مصر 360
بقلم: أمانى الطويل
يتواصل معي الكثيرون من القيادات والرموز السياسية السودانية بشكل شبه يومي؛ بشأن التساؤل عن طبيعة الموقف المصري في السودان في هذه المرحلة، ويتذكرون مقولة الرئيس السيسي الشهيرة بشأن ليبيا التي قال فيها، إن ليبيا خط أحمر، ويطرح هؤلاء جميعا سؤالا مركزيا هو، هل السودان أقل أهمية لمصر؟
بطبيعة الحال، يتحسب معظمهم، لما أسموه غياب مصري عن التفاعلات السودانية الذي يمكن أن يؤدي إلى معادلات عسكرية وسياسية مرتبكة، في توقيت دقيق، وذلك سواء في مجهودات وقف الحرب، أو في معادلات ما بعد الحرب، والتي هي من المأمول أن تحقق توازنا للسودان، لن يستقيم دون دور مصري، أصبح يعترف به جميع الفاعلين، خصوصا الدوليين.
ويبدو أن هذه التساؤلات قائمة على غياب شبه كامل للتصريحات السياسية المصرية؛ بشأن التطورات السودانية، وكذلك توقف الحديث المصري، والتفاعلات المرتبطة بمبادرة دول جوار السودان بالقاهرة، التي نجحت مصر في حشد كافة دول جوار السودان فيها في منتصف العام الماضي، وعقدت هذه المبادرة اجتماعا وحيدا في أنجمينا عاصمة تشاد، ثم توقفت، بعد أن قال سامح شكري وزير الخارجية المصري فيه إن الموقف في السودان ضبابي وغير واضح.
الأسئلة التي تصلني مرتبطة أيضا بموقف مصر من مبادرة إيجاد التي نشطت في الملف السوداني، بعد خفوت صوت مبادرة دول جوار السودان، لدرجة أعتقد البعض فيها، أن مصر اعتمدت هذه الآلية وحدها؛ لحل المشكل السوداني، طبقا لما رشح من كينيا بعد وجود الرئيس السيسي في الخريف الماضي هناك، أو هكذا ذاع.
الأسئلة السودانية مرتبطة أيضا بالموقف المصري من طرفي الصراع السوداني، وإلى أي مدى يمكن أن تتفاعل مصر مع قوات الدعم السريع، وقائدها حميدتي، وذلك بعد أن حقق انتشارا ميدانيا على الأرض في مواقع مهمة، خصوصا في منطقة وسط السودان المتفاعلة تاريخيا مع مصر.
ومع عدم وضوح الرؤية المصرية الراهنة، بالتأكيد هناك تأويلات كثيرة منتشرة على منصات التواصل الاجتماعي السودانية منها، أن هناك انتشارا عسكريا مصريا على الحدود الجنوبية، أو أن هناك مسرحا يعد لقتال الدعم السريع في الولاية الشمالية، وهكذا مما لا نستطيع معه تبين الواقع أو الحقيقة، من الخيال أو السعي وراء الفبركات الإعلامية التي تضمن انتشارا لمنصة هنا أو هناك.
على الصعيد المصري، فإن الرأي العام يلاحظ بالتأكيد، أن مصر غائبة سياسيا عن السودان، وهو أمر مقلق للشارع المصري الذي يرتبط وجدانه تاريخيا بالسودان والسودانيين، خصوصا مع تزايد التواجد السوداني في مصر، وتداخله في النسيج الاجتماعي، وحضوره في المشهد العام للشوارع والأحياء والميادين المصرية، بل وقطاع الأعمال الخاص في مصر، وأيضا في المجالات الخدمية، وذلك مع حصول الأطباء والمهندسين، وغيرهم من المهنيين على تصاريح عمل في مصر بكافة القطاعات.
وبطبيعة الحال ليس لدى إجابات شافية لهؤلاء المتسائلين في مصر، أو في السودان ولكني أتفق، مع أن الغياب المصري السياسي العلني عن المعادلات الراهنة يشكل خسارة مشتركة لمصر وللسودان معا، على قاعدة أن مصالح كلا البلدين متأثرة بالأخرى، بل هل مصنفة بالحيوية، والتي تحوز على أعلى درجات الأهمية الاستراتيجية، فلا يمكن مثلا ألا يكون هناك تصريحات من الخارجية المصرية بشكل شبه دوري عن ضرورة وقف الحرب، أو التنوير بالمجهودات المصرية في هذا المجال، أو تطورات الرؤية المصرية بشأن التفاعلات السودانية.
وفي سياق مواز، فإن موقف الجامعة العربية يبدو غير نشط على المستوى المطلوب على الرغم من حضور ممثل عنها لقمة الإيجاد الأخيرة المنعقدة بكمبالا، حيث أنه من المطلوب، أن يكون هناك خلية عمل، لا ينقطع نشاطها اليومي؛ بشأن الحالة في السودان على الصعيد الإنساني على الأقل.
وعلى الرغم، ما أسلفت سابقا، فإنه لا بد لنا أيضا، أن نرصد تحركات مصرية بشأن السودان موجودة، ولكنها غير علنية، لا يتم الكشف عنها، ولا عن أي من مخرجاتها منها مثلا، تعاون الخارجية المصرية مع الجانب الفرنسي في جمع بعض الحركات المسلحة الدارفورية مع ممثل للجيش، والدعم السريع بالقاهرة، ومنها أيضا، تعاون مع دولة البحرين في لقاء بين نائب رئيس قوات الدعم السريع عبد الرحيم دقلو، والفريق أول شمس الدين الكباشي نائب قائد الجيش، وعضو المجلس السيادي السوداني، الذي قام طبقا للتسريبات بزيارات غير معلنة لكل من مصر والإمارات.
وطبقا لذلك، يبدو أن التحرك المصري في الملف السوداني هو تحرك جزئي، بمعنى أنه يتم اللجوء إلى آلية فصل الملفات السودانية بعضها عن بعض، والتعامل معها كل منها على حدة، وذلك على أمل، ربما أن التقدم في أحد الملفات، ربما يكون دافعا؛ لتقدم ملف آخر وهكذا.
ويبدو لنا أيضا، أن التحرك المصري حذر للغاية، خصوصا مع وجود إرادة سودانية مشتركة لطرفي الصراع باستمرار الحرب، رغم إعلانات حميدتي قائد قوات الدعم السريع المتواصلة، بأنه يقبل التفاوض، ويريد السلام، فضلا عما يرشح في تصريحاته من ملامح لمشروع سياسي مستقبلي.
هذا التقدير بشأن موقف حميدتي الواقعي من الحرب قائم على معلومات، رشحت لنا، أن الرجل يمول طرفي الحرب بمعنى، أن له علاقات مع بعض أطراف المؤتمر الوطني المنخرطة في القتال على الأرض، ويقوم بتمويلها. ويثار هنا السؤال، هل يريد حميدتي استمرار الحرب؟ هل هذه الحرب هي طريقه إلى السلطة التي أعلن لدوائر ضيقة، أنه يريدها منذ عام ٢٠١٩؟ وإذا لم يكن حميدتي يريد استمرار الحرب، فمن يريد استمرارها على هذا النحو الذي يكبد السودانيين أثمانا إنسانية باهظة كل لحظة.
الحذر المصري ممتد أيضا؛ بسبب أداء الفريق عبد الفتاح البرهان رئيس المجلس السيادي، وقائد الجيش الذي يملك، ومن معه إرادة استمرار الحرب؛ فيرفض التفاوض رغم الوزن السياسي، والمعنوي للجيش في المعادلة الحالية، ويذهب إلى إيران والجزائر لضمان دعم تسليحي للجيش السوداني.
وإذا كان الدعم الجزائري للسودان (إن حدث) هو ضمن التفاعلات الإقليمية العربية، وقد تكون تداعياته محسوبة، وغير مكلفة، فإن اللجوء إلى إيران له تداعيات غير محسوبة في ظني من جانب الفريق البرهان. ذلك أن استدعاء إيران للمنصة السودانية الملتهبة، والمشاطئة للبحر الأحمر، هي حسابات مرتبطة بالشرق الأوسط والحرب في غزة، ذلك أن السودان هو إضافة للمنصات الإيرانية في كل من اليمن ولبنان والعراق، وذلك من شأنه، أن يخل بموازين قوى دقيقة، وحرجة في المنطقة، لا يستطيع السودان في حالته الراهنة احتمال تداعياتها في علاقته بمحيطه الإقليمي، خصوصا الخليجي منه، فالسودان حينما استدعي إيران في منتصف تسعينيات القرن الماضي، كان سلطة قائمة ودولة متماسكة، أما الآن فالوضع مختلف.
إجمالا مع تقدير أن الأعباء المصرية بشأن الحالة السودانية هي ضخمة، ومضافة لأعباء أخرى إقليمية لا تقل حساسية ولا ضخامة، ولكن يبقى السودان في وجدان المصريين حالة، تستدعي عناية فائقة من جانب الفاعلين الرسميين، وتنويرا دائما بالتطورات على الصعيد السياسي والعسكري، وذلك استجابة لحالة الاهتمام الكبير من جانب الرأي العام المصري بالسودان، وأهل السودان.
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الدعم السریع السودان فی فی السودان فی مصر
إقرأ أيضاً:
قوات الدعم السريع السودانية تتفق مع حلفائها على تشكيل حكومة عبر ميثاق جديد
قال السياسيان السودانيان، الهادي إدريس، وإبراهيم الميرغني، إنّ: "قوات الدعم السريع ستوقع ميثاقا مع جماعات سياسية ومسلّحة متحالفة معها، مساء اليوم السبت"، مبرزين أنهم من بين الموقعين على الميثاق.
وأوضح السياسيان، لوكالة "رويترز" أنّ الميثاق يأتي من أجل: "تأسيس حكومة سلام ووحدة في الأراضي التي تسيطر عليها القوات شبه العسكرية".
وقال إدريس إنّ: "من بين الموقعين على الميثاق والدستور التأسيسي، عبد العزيز الحلو الذي يسيطر على مساحات شاسعة من الأراضي ولديه قوات في ولاية جنوب كردفان. ويطالب الحلو منذ فترة طويلة بأن يعتنق السودان العلمانية".
تجدر الإشارة إلى أن كينيا، قد استضافت المحادثات، خلال الأسبوع الماضي، مما أثار جُملة تنديدات من السودان وانتقادات داخلية في كينيا للرئيس وليام روتو، بسبب ما وصفه بـ"إدخال البلاد في صراع دبلوماسي".
وفي حرب مستمرة منذ ما يقرب من عامين، تسيطر قوات الدعم السريع على معظم منطقة دارفور بغرب البلاد، وعلى مساحات شاسعة من منطقة كردفان؛ فيما يتصدى لها الجيش السوداني في وسط البلاد، مندّدا في الوقت ذاته بتشكيل حكومة موازية.
وبحسب عدد من التقارير الإعلامية، فإنه: "من غير المتوقع أن تحظى مثل هذه الحكومة، والتي أثارت قلق الأمم المتحدة، باعتراف واسع النطاق. إذ يقول مقربون من الحكومة إن تشكيلها سوف يُعلن من داخل البلاد".
وفي السياق نفسه، كانت الولايات المتحدة، قد فرضت في وقت سابق من هذا العام، عقوبات على محمد حمدان دقلو المعروف بلقب "حميدتي"، قائد قوات الدعم السريع المتهمة بارتكاب انتهاكات واسعة النطاق، بما في ذلك الإبادة الجماعية.
إلى ذلك، اندلعت الحرب في السودان، عقب خلافات بين قوات الدعم السريع والجيش بخصوص ما يرتبط باندماجهما خلال مرحلة انتقالية، كانت تهدف للتحول إلى الحكم الديمقراطي، وهو ما تسبّب في تدمير مساحات شاسعة من البلاد ودفعت نصف السكان إلى أزمة معيشية صعبة، جرّاء المجاعة.
كذلك، تعيش السودان أزمة صحية طارئة، إذ أعلنت شبكة أطباء السودان، السبت، عن تسجيل 1197 إصابة بوباء الكوليرا، بينها 83 حالة وفاة في ولاية النيل الأبيض، المتواجدة في جنوبي السودان، وذلك خلال اليومين الماضيين.
وأوضحت الشبكة الطبية (غير حكومية)، عبر بيان لها: "تسبب الانتشار الواسع لمرض الكوليرا بولاية النيل الأبيض في وفاة 83 شخصا، فيما أصيب 1197 شخصا، تعافى منهم 259 شخصا حتى مساء أمس الجمعة، وغادروا مستشفى كوستي (حكومي) بولاية النيل الأبيض".
وأشار البيان نفسه إلى أن "الوضع الصحي بولاية النيل الأبيض كارثي بسبب تفشي الوباء"؛ فيما دعت شبكة أطباء السودان، السلطات الصحية في البلاد، لفتح عدد من المراكز بسبب ضيق المستشفيات.
وفي سياق متصل، كانت السلطات السودانية، قد أعلنت الأربعاء الماضي، عن مقتل 6 أشخاص من أسرة واحدة، وإصابة 3 آخرين، وذلك بقصف مدفعي نفّذته قوات الدعم السريع على مدينة أم درمان، المتواجدة غربي العاصمة الخرطوم.
وأوضحت وزارة الصحة بولاية الخرطوم، في بيان، أن: "قوات الدعم السريع ارتكبت مجزرة جديدة في حق المدنيين باستهدافها الممنهج والمستمر للمواطنين المدنيين بمنطقة كرري بمدينة أم درمان غربي الخرطوم".
وبحسب البيان نفسه فإن: "القصف المدفعي الذي شنته اليوم أدى إلى وقوع مجزرة باستشهاد 6 أشخاص من أسرة واحدة، وإصابة 3 آخرين جراء وقوع القذائف داخل منزل الأسرة في حي الثورة بمنطقة كرري".
وبوتيرة متسارعة، بدأت تتناقص مساحات سيطرة "الدعم السريع" منذ أيام، لصالح الجيش، بكل من ولايتي الوسط (الخرطوم والجزيرة) وولايتي الجنوب (النيل الأبيض وشمال كردفان) المتاخمة غربا لإقليم دارفور (5 ولايات).
إلى ذلك، تسيطر "الدعم السريع" على 4 ولايات فيه، بينما لم تمتد الحرب لشمال البلاد وشرقها. وفي ولاية الخرطوم المكونة من 3 مدن، بات الجيش السوداني يسيطر على 90 في المئة من "مدينة بحري" شمالا، ومعظم أنحاء "مدينة أم درمان" غربا، و60 في المئة من عمق "مدينة الخرطوم" التي تتوسط الولاية وتحوي القصر الرئاسي وكذا المطار الدولي.
وقبل أيام قليلة، أفاد سكان وعاملون في القطاع الطبي بأن قوات الدعم السريع السودانية قد شنّت هجمات على مخيم زمزم للنازحين، الذي يعاني من أزمة مجاعة حادة، وذلك في إطار محاولات القوات العسكرية تعزيز سيطرتها على معقلها في دارفور، بينما تتكبد خسائر أمام الجيش في العاصمة الخرطوم.
ومنذ نيسان/ أبريل من عام 2023 يخوض الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" حربا، خلّفت أكثر من 20 ألف قتيل ونحو 15 مليون نازح ولاجئ، وذلك بحسب الأمم المتحدة والسلطات المحلية، فيما قدر بحث لجامعات أمريكية عدد القتلى بنحو 130 ألفا.