أمريكا واحتمالية الحرب الشاملة في الشرق الأوسط
تاريخ النشر: 5th, February 2024 GMT
باتت المنطقة تعيش حالة من الترقب نتيجة التصعيد الحاصل على وقع العدوان الإسرائيلي في غزة، حتى إن البعض بات يرى أن احتمالية اندلاع حرب عالمية ثالثة بات وشيكا، وأن شرارة هذه الحرب قد تنطلق من التوتر الحاصل في الشرق الأوسط. فقد تصاعدت حدة التوترات نتيجة الموقف الأمريكي الداعم للكيان الصهيوني، في ما يمارسه من إبادة جماعية في الأراضي الفلسطينية، وبالتالي تعرض الوجود الأمريكي في المنطقة إلى مختلف الهجمات من فصائل قريبة من إيران، وكانت إدارة بايدن تتعاطى مع التهديدات والضربات بحذر وثقة بأنها قادرة على احتواء الأزمة، فكان الأمر يسير وفق سياق أشبه بقواعد اشتباك غير معلنة، ضربة هنا يتم الرد عليها هناك، أو سكوت الطرفين على ضربات غير موجعة يتم استيعابها دون اي رد فعل سوى التهديد.
من جانبها، الفصائل والحركات القريبة من إيران، التي تعتبر أذرعا فاعلة في العراق وسوريا ولبنان واليمن كانت تتعاطى مع التصعيد وفق قواعد الاشتباك المشار لها، إذ بدت الضربات في الكثير من الأحيان نوعا من رسائل الدعم للفصائل الفلسطينية المقاتلة في غزة، من دون تأثير حقيقي وملموس على الوجود الأمريكي في المنطقة، باستثناء الموقف جنوب البحر الأحمر الذي حصل نتيجة هجمات حركة أنصار الله الحوثية، التي تسببت في شلل جزئي في حركة الملاحة في مضيق باب المندب، الأمر الذي دفع الولايات المتحدة، تعاونها قوى حليفة، لشن حرب جوية تستهدف ضرباتها القليل المتبقي من البنية التحتية في اليمن الشمالي الخاضع لسيطرة الحوثيين.
لكن الضربات المتفرقة التي طالت الوجود الأمريكي انطلاقا من الفصائل الحليفة لإيران في سوريا ولبنان والعراق واليمن، وفق قواعد الاشتباك، التي تقف في مقدمة ضوابطها عدم إيقاع خسائر بشرية في القوات الأمريكية، خُرقت في الضربة الأخيرة التي نفذتها (المقاومة الإسلامية في العراق) يوم الأحد 28 كانون الثاني/يناير بطائرة مسيرة طالت قاعدة البرج 22 شمال الأردن، قرب قاعدة التنف داخل الحدود السورية، وأوقعت ثلاثة قتلى وجرح أكثر من ثلاثين عسكريا، هذه الضربة غيرت موازين وقواعد الاشتباك، وأصابت هيبة الولايات المتحدة بضربة موجعة، لذلك انطلقت التحليلات والتوقعات في محاولة لقراءة السيناريوهات المتوقعة للأحداث التي ستشهدها المنطقة. تصريحات الفرقاء؛ الأمريكيين والإيرانيين وحلفاء إيران، التي انطلقت بعد الضربة كلها كانت تشير إلى عدم رغبة الجميع في تصعيد الصراع والوصول به إلى حرب إقليمية شاملة، وعندها بات السؤال المركزي في هذه الأزمة هو: كيف سيرد بايدن على الهجوم الأخير؟ ووفقاً لمراقبين على معرفة جيدة بالوضع الإيراني، رأوا أن صناع القرار في طهران على يقين بأن إدارة بايدن تكره المخاطرة بالتصعيد في عام الانتخابات، وهم على حق بقدر ما لا يريد الناخب الأمريكي جر الولايات المتحدة إلى حرب أخرى في الشرق الأوسط، لكن ومن جانب آخر يرى هؤلاء المحللون أن هنالك سوء تقدير من طرف طهران، يكمن في عكس عقلية الجمهور الإيراني بشأن فقدان أحد أعضاء الحرس الثوري الإيراني، على عقلية الجمهور الأمريكي بشأن فقدان أفراد الخدمة الأمريكية، وهم لا يعرفون أن الأمريكيين يهتمون بهذا الأمر جدا، وسوف يمنحون رئيسهم صلاحيات أكبر نتيجة لذلك.
أصبح توقع رد بايدن المحتمل، وفقا للهدف (منع إيران من إيذاء المواطنين والمصالح والشركاء الأمريكيين) محددا بخيارات قليلة، فالخيار الأول: شن ضربات داخل إيران ضد قوات الجيش الايراني وآلته الحربية ورموزه الوطنية، ما يمثل ضربة مهينة أعنف من قتل ثلاثة جنود أمريكيين، لكن المراقبين يشيرون إلى إن هذه القدرات ليست السبب في ما تتعرض له الولايات المتحدة من مشاكل. أما الخيار الثاني فهو: شن ضربات داخل إيران ضد قواعد الحرس الثوري الإيراني ومخزوناته من الأسلحة، وتحديدا القدرات الصاروخية التي أصبحت كابوسا يقلق المنطقة، لكن هذا الخيار سيزيد احتمالية اشتعال حرب إقليمية في حال رد الحرس الثوري بضربات صاروخية على المصالح الأمريكية في المنطقة، بينما كان الخيار الثالث: شن ضربات ضد المنشآت والقوات الإيرانية الداعمة لأذرعها في المنطقة مع العلم أن هذا الخيار لن يمثل ضمانة حقيقية لردع إيران وحلفائها عن تنفيذ مزيد من الضربات في المستقبل. وبينما تتصاعد صيحات الجمهوريين في واشنطن مطالبة الرئيس بايدن بموقف صارم تجاه المتسببين بإهانة الهيبة الأمريكية، ويطالبونه بتنفيذ عملية انتقامية تستعيد بها القوات الأمريكية كرامتها، يرى الديمقراطيون أن إدارة بايدن في عام الانتخابات تعاني من أزمة خانقة وتوازن عصيب بين التركيز على الصراع مع الصين في الشرق الأقصى من جهة، وتحديات التصعيد الروسي في أوروبا، وتحديدا في الحرب الأوكرانية من جهة ثانية، يضاف لها الأزمة الحالية في الشرق الأوسط والموقف الخانق الذي حشرت إدارة بايدن نفسها فيه، نتيجة دعمها غير المشروط للعدوان الإسرائيلي في غزة، والنتيجة لن تتمكن هذه الإدارة من أن تتوسع في ملف الصراع في الشرق الاوسط، وهذا يعني أنها ستكتفي بتوجيه ضربات محدودة لحفظ ماء الوجه. لكن صقور الجمهوريين يطالبون الرئيس بايدن باتخاذ خطوات قد تصل إلى إطلاق عملية عسكرية شبيهة بعملية (فرس النبي) التي أطلقها الرئيس الأمريكي رونالد ريغان في نيسان/أبريل 1988، إذ طالب ماثيو كروينغ مدير الدراسات في مركز المجلس الأطلسي، باستهداف البحرية الإيرانية أو قيادات عليا أو برنامجها النووي. وأوضح: «لقد كانت الولايات المتحدة حذرة في ردها على الضربات السابقة لأنها تخشى التصعيد، لكن هذا المنطق كان مضللاً. وعلمت إيران أنها قادرة على شن هجمات دون عقاب». واقترح كروينغ أن يقوم الجيش الأمريكي بإغراق البحرية الإيرانية وضرب قواعدها، مثلما فعل الرئيس رونالد ريغان في أبريل عام 1988، عندما تعرضت فرقاطة أمريكية للاصطدام بلغم بحري إيراني كاد أن يغرقها، وعلى إثر ذلك أطلقت إدارة ريغان العملية العسكرية «فرس النبي»، ودمرت منشآت بحرية واستخباراتية إيرانية على منصتي نفط في الخليج، وفقدت إيران حسب مصادر أمريكية، نصف الأسطول العملياتي نتيجة هذه العملية، كما قتل في الاشتباكات 55 عنصرا من البحرية الإيرانية. لكن يبدو إن قرار إدارة بايدن اتجه بوضوح إلى ضرب أهداف في العراق وسوريا فقط، رداً على ضرب قاعدة البرج 22. وقد نقلت «وول ستريت جورنال» يوم الجمعة 2 شباط/فبراير الجاري عن مسؤولين أمريكيين قولهم؛ إن «الأهداف المنشودة هي القوات والمواقع الإيرانية، والضربات ستكون متعددة المراحل». وجاء الرد الايراني بتصرح رئيس الجمهورية إبراهيم رئيسي، يوم الجمعة 2 فبراير، بأن بلاده لن تبدأ حربا، إذ قال رئيسي في كلمة نقلها التلفزيون الإيراني؛ «لن نبدأ أي حرب، لكن إذا أراد أحد الاستقواء علينا فسيتلقى ردا قويا». لكن يبدو أن إيران وحلفائها في المنطقة قد تهيئوا لتلقي الضربة وهذا ما تم استقراؤه من الزيارة السرية التي قام بها الجنرال قاآني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني لبغداد قبل أيام واجتماعه بقيادات الفصائل الولائية وأوامره لهم بالتوقف عن شن ضربات على الوجود الأمريكي لحين انكشاف الوضع وانجلاء التوتر الحاصل. إلا أن الأزمة لم تمر وحدث ما كان متوقعا فقد شنت القوات الأمريكية ضربتها على مراكز للحشد الشعبي في العراق يوم الجمعة الماضي ما أدى إلى استشهاد عدد من قواته.
(القدس العربي)
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الشرق الأوسط إيران العراق العراق إيران الشرق الأوسط امريكا مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة الوجود الأمریکی فی الشرق الأوسط الحرس الثوری إدارة بایدن فی المنطقة فی العراق شن ضربات
إقرأ أيضاً:
هل لا يزال نتنياهو يحلم بمشروع إسرائيل الكبرى؟
عادة ما يتلذذ نتنياهو بترديد، ما يشير إلى أنه مبعوث قوة "روحية/ خفية" مؤيدة وداعمة له لإنجاز مشروعه عن "الشرق الأوسط الجديد" ـ وهو المصطلح "الناعم" لمعنى إسرائيل الكبرى ـ وأن "رسالته" إلى العالم، كانت مرهونة بمآلات الحرب على الجبهة اللبنانية، فيما كان واثقًا وكأن "بطاقة ضمان" دسّتها تلك القوةُ الخفية في جيبه، مُرفقًا بها خريطة هذا "الشرق المزعوم" الذي يستخدمه نتنياهو كـ"مرهم" و"مُلطف" للجرح الإسرائيلي النازف منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول عام 2023، فيما يعتقد آخرون من حاضنته السياسية، الأكثر اعتدالًا ورصانةً، بأنه "يوتوبيا" ومثل من يطلب "لبن العصفور" كما يقول المثل الشعبي العربي.
إسرائيل ـ منذ هزيمتها في حرب "أكتوبر/ رمضان" 1973 ـ لم تحقق أي انتصارٍ إلا على المدنيين والمخيمات، وظلت عالقة بعد أكثر من 15 شهرًا من بربريتها في مخيم بحجم "جباليا" وبضعة أمتار في قرى جنوب لبنان، ومع ذلك ما انفكت تتكلم بوقاحة عن عدم رضاها بـ"إسرائيل الصغرى"، وأنها في سبيلها لإنجاز "نسختها الكبرى" تحت لافتة الشرق الأوسط الجديد.
وكما يقولون "الزَّنُّ على الوِدان/الأُذُن" أمرُّ من السحر، تصدَّرَ المشهدَ داخل الكيان، صحفيون ومعلقون، لإسالة هذه الديماغوجية إلى حقيقة متوهّمة، تجري في شرايين اليمين الشعبوي المتطرف مجرى الدم، ويتحدثون في صلف بأنَّ مرحلة ما "بعد حزب الله" ستكون مُدخلًا لتل أبيب، نحو إعادة تشكيل الشرق الأوسط، وإحالته إلى "منطقة سلمية" قادرة على إدارة المصالح المتضاربة طوعًا أو بعصا إسرائيل الغليظة.
إعلانلم يكن هذا التفكير المتفائل بالأمر الجديد، فبعد حرب الخليج عام 1991، واتفاقات أوسلو عام 1993، والربيع العربي عام 2011، روّج الخبراء الإسرائيليون لسيناريوهات وردية مماثلة، ولعلّ أشهرها كتاب شيمون بيريز صاحب الرؤية الذي ألفه في تسعينيات القرن العشرين حول "الشرق الأوسط الجديد"، وهي النبوءة التي قال عنها المفكر الإسرائيلي إفرايم أنبار: لقد تبين لاحقًا أنها "كلامٌ فارغ".
غاب لفترة ـ ليست بالقليلة ـ هذا الخطاب المتبجح، والمسلح بالحجج الدينية، وبغطرسة القوة على الأرض، ولعله قُمع وأحيل إلى "اللاوعي الإسرائيلي"، بفعل مرحلة الإحماء التدريجي والناعم التي شهدتها المنطقة ـ منذ سبعينيات القرن الماضي ـ تمهيدًا لإدماج إسرائيل كدولة طبيعية في المنطقة، وذلك إلى ما قبل طوفان الأقصى، الذي وضع العصا في عجلة التطبيع، فتعثر كلُّ شيء وتناثر المشروع مع بعثرة جثث الضحايا تحت أنقاض غزة المدمرة.
بيد أن صورةً لجندي إسرائيلي، التقطت له أثناء العمليات في غزة، في يونيو/ حزيران 2024 وهو يرتدي "شارة/ خريطة" إسرائيل الكبرى على زيّه العسكري ـ مطابقة لتصريح ثيودور هرتزل الذي مضى عليه أكثر من قرن من الزمان ـ أثارت غضبًا واسعًا في العالم العربي.
الخريطة ـ كما بدت على ذراع المقاتل الإسرائيلي ـ شملت مناطق من النيل إلى الفرات، ومن المدينة المنورة إلى لبنان، بما في ذلك أراضٍ من سوريا، والأردن بأكمله.
ومن المرجح أن ما أثار الغضب العربي هذه المرة، لم يكن وجود الخطة، بل ظهورها في الفضاء الأوسع لوسائل الإعلام الاجتماعي، إذ في مطلع العام 2024، وفي مقطع صوتي مسجل، قال السياسي الإسرائيلي آفي ليبكين: "… في النهاية، ستمتد حدودنا من لبنان إلى الصحراء الكبرى، ثم من البحر الأبيض المتوسط إلى نهر الفرات. وتساءل:
ومن الذي يقع على الجانب الآخر من الفرات؟ الأكراد! والأكراد أصدقاء. لذا، لدينا البحر الأبيض المتوسط خلفنا، والأكراد أمامنا، ولبنان، الذي يحتاج حقًا إلى مظلة حماية إسرائيل، وبعد ذلك أعتقد أننا سنستولي على مكة والمدينة وجبل سيناء، ونطهر تلك الأماكن " بحسب أوهامه المريضة.
إعلانولم يلقَ هذا المقطع ـ آنذاك ـ ردود أفعال غاضبة، ولعل ذلك يرجع إلى أن الحرب كانت في مراحلها الغضة، بكل تجلياتها "المبهجة" من انهيار الأساطير المؤسسة لـ" الدولة التي لا تقهر"، وتنامي الانطباع المصاحب لـ"النصر الغزي"، بأن ثمة شرقًا أوسطَ، يتشكل في رحم الغيب قد يكون بدون "إسرائيل".
بيدَ أن مشروع "إسرائيل الكبرى/ الشرق الأوسط الجديد"، اكتسب زخمًا أكبر، واهتمامًا متجددًا، مع النجاح التكتيكي الذي حققه نتنياهو، في المراحل الأولى من حربه على حزب الله (تصفية غالبية قياداته السياسية والأمنية والميدانية).
وفي حين ظل التوسع الإقليمي الإسرائيلي، بمسوغاته الدينية/ التاريخية، ومدى موضوعيته، يعيد ـ في العالم العربي ـ إنتاج خطابه الشعبوي كأداة للحشد والتعبئة والتخويف من التطبيع بدرجاته، أو كأداة بيد المعارضة السياسية، تستخدمها في إدانة أنظمة عربية تراها "متسامحة" مع المشروع، فإنه كان يخضع ـ مع كل أزمة ـ لاختبارات قاسية داخل دوائر النخبة الإسرائيلية، أو يُدرج على رأس أجندة مؤسسات بحثية، معنية بمستقبل منطقة الشرق الأوسط، وتبدأ من جذور المشكلة وأصولها، مثل التساؤل بشأن تحديد درجة علمية مطالبات هرتزل بالأرض، وخلص بعضها إلى أن هناك اتفاقًا واسع النطاق بين الباحثين على أن الكتاب المقدس لا يمثل مصدرًا تاريخيًا علميًا، وبالتالي فإن رواية العودة إلى إسرائيل، أو إسرائيل الكبرى يمكن ربطها بخطاب جدلي، وليس تاريخًا مفصلًا للمنطقة أو الحقائق الديمغرافية على الأرض.
لقد أخضعت البروفيسور إيكاترينا ماتوي ـ مديرة برنامج الشراكة مع الشرق الأوسط MEPEI ـ مقولات "هرتزل" والأصول التي أقام عليها بنيانه التوسعي لنقاش أقرب إلى اختبار صحة الأسانيد التي يستقي منها الشرعية التي تملك القدرة على الإقناع أو قياس المسافة التي تفصلها عن المشروع كحتمية تاريخية ومؤجلة.
إعلانوتساءلت: إذا كانت هذه الأرض إسرائيلية، فلماذا يتم شراؤها من ملاك قانونيين قائمين؟ وإذا كانت أطروحة الأرض "القاحلة" التي روجت لها وسائل الإعلام، أو "الأرض الشاغرة" بحسب "هرتزل" فلماذا يشتريها الإسرائيليون؟
ليخلص البرنامج إلى القول: يمكننا أن نؤكد أن طبيعة مطالب هرتزل المتعلقة بالأرض ليست علمية، فبينما كانت هناك أسباب دفعت الحركة الصهيونية إلى التفكير في تأسيس دولة يهودية مستقلة، فإن موقع وطريقة تنفيذ مثل هذا المشروع كانا خاضعين لمفاوضات أطول مع ضامني القوة في تلك الأوقات، أي القوى الاستعمارية السابقة، ألمانيا، ثم الولايات المتحدة في وقت لاحق، وكانت هذه اتفاقات ذاتية.
وإذا كان قد تم تحقيق أهداف الحكم الذاتي والحماية الذاتية التي ذكرها هرتزل، فإن هذه الحماية الذاتية تعتمد بشكل كبير على المساعدات العسكرية الأميركية والأوروبية حتى يومنا هذا، ما يعني أن "إسرائيل الكبرى/ الشرق الأوسط الجديد" يظل قرارًا دوليًا وليس إسرائيليًا محليًا، وهو القرار المستحيل، بسبب المصالح الجيوسياسية للقوى الكبرى في منطقة الشرق الأوسط.
في هذا السياق فإن معهد القدس للإستراتيجية والأمن الذي تأسس عام 2017 ويصر على أهمية القدس الموحدة كأساس لأمن الدولة والهوية الوطنية للشعب الذي يعيش في "صهيون" بحسب زعمه.. تهكم من فكرة "شرق أوسط جديد" ما بعد "حزب الله، وقال في لغة ساخرة: "من السذاجة الاعتقاد بأن حدثًا واحدًا قد يغير المشهد السياسي في منطقة بأكملها، فحتى النهاية الحاسمة للحرب الباردة والنصر الحاسم الذي حققته الولايات المتحدة على صدام حسين ـ وهما حدثان كان لهما تأثير دولي كبير ـ لم يحدثا إلا القليل لتغيير السياسة المحلية أو الدولية في الشرق الأوسط.
ويعتقد المعهد أن الشبكة المعقدة من الديناميكيات المحلية والدولية لا تشجع على التعايش السلمي، وإذا كان السعي إلى تحقيق شرق أوسط أكثر سلامًا يشكل مشروعًا نبيلًا، بحسب زعمه، فإنه يظل مهمة شاقة في الوقت الراهن.
إعلانوينتهي إلى القول: " إن الدرس الذي يجب على إسرائيل أن تتعلمه هو أنها سوف تضطر إلى العيش على سيفها لسنوات عديدة قادمة، ورغم أن فترات انخفاض التوتر، مثل تلك التي تتمتع بها إسرائيل مع مصر والأردن، ممكنة بالتأكيد، فإنها لا تعكس علاقة ثنائية مختلفة نوعيًا، مثل العلاقة بين كندا والولايات المتحدة، وإن الانتقال من علاقة غير عنيفة إلى صراع مسلح قد يحدث بسرعة، ولا بد أن تكون إسرائيل مستعدة لهذا الاحتمال".
لا يوجد ما يشير بوضوح إلى أن إسرائيل قد تتخلى عن هذا الهدف، أو أنها قد تتنازل عن مشروع إسرائيل الكبرى، ومع ذلك، فإن الفكرة الرئيسية التي تظهر في الحجج التي تدافع عن مشروع إسرائيل الكبرى، أي العصر "الجديد" الدائم، قد تمثل بالفعل سببًا للتأمل.
فمع اقتراب العالم من نهاية عصر النفط الكبير، وتضاعف طرق التجارة على المستويين؛ العالمي والإقليمي، سوف تكون هناك حاجة إلى تغييرات نموذجية جديدة بالنسبة للقوى العظمى التقليدية من أجل التنافس سلميًا مع القوى الصناعية والتجارية الناشئة.
وفي حين تتمتع إسرائيل باستقلال نسبي ـ كما تدعي ـ وتزيد من حصتها في حماية نفسها، فإن أهمية الدعم الأجنبي قد تظل تشكل عنصرًا أساسيًا في سياستها الإقليمية، وعند تحليل مشروع إسرائيل الكبرى، يتعين علينا أن نأخذ في الاعتبار ما إذا كانت دولة الحرب الدائمة المحتملة متوافقة مع التطلعات نحو التنمية الاقتصادية في زمن السلم، والتي من المفترض أن تنافس القوى الاقتصادية سريعة النمو في عصر جديد، ما يجعل فكرة "إسرائيل الكبرى/الشرق الأوسط الجديد" خرافة تصطدم مع أية قراءة رصينة وعاقلة، إن لم تكن حلمًا بعيد المنال، وبالتزامن مع تنامي نزعة الثأر من تل أبيب في المنطقة التي "عليها العين"، وبالتوازي أيضًا مع اختمار تيار إسرائيلي استشرافي بات أكثر قناعة بأن الشرق الأوسط الجديد.. قد يتشكل فعلًا على المدى البعيد، ولكن بدون دولة إسرائيل.
إعلانالآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline