المهندس مهند عباس حدادين بعد مرور 500 يوم على الحرب الروسية – الأوكرانية وبعد الهجوم الأوكراني المعاكس لإسترداد المقاطعات الأربع إضافة إلى جزيرة القرم والذي وصفته روسيا بالفاشل في حين وصفه الغرب بالبداية لهذا الهجوم , كانت الأشهر السابقة كافية لإستهلاك جميع الذخائر الغربية للدبابات والمدفعية من مخازنهم ,هذان السلاحان الوحيدان الفعّالان بيد أوكرانيا لإحداث الفارق على أرض المعركة  حيث أن القوة الجوية لديها خارجة عن الخدمة, كل ذلك في مواجهه أقوى ثاني جيش في العالم, يتخذ مواقع دفاعية محصنة عمل عليها خلال الأشهر الماضية بعدة خطوط دفاعية .

إن الدبلوماسية الغربية والإعلام الغربي حاولا كسب المعركة مبكراً لكن وجود قادة عسكريين روس مخضرمين عملوا “على قلب رجل واحد” أدى إلى الوضع الحالي في ساحة المعركة , وهو إنتظار الأوكرانيون السلاح الذي يصنع الفارق. لندخل بالتحليل السياسي للوضع القائم, إن الغرب يدرك أن بعض  وسائل الإعلام الغربية الخاصة به  بدأت الحديث عن فشل القوات الأوكرانية أمام الجيش الروسي وأنه لن يكن لديهم المقدرة على إستعادة الأراضي التي ضمتها روسيا إليها, رغم عشرات المليارات التي قدمها الغرب كدعم للأوكرانيين لمواجهة الجيش الروسي, وكان آخرها الوعود التي أصدرها حلف الناتو لدعم أوكرانيا في إجتماع قادة دول الناتو الأخير في ليتوانيا. إن عدم قدرة أوكرانيا على مواصلة الهجوم على روسيا لإسترداد أراضيها يجعل القادة الغربيين في وضع صعب أمام شعوبهم وخصوصاً القيادة الأمريكية وعلى رأسها الرئيس الأمريكي الذي ترشح لإنتخابات 2024 , فبعد كل هذا الدعم لأوكرانيا التي لا تعني للشعوب الغربية أي شيء مقابل الغلاء الفاحش في الأسعار وإرتفاع تكاليف المعيشة عندهم نتيجة الحرب الروسية -الأوكرانية بنسبة وصلت إلى 30% ,وللحفاظ على زخم الشعبية المتبقية للحزب الديمقراطي وعلى رأسهم الرئيس الأمريكي بايدن, كان لا بُد من إتخاذ إجراء حتى لو كان إنعكاساته الإنسانية تتقاطع مع المبادىء السامية التي دافع عنها الغربيون في السابق. إن تزويد الأوكرانيين بالقنابل العنقودية المحرمة دلالة على أنه لم يبق في المستودعات الغربية والدول الحليفة لهم ذخائر غير القنابل العنقودية التي عفا عليها الزمن لقدمها , بعيداً عن الذخائر التي تحتفظ بها أي دولة كمخزون إستراتيجي للحفاظ على أمنها القومي للدفاع عن نفسها بالكمية المقننة. لقد رأينا في السابق عندما كان الرئيس الأمريكي بادين سيناتوراً كيف وقف ضد إستخدام القنابل العنقودية الإسرائيلية في هجومها الوحشي على جنوب لبنان عام 1982 , ورأينا إستخدام الغرب لهذه القنابل في حروبها على فيتنام وجزيرة الفوكلاند ويوغسلافيا سابقاً وفي العراق أخيراً , رغم توقيع 100 دولة على حضر إستخدام هذه القنابل العنقودية المحرمة دولياً . فأين الأمم المتحدة في قراراتها لهذا الإستخدام وخصوصاً أن هذه القنابل أصبحت قديمة ونسبة الخطأ يصل فيها من 10-20% ؟ هذه القنابل سميت بالعنقودية كونها تشبه عنقود العنب , حيث يتواجد داخل كل قنبلة لقذفها بالمدافع أو الطائرات قرابة 600-700 قنبلة صغيرة , وتستطيع تدمير مساحة تقدر بملعب كرة قدم, وحيث أن نسبة الخطأ في أحسن أحواله هو 10% , فإن ذلك يعني بأن 60-70 قنبلة صغيرة لن تنفجر عند إطلاق القنبلة العنقودية الواحدة, وستبقى تشكل خطراً بعد الحرب لأنها ستكون عُرضة للإنفجار في حالة لم يتم إكتشافها عند تطهير الألغام, وهذا يعني تعريض حياة المدنيين للخطر. إن إرسال قنابل عنقودية للأوكرانيين من شأنه تغيير قواعد اللعبة على الأرض لتصبح الحرب أكثر شراسة بين الطرفين لأن الطرف الروسي وعلى لسان وزير دفاعه سيرغي شويغو  قال سنستخدم مالدينا من هذا النوع من السلاح وهو أكثر فاعلية من السلاح الغربي,  وكذلك على لسان نائب رئيس مجلس الأمن الروسي ديمتري ميدفيديف الذي قال بأن زيادة الدعم العسكري لكييف يقرب الحرب العالمية الثالثة , ولا ننسى أيضاً أن الوعود من الغربيين لإرسال طائرات مقاتلة من طراز ف16 للأوكرانيين نهاية هذا العام , والذي قابله الروس وعلى لسان وزير الخارجية لافروف عندما قال أن هذه الطائرات القادرة على حمل أسلحة نووية تعتبر تهديداً نووياً لروسيا . فحسب العقيدة الروسية فإن ذلك التهديد قد يدفع بالقادة الروسيين للقيام بضربة إستباقية نووية داخل الأراضي الأوكرانية أو حتى لبعض من دول الناتو وهذا سيشعل حرباً عالمية ثالثة, فإرسال هذا النوع من الأسلحة من أجل زيادة فرصة الفوز في الإنتخابات القادمة الأمريكية,أو إعلان حالة الطوارىء في الولايات المتحدة لتأجيل الإنتخابات القادمة لأجل غير مسمى, سيكون تأثيره أشد بكثير على الناخب الأمريكي . في الختام إن تعريض الأمن العالمي للخطر لتحقيق أهداف محلية لأشخاص في مراكز القيادة، فيجب أن لا تسمح بها دولتهم العميقة, حيث أن قرارتهم العسكرية قد تكون خاطئة ولا تخدم المصلحة العليا لتلك الدولة. الخبير والمحلل الإستراتيجي في السياسة والإقتصاد والتكنولوجيا كاتب اردني mhaddadin@jobkins.com

المصدر: رأي اليوم

إقرأ أيضاً:

‏تسريب الهجوم البري الأمريكي في اليمن: قراءة استراتيجية في تكتيكات الحرب غير المعلنة

مصطفى الخطيب

من خلال تتبع الأسلوب الأمريكي في إدارة الصراعات “عن بُعد”، خصوصاً في بيئات غير مستقرة كاليمن، يمكن القول إن ما يُنشر إعلامياً حول نية واشنطن تنفيذ هجوم بري ليس سوى انعكاس لحالة التخبّط المعلوماتي الذي تعيشه الإدارة العسكرية الأمريكية، لا سيما في ساحة معقدة ومتشعبة كهذه. في الحروب المعاصرة، لا تُخاض المعارك بالضرورة عبر الاشتباك المباشر، بل كثيراً ما تدار من وراء ستار المعلومات والتسريبات والضغوط النفسية.

الفجوة الاستخباراتية الأمريكية في اليمن

أثبتت الأسابيع الماضية، إن الولايات المتحدة تفتقر إلى بنية استخباراتية على الأرض تُعتمد عليها في تنفيذ عمليات دقيقة. فرغم الضربات الجوية المستمرة، إلا أن واشنطن لم تستطع تحييد القدرات العملياتية لأنصار الله، الذين واصلوا استهداف السفن العسكرية الأمريكية ومنع السفن الإسرائيلية من العبور وقدرة استهداف عمق الكيان الإسرائيلي بوسائل متطورة وغير متوقعة. هذا العجز الاستخباراتي جعل من الحرب الجوية ذات تأثير محدود، الأمر الذي دفع صانع القرار الأمريكي إلى التفكير بأساليب بديلة للحصول على المعلومات، ومنها تسريب نوايا زائفة.

التسريب كأداة استخبارية

التسريب المتعمد عن عملية برية محتملة يمكن اعتباره أداة لجمع المعلومات بطريقة غير مباشرة. فالهدف منه تحريك الجماعة المستهدفة، ودفعها إلى اتخاذ إجراءات دفاعية استباقية، كإعادة الانتشار أو تأمين مراكز القيادة، ما يسهل عملية الرصد من الجو أو عبر إشارات الاتصالات. هذا النوع من “الهندسة النفسية” يُستخدم غالباً عندما تكون المعلومة الميدانية غائبة، ويُراد استدراج الخصم إلى كشف أوراقه دون اشتباك فعلي.

محاولات لجرّ أنصار الله إلى “خطأ تكتيكي”

ما تسعى إليه واشنطن من خلال هذا التسريب هو دفع أنصار الله إلى ارتكاب خطأ تكتيكي، سواء بتحريك وحداتهم النوعية، أو تفعيل أنظمة دفاع كانت في وضع التخفي. في كلتا الحالتين، ستحصل واشنطن على فرصة لرصد نشاط جديد، ربما يعطيها “نافذة استخباراتية” كانت مفقودة منذ بداية التصعيد الأخير. إنه استدراج غير مباشر: إشعال فتيل خوف محسوب، ليفصح الخصم عن بعض أوراقه، أو يُعيد ترتيب مواقعه بشكل أقل سرية.

استخدام الحرب النفسية لتقويض الداخل لأنصار الله

من الجانب النفسي، فإن الحديث عن اجتياح بري يُستخدم لتوتير الجبهة الداخلية لأنصار الله، وإظهارهم كعامل تهديد وجودي قد يجر البلاد إلى مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة. هذا النوع من الضغط يُستهدف به أيضاً البيئة الحاضنة للجماعة، وقد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار الداخلي، أو على الأقل اختبار مرونة الجماعة في حشد أنصارها عند الشعور بالخطر.

اختبار ردود الفعل الإقليمية والدولية

ضمن حسابات واشنطن، لا يمكن تجاهل أهمية اختبار ردود فعل الشركاء الإقليميين خصوصاً دول الخليج تجاه احتمال انخراط بري في اليمن. كما أن هذا النوع من التسريبات يوفّر فرصة لقياس موقف القوى الدولية مثل روسيا والصين، ومدى استعدادها للدخول في مواجهات سياسية أو حتى دعم غير مباشر لطرفي الصراع. ومتى ما شعرت واشنطن بأن هناك اعتراضاً واسعاً أو بيئة دولية غير مواتية، يمكنها ببساطة التراجع عن الخطوة، مستفيدة من عدم إصدار إعلان رسمي.

محاولة التأثير على الحاضنة الدولية للحركة

لا يقتصر التأثير المتوقع على أنصار الله فقط، بل يمتد إلى الجهات التي تتحالف أو تتعاطف معهم في الإقليم أو خارجه. تسريب نوايا التدخل البري قد يكون بمثابة “جرس إنذار” لحلفائهم، في محاولة لفصل الدعم السياسي أو الإعلامي عنهم، أو دفع هؤلاء الحلفاء لإعادة تقييم جدوى استمرار العلاقة في حال تصاعد الحرب إلى هجوم بري واسع ضد أنصار الله من قبل الآلة العسكرية الأمريكية وحلفائها.

إدارة الظهر الإعلامي للعملية

من اللافت أن الحديث عن الهجوم البري جاء عبر تسريبات إعلامية لا بيانات رسمية. هذه النقطة تحديداً تعكس تكتيكاً معروفاً في العمليات النفسية: استخدام الإعلام كقناة غير رسمية لإرسال رسائل مشفرة. فإذا تحقق الهدف المطلوب من التلويح، سيكون ذلك انتصاراً “نظيفاً” دون تكلفة عسكرية. وإن جاءت النتائج سلبية أو غير محسوبة، يمكن ببساطة التنصل من التسريبات، وتحميل الإعلام مسؤولية “التهويل”.

بناء رواية تمهيدية لأي تصعيد لاحق

في حالة اتخاذ قرار فعلي بتوسيع العمليات العسكرية، فإن هذه التسريبات تعمل كرواية تمهيدية للرأي العام الأمريكي والدولي. التدرج في التصعيد الإعلامي يعطي غطاءً سياسياً لاحقاً لأي تدخل محدود أو موسع. في هذا السياق، يُمكن اعتبار التسريب جزءاً من حملة إدارة التصعيد، وليس مجرد تكتيك آنٍ.

خاتمة تحليلية:

التعامل مع هذه التسريبات على أنها مجرد نية هجومية، دون ربطها بالبُعد الاستخباراتي والنفسي، يُعد قراءة قاصرة للواقع. واشنطن، في ظل غياب سيطرة ميدانية واستخبارات بشرية فاعلة داخل اليمن، تتجه إلى “تحريك المسرح” عبر الحرب النفسية والمعلوماتية. هي لا تُخطط للاجتياح العسكري بقدر ما تُراهن على ردود الفعل. في مثل هذه البيئات، قد يكون الصدى أقوى من الصوت، والإشاعة أقوى من الطلقة.

فالخطر الحقيقي لا يكمن في قدوم قوات أمريكية إلى صنعاء، بل في نجاح واشنطن بجعل خصمها يتحرك باتجاه الكمين… طواعية.

مقالات مشابهة

  • نزع سلاح المقاومة الفلسطينية: المعركة الأخيرة للمحتل
  • ‏تسريب الهجوم البري الأمريكي في اليمن: قراءة استراتيجية في تكتيكات الحرب غير المعلنة
  • وزير حرب الاحتلال: مصر هي التي اشترطت نزع سلاح حماس وغزة
  • هل نزع السلاح يُنهي الحرب؟
  • الأمين العام للأمم المتحدة يندد بتدفق السلاح والمقاتلين إلى السودان
  • كيف تناولت الصحف الغربية دخول الحرب بالسودان عامها الثالث؟
  • هاكان فيدان يجري مباحثات مع نظيريه الأمريكي والإيراني
  • نائب رئيس حزب الامة القومي: الحرب التي شنتها المليشيا هدفت الى طمس هوية السودان
  • حماس: أبلغنا مصر أن المدخل لأي اتفاق هو وقف الحرب والانسحاب وليس السلاح
  • الهدنة مقابل السلاح.. حماس ترد على مقترح جديد لوقف الحرب في غزة