الثورة نت:
2025-02-01@10:02:06 GMT

الخروج اليماني العظيم

تاريخ النشر: 5th, February 2024 GMT

 

 

بات الخروج الذي يشبه زحوف الحشر علامة مميّزة للشعب اليمني العزيز، وظاهرة يمنية بامتياز…
ربّما خرج الناس هنا وهناك في مناسبة أو أخرى، ولربّما احتشدوا في هذه الساحة أو تلك بتكليف من جهةٍ عليا في نظام ما وتحت مراقبة ومتابعة للحضور الذي يوفّر لهم وسائط النقل مجيئاً وانصرافاً، ولربما زيد على هذا وجبةً سريعة أو قارورة ماء تحفيزاً لهم كي يحضروا.

.
الاجتماع في حد ذاته حين يكون حشراً يعدّه البعض مؤشّراً على شعبية من دعا إليه، ولربما وصف بالاستفتاء على القضية التي احتشد الناس لها…
ومن هنا كان الاجتماع للصلاة من أعظم الشعائر التي يُقاس بها إيمان والتزام المرء المسلم لدرجة جعلها من أول ما يُسأل عنه في حسابه الأخروي، وأنّها عمود الدين، وهذا يُقال في الجمعة، حيث يجتمع المصلّون في المسجد الجامع وراء خطيب واحد وإمام للصلاة واحد، ويعظُم الحال في ركن الحج ومناسكه المعظّمة، حيث يلتقي المسلمون الآتون من زوايا الأرض الأربعة ويجتمعون في صعيد واحد بلباس واحد في أجلى مظاهر الوحدة والتوحيد..
وقل مثل هذا في الجهاد، حيث النفير والبعث والصف الواحد والغاية الواحدة..
هذه الشعائر المقدّسة التي يحبّها الله، وهي محل نظره، بل ومباهاته لملائكته المقربين، تمثّل المادة الأساس التي وضعت لتماسك بناء الأمة على المستويين الفردي والجمعي، وتعدّد هذه الشعائر وتنوّعها فوق أنّه تعبير عن سعة الرحمة الإلهية، واللطف الإلهي في تربية النفس البشرية وتزكيتها وسدّ حاجاتها المتنوعة، وتجنّب أن تصاب بالفتور من اعتياد وألفة النوع الواحد، فإنّه بالجمع بين هذه العبادات يجعل منها مثل السبيكة التي تتكون من مزيجٍ من العناصر المتآلفة المنسجمة يشدّ بعضها بعضاً ويزيد بعضها بعضاً قوة وصلابة..
هذه الشعائر، حيث تجتمع في الإنسان والمجتمع تزيده قوةً ومنعةً وعلوّاً، وشدّة وصلابة تتحطّم عليها الفتن ويُدحر أمامها الشيطان وحزبه، ويُغاظ بها أعداء الله..
هذه الشعائر المعظمة منها ما هو يومي ومنها ما هو أسبوعي، ومنها ما هو حولي، ويتخللها ما هو موسمي كشعيرة صلاة العيدين، فهي متصلة دونما انقطاع، تضيق حيناً، وتتسع حيناً حسبما يقتضيه الشرع، وملاك ذلك الاستجابة لداعي الله، وتحقيق العبودية له سبحانه وحده لا شريك له، وإظهار وحدة الأمة وقوتها وتماسكها والولاء فيما بين أفرادها وشعوبها وقبائلها تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يدٌ على من سواهم….
وقد جعل الله بين يدي هذا الحشد الإيماني نداءً سُمّي أذاناً، وهو ذكر مخصوص شُرع للإعلام بدخول الوقت ودعوة الناس إلى الاجتماع، وهو شعيرة عظيمة من شعائر الإسلام..
جاء في تفسير قوله تعالى: { وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ}الحج:27 أي : أعلم ونادِ الناس بالحج، والخطاب هنا لإبراهيم (عليه السلام)، فقال إبراهيم: وما يبلغ صوتي؟ فقال: عليك الأذان وعليّ البلاغ، فقام إبراهيم (خليل الله) على جبل أبي قبيس وصاح: يا أيّها الناس، إنّ ربّكم اتخذ بيتاً فحجّوه، فيقال أن الجبال تواضعت حتى بلغ الصوت أرجاء الأرض، وأسمع من في الأرحام والأصلاب، وأجابه كل شيء سمعه من حجر ومدر وشجر، ومن كتب الله أنّه يحج إلى يوم القيامة «لبيك اللهم لبيك»، قال ابن عباس: « فأوّل من أجابه أهل اليمن فهم أكثر الناس حجّاً» (تفسير البغوي وغيره).
وكأنّي بابن عباس (رضي الله عنهما) يشير إلى أهل اليمن في أيامنا هذه، وهم يستجيبون لداعي الله علم الهدى نصرة للمستضعفين في غزة وفلسطين، ويُقيمون على المسلمين الحجّة في خروجهم العظيم، حيث لا عذر لأولئك المخلّفين الذين هم على شاكلة المنافقين الأولين في تاريخ الأمة، أولئك الذين خذلوا الحق، واختلقوا الأعذار وقلّبوا الأمور، وحسبوا أن لا تكون فتنة فعموا وصمّوا، «والله بصير بما يعلمون»، وأهل الحق شهودٌ على نفاقهم..
وهنا يجيء الخروج اليماني المهيب، استجابة لداعي الله العلم السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي (حفظه الله) الذي يقف على سبيل جدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يدعو الناس إلى الله على بصيرة، بسنده المتّصل إلى القرآن والعترة، وهو يقود المسيرة القرآنية، وينسج من خيوط الإيمان درعاً سابغاً يتدرّع به الشعب اليمني، ورايةً مرفرفة باسقةً هي هويته الإيمانية التي حباه الله بها..
قبل عشرٍ من السنين، ما كان أحدٌ إلّا من رزقه الله البصيرة وتأويل الرؤيا يظن أنّ اليمن مقبل على حياة جديدة تنبت فيها جباله وسهوله كلّ هذا النبت من العزّة والكرامة، وقد كانت مركوزة فيه بالقوة، حتى جاء من يخرجها إلى الفعل، وهذه واحدة من ثمرات القيادة الربّانية المسلمة وجهها لله في سبيل الإحسان، { وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا}النساء:125
الخروج العظيم لأهل اليمن وهم الذين ما برحت الحروب تشنّ عليهم من الأقربين والأبعدين، وهم المحاصرون سياسياً، فلا أحدٌ من الأعراب يتعاطى معهم على حدِّ الاعتراف بهم، بينما نرى أولئك الأعراب يعترفون بـ «إسرائيل» ويشرعون أبواب بلدانهم لليهود الصهاينة الغاصبين المفسدين، وهم المحاصرون اقتصادياً فلا أحد يتبادل معهم تجارة ولا صناعة ولا زراعة، وأكثر من هذا تُفرض عليهم محاصرة مالية وتفرض «العقوبات» من الغرب الكافر على كل من يعمل أو يحاول كسر هذه الحصارات، ويدرجونه على قائمة «الإرهاب» ذلك التصنيف السخيف على حد قول السيّد القائد..
ومع كل هذا، فها هو اليمن يُحاصر حصاره، ويخرج من كل هذه الابتلاءات أصلب عوداً، وأشدّ قوة، وأمضى عزماً، وأكثر يقيناً، وأوضح نهجاً، وأبين قولاً ، وأصدق فعلاً، ولا يرضى بأقل من مقام السابقين المتقين مصداقاً لقوله الله عز وجل: { الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ..}آل عمران:172
ولقوله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}آل عمران:173
فهل من مصداق أعظم لهذا التوصيف الإلهي لجماعة من المؤمنين من اليمن ومقاومة فلسطين وغزة وحزب الله..
وبعد هذا الانطباق في الوصف الذي يُشير إلى المقدّمات، فإن من الحتميات أن تتحقق النتيجة المترتبة على هذه المعادلة أو السنّة الإلهية وهي: { فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} وهذا الأمر هو الذي يُعطي ليمن الإيمان والمجاهدين كل هذه الثقة في الله سبحانه والتوكّل عليه في كل شأن من الشؤون، وهو ما لا يفقهه الكافرون والمنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في هذا العالم.

* رئيس جمعية الصداقة الفلسطينية – الإيرانية

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

مفتي الجمهورية: القرآن أولى عناية كبرى بما يحقق مصالح الناس

عبر الدكتور نظير محمد عيّاد- مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في بداية كلمته خلال مسابقة بورسعيد الدولية للقرآن الكريم عن خالص تحيَّته وتقديره لمن كان سببًا في هذا اللقاء المبارك ومع هذا الجمع المبارك والحدث المبارك، وخصَّ بالذكر بشكل عام أسرة محافظة بورسعيد بشكل عام، وبشكل خاص اللواء محب حبشي -محافظ بورسعيد- .
وأشار إلى أن الله تعالى أيد رسله بالمعجزات الباهرات والآيات البينات التي تدل على صدق نبوتهم ورسالتهم، وكانت معجزة كل نبي من جنس ما اشتهر به قومه، فلما جاءت رسالة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم وخاتم النبيين كانت رسالة عامة وخاتمة فكانت معجزتها خالدة باقية بخلود وبقاء رسالته صلى الله عليه وسلم ألا وهي القرآن الكريم.
وقال : لقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم معجزات حسية عديدة كغيره من إخوانه الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ومع ذلك كان لا بد لهذه الرسالة من معجزة تلائم طبيعتهم، فتتعدد وجوه إعجازها لتقيم الحجة على الخلق كافة وتستمر وتتجدد على مر الأيام لتظل شاهدة على الأجيال المتلاحقة بصدق الرسول صلى الله عليه وسلم وربانية رسالته.
 

وأكد المفتي أن القرآن الكريم هو المعجزة الكبرى الدائمة للمصطفى صلى الله عليه وسلم لم يكن معجزة حسية كمعجزات غيره من الأنبياء من قبله؛ لأن المعجزة المادية لا تؤدي هذا الدور ولا تصلح لهذه المهمة، وإنما كانت معجزته معنوية خالدة؛ فقال صلى الله عليه وسلم: "ما من الأنبياء من نبي، إلا وقد أعطى من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة".

وبين اختصاص القرآن الكريم وتفرده بأمور عديدة دون غيره من المعجزات، ومن هذه الأمور أنه معجزة عقلية جاءت موافقة لطور الكمال البشري ونضوج الإدراك العقلي والعلمي الذي وافق عصر النبوة وما تلاه، كما أنه حجة على كل من بلغته آیات هذا القرآن ووعى ما جاء فيه من دعوة إلى الله، فهو رسول في الناس إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، كما اختص بتعهد الله تعالى بحفظه وصيانته من التحريف والتغيير والتبديل قال تعالى {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9].. ثم هو بعد كل ذلك مهيمن ومتضمن لما في الكتب السابقة من دون أن تتصادم حقائقه مع عقل صحيح ولا علم ثابت بيقين. 

ثم انتقل إلى بيان أن القرآن الكريم قد أولى عناية كبرى بكل ما من شأنه تحقيق مصالح البشر؛ فسن ما يحفظ على البرية كلياتها الخمس: نفسها، ودينها، وعقلها، وعرضها، ومالها، كما جاء بأمهات الفضائل وجوامع الأخلاق والآداب، وقرر المسؤولية الفردية ومسؤولية المجتمع كذلك، ومع أن القرآن قد أقر سنة التعدد والاختلاف بين الناس لكنه دعاهم للتعارف والتعاون فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: ١٣].

وأشار المفتي إلى أن القرآن الكريم قد حرر المرأة، وأعاد لها ما صادرته عليها أنظمة المجتمعات في ذلكم الوقت من حقوق لا يتسع المقام لتعدادها وبيانها، وجاء بفلسفة جديدة تقوم على العدل والمساواة والشورى والاحترام، كما وجه العباد إلى كل خير، فأمرهم بأحسن الأخلاق، وأرشدهم إلى أقوم القيم، وأفضل المبادئ.

وأكد استحسانه لما فعلته محافظة بورسعيد عندما حرصت على إقامة مسابقة للقرآن الكريم تذكيرًا بفضله، وتأكيدًا على واجب الأمة نحوه، وتنبيها على خطورة هجره، وقبح الإعراض عنه، الأمر الذي يؤكد على أهمية التنافس في حفظه، والتسابق في القيام بأمره، والعمل بما فيه.

مقالات مشابهة

  • كيف يكون النداء على الناس يوم القيامة بأبائهم أم أمهاتهم؟.. الإفتاء تكشف
  • حقيقة عديدة يس.. وكيف تحصن نفسك بالسورة الكريمة
  • مفتي الجمهورية: القرآن أولى عناية كبرى بما يحقق مصالح الناس
  • القبيلة اليمنية … استهدافها في الماضي ودورها في الحاضر والمستقبل
  • كيف كان النبي يستقبل شهر شعبان؟ أعمال مأثورة ومستحبة
  • المأثور عن النبي في شهر شعبان .. علي جمعة يوضح بالدليل
  • أحمد الشرع: كسرنا قيد نظام الأسد وحققنا النصر العظيم
  • بيان الأعضاء التي يجب السجود عليها في الصلاة
  • دار الإفتاء: بعد غد الجمعة أول أيام شهر شعبان 1446 هـ 2025 م
  • حميد الأحمر: ''الظروف والجهات التي أوصلت الحوثيين إلى صنعاء وتواطئت معهم قد تغيرت ومأرب عصية عليهم''