لطالما شغلني سؤال، ما الهدف من معرض الكتاب؟، بحث وتأمل، حتى وجدت الإجابة في شغف رواده، الذين ينتظرونه بفارغ الصبر، كالنحلة تجني رحيق الزهور لتسكبها عسلاً ينفع الناس، كذلك القراء يجمعون المعرفة من كل العلوم، فهي تغذي عقولهم وتثري أفكارهم وتفتح أمامهم آفاق جديدة من الفهم والمعرفة، ليقدموا للناس ما يفيدهم، ولا يقلل هذا التشبيه من شأن القراء، بل يقرب الصورة أكثر فأكثر، فكما يدرك النحل قيمة الزهور، يدرك القراء قيمة المعلومة الموجودة بين دفتي كتاب.

 

ومن ثم أدركت أن معرض الكتاب ليس مجرد مكان لعرض الكتب وبيعها، بل هو رحلة ثقافية تُثري الفكر، حيث يصبح الكتاب محوريًا يشارك إبداعه ويضيء دروب المعرفة لرواد المعرض، ومن خلاله يُقدم التراث الفكري بين يد الأجيال ليستفيدوا منه ومن ثم يضيفوا إليه، ويمثل هذا الحدث الهام هوية حضارية وثقافية للمجتمع، فيه تتجلي روعة التراث الفريد في علاقة بين الكاتب والقارئ، حيث تلتقي الأرواح على صفحات الكتاب، مشاعر جديدة تُولد لا يعرفها إلا هؤلاء، كالنحل لا يهدأ طموحه حتى يرتشف من رحيق الأزهار.

وبينما عقلي يطوف حول هذه الإجابة، راوده سؤال أخر، كيف نستطيع استثمار تراثنا الثقافي والفكري في واقعنًا المعاصر؟، ولا غرو فنحن نملك ثروة هائلة من المعرفة والأفكار، وتتجه الأنظار إليها مع كل دورة من دورات معرض الكتاب، فهل تراثنا مجرد رمز للوجاهة؟ أم أداة قوية يمكننا استخدامها لخوض معارك اجتماعية، ثقافية، سياسية، واقتصادية؟، تحسم نتائجها لنا في النهاية.  

وقبل الغوص والبحث عن الإجابة، استحضر ذهني مشهدًا من الماضي، عندما كان الشعراء والأدباء يتبارزون بشعرهم ونصوصهم فينشدون فخرهم بأنسابهم وعاداتهم، بل وانتصاراتهم في حروبهم وغزواتهم، ولم يقفوا عند هذا الحد، بل تجاوزوه إلى التعبير عن مشاكلهم وقضاياهم، فقدموا صورا لعلاج هذه المشاكل وترميم جوانب الضعف فيها، مما يدل على دورهم الفعال في إحداث التغيير والتقدم في المجتمع، وهذا المشهد لا شك يُظهر كيف أن التراث المعرفي أداة للتعبير عن الهوية، بل أداة حضارية فعالة، ونحن اليوم أشد احتياجا لها من أي وقت مضى.

وسط هذا الكم الهائل من الأفكار المعروضة في المعرض لا يُعدم الباحث المتعمق أن يجد العديد من الحلول لمشاكلنًا وقضايانًا المستعصية، كما يمكن من خلال هذه الأفكار إجراء نقاش متعمق لهذه القضية أو تلك، نلامس بهذا الطرح احتياجات المجتمع ونصل إلى جذور المشكلات، بالطبع فالأمة التي يهتم مثقفوها بتوجيه دفتها، قادرة على إيجاد حلول مبتكرة لكل عثرة تقف أمام نهضتها، وتجد من الأدوات ما تمكنها من بناء جدار عازل يحمي المجتمع من حدوث أي خلل فيه.

ولتفادي شعور القارئ بالممل من حواراتي الداخلية، أطرح سؤلا قد يجد أحدكم إجابة له، لماذا لا نربط المعرض بقضية جوهرية تهم المجتمع داخليًا وخارجيًا؟ أسوة باختيار شخصية للمعرض في كل دورة من دوراته، بما يساهم في خلق وعي جمعي حول هذا القضية وتحفيز النقاش حولها.

ولا شك أن القضية المدفوعة بهذا الكم من الثراء البشري من الكتاب والمفكرون والذين لا تستطيع أن تجمعهم في أي مكان أخر سوى معرض الكتاب، تُصبح ذات تأثير في حياة الجمهور، نتيجة اتجاه الجمهور بعقولهم تجاه هذا الحدث الضخم، نخوض في القضايا بشكل متعمق، فنختار قضية بعينها هذا العام، وتلك القضية في عام أخر وهكذا في كل عام، تُطرح الرؤى والأفكار المتعلقة بكل قضية، يكون حوارًا فكريًا محشود بكم من الآراء والرؤى، فنخرج من هذا المارثون الفكري والثقافي بتوصيات تنفذها جميع الجهات المعنية ويلتزم المجتمع حيالها بالانصياع  والتطبيق، أما اقتطاف شيء من كل قضية ومناقشة القضايا بشكل مبسط، فلن يفيدنا كثيرًا لأن الأمر أصيح أكثر تعقيدًا ويحتاج إلى بحث أكثر عمقًا وتركيزًا، وهذا لن يحدث إلا إذا حشدت كل الجهود حول قضية بعينها.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: معرض الكتاب التراث معرض الکتاب

إقرأ أيضاً:

الوالي مهيدية : الجمهور المغربي مطالب بتسويق صورة حضارية عن بلدنا بالتشجيع الراقي في أفق إستضافة التظاهرات العاملية

زنقة 20. الدارالبيضاء

أكد المشاركون في المناظرة الجهوية حول التشجيع الرياضي، المنعقدة اليوم الجمعة بالدار البيضاء، على ضرورة التعبئة الشاملة لجميع الأطراف المعنية، من أجل النهوض بالتشجيع الرياضي لضمان بيئة تعكس القيم الحضارية للمملكة.

وشدد المتدخلون، خلال هذا اللقاء الذي نظمته ولاية جهة الدار البيضاء – سطات، على أهمية التوافق حول رؤية مشتركة للنهوض بالتشجيع الرياضي المغربي، قوامها الروح الرياضية والاحترام والوطنية الفاعلة والمسؤولة.

وفي كلمة بالمناسبة، قال والي جهة الدار البيضاء – سطات، عامل عمالة الدار البيضاء، محمد امهيدية، إن “المكاسب والإنجازات التي جعلت من بلادنا نقطة جذب واستقطاب وقوة كروية صاعدة، تقتضي أيضا إيلاء العناية الكاملة للمنظومة التشجيعية خصوصا في الوسط الكروي، مؤكدا أن “الهدف الأسمى هو رفع معنويات اللاعبين وإذكاء الروح الوطنية العالية وحشد وتأطير الجماهير وتسويق صورة راقية وحضارية عن بلدنا في جو من الاحتفالية والتعايش والأمن والأمان”.

وأضاف أن تنظيم هذه المناظرة الجهوية يأتي كخطوة استباقية تروم تثمين المكتسبات والاشتغال على تطوير آليات التشجيع والارتقاء بها ومأسستها في أفق استضافة كأس إفريقيا للأمم وكأس العالم، وذلك من أجل إنجاح هاتين التظاهرتين وجعلهما حفلين رياضيين تسودهما مظاهر الفرح والبهجة الشعبية في جو من الأمن والسكينة والتعايش.

وتابع “إننا نعول اليوم على هذا الجمهور للمساهمة في إنجاح التظاهرات، وتمثيل المغرب خير تمثيل أمام العالم”، مشيرا إلى أن التزام الجمهور المغربي بالقوانين واحترامه للتدابير التنظيمية سيساهم في تقديم صورة إيجابية عن المغرب كبلد قادر على تنظيم مثالي للتظاهرات الرياضية الكبرى بنجاح.

وأبرز، في هذا الصدد، أهمية الدور التأطيري الذي يجب أن تضطلع به جمعيات المشجعين والمحبين بشراكة مع مختلف الفاعلين المؤسساتيين، بهدف الإسهام في التنظيم وتعبئة المتطوعين لاستقبال وتوجيه الجماهير الأجنبية والتعريف في أوساطها بالثقافة المغربية، مؤكدا أن ذلك سيساهم في تكريس المغرب كوجهة رياضية عالمية وكوجهة سياحية متميزة.

وتضمنت أشغال هذه المناظرة ورشتين رئيسيتين، تناولت الأولى “دور المشجع في تكريس ريادية كرة القدم الوطنية”، بينما تطرقت الثانية لموضوع “أمن التظاهرات الرياضية والتشجيع الرياضي – نحو رؤية تشاركية”، وذلك بحضور ممثلي الهيئات القضائية، والمصالح الأمنية، واللاممركزة، والجمعيات الرياضية، وخبراء وأكاديميين وباحثين ورياضيين ومسيرين ومؤطرين وإعلاميين وممثلي المجتمع المدني.

وشدد المشاركون في الورشة الأولى على أهمية نشر ثقافة الممارسة الرياضية وقيم المواطنة، وإخماد فتيل التعصب بين الجماهير، وضمان شروط التحليل الموضوعي، وتسليط الضوء على القضايا التي تساهم في تطوير الرياضة.

أما الورشة الثانية، فعرفت التأكيد على أهمية تقوية الروابط وتشجيع التعاون بين الجماهير الرياضية والأندية والسلطات العمومية وكل الفاعلين، بما يضمن درجات عالية من الفرجة والتأمين والمسؤولية، ويحد استباقيا من المخاطر المرتبطة بالأمن والسلامة داخل المنشآت الرياضية وخارجها.

التشجيع الرياضيالدارالبيضاءالوالي مهيدية

مقالات مشابهة

  • محافظ القاهرة يشرف على أعمال إزالة سوق الزلزال العشوائي ونقل البائعين لأسواق حضارية مجمعة بالمقطم
  • الوالي مهيدية : الجمهور المغربي مطالب بتسويق صورة حضارية عن بلدنا بالتشجيع الراقي في أفق إستضافة التظاهرات العاملية
  • «أبوظبي الدولي للكتاب».. «مجتمع المعرفة.. معرفة المجتمع»
  • في ثاني أيام معرض الكتاب 2025.. إقبال واسع وفعاليات تحتفي بالثقافة
  • علي فوزي يكتب: سيناء.. بداية مقبرة الغزاة
  • «فتح»: القضية الفلسطينية برمتها تتعرض اليوم لحرب إبادة
  • محمد حامد جمعة يكتب: الدو
  • «الأرشيف والمكتبة الوطنية» يستعرض إصداراته ومبادراته في «أبوظبي للكتاب»
  • سامح قاسم يكتب | محمود الورداني.. صائد الخسارات النبيلة
  • الاستاد الرئيس لنادي القادسية بسعة 47 ألف متفرج: ملعب أرامكو.. تحفة فنية بـ» هوية سعودية»