرِزُ الحَيَّةُ إلى جُحْرِها”.

فيكفيهِ فخراً ومجداً أنهُ يضمُ بينَ جنباتهِ خيرَ البقاعِ وأفضلُ الأصقاعِ وأقدسُ الأماكنِ مكةَ المكرمةَ والمدينةِ المنورةِ وعلى أرضهِ وثراه ارتفعت أقدامُ النبيِ صلى اللهُ عليهِ وسلم.

هذهِ بلاديِ المملكةِ العربيةِ السعوديةِ جعلها اللهُ قبلةً للمصلينَ ومنارةً للناسِ أجمعينَ وأوجبَ على عبادهِ المؤمنينَ المستطيعينَ شد الرحالِ إلى بيتهِ العظيمِ، فجعلَ بيتهُ مهوى أفئدةِ المسلمينَ ومحطُ أنظارهِم ومحل تقديرِهِم وإجلالِهِم استجابةً لنداءِ أبينا إبراهيمَ عليهِ السلامُ كما في قوله تعالى (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) “فحملت على عاتِقِها خدمةَ ضيوفِ الرحمنِ.

هذهِ بلادُنا محلُ اعتِزازُنا منبعُ الأخلاقِ الفاضلةِ والقيمِ النبيلةِ، يكفينا فخراً فيكَ يا وطني أننا وُفقنا بقيادة حكيمةٍ راشدةٍ افتخرَ قادتُها بأن يكونوا خُداماً للحرمينِ الشريفينِ ورضوا بأن يكونَ شِعارُ هذهِ البلادِ الإسلامُ تطبيقاً و خدمة ونشراً، واهتماماً بأهلهِ، والكتابُ والسنةُ دستورُ هذهِ البلادِ ومنهجها، وقامت من بينِ الدولِ الإسلاميةِ بتطبيقِ أحكامِ الشريعةِ وأمرت بالمعروفِ ونهت عن المنكرِ ولهذا فقد عُنيت منذُ تأسِيسها ببناءِ الدولةِ على التوحيدِ والوحدةِ وحمايةِ بيضةِ الإسلامِ وترسيخِ مبادِئهِ والدعوةِ إليهِ وتبليغهِ للناسِ أجمعينَ، وحملت على عاتِقِها نصرُ المسلمينَ وحل قضاياهُمُ وجمعِ كلِمتِهم ولمِ شملِهِم وتوحيدُ صُفُوفِهِم.

وفضائلِ هذا البلدِ المباركِ وخصائصهُ أكثرُ من أن تُذكر، وما حباهُ اللهُ من النعمِ والخيراتِ أعظمُ من أن يُحصر، تارِيخُهاَ مُشرفُ منذُ عهدِ النبيِ صلى اللهُ عليهِ وسلم إلى عهد الخيرةُ الكرامُ من آلِ سعودٍ أكبرُ من أن يُختصرُ فللهِ الحمدُ أولاً وآخِراً.

وإن الإنجازاتِ والإصلاحاتِ التي تمت في هذاَ البلدِ المباركِ منذُ قيامهِ وتأسيسهِ على يديِ الملكِ عبدالعزيزِ آلِ سعودٍ -طيبَ اللهُ ثراهُ وتغمدهُ بواسعِ رحمتهِ- تجعلُ المرءَ حائراً عن ماذا يتحدثْ، لأنَ الإنجازات كثيرةٌ ومتنوعةٌ، والإصلاحاتُ المتتابعةُ والقفزات الحضاريةِ شمِلت كل جوانبِ الحياةِ الدينيةِ والدُنيويةِ، والمشاريعُ التنمويةُ التي تتابع عليها حُكامُ هذهِ البلادِ فاقت الحصر والعد.

فقد شهِدتِ المملكة العربية السعودية خلالَ سنواتِ معدوداتٍ قفزاتٍ تنموية وحضارية مُذهلة في شتى المجالاتِ، وحققت في فترةٍ وجيزةٍ ما لم تُحقِقه دُول مُجتمِعة.

فبالإضافةِ للمكانةِ الدينيةِ للمملكةِ العربيةِ السعُوديةِ أصبحَ لها مكانة سياسية واقتصادية وثقافية وحضارية مرمُوقة، ولها بعد إستراتيجي عالمي مؤثر.

إنَ نِعم اللهِ عز وجل علينا كثيرة في هذا البلدِ المبارك وإن أعظمَ نِعمة نعِيشُها ونتفيأ ظِلالها هي نِعمةُ الأمنِ التي هي أعظمُ من نعمةِ الرزقِ، ولذلك قُدمَ الأمنُ على الرزقِ في هذهِ الآيةِ الكريمةِ كما في قوله تعالى﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾،

وقد قُدِمَ الأمنُ على الرزقِ لسببينِ: –

السبب الأول: أن استتباب الأمن وانتشاره بين العباد سبب لحصول الأرزاق فإذا انتشر الأمن خرج العباد للبحث عن أرزاقهم.

السبب الثاني: أنه لا يطيب العيش بلا أمن ولن ينتفع أحد برزقه إذا فقد الأمن والاستقرار وشاهد ذلك ما نراه في بعض الدول التي غاب أمنها فغابت حياتها ومقوماتها.

وقد امتن الله على عباده بنعمة الأمن فقال جل من قائل عليما (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ).

ولذلك فإن الأمن مطلب الناس جميعا ولا يتأتى القيام بالعبادة على وجهها إلا في ظل الأمن.

ومما يدل على نعمة الأمن قوله صلى الله عليه وسلم “مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا “.

والأمن هو طمأنينة النفس وزوال الخوف، والأمن يطلق ويراد به عدة معاني، أمن فكري وأمن عقائدي وأمن سياسي وأمن اقتصادي وأمن اجتماعي وأمنهم الحياتي، ولقد كان أعداء الإسلام منذ زمن بعيد همهم هو زعزعة أمن المسلمين في كل حياتهم لعلمهم التام أن الإنسان المسلم لا يستطيع أن يقوم بأوامر الدين وخدمة الوطن إلا في وجود الأمن والطمأنينة.

ولقد جاءت نظرةُ الإسلامِ للأمنِ نظرةً شموليةً وليست مقتصرةً على السرقةِ والسلبِ والقتلِ وغيرهِ.

وإن مما تعظم الإشارة إليه ويهمنا في هذا اللقاء هو الأمن الفكري وهو الحفاظ على العقيدة السليمة الصحيحة الخالية من الزيغ والشبهات والتحريفات والجماعات الخارجة على ولي الأمر، فللعقول لصوص محترفون خبثاء يخططون لهدم الدين وزعزعة أمن المسلمين والدعوات المتكررة للمظاهرات والخروج على ولاة الأمور واستباحة دماء المعصومين.

فمن أسباب تحقيق الأمن ووسائل حفظه:

أولاً: شكر الله تعالى: فالنعم تدوم بشكرها والمحافظة عليها وحفظها.

ثانياً: توحيد الله تعالى والعمل بطاعته سبحانه والاستقامة على أمره وعدم مخالفته فقد قال تعالى “وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ “.

ثالثاً: التمسُكَ بالكتابِ والسُنةِ وتطبيقُ الحدودِ.

رابعاً: نشرُ فهمِ السلفِ الصالحِ والارتباطِ بالعلماءِ الثقاتِ المعروفينَ بحُسنِ المنهجِ وقد ضل من ضل من بعضِ الشبابِ هداهمُ الله بتلقي العلمِ من غيرِهم ونشرهِم للمفاهيمِ الخاطئةِ في فهمِ نصوصِ الكتابِ والسُنةِ وعدمِ عرضِها عليهم واعتمادِهم على ما يمليهِ عليهم أعداءُ الدينِ حتى وقعوا في قتلِ الأبرياءِ والمستأمنينَ. ونادى بعضُهُم للخروجِ على وليِ أمرِ المسلمينَ وكأنما تدارُ عُقُولِهُم ولا يملكونَ من أمرِهِم شيئاً.
يا شبابَ الإسلامِ إياكُم وهذهِ الدعواتُ الخطيرةِ التي تدعو إلى التكفيرِ والتفجيرِ وعليكُم بجماعةِ المسلمينَ.

خامساً: معاملةُ ولي الأمرِ بمنهجِ السلفِ فلا يُخرج عليهِ ولا يُنصح من على المنابرِ وتكونَ بينكَ وبينهُ بالسرِ لا بالعلنِ ولا تكونُ بنشرِ الشائعاتِ في وسائلِ التواصُلِ أو التحدُث في المجالسِ بالسبِ والتأليبِ أو الانسياقُ خلفَ العواطِفِ أو ما يحدثُ في المجتمعِ وما ينتجُ عنه من زعزعةٍ للأمنِ وشرائعِ الدينِ.

سادساً: الدُعاء: فالدعاءُ من أعظمِ العباداتِ تأثيراً ومن أسهلِها وأيسرِها على العبادِ.

إخوة الإيمان، إن الفاقد للأمنِ فاقدٌ للوطن والفاقدُ للاستقرارِ فاقدٌ للاطمئنانِ.

فقد قال اللهُ تعالى في كتابهِ العزيزُ آمراً عباده المؤمنينَ بالمحافظةِ على وُحدتِهِم وقوةِ لُحمتِهم (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَة اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ).

والناظرُ في سُنةِ النبيُ صلى اللهُ عليه وسلمَ يتعجبُ من شِدةِ حُبهِ لوطنِه مكةَ المكرمةِ بعدَ هجرتِهِ بسنواتٍ طِوالٍ من إيذاءِ أهلِ مكةَ لهُ وتصديِ كثير منهُم لدعوتهِ، وكذلك حُبهُ للمدينةِ المنورةِ وهي موطنهُ الثاني الذي آواهُ وواساهُ.

فقد جبلَ اللهُ النفسَ البشريةِ على حُبِ وطنِها والشوقِ إليهِ إن غادرتهُ، والدفاعِ عنهُ إذا هُوجِمَ وعُودي والذودِ عنهُ إن تُكُلمَ فيه أو انتُقِصَ، تدمعُ العينُ لفِراقِ الوطنِ ويحن له الفؤاد.

فالوطن هو بُقعةُ الأرضِ التي يولدُ عليها الإنسانُ ويعيشُ فيهِ ويشعُرُ فيهِ بالارتباطُ والانتماء إليهِ.

وإذا تحققَ الأمنُ تحققَ الانتماءُ والولاءُ للوطنِ والشعور بالمسؤوليةِ والدفاعِ عن مكتسباتهِ وكان شخصيةً إيجابيةً ذا مُشاركةٍ فاعِلةٍ مُبدعاً في عمليةِ التنميةِ باذلاً لأقصى الجهودِ حامياً لحدودهِ كما نراهُ جلياً واضحاً فيما يُقدمهُ جنودنا البواسل في الدفاعِ عن بلدِ التوحيدِ ومقدساتهِ ووُلاةِ أمرهِ في حدودِ بلادِنا أو في كسرِ شوكةِ الخوارجِ المارقينَ عن هديِ سيدِ المرسلينَ وما ينتِجُ عن ذلكَ من انتصاراتٍ مذهلةٍ تُسطرُ لهم في حياتِهم وفي تاريخِ هذا الوطنِ وفي أذهانِ هذا الجيلِ الصاعدِ.

أسالُ اللهَ جل في علاهُ أن يحفظهُم بحفظهِ وأن يكلأهُم برعايتهِ وعنايتِهِ وأن يجعلَ ما يقدمونَه في ميزانِ حسناتِهِم يوم يلقونهُ، وأن يرحمَ شُهداءهُم ويداوي جرحاهُم.

إن من المحافظة على أمن الوطن ومقدساته طاعة ولي الأمر التي هي أصل من أصول عقيدة السلف الصالح ومعتقدٌ يعتقِدهُ أهل السنةِ والجماعةِ، فقد جاء في كتابهِ العزيزِ ما يؤكدُ ذلكَ ويأمرُ بهِ كما في قولِ الحقِ تباركَ وتعالى (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم).

فطاعتهُ واجبهٌ في غير معصيةِ اللهِ لقولهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ “من أطاعَ الأميرَ فقد أطاعني ومن عصى الأميرَ فقد عصاني”.

وجاءَ أمرهُ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ في التحذيرِ من الفتنِ ومعصيةِ ولي أمرِ المسلمينَ قولهُ “من أتاكُم وأمركُم جميع على رجلٍ واحدٍ يريدُ أن يشُقَ عصاكُم أو يفرقَ جماعتكُم فاقتلوه” لأنها لا تنتظمُ الأمورُ ولا تصحُ الأحوالُ إلا بالسمعِ والطاعةِ للإمامِ.

ولذلكَ فإن الخروج عليهم من أعظم الفتن والمصائب لما رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضى الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “مَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ، وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ فَمَاتَ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً، وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ، أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبَةٍ، أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً، فَقُتِلَ، فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ، وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي، يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا، وَلَا يَتَحَاشَى مِنْ مُؤْمِنِهَا، وَلَا يَفِي لِذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ، فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ ” لنتأمل في هذا الحديث العظيم يا أمة الإسلام ففيه تحقيق للخيرية والسلامة من الآفات والشرور.

وقد قال أهل العلم: إن من دلائل كبائر الذنوب أن يقول الشارع ليس مني ولست منه كما في قوله صلى الله عليه وسلم السابق.

قال ابن تيمية رحمه الله:” وقل من خرج على إمام ذي سلطان إلا كان ما تولد على فعله من الشر، أعظم مما تولد من الخير”.

وإننا في هذا البلادِ المباركةِ لنحمد الله عز وجل على ولاة أمرنا، وندعو الله لهم بالإعانة والسداد لما نراه من تحكيم شرعه في البلاد وبين العباد وإقامة الصلوات وعمارة بيوت الله وخدمة الحرمين الشريفين وقاصديهما.

ولذلك فقد قال النبيُ صلى اللهُ عليهِ وسلم في الحديثِ الذي يرويهِ عوفُ بنُ مالكَ رضى اللهُ عنهُ ” خيارُ أئمتِكُم الذينَ تُحِبونهُم ويُحبونكُم، ويصلونَ عليكُم وتُصلونَ عليهمُ “ وقد قال البربهاري رحِمهُ اللهُ: “وإذا رأيتَ الرجلَ يدعو على السلطانِ فاعلم أنهُ صاحِبُ هوى، وإذا رأيتَ الرجُلَ يدعو للسلطانِ بالصلاحِ فاعلم أنهُ صاحِبُ سُنةٍ إن شاء اللهُ”.

بهذا القدرِ اليسيرِ يتبينُ لنا جميعاً مفاسِدُ العيشِ دونِ أمنٍ وأنهُ هدمٌ للحياةِ ومقوِماتِها ومن دونِهِ لا يأمنُ الناسُ على أعراضِهِم ولا يستطيعونَ تأديةَ ما فرضهُ اللهُ عليهِم من أمورِ دينهِم.

وبالمحافظة على الأمن يتحقق الانتماء لهذا الوطن المبارك.

حفظ الله ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز من كل سوء، وحفظ الله بلادنا وعلمائنا ورجال أمننا، وزاد بلادنا رفعةً وتوفيقاً إن ربي سميع مجيب.

 

مقالات مشابهة

  • فعل يقع فيه البعض نهى النبي عن فعله يوم الجمعة.. احذر الوقوع فيه
  • الحكمة من إكثار الصلاة على النبي يوم الجمعة.. مئات الأفضال بالدنيا والآخرة
  • ما حكم من حج ولم يزر قبر النبي ﷺ .. أمين الفتوى يٌجيب
  • أنوار الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم
  • دعاء قيام الليل كما ورد عن النبي.. لا تفوت ثوابه
  • حب الأوطان من الإيمان
  • البحوث الإسلامية: هجرات الأنبياء دروس إيمانية في الالتجاء إلى الله
  • مقتدى الصدر يطعن بالنبي صلى الله عليه وسلم
  • أمينة الإفتاء: هذه وصية سيدنا النبي بأهل مصر
  • فضل الصلاة على النبي في إجابة الدعاء.. سر عجيب