مهند عباس حدادين: لم يبق في مستودعات السلاح الغربية غير القنابل العنقودية
تاريخ النشر: 19th, July 2023 GMT
المهندس مهند عباس حدادين بعد مرور 500 يوم على الحرب الروسية – الأوكرانية وبعد الهجوم الأوكراني المعاكس لإسترداد المقاطعات الأربع إضافة إلى جزيرة القرم والذي وصفته روسيا بالفاشل في حين وصفه الغرب بالبداية لهذا الهجوم , كانت الأشهر السابقة كافية لإستهلاك جميع الذخائر الغربية للدبابات والمدفعية من مخازنهم ,هذان السلاحان الوحيدان الفعّالان بيد أوكرانيا لإحداث الفارق على أرض المعركة حيث أن القوة الجوية لديها خارجة عن الخدمة, كل ذلك في مواجهه أقوى ثاني جيش في العالم, يتخذ مواقع دفاعية محصنة عمل عليها خلال الأشهر الماضية بعدة خطوط دفاعية .
إن الدبلوماسية الغربية والإعلام الغربي حاولا كسب المعركة مبكراً لكن وجود قادة عسكريين روس مخضرمين عملوا “على قلب رجل واحد” أدى إلى الوضع الحالي في ساحة المعركة , وهو إنتظار الأوكرانيون السلاح الذي يصنع الفارق. لندخل بالتحليل السياسي للوضع القائم, إن الغرب يدرك أن بعض وسائل الإعلام الغربية الخاصة به بدأت الحديث عن فشل القوات الأوكرانية أمام الجيش الروسي وأنه لن يكن لديهم المقدرة على إستعادة الأراضي التي ضمتها روسيا إليها, رغم عشرات المليارات التي قدمها الغرب كدعم للأوكرانيين لمواجهة الجيش الروسي, وكان آخرها الوعود التي أصدرها حلف الناتو لدعم أوكرانيا في إجتماع قادة دول الناتو الأخير في ليتوانيا. إن عدم قدرة أوكرانيا على مواصلة الهجوم على روسيا لإسترداد أراضيها يجعل القادة الغربيين في وضع صعب أمام شعوبهم وخصوصاً القيادة الأمريكية وعلى رأسها الرئيس الأمريكي الذي ترشح لإنتخابات 2024 , فبعد كل هذا الدعم لأوكرانيا التي لا تعني للشعوب الغربية أي شيء مقابل الغلاء الفاحش في الأسعار وإرتفاع تكاليف المعيشة عندهم نتيجة الحرب الروسية -الأوكرانية بنسبة وصلت إلى 30% ,وللحفاظ على زخم الشعبية المتبقية للحزب الديمقراطي وعلى رأسهم الرئيس الأمريكي بايدن, كان لا بُد من إتخاذ إجراء حتى لو كان إنعكاساته الإنسانية تتقاطع مع المبادىء السامية التي دافع عنها الغربيون في السابق. إن تزويد الأوكرانيين بالقنابل العنقودية المحرمة دلالة على أنه لم يبق في المستودعات الغربية والدول الحليفة لهم ذخائر غير القنابل العنقودية التي عفا عليها الزمن لقدمها , بعيداً عن الذخائر التي تحتفظ بها أي دولة كمخزون إستراتيجي للحفاظ على أمنها القومي للدفاع عن نفسها بالكمية المقننة. لقد رأينا في السابق عندما كان الرئيس الأمريكي بادين سيناتوراً كيف وقف ضد إستخدام القنابل العنقودية الإسرائيلية في هجومها الوحشي على جنوب لبنان عام 1982 , ورأينا إستخدام الغرب لهذه القنابل في حروبها على فيتنام وجزيرة الفوكلاند ويوغسلافيا سابقاً وفي العراق أخيراً , رغم توقيع 100 دولة على حضر إستخدام هذه القنابل العنقودية المحرمة دولياً . فأين الأمم المتحدة في قراراتها لهذا الإستخدام وخصوصاً أن هذه القنابل أصبحت قديمة ونسبة الخطأ يصل فيها من 10-20% ؟ هذه القنابل سميت بالعنقودية كونها تشبه عنقود العنب , حيث يتواجد داخل كل قنبلة لقذفها بالمدافع أو الطائرات قرابة 600-700 قنبلة صغيرة , وتستطيع تدمير مساحة تقدر بملعب كرة قدم, وحيث أن نسبة الخطأ في أحسن أحواله هو 10% , فإن ذلك يعني بأن 60-70 قنبلة صغيرة لن تنفجر عند إطلاق القنبلة العنقودية الواحدة, وستبقى تشكل خطراً بعد الحرب لأنها ستكون عُرضة للإنفجار في حالة لم يتم إكتشافها عند تطهير الألغام, وهذا يعني تعريض حياة المدنيين للخطر. إن إرسال قنابل عنقودية للأوكرانيين من شأنه تغيير قواعد اللعبة على الأرض لتصبح الحرب أكثر شراسة بين الطرفين لأن الطرف الروسي وعلى لسان وزير دفاعه سيرغي شويغو قال سنستخدم مالدينا من هذا النوع من السلاح وهو أكثر فاعلية من السلاح الغربي, وكذلك على لسان نائب رئيس مجلس الأمن الروسي ديمتري ميدفيديف الذي قال بأن زيادة الدعم العسكري لكييف يقرب الحرب العالمية الثالثة , ولا ننسى أيضاً أن الوعود من الغربيين لإرسال طائرات مقاتلة من طراز ف16 للأوكرانيين نهاية هذا العام , والذي قابله الروس وعلى لسان وزير الخارجية لافروف عندما قال أن هذه الطائرات القادرة على حمل أسلحة نووية تعتبر تهديداً نووياً لروسيا . فحسب العقيدة الروسية فإن ذلك التهديد قد يدفع بالقادة الروسيين للقيام بضربة إستباقية نووية داخل الأراضي الأوكرانية أو حتى لبعض من دول الناتو وهذا سيشعل حرباً عالمية ثالثة, فإرسال هذا النوع من الأسلحة من أجل زيادة فرصة الفوز في الإنتخابات القادمة الأمريكية,أو إعلان حالة الطوارىء في الولايات المتحدة لتأجيل الإنتخابات القادمة لأجل غير مسمى, سيكون تأثيره أشد بكثير على الناخب الأمريكي . في الختام إن تعريض الأمن العالمي للخطر لتحقيق أهداف محلية لأشخاص في مراكز القيادة، فيجب أن لا تسمح بها دولتهم العميقة, حيث أن قرارتهم العسكرية قد تكون خاطئة ولا تخدم المصلحة العليا لتلك الدولة. الخبير والمحلل الإستراتيجي في السياسة والإقتصاد والتكنولوجيا كاتب اردني mhaddadin@jobkins.com
المصدر: رأي اليوم
إقرأ أيضاً:
كيف تشكل الطائرات بدون طيار التي تعمل بالذكاء الاصطناعي مستقبل الحرب؟
يشهد مشهد الحرب الحديثة تحولا زلزاليا، مدفوعا بالتقدم في مجال الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا الطائرات بدون طيار. إن دمج هذه التقنيات لا يؤدي إلى تعزيز القدرات العسكرية التقليدية فحسب؛ بل إنه يحول بشكل جذري طبيعة الصراع نفسه. مع تسابق الدول لتطوير ونشر أنظمة طائرات بدون طيار أكثر تطورا، فإن الآثار المترتبة على الاستراتيجية العسكرية والأخلاق والأمن العالمي عميقة.
تطور حرب الطائرات بدون طيار
تم استخدام الطائرات بدون طيار في العمليات العسكرية لعقود من الزمن، في المقام الأول للمراقبة والاستطلاع. ومع ذلك، فقد أظهرت الصراعات الأخيرة، وخاصة في أوكرانيا والشرق الأوسط، قدراتها الهجومية. ولقد سلطت الأسابيع الأولى من الغزو الروسي لأوكرانيا الضوء على فعالية طائرات بيرقدار TB2 التركية الصنع، والتي لعبت دورا حاسما في مواجهة الهجمات المدرعة. وعلى نحو مماثل، استخدمت حماس طائرات بدون طيار لاستهداف الدفاعات الإسرائيلية، مما أظهر تنوعها كأسلحة هجومية.
الذكاء الاصطناعي في طليعة هذا التحول، ومن خلال تعزيز قدرات معالجة البيانات، يسمح الذكاء الاصطناعي للطائرات بدون طيار بتحليل كميات هائلة من المعلومات بسرعة واتخاذ قرارات سريعة في ساحة المعركة. هذه القدرة حاسمة بشكل خاص في البيئات عالية المخاطر، حيث قد تتعرض هياكل القيادة والتحكم التقليدية للخطر
مع تطور تكنولوجيا الطائرات بدون طيار، تطورت أيضا تطبيقاتها في الحرب. تم تجهيز الطائرات بدون طيار اليوم بأجهزة استشعار متقدمة وخوارزميات الذكاء الاصطناعي التي تسمح بمعالجة البيانات في الوقت الفعلي واتخاذ القرارات المستقلة. وتمكن هذه القدرة الطائرات بدون طيار من تنفيذ مهام معقدة بأقل قدر من التدخل البشري، مما يمثل خروجا كبيرا عن دورها الأصلي كمجرد أدوات استطلاع.
دور الذكاء الاصطناعي في حرب الطائرات بدون طيار
الذكاء الاصطناعي في طليعة هذا التحول، ومن خلال تعزيز قدرات معالجة البيانات، يسمح الذكاء الاصطناعي للطائرات بدون طيار بتحليل كميات هائلة من المعلومات بسرعة واتخاذ قرارات سريعة في ساحة المعركة. هذه القدرة حاسمة بشكل خاص في البيئات عالية المخاطر، حيث قد تتعرض هياكل القيادة والتحكم التقليدية للخطر.
وأدى دمج الذكاء الاصطناعي في أنظمة الطائرات بدون طيار إلى ابتكارين رئيسيين: ذكاء السرب والاستهداف المستقل. وتمكن استخبارات السرب طائرات بدون طيار متعددة من العمل بشكل تعاوني، مما يؤدي إلى التغلب على دفاعات العدو من خلال الهجمات المنسقة. وقد لوحظ هذا التكتيك في صراعات مختلفة، حيث نجحت أسراب من الطائرات بدون طيار في اختراق أنظمة الدفاع الجوي المتطورة.
علاوة على ذلك، يتم تطوير أنظمة الاستهداف المستقلة التي تسمح للطائرات بدون طيار بتحديد الأهداف والاشتباك معها دون إشراف بشري. ويثير هذا مخاوف أخلاقية بشأن المساءلة واحتمال حدوث عواقب غير مقصودة في سيناريوهات القتال. ومع استمرار الدول في تحسين هذه التقنيات، فإن احتمالات الأسلحة ذاتية التشغيل بالكامل -والتي يشار إليها غالبا باسم "الروبوتات القاتلة"- تصبح واقعية بشكل متزايد.
التطبيقات والتطورات الحالية
توضح التطورات الأخيرة في تكنولوجيا الطائرات بدون طيار الوتيرة السريعة للابتكار. على سبيل المثال، أدخلت شركات مثل هيلسينج طائرات بدون طيار هجومية تعمل بنظام الذكاء الاصطناعي قادرة على العمل بفعالية في بيئات بها تشويش إلكتروني، وهو تحد شائع في الحرب الحديثة. وتتمتع هذه الطائرات بدون طيار بالقدرة على الحفاظ على اشتباكها مع الهدف حتى بدون اتصال مستمر بالبيانات، مما يوفر ميزة تكتيكية كبيرة.
في أوكرانيا، قام الجيش بتكييف هيكله لدمج وحدات حرب الطائرات بدون طيار في جميع الفروع. وبفضل استخدام طائرات بدون طيار قادرة على الرؤية من منظور الشخص الأول (FPV)، تمكنت القوات الأوكرانية من تنفيذ ضربات دقيقة ضد الدبابات والتشكيلات العسكرية الروسية. ويوضح هذا التغيير كيف يمكن للطائرات بدون طيار أن تساعد في المعارك التي يمتلك فيها أحد الجانبين أسلحة أقل قوة من الجانب الآخر.
ويعزز استخدام الخوارزميات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي أيضا قدرات الطائرات بدون طيار على جمع المعلومات الاستخباراتية والاستطلاع. ويمكن للطائرات بدون طيار الآن التنقل بشكل مستقل في البيئات المعقدة، وتحديد أنماط الحياة بين قوات العدو، والتنبؤ بالتهديدات المحتملة بناء على تحليل البيانات التاريخية. ويعد هذا المستوى من الوعي الظرفي ذا قيمة لا تقدر بثمن بالنسبة للجيوش الحديثة التي تسعى إلى الحفاظ على التفوق على الخصوم.
التأثيرات الاستراتيجية
مع تزايد تطور الطائرات بدون طيار، أصبح تأثيرها على الاستراتيجية العسكرية عميقا. وإن القدرة على نشر أسراب من الطائرات بدون طيار ضد أهداف العدو تعمل على تغيير المفاهيم التقليدية للقوة الجوية والحرب البرية. ويجب على المخططين العسكريين الآن التفكير في كيفية الدفاع ليس فقط ضد ضربات الطائرات بدون طيار الفردية، ولكن الهجمات المنسقة التي تشمل مئات أو آلاف الطائرات بدون طيار.
علاوة على ذلك، فإن فعالية تكلفة الحرب باستخدام الطائرات بدون طيار تقدم حجة مقنعة لزيادة استخدامها. وتعتبر الطائرات بدون طيار أرخص في الإنتاج بشكل عام من الطائرات المأهولة، ويمكن نشرها بأعداد أكبر دون المخاطرة بحياة البشر. وقد تشجع هذه الميزة الاقتصادية الدول على الاستثمار بكثافة في تكنولوجيا الطائرات بدون طيار باعتبارها مكونا أساسيا في ترساناتها العسكرية.
ويثير انتشار تكنولوجيا الطائرات بدون طيار أيضا أسئلة أخلاقية مهمة فيما يتعلق بالسلوك الحربي.
إن إمكانية تشغيل أنظمة الأسلحة المستقلة دون إشراف بشري تشكل تحديا للقوانين الدولية الحالية التي تحكم النزاعات المسلحة. وطالبت جماعات حقوقية بفرض حظر استباقي على الأسلحة ذاتية التشغيل بالكامل بسبب المخاوف بشأن المساءلة والخسائر المدنية.
التدابير المضادة والتطورات المستقبلية
مع استمرار تطور هذه التقنيات، فإنها ستعيد تعريف كيفية خوض الحروب والانتصار فيها. وفي حين أنها تقدم مزايا غير مسبوقة في ساحة المعركة، فإنها تطرح أيضا معضلات أخلاقية تتطلب دراسة متأنية من قبل صانعي السياسات والقادة العسكريين على حد سواء
مع تقدم تكنولوجيا الطائرات بدون طيار، تتقدم أيضا الإجراءات المضادة المصممة لتحييد تهديدات الطائرات بدون طيار. وتستثمر الدول في قدرات الحرب الإلكترونية القادرة على تشويش أو تعطيل اتصالات الطائرات بدون طيار، مما يجعلها غير فعالة أثناء العمليات. بالإضافة إلى ذلك، يتم استكشاف التطورات في أسلحة الليزر كحلول محتملة لاعتراض الطائرات بدون طيار المحتشدة قبل أن تصل إلى أهدافها.
بالنظر إلى المستقبل، فمن المرجح أن يشهد مستقبل حرب الطائرات بدون طيار مزيدا من التكامل مع تقنيات أخرى مثل الروبوتات والتعلم الآلي، وإن تطوير أنظمة هجينة تجمع بين الروبوتات الأرضية والطائرات بدون طيار من الممكن أن يخلق قدرات تشغيلية متعددة المجالات تعمل على تعزيز فعالية ساحة المعركة.
وعلاوة على ذلك، ومع قيام دول مثل الصين وروسيا بتكثيف استثماراتها في تكنولوجيا الطائرات بدون طيار، فإن سباق التسلح العالمي المحيط بالطائرات بدون طيار سوف يشتد. ولن تشكل هذه المنافسة الاستراتيجيات العسكرية فحسب، بل ستؤثر أيضا على الديناميكيات الجيوسياسية حيث تسعى الدول إلى تأكيد هيمنتها من خلال التفوق التكنولوجي.
يمثل التقاطع بين الذكاء الاصطناعي وحرب الطائرات بدون طيار أحد أهم التحولات في التاريخ العسكري. ومع استمرار تطور هذه التقنيات، فإنها ستعيد تعريف كيفية خوض الحروب والانتصار فيها. وفي حين أنها تقدم مزايا غير مسبوقة في ساحة المعركة، فإنها تطرح أيضا معضلات أخلاقية تتطلب دراسة متأنية من قبل صانعي السياسات والقادة العسكريين على حد سواء.