الحرب دمرت كل شئ جميل.. الفلسطينيون يبكون غزة التاريخية
تاريخ النشر: 4th, February 2024 GMT
بغداد اليوم - متابعة
ألحقت العمليات العسكرية في قطاع غزة أضراراً بالمسجد العمري، حيث انهارت جدرانه وانقطعت مئذنته، وتضاءل إلى حد كبير.
وبحسب صحيفة الغارديان البريطانية، فقد تأثرت حوائط المسجد الذي يعود تاريخه إلى القرن السابع، من جراء المعارك الدائرة في القطاع.
وأضافت الصحيفة في تقرير نشر اليوم الأحد (4 شباط 2024)، أن المسجد العمري، المعروف أيضاً باسم المسجد الكبير، هو الأكثر شهرة في مدينة غزة، وكانت المناطق المحيطة به نقطة محورية في تاريخ وثقافة القطاع الفلسطيني.
وعلى مدى أكثر من 100 يوم من القصف الإسرائيلي امتدت الأضرار عبر أنحاء المدينة. ومن حولها، حتى باتت ما يمكن تسميتها بـ"غزة القديمة" أيضاً في حالة يرثى لها.
وبالنسبة للفلسطينيين القلائل الذين بقوا، والعدد الأكبر بكثير من النازحين الذين يأملون في العودة، فقد تحولت الثقافة والتاريخ بهذه المنطقة إلى ذكريات.
وقال بدر الزهارنة، وهو أحد الذين بقوا في مدينة غزة رغم كثافة العملية البرية الإسرائيلية، "المدينة مدينة أشباح، الناس يتجولون بوجوه شاحبة وأرواحهم متعبة بعد أن مروا بهذه الحرب".
وتابع الزهارنة قائلا: "إذا ذهبت إلى مدينة غزة القديمة، فلن تتذكر سوى ما كان وتشعر بالاشمئزاز والحزن بسبب حجم الدمار الذي لحق بالمواقع الثقافية والدينية".
وأضاف "غزة القديمة، التي كانت مليئة بالمواقع الثقافية، باتت رمادية وملبدة بالغيوم. إن المشي في غزة يبدو وكأننا في فيلم، في قصة خيالية، في الخيال. المشهد مروع."
وقالت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو"، إنها تحققت من الأضرار التي لحقت بما لا يقل عن 22 موقعًا، بما في ذلك مساجد وكنائس ومنازل تاريخية وجامعات، والموقع الأثري لميناء أنيثدون، أول ميناء بحري معروف في غزة.
وذكرت الوكالة أنها تلقت تقارير عن أضرار لحقت بمواقع أخرى لكنها لم تتمكن من التحقق منها من خلال الوسائل المتاحة، وخاصة صور الأقمار الصناعية، بسبب الصراع.
وذكر تقرير حديث لوزارة الثقافة الفلسطينية، عن الأضرار الإسرائيلية التي لحقت بالتراث، أن القصف الإسرائيلي لغزة دمر 207 مباني ذات أهمية ثقافية أو تاريخية، بما في ذلك 144 في المدينة القديمة، و25 موقعا دينيا.
وشملت الأضرار أيضا مقبرة رومانية قديمة ومقبرة حرب الكومنولث، حيث دفن أكثر من 3000 جندي بريطاني ومن دول الكومنولث بعد معارك خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، بحسب الغارديان.
وحذرت اليونسكو من أن المزيد من المواقع معرضة لخطر الأضرار، بما في ذلك أحد أقدم الأديرة المسيحية في المنطقة، وهو مجمع سانت هيلاريون، الذي قالت إنه لم يتضرر بعد، لكنه يقع في منطقة تشهد قتالاً عنيفاً.
وقالت: "تشعر يونسكو بقلق بالغ إزاء الأضرار التي لحقت بالمواقع الثقافية والتاريخية في غزة".
وتابعت: "بينما تعتبر حالات الطوارئ الإنسانية أولوية مشروعة، فإن حماية التراث الثقافي بجميع أشكاله - وكذلك حماية البنى التحتية التعليمية والصحفيين - يجب أيضًا ضمانها، وفقًا للقانون الدولي، الذي ينص على أن الممتلكات الثقافية بنية تحتية مدنية".
وقال وسام نصار، وهو مصور غطى عدد من الحروب غزة، ووثق أيضًا ثقافتها، إن الأضرار التي لحقت بالمسجد العمري ومحيطه أصابته شخصيا بالألم.
وتابع نصار، الذي يعيش الآن في كندا، قائلا: "يحظى هذا المسجد بمكانة خاصة لدى كل فلسطيني في غزة، إذ كان نقطة تجمع خلال شهر رمضان ومكاناً للعبادة وتلاوة القرآن.. وباعتباري مصورا، فإن المسجد له أهمية خاصة بالنسبة لي، إذ احتفظ بالعديد من الذكريات".
وأشار نصار، إلى أنه يتذكر زيارته للمدينة القديمة، بما في ذلك الحمامات التركية المدمرة الآن، "سواء كمصور أو بشكل شخصي".
وقال إن "الأضرار التي لحقت بالمواقع المسيحية، مثل مجمع كنيسة القديس برفيريوس الأرثوذكسية، بالقرب من المسجد العمري، أضرت أيضاً بالتنوع في غزة".
وأضاف: "للأسف، إسرائيل دمرت كل شيء جميل في غزة. لم تهدف إلى تدمير البشر فحسب، بل أيضاً الحجارة والبنية التحتية والمباني التاريخية".
ورفعت جنوب أفريقيا قضية بمحكمة العدل الدولية في لاهاي، اتهمت فيها إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية في غزة، مما دفع المحكمة إلى إصدار أمر لإسرائيل بمنع قواتها من تنفيذ أعمال يمكن أن ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية.
وقال إسبر صابرين، رئيس منظمة التراث من أجل السلام غير الحكومية، إن "الضرر الذي لحق بتراث غزة سيكون دائماً، ويصل إلى ما هو أبعد من المباني".
وأشار صابرين إلى أن "ما حدث للمواقع الدينية سيؤثر على الحياة الاجتماعية للمسلمين والمسيحيين على حد سواء، وسيستغرق إعادة تأهيلها وقتا طويلا".
المصدر: الحرة
المصدر: وكالة بغداد اليوم
كلمات دلالية: الأضرار التی لحقت المسجد العمری بما فی ذلک فی غزة
إقرأ أيضاً:
في عيدهم المجيد .. أتذكر مواقفهم الكريمة .. المسيحيون في حياتي من (سميرة) إلى جمال جميل
بقلم : فالح حسون الدراجي ..
تهنئة رقيقة دافئة أبعثها الى عموم المسيحيين العراقيين، الذين صنعوا مع أخوتهم المسلمين وابناء الطوائف الأخرى، بهاء عراق الحضارات ..
والى كل من أثرى حياتي بجميل موقفه ورفقته الطيبة، مقرونة بخالص التحية والتقدير لمن بقي منهم متجذراً ومتشبثاً بتربة الوطن، أو من غادر مكرهاً الى بلدان الهجر ..
أكتب هذه المقالة احتفاءً بالمسيحيين العراقيين بمناسبة أعياد الميلاد ورأس السنة، واحتفالاً بروعتهم وجمالهم الباهر.
لقد أرضعتني أمي رحمها الله حب الوطن وكل من يعيش على أرضه مهما كان دينه.. فقد كانت تقول لنا دائماً:- المسلم أخو المسلم، وأخو المسيحي، وأخو المندائي ماداموا جميعاً عراقيين.. لذلك كان باب بيتنا في ناحية كميت مفتوحاً أمام كل من يقصده دون السؤال عن دينه، وكان الفضل يعود لأمي و (لثقافتها) الوطنية والإنسانية، تلك الثقافة التي لم تكن شائعة في ذلك الزمن، لكنّ أمي المؤمنة وقارئة القران تعتبر احترام الأديان فقرة من فقرات المسلم الصالح في دينه ووطنيته وتربيته وأخلاقه.
لذلك كنا نجد في بيتنا دائماً، المعلمة المسيحية الفاتنة (ست سميرة)، بل وتشاركنا الطعام أحياناً في نفس (الصينية)، وتدرسنا في البيت دروساً مجانية خاصة، كما كانت تحضر مجالس العزاء النسوية في أيام عاشوراء، وترتدي الثياب السود أسوة ببقية النساء، وتشاركهن البكاء وحتى اللطم حزناً على استشهاد الامام الحسين. وأذكر أنها كانت (تحجّ) في بيتنا ليلة العاشر من محرم من كل عام، فأراها ببياض بشرتها وجمالها تلمع بين النسوة كما تلمع الياقوتة بين كوم الأحجار .
والشيء نفسه يحدث مع إبنة (عمارة الصبي) التي كانت تدخل بيتنا دون حرج أو حساسية ! ويقيناً أن السبب في كل ذلك يعود لوعي الوالدة، و ( لإسلامها) المرن، الذي علمها أن لا تفرِّق بين دين وآخر، فانعكس ذلك على حياتنا لاحقاً، بل وتجذرت تلك المزايا الإنسانية في وجداننا وعقلنا الباطني، فكان من الطبيعي أن نمضي في طريق التعايش والمحبة والسلام والتآخي بقناعة ويقين مع الجميع، دون أن يلتفت، أو ينحرف، أيّ منا عن هذا الطريق .. واليوم لا أتمنى أكثر من أن أرى (ست سميرة) ولو لدقيقة واحدة، لأقول لها : عيد ميلاد سعيد
Happy Christmas
وأشكرها لجمالها وروعتها
التي لم تغب عني أبداً..
وحين انتقلنا إلى بغداد، تكونت لي عدة صداقات مع عدد من المسيحيين، وتحديداً مذ تعييني قبل اربعة وخمسين عاماً لاعباً في فريق السكك- الذي يحمل اليوم اسم الزوراء- فقدد كان مدربنا المرحوم جرجيس إلياس مسيحياً، وقد شملني برعاية أبوية خاصة لا يمكن لي أن أنساها أبداً، كما لن أنسى طيبته وكرمه وفضله عليّ شخصياً أو على الكثير من زملائي اللاعبين الفقراء ..
علماً أن فريقنا ضم أيضاً عدداً من اللاعبين المسيحيين أمثال الهداف البارع ثامر يوسف، والمدافع الصلب مقداد جرجيس، وعامر أسوفي، والبرت، وأيشو يلدا، وغيرهم من الأحبة الذين كنت أذهب الى بيوتهم في الدورة، وبغداد الجديدة ، فنأكل ونشرب سوية دون حساسية.. وحين اعتزلت الكرة، و دخلت المعترك السياسي والأدبي، كان مسؤولي في الحزب الشيوعي العراقي (رفيق مسيحي) اسمه أبو لينا، وقد كان هذا الرفيق، نبيلاً وشجاعاً بشكل خرافي، بحيث نزف حياته بيد الجلادين في زنازين الأمن العامة، من أجلي، وأجل رفاقي في الخلية، دون أن يعترف على أيّ منَّا، وهكذا مضى هذا المسيحي الى الموت، ليمنح رفاقه (المسلمين) – وأنا منهم – وهج الحياة،
بعد أن صكّ أسنانه على أسمائنا، ولم يعطِ اسماً واحداً الى اولئك القتلة ..
وفي العراق أيضاً التقيت بأحبة مسيحيين رائعين أمثال زهير صبري نگاره، وزوجته السيدة أم زيد، والعزيز عامر كبوتا وشقيقته الكريمة، والتقيت كذلك بالنائب الأسبق جوزيف صليوه وتكونت بيننا صداقة وطيدة.. كما كتبَ لي القدر أن ألتقي بالأخوة المسيحيين مرة أخرى، حين جئت لأمريكا مع عائلتي قبل 25 سنة، وأنا لا أملك سوى خمسين دولاراً، وبعض الملابس العتيقة، ولما وصلت إلى ديترويت، وجدت نفسي غريباً حزيناً موجوعاً تائهاً.. فجلست في اليوم الثاني لوصولي على درجات السلَّم، في الشقة التي استأجرتها لي إحدى المنظمات الكنسية المسيحية في منطقة (الأوك بارك) بديترويت، ورحت أبكي بصمت مثل بكاء الشموع، كما يقول الشاعر الشهيد أبو سرحان في قصيدة (ابنادم)، وفي ذات اللحظة رنّ الجرس، ولما فتحت الباب، كان هناك الأخوة (المسيحيون) عامر جميل ونبيل رومايا، وأبو جمال، وعلى الرغم من أن الأخوة الثلاثة اعضاء قياديون في الاتحاد الديمقراطي العراقي، إلا أنهم فاجؤوني ببساطتهم الشديدة، وهم يدخلون حاملين معهم حاجيات منزلية كنا بحاجة ماسة اليها، فقد حمل الينا عامر جميل تلفزيوناً كبيراً، وحمل نبيل رومايا سريراً لولدي حسون، بينما جاء أبو جمال بسرير لولدي علي، ثم عادوا مرة ثانية وثالثة وهم يحملون أثاثاً وحاجيات وفرشاً لشقتنا الفارغة، وكل ما جاؤوا به كان جديداً (وبالباكيت) هدية منهم.. وخلال ساعات أصبحت شقتنا صالحة للعيش بفضل هؤلاء الناس الذين لم التقِ بهم من قبل قط..
وبعد يومين فقط تلقيت دعوة كريمة من الصحفي المخضرم فؤاد منا، رئيس تحرير مجلة المنتدى، فذهبت لأجد على شرفي في مطبعة المجلة، مائدة تحوي كل ما لذَّ وطاب من أكل وشراب، بحضور عدد من المثقفين الكلدانيين، فكانت ليلة مكتنزة بالسمر والشعر كنت بحاجة نفسية ماسة لها آنذاك .. وهكذا تدفق عطاء الأحبة المسيحيين كشلال عذب في حياتي، لألتقي بعدها بالكلداني الجميل حميد مراد رئيس الجمعية العراقية لحقوق الإنسان، الذي احتضنني بكل نقائه ووطنيته ونبله، ومنحني في الحال شرف عضوية الجمعية.. وألتقي كذلك بالأخ رعد آيار، هذا الرجل المعروف بوطنيّته وخلقه ومواقفه الكريمة اللامعة، فكان خير عون لي في أول غربتي.. كما يجب أن أتذكر علاقتي المميزة مع الفنان ماجد ككا، والموسيقار رائد جورج، والفنان عميد أسمرو ، وغيرهم من الفنانين المسيحيين، كما التقيت باللاعب الدولي مناضل داوود الذي كان أخاً وصديقاً لايمكن قطعاً وصف أخلاقه الرائعة.
لقد تحدثت عن مواقف الاخوة المسيحيين معي، ولم اتحدث عن مواقف ومحبة الأخوة المسلمين والمندائيين، لأني مقتنع أن مواقفهم الكريمة معي تستحق مقالة خاصة سأكتبها عنهم قريباً جداً ..
لقد امتدت رحلة الأخاء والود، حتى وأنا أنتقل بعد سنوات لولاية كالفورنيا، حيث كان فيها أيضاً الأخوة المسيحيون الذين أضاؤوا قلبي وأيامي فرحاً وسرورا، وهم يحتفون بي منذ لحظة وصولي مدينة ساندياكو .. وقد كان في مقدمتهم الصديق العزيز والنبيل جمال زيا جميل، الذي لم تنقطع علاقتي به منذ اكثر من عشرين عاماً، والعزيز الراحل حنا قلابات بمواقفه الكريمة معي، والبروفسور شاكر حنيش بكل نبله وحكمته، والمهندس جمال جابرو وظرفه ولطفه المعروف بهما، وكذلك شقيقه سلمان جابرو ( أبو سلام). كما كان بينهم أيضاً الكاتب الراحل صباح (كبوتا) والصديق فاروق كوركيس، ورياض حمامة، ووسام كاكو، وموفق السناطي، والطبيب بطرس أبو أوميد، والمحامي جلال، والشاعر الراحل زگر أيرم أبو عماد، والفنان مؤيد شليمون والأخ منصور السناطي وزوجته الفنانة سحر السناطي، وطبيبنا الخاص الدكتور المبدع زياد الويس.. كما وجدت في ساندياكو عدداً كبيراً من الاخوة المسيحيين، أمثال الصديق المهندس عمر بطرس، ووالده العزيز حمدي بطرس، وجليل الحلاق والطبيب رامز وغيرهم من الأحبة الذين غمروني بمحبتهم وكرمهم فأنسوني غربتي.
كما يشرفني لو ذكرت اليوم بفخر، وقلت إن المطران الكبير (سرهد)، قد احتضنني وعانقني في الكنيسة قبل سنوات، وهو يقول لي بفرح: هل تقبلني صديقاً لك يافالح ؟!
ولم أملك إلا أن أقول له: إنه لشرف عظيم أن يكون لي صديق مثل شخصكم.
ختاماً أسألكم وأقول : أرأيتم جمالاً وروعة مثل جمال وروعة المسيحيين العراقيين ؟!
فالح حسون الدراجي