د. تمارا برّو لم تكد تنتهي أزمة إرسال أسلحة اليورانيوم المنضّب إلى كييف وتوعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالرد في حال استخدام السلاح النووي، حتى أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن عن رغبة بلاده تزويد أوكرانيا بذخائر عنقودية. وبعد أقل من أسبوع ، أعلنت كييف أنها تسلمت بالفعل الذخائر العنقودية . ويأتي ارسال هذا النوع من الذخيرة الى أوكرانيا ضمن حزمة مساعدات عسكرية أميركية لأوكرانيا بقيمة 800 مليون دولار ما يرفع إجمالي المساعدات العسكرية الأميركية إلى كييف منذ الحرب الروسية إلى أكثر من 41 مليار دولار أميركي.
وبحسب مسؤولين أميركيين فإن واشنطن ستعلن خلال الأيام المقبلة عن إرسال مساعدات عسكرية لأوكرانيا بقيمة 1.3 مليار دولار أميركي. وعلى الرغم من اعتراف الرئيس الأميركي جو بايدن بأن قرار إرسال ذخائر عنقودية لكييف كان قراراً صعباً للغاية، إلا أنه دافع عن ذلك بأن ذخيرة الأوكرانيين تنفذ. ومن جانبه دافع مستشار الأمن القومي الأميركي جاك سوليفان عن تزويد واشنطن لأوكرانيا بالذخائر العنقودية معتبراً أن قرار الحكومة الأميركية صائب، وأشار إلى أن أوكرانيا قدمت لبلاده ضمانات مكتوبة بأنها ستستخدم الذخائر العنقودية بشكل محدود دون إلحاق أذى بالمدنيين. وواجه القرار الأميركي بإرسال ذخائر عنقودية لكييف رفضاً من بعض الحلفاء ومن المنظمات الحقوقية ، فألمانيا التي عبّر رئيسها فرانك فالتر شتاينماير أنه بالرغم من موقف بلاده الرافض للذخائر العنقودية إلا أنه لا يمكنه منع الولايات المتحدة الأميركية عن المضي في مسعاها . ومن جانبه قال رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك أن بريطانيا ملتزمة باتفاقية حظر الذخائر العنقودية، كما انتقدت إسبانيا قرار إرسال هذا السلاح. وحث رئيس وزراء كمبوديا في تغريدته على تويتر الرئيسين الأميركي والأوكراني على عدم استخدام قنابل عنقودية في الحرب لأن الضحايا الحقيقيين سيكونون الأوكرانيين. وحرص المسؤول الكمبودي على تذكير أوكرانيا بالتجربة المؤلمة لبلاده التي تعرضت للقصف بقنابل عنقودية أميركية في مطلع السبعينات من القرن الماضي ما أدى إلى مقتل عشرات الالاف من الأسخاص أو اصاباتهم بإعاقات. بالمقابل حذر الرئيس الروسي من استخدام الذخائر العنقودية، وأشار إلى أن روسيا تحتفظ بحق الرد في حال استخدام هذا النوع من الذخيرة. تعرّف الذخائر العنقودية بأنها ذخيرة مصممة لتنثر أو تطلق ذخائر صغيرة متفجرة يقل وزن كل واحدة منها عن 20 كيلوغرام، ويمكن أن يتراوح عدد الذخائر الصغيرة التي تنثرها، أو تطلقها الذخائر العنقودية من بضع عشرات إلى أكثر من 600 ذخيرة. وتكمن خطورة الذخائر العنقودية في أنها تبقى نشطة حتى بعد انتهاء النزاع. فالكثير من هذه الذخائر لا ينفجر عند الاصطدام مهددة بذلك المدنيين في حال لم تتم ازالتها وتدميرها، إذ أن معدلات إخفاق الذخيرة العنقودية في الانفجار تتراوح في ظروف الاختبار من 5 إلى 20 %، إلا أن معدلات الإخفاق الحقيقية في أثناء القتال، أعلى من ذلك بكثير. فقد قدّر كريس كلارك، من مركز الأمم المتحدة لتنسيق إزالة الألغام في جنوب لبنان، أن معدل الفشل في إنفجار الذخائر العنقودية عند الارتطام بالأرض قد يقترب من 50%. وتبقى الذخيرة غير المنفجرة على الأرض، في انتظار ضحيتها، فما أن تطئ قدم الفرد عليها حتى تنفجر لتمزق جسده أشلاء تتطاير في كل مكان، مسببة له اعاقة بفقده أحد أطراف جسمه، أو تؤدي إلى وفاته ناهيك عن الالام النفسية التي تصيب المصابين. وبحسب تقرير الذخائر العنقودية الذي صدر العام الماضي عن مرصد الألغام الأرضية والذخائر العنقودية ، يمثل المدنيون نسبة 97% من إجمالي ضحايا الذخائر العنقودية ويحتل الأطفال 66% من حجم الاصابات. وبحسب التقرير أيضاً فقد تم استخدام الذخائر العنقودية في العام 2022 من قبل السطات الروسية والأوكرانية، وما زال هناك 29 دولة حول العالم ملوثة بمخلفات الذخائر العنقودية . وتسببت الذخائر العنقودية في العام 2021 بإصابة 149 شخصاً توفي منهم 59 وجرح 90. وبحسب التقرير أيضاً تشير البيانات إلى وقوع 689 ضحية على الأقل خلال الهجمات بالذخائر العنقودية في أوكرانيا في النصف الأول من العام 2022. ومن جهة أخرى، فإن تأثير الذخائر العنقودية لا يطال الأفراد فقط، بل الدولة الملوثة أرضها بهذه الذخائر. فهي لا تستطيع استغلال أرضها ومواردها الطبيعية، الأمر الذي يؤدي إلى بطء في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية. ناهيك عن تحملها التكلفة المادية لمعالجة المصابين بالذخائر العنقودية، وتحملها أيضاً تكلفة مالية كبيرة في حال قررت تنظيف الأراضي من الذخائر العنقودية غير المنفجرة ، حيث أن كلفة إزالة كل ذخيرة عنقودية غير منفجرة ، يبلغ معدلها بين ألفين وثلاثة آلاف دولار وفقاً لطبيعة الأرض. ومن الناحية القانونية فإن الذخائر العنقودية محرّم استخدامها بموجب اتفاقية حظر الذخائر العنقودية لعام 2008 نظراً لآثارها البشعة على المدنيين. كما أن استخدام هذه الذخيرة محظر بموجب مبادئ القانون الدولي العرفي التي تلزم جميع الدول حتى ولو كانت غير منضمة لاتفاقية الذخائر العنقودية، وبالتالي فأن استخدام هذا السلاح يعتبر جريمة حرب. للولايات المتحدة الأميركية تاريخ طويل في استخدام الذخائر العنقودية في حروبها، فهي قد استخدمتها في لاوس وكمبوديا وفيتنام وأفغانستان والعراق . وعلى خطى الولايات المتحدة الأميركية، استخدمت إسرائيل هذه الذخائر خلال حروبها على لبنان. ففي حرب تموز 2006 أمطرت إسرائيل جنوبي لبنان بحوالي 4.6 مليون قنبلة عنقودية فوجدت هذه القنابل في البيوت والحقول والطرقات والمدارس والمستشفيات، وحصدت أرواح المئات من اللبنانيين وخلّفت آلاف الجرحى غالبيتهم من المواطنيين والمزارعين والرعاة. وبحسب تقرير الذخائر العنقودية الصادر عن مرصد الألغام الأرضية والذخائر العنقودية لعام 2022 ، فقد سجل في العام 2021 حدوث 8 إصابات جديدة بالذخائر العنقودية في لبنان جميعهم من الأطفال . فضلاً عن أن استخدامها ألحق تلوثاً بالأرض بلغ 55.4 مليون متر مربع. وبحسب التقارير فإن 26 % من الأراضي الزراعية في جنوبي لبنان لوثت بالذخائر العنقودية. بعد مرور 17 عاماً على حرب تموز ما تزال القنابل العنقودية تفتك بحياة اللبنانيين مع وجود مساحات كبيرة من الأراضي في جنوبي لبنان لم تنظف بعد، ما يدل على احتمالية أن تستمر الذخائر في حصد المزيد من الأرواح . ان استخدام الذخائر العنقودية في الحرب الروسية الأوكرانية سيجعل من الأراضي التي تدور فيها المعارك ملوثة بالذخائر العنقودية غير المنفجرة التي تهدد حياة آلاف الأوكرانيين وتجعل من الأراضي الأوكرانية غير قابلة للزراعة والعيش ما لم يتم تنظيفها. وهكذا ستكون حياة الأوكرانيين القاطنين هناك أو الذين سيعودون إلى ديارهم بعد انتهاء الحرب مهددة لسنوات طويلة قد تمتد لمئات السنين. ستعقد الدول الأطراف في اتفاقية الذخائر العنقودية اجتماعها آواخر شهر آب/ أوغسطس القادم، وسيرأس المؤتمر الممثل الدائم للعراق لدى الأمم المتحدة. والعراق من الدول التي ما تزال تعاني من آثار الذخائر العنقودية غير المنفجرة، ويجب بذل المزيد من الجهد للضغط على الدول الانضمام الى الاتفاقية والتوقف عن استخدام الذخائر العنقودية التي يكون المدنيين ضحيتها الأساس كأنه لا يكفيهم ما عانوه من تهجير وفقر . أنفقت الولايات المتحدة الأميركية مئات الملايين من الدولارات في لاوس بهدف تنظيف الأراضي من الذخائر العنقودية التي ألقتها خلال السبعينات وأدت إلى قتل آلاف المدنيين. وإذا كان هذا ما يمكن أن تقدمه الولايات المتحدة للأوكرانيين بعد انتهاء الحرب الروسية فلا شيء يعوض عن حياة الضحايا وآلامهم النفسية نتيجة اصابتهم بالذخائر العنقودية التي أرسلتها واشنطن لكييف؟ باحثة لبنانية t.berro2020@hotmail.com
المصدر: رأي اليوم
كلمات دلالية:
استخدام الذخائر العنقودیة
الذخائر العنقودیة فی
بالذخائر العنقودیة
المتحدة الأمیرکیة
الولایات المتحدة
ذخائر عنقودیة
من الأراضی
عنقودیة فی
فی حال
إقرأ أيضاً:
«الجارديان»: مخاوف لدى الولايات المتحدة وأوروبا من تصعيد الحرب الهجينة الروسية بعد استخدام أوكرانيا الصواريخ بعيدة المدى
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
قالت وزارة الخارجية الأمريكية إنها قلقة للغاية بشأن حملة الحرب الهجينة الروسية ضد الغرب، وسط مخاوف من تصعيدها بعد استخدام أوكرانيا للمرة الأولى صواريخ بعيدة المدى أمريكية الصنع ضد أهداف داخل روسيا، بعد أن رفعت إدارة الرئيس الأمريكى جو بايدن القيود على استخدامها، بحسب ما ذكرت صحيفة "الجارديان" البريطانية.
وتشتمل استراتيجية الحرب الهجينة التى تتبناها روسيا على مزيج من العمليات التخريبية ضد البنية التحتية الرئيسية، والهجمات الإلكترونية، والتدخل فى الانتخابات، إلى جانب وسائل سرية لتقويض الدول الغربية، ما يؤدى إلى زعزعة التضامن مع أوكرانيا.
وقد حلت "الحرب الهجينة" محل الحرب الباردة بعدما تبنت موسكو عقيدة جديدة فى السياسة الخارجية تصنف الغرب كـ"تهديد وجودي" لها، ويجب "مواجهته".
ووعدت روسيا برد "مناسب" على السياسة الجديدة، وقامت بتغيير عقيدتها النووية فى الأيام الأخيرة. ومع ذلك، يعتقد المسئولون الغربيون أن زخم الرد الروسى قد لا يأتى فى ساحة المعركة فى أوكرانيا ولكن فى أماكن أخرى من العالم.
ويمكن أن تشمل الهجمات الهجينة المحتملة قائمة واسعة من الخيارات، بما فى ذلك توسيع روسيا حملتها للتخريب والاغتيالات فى أوروبا أو زيادة تسليح خصوم الولايات المتحدة فى الشرق الأوسط ومنطقة المحيطين الهندى والهادئ، وفقا لمسئولين مطلعين على المناقشات حول رد روسى محتمل.
وناقش الوزراء الأوروبيون الحرب الروسية الأوكرانية غير المتكافئة خلال اجتماع فى بروكسيل يوم الثلاثاء الماضي، حيث اتهم وزراء خارجية فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبولندا وإسبانيا والمملكة المتحدة، روسيا فى بيان مشترك بـ"مهاجمة هيكل الأمن الأوروبى بشكل منهجي".
فى حديثه فى العاصمة الأمريكية واشنطن، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر: "بشكل عام، نحن قلقون للغاية بشأن الحرب الهجينة التى تشنها روسيا فى كل من أوروبا وحول العالم، ونحن على تنسيق وثيق مع حلفائنا الأوروبيين وغيرهم من الحلفاء والشركاء حول العالم".
وأشارت الصحيفة إلى أن روسيا قد تختار تأجيل مزيد من التصعيد قبل تنصيب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة، والذى هدد بقطع المساعدات عن أوكرانيا والتوسط فى اتفاق سلام من المتوقع بشدة أن يكون فى صالح روسيا.
وذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، نقلا عن مسئولين أمريكيين وأوكرانيين، أن الهجوم الأوكرانى الأول بالصواريخ بعيدة المدى الأمريكية ضرب مستودعا للذخيرة فى منطقة بريانسك الروسية، وتقع المنطقة شمال غرب منطقة كورسك التى تشهد توغلا أوكرانيا منذ أوائل أغسطس الماضي.
ولم يؤكد الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى بشكل مباشر هجوم بريانسك، لكنه قال إن بلاده لديها صواريخ بعيدة المدى أمريكية الصنع، مضيفا: "أصبح لدى أوكرانيا قدرات بعيدة المدى، وسنستخدمها".
وقالت وزارة الدفاع الروسية إن خمسة من الصواريخ أسقطت وتضرر آخر. وأضافت الوزارة أن حطام الصواريخ تسبب فى اندلاع حريق فى منشأة عسكرية لم تذكر اسمها. بينما قال مسئول أمريكي، فى تصريحات نشرتها وكالة أنباء "أسوشيتد برس" الأمريكية، إنه تم اعتراض صاروخين فقط.
ووعد وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف، برد "مناسب" على الاستخدام الأول للصواريخ بعيدة المدى الأمريكية الصنع، والتى قال الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، عنها فى وقت سابق، إنها ستكون بمثابة دخول واشنطن وحلفائها فى حلف شمال الأطلسى (الناتو) فى صراع مباشر مع روسيا.
وقامت روسيا بتعديلات على العقيدة النووية الخاصة بها. ولكن قلل المتحدث باسم مجلس الأمن القومى الأمريكى من شأن هذا القرار، قائلا إن المراجعة كانت مخططة لأسابيع وأنه "لا يوجد تغييرات كبيرة فى الموقف النووى لروسيا، لذلك لم نر أى سبب لتعديل موقفنا النووى أو عقيدتنا ردا على روسيا".
وقال رئيس الوزراء البريطانى كير ستارمر، إنه لن تردعه العقيدة الجديدة لروسيا عن دعم أوكرانيا. وأضاف، فى تصريحات للصحفيين خلال قمة مجموعة العشرين فى البرازيل، إنه: "هناك خطابا غير مسئول من روسيا وهذا لن يردع دعمنا لأوكرانيا".
ووراء الكواليس، ناقش المسئولون الأمريكيون والأوروبيون أيضا إمكانية تصعيد روسيا لحملة متنامية من الهجمات على البنية التحتية الأمريكية والأوروبية التى تصاعدت بشكل كبير منذ بدء العملية العسكرية الروسية فى أوكرانيا عام ٢٠٢٢، بحسب ما ذكرت "الجارديان".
وفى البيان المشترك، قال وزراء المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبى إن الهجمات الهجينة الروسية "تتصاعد" وأنها "غير مسبوقة فى تنوعها وحجمها، ما يخلق مخاطر أمنية كبيرة".
لذلك فمن المتوقع، أن تزود بريطانيا، أوكرانيا بصواريخ "ستورم شادو" البريطانية، لاستخدامها ضد أهداف داخل روسيا، خاصة بعد موافقة الولايات المتحدة على استخدام صواريخها بعيدة المدى ضد أهداف فى الأراضى الروسية.
وبينما تعهدت موسكو بالانتقام، أشار بعض المحللين إلى أن خيارات روسيا فى ساحة المعركة محدودة، ومن غير المرجح أن تلجأ البلاد إلى الخيار النووي.