ألكسندر دوغين: إلى الأمام قدما.. نحو العصور الوسطى الجديدة!
تاريخ النشر: 5th, February 2024 GMT
تحت هذا العنوان كتب الفيلسوف الروسي ألكسندر دوغين مقالا حول "عام الأسرة" الذي أعلنه بوتين في روسيا 2024، وما يراه من ضرورة العودة إلى الأرض، والحياة الريفية المحافظة.
إقرأ المزيدوجاء في المقال الذي نشره موقع "نوفوستي":
لقد تم إعلان عام 2024 "عام الأسرة" في روسيا، وهو ما يشي بأن كل شيء في هذا المجال لا يسير على ما يرام بالنسبة لنا، حيث تمثل الأعداد الهائلة من حالات الطلاق والإجهاض وانخفاض معدلات المواليد في البلاد كارثة على المستوى الوطني.
من وجهة النظر التاريخية والاجتماعية والأنثروبولوجية (علم الإنسان)، يرتبط مفهوم الإنسان ارتباطا وطيدا بالفلاحة. بمعنى أن "الأسرة" في المجتمع الروسي، بالمعنى الدقيق للكلمة، ينبغي للمرء أن يفهمها، أولا وقبل كل شيء، بوصفها الأسرة الفلاحة، المتماسكة عن طريق الزواج، مع المعمودية الإلزامية للأطفال وإدارة الأسرة المشتركة.
وتضم هذه الأسرة ماشية صغيرة (أو كبيرة في بعض الأحيان)، ومنزلا، وحقلا، وحديقة نباتات، وأدوات لفلاحة الأرض وغيرها من الاحتياجات، إضافة إلى الأيدي العاملة (كلمتي "طفل" (ريبيونوك) Rebyonok باللغة الروسية و"عبد" (راب) Rab لهما نفس الجذر، وكانتا تعنيان "العمال الصغار"، لذلك فمن لا يساعد الأم والأب، ليس طفلا).
وبطبيعة الحال، كانت هناك اختلافات تتعلق بحقيقة عدم تخصيص أي أراض للأسرة، على الرغم من أنه في حالة القبائل والعشائر كانت مراعي الماشية محددة تماما، من هنا تم فصل البدو من أوراسيا "التامغا" لمراعيهم في السهوب الأوراسية.
يجدر الانتباه أيضا إلى حقيقة أن عائلة الطبقات العسكرية والكهنوتية كان لها هيكل مختلف. فوجود المحارب والكاهن أقل تجذرا في الأرض، حيث يرتبط المحارب بالحرب والموت (والحماية من الحرب والموت). والكاهن يرتبط بمواجهة الله والسماء. لهذا تغيّر منطق الأسرة وبنيتها بين الطبقات العليا: طبقات الكهنوت والأرستقراطية.
على سبيل المثال، لم يتم اعتبار أطفال تلك الطبقات "شبابا يافعين"Rebyata، أو "أطفالا" Rebyonok، لأنهم لا يعملون، وإنما يدرسون فنون الحرب أو محو الأمية من الكتب المقدسة. أما الفتيات فكن ببساطة ينتظرن الزواج، وكان القانون الأخلاقي في الطبقات العليا (لا سيما بالنسبة للفتيات) أكثر صرامة من الطبقات الدنيا التي كان فيها أيضا صارما إلى حد معتبر.
كان وضع الأسرة في المدن حالة خاصة. فغالبا ما ينحدر صغار الحرفيين والتجار من عائلات فلاحة، وينقلون نموذج العائلة الفلاحة إلى المدينة. وهنا أيضا كان الأبناء "أطفالا"، أي "عمالا"، لكنهم كانوا يتدربون على حرفة أو تجارة. ومن حيث الهيكل الأخلاقي، كانت الأسرة الحضرية التقليدية من النوع الحرفي أو التجاري تنجذب أكثر نحو قوانين الطبقات العليا، أي نحو الالتزام الصارم والمحافظ بالقواعد الأخلاقية.
هكذا كان الحال في المجتمع التقليدي.
في العصر الحديث، أصبحت الرأسمالية والتحضر بمثابة بداية لتفكك الأسرة. فذهبت الليبرالية المعاصرة والشيوعية الأصولية بإنكار الأسرة حتى أقصى الحدود المنطقية، حيث تعد الأسرة، بالنسبة لليبرالي، عبارة عن عقد، أما بالنسبة للشيوعي فهي من بقايا النظام البورجوازي. ويؤكد هيغل على أن المجتمع المدني نفسه، حيث يحيا كل فرد لنفسه، هو مؤسسة لتدمير الأسرة. ويرى في ذلك لحظة جدلية في تطور التاريخ، لا بد من تجاوزها بالانتقال من المجتمع المدني إلى الدولة، القادرة وحدها على إنقاذ الأسرة وحماية بنيتها من الفردية المدمرة.
إقرأ المزيدوقد لاحظ عالم الاجتماع الألماني فيرنر سومبارت أن الظروف البورجوازية للمدينة والتصنيع منذ البداية خلقت الأساس لتفكك الأسرة. وكان يعتقد أن مؤسسة عشيقات المناطق الحضرية شبه المعترف بها أصبحت محركا للرأسمالية والليبرالية في أوروبا الحضرية الحديثة. وفيما كان من الصعب على الفلاح العادي في القرية أن يعيل أي شخص آخر بخلاف عائلته، ساهمت الزيادة في الموارد الفردية ونمط الحياة الحضري البورجوازي في ظهور مؤسسة النساء الطفيليات. ووفقا لسومبارت، فقد كانوا عاملا مهما في رسملة وتحديث المجتمع الأوروبي، وطالبوا بالمزيد والمزيد، ما عزز التقدم التقني والابتكار وريادة الأعمال، إلا أنه، في الوقت نفسه، دمّر الأخلاق.
في هذه الحالة، فإن عودة روسيا إلى جذورها، ولكن في نفس الوقت، إلى مرحلة جديدة من التطور، تعني الشروع في إعادة التوطين الجماعي للمدن الكبرى، وبرنامج حكومي لتنظيم حياة المواطنين في الريف والضواحي والبلدات. ويمكن أن يكون الشعار المرفوع: "عودة إلى جذور الأرض!". وإذا كانت الفلاحة هي القالب التاريخي للأسرة الكبيرة والراسخة، فمن المستحيل إحياء أحدهما دون الآخر.
لذلك، يجب أن تكون الأبنية منخفضة الارتفاع وأفقية، وقد تمكننا من رؤية ما تؤدي إليه ناطحات السحاب العمودية خلال صقيع الأيام الماضية من بداية العام الجديد. ويتعين على روسيا أن تنمو أفقيا لا رأسيا، فيما لا يجب أن يتجاوز الحد الأقصى لعدد سكان المدن مليون نسمة في حالة العواصم، ويعود بقية السكان إلى الأرض.
هذا هو "عام الأسرة" كما ينبغي أن يكون – من خلال تعزيز أيديولوجية الدولة والعودة إلى الأرض.
وتتساءلون: وماذا عن الصناعة والتكنولوجيا؟
أولا، يمكن إجراء البرمجة والاكتشافات في منزلك المتصل بشبكة الإنترنت، حيث يساعد الهواء النقي ومودة الأسرة في تعزيز التفكير.
ثانيا، يمكن العمل على أساس التناوب، كما هو الحال في شمال البلاد. تصل مجموعة من المهندسين، ليعيشوا في ظروف المدينة المروعة، ثم يعودون إلى الأرض.
ويعلم الجميع أن نيقولاي بيرديايف كان قد تحدث عن "العصور الوسطى الجديدة"، إلا أن قلة من الناس يفهمون روعة ما قاله.
المصدر: نوفوستي
المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب
المصدر: RT Arabic
كلمات دلالية: الكرملين فلاديمير بوتين عام الأسرة إلى الأرض
إقرأ أيضاً:
هل تعيش البشرية حقبة جديدة من العصور الوسطي المظلمة؟
==========
د. فراج الشيخ الفزاري
=======
بشهادة التأريخ ..لا الحرب العالمية الأولى ولا الثانية ولا حروب طروادة ولا الحروب الصليبية..كانت هي الأقسي علي البشرية ..بل فترة العصور الوسطي الممتدة ما ببن القرن الخامس والقرن الخامس عشر الميلادي..فترة هيمنة الكنيسة علي كل شيئ في أوروبا بما فيها الدين والفكر وكرامة الانسان
وبعدها احتاجت البشرية الي عقود من الزمان حتي تتعافي وتتطلع نحو المستقبل وهي تدخل بوابة الألفية الثالثة وهي محصنة بالعلم والتطور التكنولوجي والذكاء الاصطناعي.. وظن العلماء والخبراء وقراء المستقبل بأن همجية الانسان قد توارت وتم تدجينها نفسيا ووعيا مجتمعيا وعقائديا بتقبل الآخر والعيش في كنف الرعاية الإلهية التي لولاها لابتلع الشر وجودنا البشري منذ حروب اليونان والعرب والفرس والهمج وجحافل التتار وهولاكو وجنكزخان..
لماذا القتل والسحل والتمثيل بالجثث هي اللغة الوحيدة بين المتخاصمين ؟ لماذا دائما أن الآخر هو الجحيم ولابد الخلاص حتي من رماده؟ هل كان سارتر صادقا عندما قال تلك المقولة وهو في لحظة انغلاق فكري..أم كان واعيا ب ( لاوعي) سيجموند فرويد وهو يختصر الوجود في الصراع المحتوم بين الهدم والبناء أو الموت والحياة في مسيرة الانسان الذي اتي الي الدنيا بدون خياره..وسيغادرها ايضا بدون خياره..حتي الانتحار ليس خيارا وجوديا بل عدما منطقيا عندما يصبح هو الخيار الوحيد المتاح.
ما يسود عالمنا العربي، الحديث، بالذات من حروب وتصفيات للخصوم خارج دائرة القانون..وبدم بارد لا يتوافر حتي عند القصاب وهو يذبح الشاة التي حللها الله..و في قلبه كل الرحمة والشفقة... بينما يهلل ويكبر اؤلئك العتاه وهم يفرغون علي رأس وجسد الضحية زخات متتالية من الرصاص المميت دون إكتراث للجسد المنتفض أمامهم وكأن الإيمان قد نزع من قلوبهم المتوحشة،المتعطشة للانتقام.
في العصور الوسطي...كانت الجرائم بشعة..الحرق والسحل ودق المسامير علي الجسد المنهك..ورغم بشاعتها فقد كانت محصورة بين الأديرة والكنائس والرهبان...ومجالس التفتيش رغم طغيانها كانت تمنح الضحية فرصة العودة والرجوع عن أفكارها الدينية أو الفلسفية ..فعلوا ذلك مع جالليلو...ومع اسبنوزا وغيرهما..فنجوا بأنفسهم مع احتفاظهم بالفكر أو العقيدة...
ولكن ما نراه الآن عبر المواقع الأسفورية تقول بأننا نعيش فعلا حقبة جديدة من العصور الوسطي المظلمة....وكأنما التأريخ يعيد أحداثه..ولا أقول نفسه..
العصور الوسطي القديمة حدثت تحت ظروف متردية من الجهل وعدم المعرفة...فقد كان النبلاء يتباهون مع بعضهم بأنه لم يستحم أو يغسل جسده، بما فيها الأماكن الحساسة ،لأكثر من شهر..وأنه لم يستاك لأكثر من سنه فقد كانت رائحة فمه وجسده جاذبة للحسان ..
كل ذلك بسبب الجهل..وكما قال سقراط فإن عدم المعرفة والحق والفضيلة والعدل هو جهل بمكانتها..
ولكن أن يصبح ذلك والعالم قد دخل بالفعل بوابة الألفية الثالثة..بكل ما تصطحبه في مسيرتها من علوم وفنون وتكنولوجيا.. فإن تقييم الوضع، يصبح أكثر شراسة وهمجية تعود بنا الي حقبة العصور الوسطي في أسوأ مظاهرها الحياتية.
د.فراج الشيخ الفزاري
f.4u4f@hotmail.com