ابراهيم شير قبل أن أبدأ العمل في مجال الإعلام أسمع عن مهنية قناة ‘بي بي سي’ وحرفيتها الكبيرة وأنها مدرسة في العمل الإعلامي، وللحقيقة عندما بدأت العمل في الإعلام قبل ما يزيد على عقد تعلمت منها كثيراً لدرجة أن كتابي عن الإعلام اعتمد أساسيات رئيسة في قناة ‘بي بي سي’ لكنها في الحرب على سوريا لم تكن منصفة أبداً، ودائماً ما كانت ضد الدولة السورية، بالمقابل دمشق لم تتخذ أي موقف سيئ منها، بل بخلاف ذلك تماماً، منحتها التراخيص دورياً وسمحت لمراسلها السيد عساف عبود، التجول براحته كاملة في سوريا، وكان من أوائل الصحافيين الذين يحضرون المؤتمرات الصحافية الحكومية خصوصاً التي أجراها وزير الخارجية الراحل وليد المعلم، واستمرت سياستها الغامضة نحو دمشق حتى وصل بها الأمر لاتهام الدولة السورية علانية أنها تتاجر بالمخدرات في وثائقي وضعت ضمن شرحه في يوتيوب جملة: ‘سوريا هي دولة المخدرات’.

هذا الوثائقي يستحيل أن قناة مثل ‘بي بي سي’ تنتجه، فهو ضعيف لدرجة يمكن دحض كل ما ورد فيه، فهو اعتمد شهوداً سريين من دون أسماء أو صفات وأخذ منهم معلومات وعدها أكيدة، ثم بنى القصة وفق ادعاءاتهم، بالإضافة إلى اعتماد بعض الأحداث للصق التهم بالجيش السوري والفرقة الرابعة تحديداً في قضايا التهريب، مثل: عندما زعمت أن جندياً يخدم في الفرقة الرابعة نفذ عملية تهريب من حمص إلى طرطوس وفي الطريق تعرض لحادث وتوفي، وعلى الفور قالت إن من يقود السيارة هو جندي في الفرقة الرابعة باعتماد رسائل واتساب مجهولة المصدر وربما ملفقة، وزعمت هذه الرسائل أن هذا الجندي الخيالي يعمل مع أسرة الرئيس بشار الأسد شخصياً. هل يعقل أن قناة بحجم ‘بي بي سي’ تنسج روايتها نسجاً كاملاً باعتماد محادثة واتساب مجهولة المصدر أو هوية المتحدث، فقد تعلمنا في الإعلام إن الشاهد في أي مادة إعلامية يجب أن تتوفر فيه صفات عدة أهمها قربه من مصدر المعلومة، ورجاحة عقله، وموقفه القانوني، وأن لا تعتمد شهادته تخمينات أو أحقاد سياسية أو طائفية أو قومية، فهل انطبقت كل هذه الصفات على شهود ‘بي بي سي’ من الواتساب؟. شهود هذا الوثائقي كثرون لكن اللافت فيهم أن جميعهم مجهولون ومن دون أي أداة من أدوات التأكد من مزاعمهم، مثل المهرب الأردني الذي حتى صوته غُيّر، أو الضابط الذي قالت القناة إنه منشق ويعيش في الخارج، لكنها أخفت وجهه، فإذا أنت منشق وتعيش في الخارج لماذا تخاف وتخفي هويتك؟ لست أول ضابط ولا آخر عسكري انشق، فلماذا إخفاء الهوية؟ فمن انشق في عام 2011 ظهر شكله وهويته العسكرية، هل الآن وبعد 13 عاماً من العدوان على سوريا سيخاف العسكري المنشق على نفسه؟ إلا إذا كان لا وجود لعسكري من الأساس، ومن ظهر في الوثائقي ليس ألا ممثل مُنح دوراً أداه وعاد إلى منزله، أما الشاهد الآخر فهو مجهول الهوية أيضاً واستُعرضت معه محادثات في هاتف زعمت أنه لراجي فلحوط في السويداء، وقالت إنه يوجد فيه رقم لشخص لبناني مقرب من حزب الله، ولفتت إلى أن الهاتف لم يُقفل بكلمة سر، فهل يعقل أن شخصاً يدير عمليات تهريب مخدرات دولية بحسب زعم ‘بي بي سي’، هاتفه الرئيس في العمليات من دون كلمة قفل سرية؟ ثم اتهمت الدولة السورية بأنها شريك مع رجل الأعمال اللبناني حسن دقو، لكنها تجاهلت أنها عرضت صوره مع سعد الحريري عدو دمشق اللدود، وتجاهلت أيضاً أن دقو نفسه يعمل في صالح السلطات اللبنانية للقبض على المهربين. ‘بي بي سي’ ذهبت في صورة عرضتها إلى إدلب وصورت مع جماعة النصرة المنتمية إلى القاعدة المحظورة دولياً والتي تسيطر عليها، وبالتالي طبّعت مع جماعة إرهابية وأخذت منها شهادة ضد الدولة السورية، فهل يعقل أن يصدق إرهابي يمتهن القتل والترهيب؟. وفي النهاية، شاهدها الأخير هو مهرب لبناني من دون أي معالم أو معلومات أُخرج ليتهم حزب الله وسوريا بالتهريب، واستعرضت أيضاً رقماً مميزاً زعم شاهدها أنه للواء في الجيش السوري من دون أي دليل، فقط لأنه قال إن مثل هذه الأرقام يأخذها المتنفذون في الدولة، فهل يعقل أن تصدق مثل هذه الأكاذيب والادعاءات. أنا الآن أستطيع أن أعد وثائقياً عن مقتل الأميرة ديانا وأجلب متسكعاً من أحياء لندن وأخفي وجهه ومكان وجوده وأجعله يشهد بأن الملك تشارلز الثالث هو من أرسله ليعطل مكابح سيارة دودي الفايد ليموت مع ديانا. السفارة البريطانية في لبنان، قالت إن الدولة السورية تستفيد من تجارة الكبتاغون بـ57 مليار دولار سنوياً، هذا المبلغ أقسم إن دولة مثل مصر أو المغرب لو عُرض عليها مقابل تجارة المخدرات لشرعتها على الفور وجعلتها طبيعية مثل الدخان، إذ إن صادرات دولة مثل قطر أغنى دول العالم في الغاز لا تتعدى السبعة مليارات دولار، وصادرات الأردن مليارا دولار، فهل يعقل هذا الرقم الذي طرحته بريطانيا؟ مع بداية العدوان على سوريا أعلنت الدولة السورية صراحة أن الجماعات المسلحة التي دخلت إلى أراضيها من تركيا والأردن ولبنان تتعاطى حبوب الكبتاغون،  وتصنِّعه أيضاً في المناطق الخارجة عن سيطرتها، وفي ذلك الوقت لم تهتم أي دولة بهذه البيانات، لكنها اليوم تتهم دمشق بهذه الجريمة، ونسيت أو تناست أن الحدود مع الأردن لا تسيطر الدولة السورية عليها كلها، وهناك مناطق تسيطر عليها الجماعات المسلحة بحماية أمريكية، فلماذا لا تكون من يهرب الكبتاغون؟ في النهاية من تجاهل دخول مئات آلاف الإرهابيين إلى سوريا بسلاحهم ومخدراتهم ومصانعها من تركيا والأردن ولبنان، سوف يتجاهل الحقائق كلها ويركز على شيء واحد وهو عداء الدولة السورية وإبقاؤها بتأثير الضغوطات ضمن دائرة المفاوضات لتخفيف مطالبها وزيادة شروطه. كاتب وإعلامي سوري

المصدر: رأي اليوم

كلمات دلالية: بی بی سی من دون

إقرأ أيضاً:

جبريل ابراهيم: تمكنت القوات المسلحة والقوات المشتركة من سحق عصابات التمرد والسيطرة على قاعدة الزرق

هنأ الدكتور جبريل إبراهيم رئيس حركة العدل والمساواة السودانية بتحرير قاعدة الزرق من أيدي متمردي الدعم السريع، أمس السبت، وكتب قائلاً:بفضل الله، تمكنت القوات المسلحة والقوات المشتركة من سحق عصابات التمرد والسيطرة على قاعدة الزرق، اهم معاقل المليشيا ومركز إمدادها الرئيس في الإقليم.‎ألف مبروك للشعب السوداني هذا النصر المؤزر و تقبل الله الشهداء و عجل بشفاء الجرحى.رصد وتحرير – “النيلين” إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • الشرع: هيكلة جديدة للجيش السوري خلال أيام .. ولا سلاح خارج سلطة الدولة
  • جدل أمريكي واسع يشكك في رواية “النيران الصديقة” لإسقاط طائرة F/A18 في البحر الأحمر 
  • رشحتها جريدة "إندبندنت" لجائزة أفضل رواية!
  • جبريل ابراهيم: تمكنت القوات المسلحة والقوات المشتركة من سحق عصابات التمرد والسيطرة على قاعدة الزرق
  • الوديان السبعة فارغة.. امطار كانون الاول لم تسعف مناطق شرق العراق
  • حول المقارنة بين الثورة السورية والثورة الليبية
  • عبدالله علي ابراهيم ، لمن يكتب هذا الرجل ؟
  • تحديات النصر السوري ومستقبله
  • البيضاء.. توتر قبيلي في رداع واتهامات لقيادات حوثية على خلفية أحداث حي "الحفرة"
  • “العمليات المشتركة” في العراق تعلن إعادة 1905 من الضباط والمنتسبين وتسليمهم للجانب السوري