ستجري في باكستان في الثامن من الشهر الجاري انتخابات تشريعية عامة لانتخاب أعضاء الجمعية الوطنية (البرلمان) وأعضاء البرلمانات الإقليمية الـ4 في البلاد.
ويأتي التصويت في البلد المسلم الذي يصل تعداد السكان فيه نحو 250 مليون نسمة وسط حملة قمع ضد زعيم حزب حركة الإنصاف ورئيس الوزراء السابق عمران خان، وفي ظل تهديدات أمنية في بعض المناطق النائية.

ويتنافس في الانتخابات نحو 150 حزبا إلى جانب عشرات المستقلين لشغل مقاعد في البرلمان الاتحادي والبرلمانات الإقليمية الـ4.

وفيما يلي سنعرض لأبرز الأحزاب في البلاد، بعضها كان في السلطة، والأحزاب التي تتمتع بنفوذ إقليمي أو محلي كبير، وأحزاب أخرى أصغر ولكنها تمثل فكرا أو عرقية أو منطقة، والتحديات المتنوعة في باكستان.

ملصق به صورة عمران خان (أعلى) مكتوب عليه "الانتقام من القمع بالتصويت" معلق على شجرة إسلام آباد (الفرنسية) حزب حركة إنصاف

يميل حزب حركة إنصاف الباكستاني، الذي أسسه عمران خان (لاعب الكريكيت الذي تحول إلى سياسي) إلى يمين الوسط، ويقود الحزب حاليا جوهر علي خان.

وصل عمران خان (71 عاما) إلى السلطة بفوزه في انتخابات 2018. ولكن في غضون سنوات، انقلبت المؤسسة العسكرية، التي بدا أنها دعمته في ذلك التصويت، ضده بعد عزل عمران خان من منصبه من خلال التصويت بحجب الثقة عنه في البرلمان، وهو الأول من نوعه في تاريخ باكستان.

ويتهم خان الولايات المتحدة بالتآمر مع الجيش الباكستاني وخصومه السياسيين للإطاحة به، وبعد إقالته من منصبه، قام مناصرو الحزب وزعيمه بمظاهرات حاشدة طافت جميع الأقاليم الباكستانية للمطالبة بإجراء انتخابات مبكرة.

ومع استمرار المظاهرات ووقوع اشتباك بين المحتجين والقوات الحكومية ووقوع بعض القتلى والمصابين واعتقالات وتحطيم بعض الممتلكات، قامت السلطات باعتقال عمران خان في مايو/أيار 2023 بتهمة الفساد. وقام أنصاره باحتجاجات واسعة واستهدفوا المنشآت المدنية والعسكرية.

حالة الاضطرابات والصدامات الواسعة دفعت الدولة العميقة إلى التدخل، واضطر المئات من قادة الحزب إلى تركه، وألقي القبض على الآلاف من الناشطين فيه.
وأدين خان، الذي رفعت ضده أكثر من 150 قضية، بالفساد وإفشاء أسرار الدولة.

وحُكم عليه مؤخرا بـ3 أحكام قضائية، آخرها شمله وزوجته بشرى بيبي بالسجن 7 سنوات مع فرض غرامة بعد أن قضت بأن زواجهما الذي تم عام 2018 باطل وينتهك القانون. وكان حُكم على خان بالسجن لمدة 10 سنوات بتهمة تسريب أسرار الدولة، وبـ14 عاما مع زوجته بتهمة بيع هدايا للدولة بشكل غير قانوني.

وكان خان يسعى للترشح للانتخابات، إلا أن القضاء رفض ترشيحه ومعظم أنصاره للانتخابات التشريعية المقبلة، ومن شأن الحكم بسجنه وحرمانه من الانتخابات أن يريح منافسيه السياسيين.
وتم تجريد حزب إنصاف من رمزه الانتخابي، مضرب الكريكيت، والآن يضطر مرشحوه إلى خوض الانتخابات كمستقلين.

وعلى الرغم من العقبات الواضحة التي تعترض طريقه، فإن حزب حركة إنصاف يتمتع بدعم شعبي واسع النطاق في مختلف أنحاء البلاد، وهو ما قد يصب في صالحه.

المقاعد التي فاز بها عام 2013: 28.

والمقاعد التي فاز بها عام 2018: 116.

 

نواز شريف يلوح لمؤيديه خلال تجمع انتخابي في لاهور نهاية الشهر الماضي (الفرنسية) حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية – جناح نواز

حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية – جناح نواز، يصنف بأنه وسطي بقيادة رئيس الوزراء السابق نواز شريف، الذي وصل سابقا إلى السلطة 3 مرات كان آخرها في عام 2013 بأغلبية واضحة.

وأطيح بـ شريف (74 عاما) من منصبه في عام 2017، بسبب تهم بالفساد. وحُكم عليه مع ابنته مريم بالسجن لمدة 10 سنوات في عام 2018، قبل أيام من الانتخابات الوطنية التي عقدت في نفس العام.

ومن قيادات الحزب البارزين شهباز شريف (72 عاما)، الأخ الأصغر لنواز ورئيس الوزراء السابق لحكومة البنجاب (إقليم البنجاب يعد المعقل الرئيسي للحزب)، تولى منصب رئيس وزراء باكستان في عام 2022 بعد الإطاحة بعمران خان، حيث كانت الرابطة الإسلامية جزءا من تحالف يعرف باسم الحركة الديمقراطية الباكستانية (PDM) تمكنت من النجاح في تصويت بحجب الثقة عن خان، 2018.

شهدت الأشهر الـ16 التي قضاها شهباز رئيسا للوزراء وضعا اقتصاديا صعبا حيث زاد معدل التضخم بشكل كبير وشهدت البلاد خلالها احتجاجات قادها حزب حركة الإنصاف.
عاد نواز شريف إلى باكستان في أكتوبر/تشرين الأول بعد 4 سنوات من المنفى الاختياري في المملكة المتحدة. وفي غضون أسابيع، أسقطت المحاكم تهم الفساد الموجهة إليه، مما دفع مراقبين للاعتقاد بأنه تم اختياره من قبل الجيش ليكون رئيس الوزراء المقبل للبلاد.

وسيكون التحدي الأكبر الذي يواجه عائلة شريف هو استعادة قاعدة دعمهم من عمران خان، الذي يظل قوة شعبية، على الرغم من وجوده في السجن لعدة أحكام، خاصة بين الشباب وتحديدا الذين يعيشون في المدن ويتمتعون بحضور قوي على مواقع التواصل الاجتماعي.

ولا يزال حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية هو المرشح الأوفر حظا قبل الانتخابات. وفي حين أن شريف الأكبر هو القائد الأعلى للحزب، فمن غير الواضح أي من الإخوة قد يقود البرلمان إذا حصل حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية على مقاعد كافية.

المقاعد التي فاز بها عام 2013: 126.

والمقاعد التي فاز بها عام 2018: 64.

بيلاول يخاطب أنصاره في تجمع انتخابي في شيكاربور بإقليم السند قبل يومين (الفرنسية) حزب الشعب

يسعى حزب الشعب الباكستاني الذي ينتمي إلى يسار الوسط، بقيادة بلاول بوتو زرداري ووالده آصف علي زرداري (رئيس البلاد السابق)، إلى العودة إلى السلطة للمرة الأولى منذ عام 2008.
أسس الحزب جده لأمه ورئيس الوزراء السابق ذو الفقار علي بوتو، ثم قادته والدته رئيسة الوزراء مرتين بينظير بوتو.

سوف يتنافس سليل أسرة بوتو في انتخاباته الثانية. وكان وزيرا للخارجية في ظل الحكومة التي أعقبت حكومة عمران خان في عام 2022.

ويبرز بلاول بوتو زرداري (35 عاما) كزعيم شاب يتنافس مع قادة أحزاب متوسط أعمارهم في العقد السابع ومعظمهم لهم خبرة سياسية تتجاوز 20 عاما. ويواجه تحديات، بما في ذلك انتقادات لحكم حزبه لإقليم السند خلال الفترات الـ4 الماضية، خاصة بعد الفيضانات الكارثية في عام 2022، التي دمرت جزءًا كبيرًا من الإقليم.

يركز بيانه وحملته على التواصل مع شباب البلاد، ولديه خطط طموحة لمكافحة تغير المناخ.

وإذا أصبح رئيسا للوزراء (احتمال ضعيف)، فسوف يسير على خطى والدته، التي تولت أول منصب تنفيذي في البلاد في عام 1988 في نفس العمر.

المقاعد التي فاز بها عام 2013: 34.

والمقاعد التي فاز بها عام 2018: 43.

حزب عوامي الوطني (ANP)

ويسعى حزب عوامي الوطني، وهو حزب قومي من عرقية البشتون، ومقره بشكل رئيسي في مقاطعة خيبر بختونخوا الشمالية الغربية، إلى أن يرث حزب حركة الإنصاف في الحكومة الإقليمية هناك.

ويتخذ حزب يسار الوسط، بقيادة أسفنديار والي خان، مواقف علمانية بشأن السياسة، لكنه يواجه مزاعم بالفساد وظل خارج السلطة منذ ما يقرب من عقدين من الزمن.
كان الحزب جزءًا من التحالف المكون من 11 حزبا الذي أطاح بعمران خان.

المقاعد التي فاز بها عام 2013: 2.

والمقاعد التي فاز بها عام 2018: 1.

الحركة القومية المتحدة

الحركة القومية المتحدة هي القوة السياسية الأكبر في كراتشي عاصمة إقليم السند، وأكبر مدن باكستان والعمود الفقري الاقتصادي، لما يقرب من 3 عقود.
في الماضي، كانت الحركة القومية المتحدة تشكل تحالفات مع الأحزاب التي تقود البلاد على المستوى الوطني.

وكانت قد تحالفت مع حزب حركة الإنصاف بعد انتخابات 2018 لكنها حولت ولاءاتها إلى تحالف الحركة الديمقراطية الشعبية بعد أبريل/نيسان 2022 التي أطاحت بعمران خان.

انقسمت الحركة القومية المتحدة في أغسطس/آب 2016 إلى فصيل لندني وفصيل باكستاني بعد خطاب ناري ألقاه زعيمها المنفي ألطاف حسين.

ومع ذلك، عندما أتيحت فرصة الانضمام إلى تحالف الحركة الديمقراطية الشعبية، تم توحيد الفصائل المنقسمة وفروع الحركة القومية المتحدة.

وقد أدت العمليات شبه العسكرية السابقة التي استهدفت الحزب وعلاقاته المزعومة بعصابات في كراتشي إلى تحطيم شعبيته في إقليم السند.

ويتركز معظم دعمها في كراتشي والمدن المجاورة، التي تضم مجموعات كبيرة من السكان الذين فروا إلى هناك بعد تقسيم شبه القارة الهندية في عام 1947.
وسوف تنافس الحركة القومية المتحدة-الباكستانية المستقلين المنتمين إلى حزب حركة الإنصاف، والجماعة الإسلامية، وحزب الشعب الباكستاني، والمرشحين المستقلين الشباب لمحاولة استعادة قاعدتهم.

المقاعد التي فاز بها عام 2013 :18.

والمقاعد التي فاز بها عام 2018: 6.

سراج الحق خلال مشاركته في احتجاجات سابقة على ارتفاع الأسعار والبطالة في روالبندي قرب إسلام آباد (الأناضول) الجماعة الإسلامية

الجماعة الإسلامية، بقيادة سراج الحق، هي حزب إسلامي محافظ.

يعد أحد أقدم الأحزاب السياسية في باكستان ومعروف بتنظيمه الحزبي القوي، لكنه فشل في تحقيق نتائج جيدة في صناديق الاقتراع.

لقد ظل خارج السلطة لعقود من الزمن، وكان آخر نجاح له في انتخابات عام 2002 تحت حكم الرئيس برويز مشرف.

وتستهدف الجماعة الإسلامية إقليم خيبر بختونخوا إلى جانب التركيز على كراتشي بزعيمها الشاب نسبيا حافظ نعيم.

وبعد الأداء الجيد في الانتخابات المحلية الأخيرة في كراتشي، يحاول الحزب الترويج لأجندة أكثر اعتدالا تركز على التنمية ويأمل أن تجتذب الناخبين.

المقاعد التي فاز بها عام 2013 :2.

المقاعد التي فاز بها عام 2018: 12، (في تحالف الأحزاب الدينية).

فضل الرحمن بين أنصاره في احتجاجات سابقة في إسلام آباد (رويترز) جمعية علماء الإسلام (JUI-F)

تهدف جمعية علماء الإسلام، بقيادة فضل الرحمن، في الانتخابات المقبلة إلى استعادة الأرض المفقودة، وخاصة في إقليم خيبر بختونخوا، الذي خسرته أمام حزب حركة الإنصاف.
كان زعيم الجمعية رئيسا لتحالف الحركة الديمقراطية الشعبية ويتطلع إلى استخدام شبكته الواسعة من المعاهد الدينية لمساعدته في الفوز بالأصوات.

ومع خبرة سياسية واسعة وعلاقات متشعبة في باكستان، يعتبر فضل الرحمن لاعبا سياسيا ماهرا ويمكنه تشكيل تحالفات لتأليف الحكومة الجديدة.

المقاعد التي فاز بها عام 2013 :11.

المقاعد التي فاز بها عام 2018: 12، (في تحالف الأحزاب الدينية).

حزب باختونخوا ملي عوامي (PkMAP)

حزب باختونخوا ملي عوامي هو جماعة قومية بشتونية، تنشط بشكل رئيسي في إقليم بلوشستان، حيث كانت جزءا من التحالف الحاكم في آخر حكومة إقليمية.
ويصنف الحزب الذي يقوده محمود خان أشاكزاي، حزبا من يسار الوسط في أكثر أقاليم باكستان فقرا، والذي يضم أيضا أقل عدد من مقاعد الجمعية الوطنية (16).
ويسعى الحزب إلى تحقيق قدر أكبر من الحكم الذاتي الإقليمي وتعزيز صلاحيات مجلس الشيوخ، حيث تتمتع جميع المحافظات بتمثيل متساو.

المقاعد التي فاز بها عام 2013 :3.

والمقاعد التي فاز بها عام 2018: 0.

كاكر أحد مؤسسي حزب عوامي بلوشستان (رويترز) حزب عوامي بلوشستان (BAP)

تأسس حزب عوامي بلوشستان في عام 2018 وكان رئيس الوزراء المؤقت الحالي أنوار الحق كاكر أحد مؤسسيه.

كان يُنظر إلى الحزب، منذ نشأته، على أنه مجموعة من السياسيين المتباينين الذين ينتمون إلى قبائل مختلفة في بلوشستان، يتبعون خط المؤسسة العسكرية الباكستانية القوية. وفي انتخابات 2018، شكل الحزب تحالفا مع حزب حركة الإنصاف.

وسيتنافس الحزب على 10 مقاعد على الأقل في الجمعية الوطنية، وجميعها من بلوشستان، ومن المتوقع أن يكون وسيطا قويا إذا احتاجت الأحزاب الرئيسية إلى شركاء لتشكيل حكومة ائتلافية.

المقاعد التي فاز بها عام 2013 :0.

المقاعد التي فاز بها عام 2018: 4.

حزب الاستقلال الباكستاني (IPP)

تم تأسيس حزب الاستقلال الباكستاني في يونيو/حزيران الماضي على يد جهانغير تارين، أحد أغنى رجال الأعمال في باكستان وكان من المقربين والممولين لعمران خان في الماضي.
جاء إنشاء الحزب بعد شهر واحد فقط من مواجهة حزب حركة الإنصاف الباكستاني لحملة قمع حكومية في أعقاب اضطرابات 9 مايو/أيار.

وسرعان ما أعلن عدد معتبر من قادة حزب حركة إنصاف استقالاتهم من الحزب، وأعلنوا انضمامهم إلى حزب الاستقلال الباكستاني.

يُنظر إلى الحزب على أنه يتكون من عدد كبير من المرشحين الذين يتمتعون بنفوذ شخصي قوي في مناطقهم الأصلية. ويأمل في الفوز بمقاعد كافية في الانتخابات للعب دور في تشكيل الحكومة المقبلة.

المقاعد التي فاز بها عام 2018: 0.
المقاعد التي فاز بها عام 2013 : 0.

مستقلون

وفي حين يتعين على المرشحين المتبقين في حزب حركة الإنصاف الترشح كمستقلين بسبب المشاكل القانونية التي يعاني منها الحزب، فإن هذه الانتخابات ستشهد عددا كبيرا من المستقلين.
وإلى جانب هؤلاء هناك مرشحون شباب مستقلون ليس لديهم انتماءات سياسية رئيسية.

تاريخيًا، كان المرشحون المستقلون غالبا ينتهي بهم الأمر بالانضمام إلى الحزب الحائز أكبر عدد من المقاعد في البرلمان.
المقاعد التي فاز بها عام 2018: 13.

المصدر: الجزيرة

إقرأ أيضاً:

المحاولات الفاشلة والناجحة لحل الحزب الشيوعي السوداني ذو النفوذ النقابي القوي ودوافعها الرئيسية: ماذا يريد الحزب الشيوعي في السودان؟ (2 من 3)

د. عبد المنعم مختار
أستاذ جامعي متخصص في السياسات الصحية القائمة على الأدلة العلمية

خلال فترة الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، واجه الحزب الشيوعي السوداني العديد من المحاولات لحظره أو حله، سواء أكانت ناجحة أم فاشلة. وقد تميزت تلك المحاولات بصراع عنيف بين القوى السياسية الداخلية، خاصة بين الأحزاب التقليدية والإدارات الأهلية من جهة، والحزب الشيوعي والأجسام النقابية التي كان يسيطر عليها من جهة أخرى. كما تأثرت هذه المحاولات بالتأثيرات الخارجية، لا سيما من قبل السلطات البريطانية التي كانت لا تزال تمارس تأثيرًا ملموسًا على الحياة السياسية في السودان خلال فترة ما بعد الاستعمار.

المحاولات الفاشلة

1. قانون قمع النشاط الهدام (1953-1954): في نهاية عام 1953، اقترح الحاكم العام البريطاني في السودان قانون قمع النشاط الهدام، وهو قانون يهدف إلى محاربة التيارات التي اعتُبرت تهديدًا للاستقرار السياسي، بما في ذلك الشيوعية. تم طرح هذا القانون على البرلمان السوداني في فبراير 1954، لكنه قوبل بالرفض بإجماع الحزب الحاكم (الوطني الاتحادي) وأحزاب المعارضة. جاء هذا الرفض نتيجة لإدراك الأحزاب السياسية المختلفة لخطورة القانون على الحريات العامة وعليها. ولذلك، رفضت جميع أحزاب المعارضة والحزب الوطني الاتحادي، الحاكم منفردًا آنذاك، إجازة تشريع يستهدف بشكل مباشر نشاطات سياسية معترف بها في البلاد، بما في ذلك نشاط الحزب الشيوعي السوداني.

2. قانون محاربة الشيوعية (1954): بعد فترة وجيزة من رفض قانون قمع النشاط الهدام، ظهرت فكرة قانون محاربة الشيوعية في أواخر عام 1954 داخل الحكومة السودانية الانتقالية، وأعلن وزير العدل آنذاك علي عبد الرحمن نية الحكومة الدفع بالقانون إلى البرلمان في نوفمبر. كانت هذه الفكرة موضوع نقاش داخل الحكومة، لكنها لم تحصل على إجماع داخلها رغم أن هذه الحكومة كانت غير ائتلافية، إذ قادها الحزب الوطني الاتحادي بزعامة إسماعيل الأزهري منفردًا. أيضًا، أصدرت ما سُمي حينها بالهيئة الشعبية للدفاع عن الحريات، والتي ضمت حزب الأمة القومي، الحزب الجمهوري، الجماعة الإسلامية، جماعة الفكر السوداني، الجبهة المعادية للاستعمار (الحزب الشيوعي لاحقًا)، اتحاد عام عمال السودان، اتحاد مزارعي مشروع الجزيرة، ومحمد أحمد محجوب (زعيم المعارضة في البرلمان)، وثيقة رافضة لقانون محاربة الشيوعية. كما تم تداول فكرة محاربة الشيوعية بين قيادات حكومية وقيادات بريطانية. الجدير بالذكر أن معظم الجهات البريطانية التي استشارها يحيى الفضلي، وزير الشؤون الاجتماعية آنذاك، أوصت بعدم اللجوء لإجراءات قانونية لإضعاف الشيوعية في النقابات، ونصحت بالسياسات التنموية التي تنتج رضا قواعد النقابات، وبالتالي تبعدها عن النفوذ الشيوعي. عمومًا، على الرغم من أن هذه المحاولات لم تصل إلى التنفيذ العملي، إلا أنها كشفت عن مدى المخاوف التي كانت موجودة لدى بعض القوى السياسية من تنامي نفوذ الحزب الشيوعي في تلك الفترة، خاصة في الأوساط النقابية.

دوافع المحاولات الفاشلة وأسباب فشلها

كانت معارضة الحزب الشيوعي الصارخة لاتفاقية الحكم الذاتي التي قادت لاستقلال السودان، وضغط الحزب على حكومة الأزهري الأولى إبان الانتقال السابق للاستقلال، من خلال تهديد النقابات والاتحادات المهنية التي يسيطر عليها الحزب، خاصة نقابة عمال السكك الحديدية، اتحاد نقابات العمال، واتحاد مزارعي مشروع الجزيرة، بالإضرابات، من الدوافع الرئيسية لتحرك حكومة الأزهري في الفترة الانتقالية الأولى (1954-1956) لإصدار قانون بديل لقانون قمع النشاط الهدام. إذ اعتبرت جميع الأحزاب السياسية أن قانون قمع النشاط الهدام فضفاض وقابلًا للإساءة في كبت حريات كثير من الأحزاب والهيئات السياسية. لذلك، كان الهدف من أي قانون بديل هو محاربة الحزب الشيوعي وحظر أنشطته بهدف تقليص نفوذه السياسي، خاصة في النقابات والاتحادات، مع عدم تضييق الحريات السياسية للأحزاب الأخرى. الجدير بالذكر هو ظهور اتهام من شيخ العلماء للحزب الشيوعي بإصدار منشور عن حادثة الإفك به إساءة لبيت الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في أكتوبر 1954، وهو الأمر الذي قام الحزب بنفيه. وعندما قام أحد المصلين في صلاة جمعة بمسجد أنصار حزب الأمة القومي بمحاولة للتأجيج حول هذا المنشور، تصدى له الإمام عبد الرحمن المهدي في حينها ونجح في التهدئة.

أما أسباب فشل محاولة الحل عبر قانون محاربة الشيوعية فيرجع، كما فصلنا أعلاه، لمعارضة معظم قوى المعارضة للقانون، وعدم وجود إجماع حتى داخل الحكومة حوله.

المحاولة الناجحة

1. حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان (1965):
في نهاية عام 1965، تمكنت القوى السياسية المناهضة للحزب الشيوعي السوداني من النجاح في حله وطرد نوابه من البرلمان. استغلّت الأحزاب السياسية المنافسة، وهي الحزب الوطني الاتحادي، وجبهة الميثاق الإسلامي، وحزب الأمة القومي، حادثة إساءة دينية تتعلق بقصة الإفك، والتي صدرت عن عضو سابق في الحزب الشيوعي في نوفمبر 1965، لدفع تعديل دستوري عبر البرلمان. ونتيجة لذلك، تم حل الحزب الشيوعي رسميًا وطرد نوابه بسرعة في ديسمبر 1965.

للمزيد من التفاصيل حول هذا الحدث، يُرجى الرجوع إلى مقال عبد الله علي إبراهيم بعنوان "نوفمبر حل الحزب الشيوعي (1965): ما حلونا وانحلو لا أيدهم لا كراعهم"، المنشور في 17 نوفمبر 2018. يتناول المقال كيفية استغلال القوى السياسية لهذه الحادثة لتحقيق التعديل الدستوري، ويبرز توظيف الدين في السياسة خلال تلك الفترة.

الجدير بالذكر أن محمد أحمد محجوب، الذي كان يشغل منصب رئيس الوزراء آنذاك، هو من بادر بالإجراءات التشريعية في البرلمان لحل الحزب الشيوعي. المثير للاهتمام أن محجوب كان قد عارض تشريعًا مشابهًا في عام 1954، مما يعكس التحولات في مواقفه السياسية بمرور الزمن.

كان هذا الانتصار السياسي للأحزاب التقليدية ضد الحزب الشيوعي واحدًا من أكبر الضربات التي تعرض لها الحزب في تاريخه. لقد أثر هذا الحدث بشكل كبير على مكانة الحزب في المشهد السياسي السوداني، وساهم بشكل كبير في دفع الحزب الشيوعي للمشاركة في الانقلاب العسكري على الديمقراطية في مايو 1969.

دوافع المحاولة الناجحة وأسبابها

الدافع الرئيسي لحل الحزب الشيوعي السوداني في ديسمبر 1965 كان، في تقديري، يعود إلى مساعي الحزب الشيوعي السوداني في فبراير من نفس العام لتصفية الإدارات الأهلية عبر مذكرة الشفيع أحمد الشيخ. في ذلك الوقت، كان الحزب الشيوعي يتمتع بنفوذ كبير في الحكومة الأولى التي أعقبت ثورة أكتوبر 1964، وذلك عبر واجهاته السياسية وحلفائه في جبهة الهيئات. وقد أشار أحمد إبراهيم أبو شوك إلى هذه الأجواء في قوله: "في ظل هذا التراجع (من قبل الحكومة آنذاك)، نشطت تحركات زعماء الإدارة الأهلية الذين كثفوا اتصالاتهم برؤساء الأحزاب التقليدية، واتفقوا معهم على تجميد قرار التصفية، شريطة أن يعملوا سويًا على إسقاط مرشحي القوى الحديثة في الانتخابات القادمة، ويكوِّنوا حكومة ديمقراطية ترعى مصالح الطرفين، وتدرس مشروع التصفية وتضع التصور اللازم لتطوير أجهزة الإدارة الأهلية. وبهذه الكيفية، أضحى شعار تصفية الإدارة الأهلية شعارًا ذا حدين في الحملة الانتخابية، حيث دفع من طرف بعض القوى الجماهيرية الرافضة لهيمنة الإدارة الأهلية وزعماء العشائر إلى مناصرة القوى الحديثة، بغية الانعتاق من هيمنة رجالات الإدارة الأهلية، ومن طرف ثانٍ أسهم في توثيق عرى الترابط بين القوى الطائفية والقيادات القبلية، لأن كلا الطرفين أدرك أن استمرار بقائه في السلطة على المستويين المحلي أو المركزي مرهون بفاعلية تعامله المصلحي مع الآخر" (أبو شوك، 2009).

الجدير بالذكر أيضًا المواجهات المباشرة بين الحزب الشيوعي وحلفائه النقابيين من جهة، وحزب الأمة القومي والحزب الوطني الاتحادي وجبهة الميثاق من جهة أخرى. بدأت تلك المواجهات عندما قام وزير الاستعلامات والعمل خلف الله بابكر، وهو أحد حلفاء الحزب الشيوعي، في 2 فبراير 1965 ببث خطاب تحريضي عبر الإذاعة، اتهم فيه الأحزاب بالعمل ضد الثورة، ودعا "الجماهير" إلى عزلها. كان ذلك الخطاب جزءًا من صراع الحزب الشيوعي لتأجيل الانتخابات وتعديل دوائرها الانتخابية لصالحه، حيث دعا، دون نجاح، إلى تخصيص نصف المقاعد للمزارعين والعمال، لكنه نجح في تمكين المرأة من حق الانتخاب، وفي إعادة دوائر الخريجين وزيادة عددها. وقد أثار هذا الخطاب أزمة داخل الحكومة، ما دفع رئيس الوزراء إلى تقديم اعتذار رسمي.

تبع الخطاب التحريضي بعد أسبوع ما عُرف بأحداث "ليلة المتاريس" والاعتداء على السفارة الأمريكية في الخرطوم في 9 فبراير 1965، وهو فعل سياسي نظمه الحزب الشيوعي، وثبت لاحقًا عدم صحة الادعاءات التي بُني عليها.

أدى هذا التصعيد السياسي العنيف لفظيًا والسعي الحثيث للتغيير الراديكالي من قبل الحزب الشيوعي وواجهاته وحلفائه عبر سلطة الحكومة إلى رد فعل مضاد من الأحزاب التقليدية، التي حشدت قواها الجماهيرية في العاصمة، بدعم خاص من الأنصار القادمين من الأقاليم. وأسفرت هذه التحركات، والعنف الذي صاحبها في العاصمة، عن إعلان حالة الطوارئ وحل الحكومة الأولى في 18 فبراير 1965، بعد أربعة أشهر فقط من تشكيلها.

لاحقًا، وفي ظل حكومة ذات أقلية يسارية، وقعت حادثة الإساءة الدينية الشهيرة في نوفمبر 1965، التي ارتكبها عضو سابق في الحزب الشيوعي. استغلت الأحزاب المنافسة هذه الحادثة لإقصاء الحزب الشيوعي من الساحة السياسية. عبر تعديل الدستور، تمكن البرلمان من حل الحزب الشيوعي بأغلبية الثلثين. يجدر التأمل هنا في أن تلك الإساءة الدينية كانت تدور حول نفس حادثة الإفك التي أثيرت في أكتوبر 1954، والتي نفى الحزب الشيوعي حينها علاقته بها.

هذه الحادثة، في تقديرنا، كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر الحزب، الذي بادر إلى معاداة الأغلبية الشعبية والبرلمانية من خلال سيطرته على حكومة سر الختم الخليفة الأولى. لم تنجح محاولات الحزب في فرض أجندة التغيير الجذري من خلال العنف الثوري في "ليلة المتاريس"، أو من خلال التحريض الإذاعي، أو حتى عبر مذكرة تصفية الإدارة الأهلية. بل أدى هذا التصعيد إلى توحد القوى التقليدية ضد الحزب، مما أدى إلى حله.

الخاتمة

يتضح من هذه المحاولات أن الحزب الشيوعي السوداني كان مستهدفًا بشكل متكرر من قبل القوى السياسية المختلفة، سواء عبر التشريعات أو التحركات البرلمانية. يمكن قراءة هذا الاستهداف كرد فعل سياسي على معارضة الحزب الشيوعي العنيفة لاتفاقية استقلال السودان، وسعيه لاستغلال جهاز الدولة لحل الإدارات الأهلية ولتأجيل وتشكيل الانتخابات. وعلى الرغم من أن بعض هذه المحاولات فشلت في تحقيق أهدافها، إلا أن محاولات أخرى نجحت في تقييد نشاط الحزب، مثل حادثة حله وطرد نوابه من البرلمان في عام 1965. يعكس هذا التاريخ الصراع المستمر بين التيارات السياسية المختلفة في السودان حول طبيعة النظام السياسي ودور الأحزاب ذات التوجهات الفكرية المختلفة، مثل الحزب الشيوعي، في صياغة المستقبل السياسي للبلاد.

في الجزء الثالث من هذا المقال، سنتناول مواقف الحزب الشيوعي السوداني أثناء الفترة الديمقراطية الثالثة (1985 – 1989) وأثناء الفترة التالية لثورة ديسمبر 2018.

المراجع الرئيسية

رباح الصادق. حزب الأمة القومي وحل الحزب الشيوعي السوداني 1965. 17 يونيو 2020. تم الحصول عليه يوم 26 سبتمبر 2024 على الموقع التالي: www.academia.edu

أحمد إبراهيم أبو شوك. الدكتور عبد الله علي إبراهيم ومذكرة الشفيع أحمد الشيخ عن الإدارة الأهلية (1 – 3). سودانايل.  

مقالات مشابهة

  • الديوك تنضم إلى الألمان في قائمة "معتزلو يورو 2024"
  • تعليق كردي على احتمالية اندلاع مواجهة مسلحة بين الأحزاب قبيل الانتخابات بالإقليم
  • تعليق كردي على احتمالية اندلاع مواجهة مسلحة بين الأحزاب قبيل الانتخابات بالإقليم - عاجل
  • الإجراءات القانونية وتطبيقاتها العملية لحظر الأحزاب اليمينية واليسارية المتطرفة في جمهورية ألمانيا الفيدرالية
  • أحزاب تونسية تُقاطع الانتخابات.. وحركة النهضة تحذّر من الـالمخاطر
  • ألمانيا إلى أين؟
  • حزب طالباني:سنشكل حكومة الإقليم المقبلة بمشاركة جميع الأحزاب
  • جبالي يدعو الأحزاب السياسية إلى سرعة موافاة النواب بأسماء ممثلي الهيئات البرلمانية
  • جبالي يدعو الأحزاب السياسية بسرعة إخطار المجلس بأسماء ممثلي الهيئات البرلمانية
  • المحاولات الفاشلة والناجحة لحل الحزب الشيوعي السوداني ذو النفوذ النقابي القوي ودوافعها الرئيسية: ماذا يريد الحزب الشيوعي في السودان؟ (2 من 3)