محمود أبو حبيب يكتب: معرض الكتاب بوابة إلى هوية حضارية وثقافية.. هل نحسن استخدامها؟
تاريخ النشر: 5th, February 2024 GMT
لطالما شغلني سؤال، ما الهدف من معرض الكتاب؟، بحث وتأمل، حتى وجدت الإجابة في شغف رواده، الذين ينتظرونه بفارغ الصبر، كالنحلة تجني رحيق الزهور لتسكبها عسلاً ينفع الناس، كذلك القراء يجمعون المعرفة من كل العلوم، فهي تغذي عقولهم وتثري أفكارهم وتفتح أمامهم آفاق جديدة من الفهم والمعرفة، ليقدموا للناس ما يفيدهم، ولا يقلل هذا التشبيه من شأن القراء، بل يقرب الصورة أكثر فأكثر، فكما يدرك النحل قيمة الزهور، يدرك القراء قيمة المعلومة الموجودة بين دفتي كتاب.
ومن ثم أدركت أن معرض الكتاب ليس مجرد مكان لعرض الكتب وبيعها، بل هو رحلة ثقافية تُثري الفكر، حيث يصبح الكتاب محوريًا يشارك إبداعه ويضيء دروب المعرفة لرواد المعرض، ومن خلاله يُقدم التراث الفكري بين يد الأجيال ليستفيدوا منه ومن ثم يضيفوا إليه، ويمثل هذا الحدث الهام هوية حضارية وثقافية للمجتمع، فيه تتجلي روعة التراث الفريد في علاقة بين الكاتب والقارئ، حيث تلتقي الأرواح على صفحات الكتاب، مشاعر جديدة تُولد لا يعرفها إلا هؤلاء، كالنحل لا يهدأ طموحه حتى يرتشف من رحيق الأزهار.
وبينما عقلي يطوف حول هذه الإجابة، راوده سؤال أخر، كيف نستطيع استثمار تراثنا الثقافي والفكري في واقعنًا المعاصر؟، ولا غرو فنحن نملك ثروة هائلة من المعرفة والأفكار، وتتجه الأنظار إليها مع كل دورة من دورات معرض الكتاب، فهل تراثنا مجرد رمز للوجاهة؟ أم أداة قوية يمكننا استخدامها لخوض معارك اجتماعية، ثقافية، سياسية، واقتصادية؟، تحسم نتائجها لنا في النهاية.
وقبل الغوص والبحث عن الإجابة، استحضر ذهني مشهدًا من الماضي، عندما كان الشعراء والأدباء يتبارزون بشعرهم ونصوصهم فينشدون فخرهم بأنسابهم وعاداتهم، بل وانتصاراتهم في حروبهم وغزواتهم، ولم يقفوا عند هذا الحد، بل تجاوزوه إلى التعبير عن مشاكلهم وقضاياهم، فقدموا صورا لعلاج هذه المشاكل وترميم جوانب الضعف فيها، مما يدل على دورهم الفعال في إحداث التغيير والتقدم في المجتمع، وهذا المشهد لا شك يُظهر كيف أن التراث المعرفي أداة للتعبير عن الهوية، بل أداة حضارية فعالة، ونحن اليوم أشد احتياجا لها من أي وقت مضى.
وسط هذا الكم الهائل من الأفكار المعروضة في المعرض لا يُعدم الباحث المتعمق أن يجد العديد من الحلول لمشاكلنًا وقضايانًا المستعصية، كما يمكن من خلال هذه الأفكار إجراء نقاش متعمق لهذه القضية أو تلك، نلامس بهذا الطرح احتياجات المجتمع ونصل إلى جذور المشكلات، بالطبع فالأمة التي يهتم مثقفوها بتوجيه دفتها، قادرة على إيجاد حلول مبتكرة لكل عثرة تقف أمام نهضتها، وتجد من الأدوات ما تمكنها من بناء جدار عازل يحمي المجتمع من حدوث أي خلل فيه.
ولتفادي شعور القارئ بالممل من حواراتي الداخلية، أطرح سؤلا قد يجد أحدكم إجابة له، لماذا لا نربط المعرض بقضية جوهرية تهم المجتمع داخليًا وخارجيًا؟ أسوة باختيار شخصية للمعرض في كل دورة من دوراته، بما يساهم في خلق وعي جمعي حول هذا القضية وتحفيز النقاش حولها.
ولا شك أن القضية المدفوعة بهذا الكم من الثراء البشري من الكتاب والمفكرون والذين لا تستطيع أن تجمعهم في أي مكان أخر سوى معرض الكتاب، تُصبح ذات تأثير في حياة الجمهور، نتيجة اتجاه الجمهور بعقولهم تجاه هذا الحدث الضخم، نخوض في القضايا بشكل متعمق، فنختار قضية بعينها هذا العام، وتلك القضية في عام أخر وهكذا في كل عام، تُطرح الرؤى والأفكار المتعلقة بكل قضية، يكون حوارًا فكريًا محشود بكم من الآراء والرؤى، فنخرج من هذا المارثون الفكري والثقافي بتوصيات تنفذها جميع الجهات المعنية ويلتزم المجتمع حيالها بالانصياع والتطبيق، أما اقتطاف شيء من كل قضية ومناقشة القضايا بشكل مبسط، فلن يفيدنا كثيرًا لأن الأمر أصيح أكثر تعقيدًا ويحتاج إلى بحث أكثر عمقًا وتركيزًا، وهذا لن يحدث إلا إذا حشدت كل الجهود حول قضية بعينها.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: معرض الكتاب التراث معرض الکتاب
إقرأ أيضاً:
العالم الدكتور عبد الله الغنيم شخصية معرض الكتاب الدولي بالكويت: القاهرة صاحبة الفضل في تشكيل رؤيتي الفكرية والثقافية
وقع اختيار معرض الكويت الدولي للكتاب في دورته السابعة والأربعين لهذا العام على شخصية العالم الجليل الدكتور عبد الله الغنيم المتخصص وأحد مؤسسي علم المخطوطات وذلك لإسهاماته وإنجازاته في مجالات البحث العلمي والثقافة.
واستعرض الدكتور الغنيم خلال جلسة حوارية أقيمت في قاعة كبار الزوار ضمن فعاليات النشاط الثقافي المصاحب للمعرض مسيرته العلمية ومحطات من حياته كان لها الأثر الكبير في تشكيل رؤيته الثقافية والفكرية بحضور نخبة من المثقفين والمهتمين وزملائه و أقربائه.
أدار الجلسة الدكتور البدر الذي استعرض مساهمات الدكتور الغنيم لا سيما إسهاماته في رئاسة مركز البحوث والدراسات الكويتية حيث قاد العديد من المبادرات التي تهدف إلى توثيق تاريخ الكويت وتراثها الثقافي والحضاري.
وتحدث الدكتور الغنيم عن مسيرته الحافلة في مجالات البحث العلمي والتأليف إضافة إلى إسهاماته في توثيق التراث الكويتي وتعزيز الهوية الثقافية، مؤكدا أهمية الكتاب والمعرفة في بناء المجتمعات.
وقال الدكتور الغنيم أن بحوثه و دراساته تندرج في ثلاث مسارات رئيسية يربط بينهما جميعا التراث العربي بعناصره الموسوعية المختلفة.
وقال ان المسار الأول هو (جغرافية شبه الجزيرة العربية) والثاني (التراث الجغرافي العربي بوجه عام والجانب الطبيعي بوجه خاص) والثالث (المخطوطات الجغرافية العربية فهرسة وتحليلا وتحقيقا).
وأكد ان الجزيرة العربية بتنوع اشكال سطحها وطبوغرافيتها استهوته منذ أن كان في العاشرة من عمره وفي رحلاته الى الحج مع والده حيث كانت الأولى سنة 1957 والثانية في السنة التي تلتها مبينا انه كان ينظر في الطريق الى رمال الدهناء وجالات نجد وحرات الحجاز.
وقال انه جمع في تلك الفترة كل ما يمكن الحصول عليه من معلومات حول تلك الأرض وزاد ذلك بعد أن أنهى دراسته الثانوية وانتقل للدراسة الجامعية في القاهرة. مؤكدا أن البيوت الثقافية في القاهرة خاصة بيت العلامة والمحقق المصري محمود محمد شاكر، والذي عرف بدفاعه الشرس عن الحضارة العربية الإسلامية.
فكان أول منهل ينهل منه علوم المخطوطات أثناء دراسته بجامعة القاهرة
و أشار الغنيم إلى أول بحث ينشر له وحمل عنوان (الدحلان في شبه الجزيرة العربية) وقد نشر في مجلة رابطة الأدباء بالكويت عام 1969 وهو العام الذي تخرج فيه من الجامعة.
و أضاف أن رسالة الماجستير كان موضوعها (الجغرافي العربي أبو عبيد البكري مع تحقيق الجزء المتعلق بالجزيرة العربية من كتابه المسالك والممالك) مبينا انه قرأ من أجل تلك الدراسة معظم ما كتبه القدماء و المحدثون عن جزيرة العرب أو عن المملكة العربية السعودية.
وقال أن عمله في الماجستير أثمر عدة كتب منها كتاب (مصادر البكري ومنهجه الجغرافي) ويشتمل الكتاب على دراسات تفصيلية تتعلق بالجزيرة العربية كما جاءت في كتابي (المسالك والممالك) و(معجم ما استعجم للبكري).
وعن دراسته للدكتوراه قال انه هدف إلى هدفين رئيسين اولهما (دراسة اشكال سطح الارض في شبه الجزيرة العربية بالاعتماد على التراث العربي القديم ومعالجة ذلك وفق منظور عصري) وثانيهما (جمع المصطلحات الجغرافية العربية في هذا الشأن واقتراح ما يمكن استخدامه في كتاباتنا الحديثة).
وأشار الدكتور الغنيم إلى دراساته الميدانية الإقامة في العديد من الدول من أجل البحث العلمي والاطلاع على أحدث المصادر الجيومرفولوجية ذات العلاقة بالصحاري والمناطق الجافة.
وقال أنه كان يبحث عن العلاقات السببية بين نشأة شبه الجزيرة العربية من الناحية الجيولوجية والأشكال الأرضية الماثلة أمامنا الآن ويحاول الربط أيضا بين تلك الاشكال والنشاط البشري.
وأشار الدكتور الغنيم الى العديد من الأسماء الذين كان لهم الفضل في مسيرته وتتلمذ على يدهم منهم إلى جانب العلامة المصري محمود محمد شاكر أيضا علامة الجزيرة العربية الشيخ حمد الجاسر رحمه الله،
وهو الصحفي وعالم الانساب والمحقق البارع والكاتب والشاعر، كان رحمه الله عضوا فاعلا في العديد من مجامع اللغة العربية بالقاهرة وعمان ودمشق والأردن والعراق، وهو مؤسس مجلة اليمامة السعودية المتخصصة في مجال تاريخ وآداب الجزيرة العربية.
بعث للدراسة بكلية الآداب جامعة القاهرة عام 1939 وعاد عقب اندلاع الحرب العالمية.
والمرحوم محمد رشاد عبد المطلب أحد أعلام معهد المخطوطات العربية المفهرسة وغير المفهرسة، وهو أحد أبرز العاملين بمعهد المخطوطات العربية بالقاهرة، إذ التحق به بعد عام واحد من تأسيس المعهد بموجب قرار جامعة الدول العربية سنة 1947. وقد استمرت خدمة الأستاذ رشاد بالمعهد عبر بعثاته في جلب المخطوطات و فهرستها و إتاحتها للباحثين قرابة ثلاثة عقود.
وحظيت المحاضرة بتفاعل كبير من الحضور الذين أعربوا عن تقديرهم للدور الكبير الذي لعبه الدكتور الغنيم في إثراء المشهد الثقافي الكويتي والعربي.
كما تطرق الدكتور الغنيم الى مركز البحوث والدراسات الكويتية وعن الوثائق التاريخية واهميتها مشيرا إلى فترة الغزو العراقي على الكويت وجمع عدد كبير من الوثائق في تلك الفترة التي توصلوا من خلالها إلى العديد من الحقائق مبينا أن هناك العديد من الكتب التي صدرت بناء على تلك الوثائق.
ويأتي اختيار الدكتور عبد الله الغنيم شخصية المعرض في دورته الـ47 تقديرا لعطاءاته الثقافية والعلمية الممتدة على مدار عقود ودوره في إثراء المكتبة الكويتية والعربية بمؤلفاته القيمة.
يذكر أن الدكتور عبد الله الغنيم محاضر وباحث مميز في مجال الفكر الجغرافي العربي وجيومرفولوجية شبه الجزيرة العربية وقد درس في هذين الموضوعين سنوات عدة تسنم خلالها مناصب مختلفة.
وشغل الدكتور الغنيم العديد من المناصب سابقا فكان رئيسا لقسم الجغرافيا ثم عميدا لكلية الآداب بجامعة الكويت و ترأس تحرير مجلة دراسات الجزيرة العربية والخليج التي تصدرها من جامعة الكويت وعمل مديرا لمعهد المخطوطات العربية ووزيرا للتربية ووزيرا للتعليم العالي.
وغاص الدكتور الغنيم في أعماق تاريخ الكويت وتراثها الحضاري بعد توليه رئاسة مركز البحوث والدراسات الكويتية منذ عام 1992 حتى الآن.