سودانايل:
2025-03-12@09:44:06 GMT

ضاقت أرض السودان بأهله رغم رحابتها

تاريخ النشر: 4th, February 2024 GMT

حامد بشري
دخلت حرب السودان شهرها العاشر ولم تلحْ في الافق بعد بوادر لنهايتها لعدة أسباب ٍ. أولاً لأن القرار في المقام الأول يتوقف علي إرادة الأطراف المتحاربة ومدي مصداقيتها في وقف الحرب وثانياً علي مدي فعالية الحركة الجماهيرية ووحدتها . وحدة الحركة الجماهيرية هي العامل الأساسي للتأثير الأيجابي علي طرفي الصراع وهي الأداة الوحيدة المتبقية بعد أن نضبت مواردنا الأقتصادية التي يمكننا عن طريقها الضغط علي القوي الخارجية لتقبُل أطروحات معسكر السلام الذي ينادي ويعمل لوقف الحرب .

وفي المقابل لا يجب أن نهمل دور بعض القوي الأقليمية والدولية التي تسعي جاهدة لكي لا يفلت الزمام من يدها ويمتد الصراع الي دول الجوار ويهدد مصالحها وأمنها . توسع وأستمرارية الحرب تجعل من السودان بؤرة للأنشطة الجماعات الأرهابية الشيئ الذي يهدد أمن البحر الأحمر ومن ثم مصالح الدول الأوربية .
التفريط في إدارة الدولة الذي ساهمنا فيه جميعاً وعدم الرجوع الي صوت الحكمة والعقل كانت من نتائجه الأولية هذه الحرب اللعينة التي أدت الي فقدان أعز ما نملك من عنصرٍ بشريٍ، إضافة الي الدمار الأقتصادي الشامل والقضاء علي البنية التحتية رغم هشاشتها ويزيد المأساة أصابتنا بجرثومة التدويل حتي أصبح الغاشي والداني علي علم بتدخل القوي الأجنبية الصالح والطالح منها في الشأن السوداني.
لا يخفي علي الجميع تعنت طرفي الحرب في الجلوس الي طاولة مفاوضات بذرائع وحجج مختلفه تتفق كلها في عدم مراعاة للمواطن والوطن . أداروا حرباً شعواء من دون قراءة للتاريخ الأنساني والبشري ومن دون دراية لعواقبها ، وأصبح واضحاً أن كلٍ من الطرفين المتصارعين يريد الجلوس الي طاولة المفاوضات بعد تحقيق نصر عسكري علي الطرف الآخر يصعب تحقيقه ، بل ضحيته مزيداً من التمزق والتشتت وأراقة دماء ومن ثم فرض رؤية أحادية علي شعب السودان تأتي علي أسنة رماحٍ مدعومة بأسم الجلالة بحجة عتقه من خصمه سواء كان جيش أو دعم سريع . شعب السودان بين نارين أحلاهما مر .
وفي هذا الواقع الاليم ، جاء في صحيفة الميدان الناطقة بأسم الحزب الشيوعي في عددها الصادر بتاريخ 25 يناير في صفحتها الأولي تحت العنوان اللجنة المركزية : الوضع يتطلب أوسع نهوض جماهيري لوقف الحرب ومواصلة الثورة ما يلي : (واكدت – الضمير راجع للجنة المركزية - على ضرورة مواصلة الجهود الجماهيرية لوقف الحرب ومواصلة الثورة حتى تحقيق أهدافها ومهام الفترة الانتقالية. وقالت الورقة ، ان حرب أبريل ۲۰۲۳ أدت إلى دمار وخراب غير مسبوق فـي الـوضـع الإنساني والبني التحتية الى جانب نزوح أكثر من ۷.٦ مليون شخص داخل وخارج البلاد، وان عدد القتلى قد تجاوز ۱۳ ألف شخص واصابة ما لايقل عن ۲٦ الف في جميع أنحاء السودان حسب اخر بيانات الأمم المتحدة في ۲۱ يناير) . كما جاء بعدد الخميس 23 يناير علي لسان الأمم المتحدة : حرب السودان خلفت ١٣الف قتيل و٢٦الف مصاب .
وبنظرة سريعة الي أحوال الناجين من النازحين نجد أن الأسر التي تحركت علي سبيل المثال من العاصمة متجهين شرقاً في المحاولة للوصول الي بورتسودان في رحلة محفوفة بالمخاطر مروراً بمدن السودان المختلفة عطبرة ، كسلا ، القلابات ، مدني وسنار وكوستي . وبالوصول الي بورتسودان يبدأ البحث المضني عن أيجاد ماوئ بإيجار متواضع في المحاولة لخروج آمن الي دوله خليجية أو مصر . هناك نازحين آخرين تحركوا حتي وصلوا شندي وتفاجأوا بأيجارات وصلت الي أرقام فلكية ومنها أتجهوا شمالاً بعضهم تخلف بدنقلا والبعض الآخر واصل المسيرة الي حلفا . هؤلاء النازحين الذين فروا طلباً للنجاة أفترشوا في مسيرتهم الأرض والتحفوا السماء أياماً وليالي بحثاً عن الأمن والسلام . الوصول الي نقطة حدودية في كل الأتجاهات الجغرافية ليس هو نهاية المطاف . هنالك أوراق ثبوتيه يجب أبرازها عند الوصول الي هذه النقاط الحدودية وفي بعض الأحوال حتي قبل الوصول إضافة الي تأشيرات دخول الي دول قد تكون (آمنة) .أنتظار هذه التأشيرات أو الموافقة بدخول البلد المعين قد يمتد الي 4 أشهر أو أكثر. هنالك محاولات للدخول عن طريق التهريب وعلي الرغم من خطورته ذا تكلفة عالية لا يستطيع دفع تكاليفها كل من وصل الي معبر أو نقطة حدودية . هذا العبء القي بكاهله علي سوداني المهاجر اللذين يدفعون هذه الفاتورة الباهظه علي داير المليم . مغتربي دول الخليج كانوا يقيمون بسد حاجة مواطني الداخل . وبعد الحرب أنطبق عليهم القول (أكرموا عزيز قوم ذل) . المهاجرين في غرب أوربا ليسوا بأفضل حالاً من رصفائهم الآخرين تلاحقهم الفواتير أينما حلوا وبعدم الدفع تستقبلهم السجون . أمام هذا الواقع المرير أنعدمت رغبتهم في الطعام والشرب وحتي الكلام. أصيبوا بحالة من الأحباط والزهول منعتهم حتي من متابعة أخبار البلد المنكوب . يومهم يبدأ بمراجعة حساباتهم البنكية لمباشرة التحاويل . فاجأتهم الحرب ولم يكونوا مستعدين مالياً لمواجهتها . أصبح الفرد منهم قبل أن يحتسي فنجاناً من القهوة يفكر ألف مرة أيهما أفضل أن يبعث بقيمتها الي العالقين أم يرتشفها فيرجح الخيار الاول . هؤلاء المغتربين أستقطعوا من لحمهم ودمهم لمساعدة ذويهم و أصبح حالهم كما جاء في تنزيل العزيز الحكيم في سورة الحشر (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ) .

صحيفة الميدان والي وقت قريب ، كانت تأتي بأحصائيات دقيقة عن الحالة المعيشية للمواطن من تفاصيل حياتية دقيقة . سعر رطل السكر وأيجار المنزل وملوة العيش وكيلو البصل وربع الويكة وتذكرة المواصلات بأختصار كانت توضح في أسلوب بسيط تكلفة حلة الملاح ومقارنتها بالدخل ، لعكس البون الشاسع بين المرتب وتكلفة المعيشة في محاولة لفضح النظام القائم وأستحالة المعيشة في تلك الظروف وحث المواطن البسيط لكي ينتفض ويطالب بحقوقه من السلطة سواء كانت عسكرية أو مدنية . كما كانت تحث العامل والمهني والمزارع كي يتوحد حول نقابته بقض النظر من هم علي قمتها لكي يحقق مطالبه العادلة . الشيئ الطبيعي أن يتطور منهج الجريدة الناطقة بأسم الغلابة لتعكس الرغبة الحقيقية للنازحين والعالقين بتوحيد الصوت المنادي بوقف الحرب وليس الحديث الفضفاض عن التغيير الجذري والبنك الدولي وصندوق النقد . هذا ظرف أستثنائي . السودان أصبح أكبر دولة نزوح يشهدها العالم ومهددة بالأنقسامات والزوال أذا لم نتحرك جميعنا اليوم قبل الغد.
لا للحرب كما ذكرنا في مقالات سابقة أسترايجية تتطلب أن تتبعها خطة للوصول الي ذلك الهدف . أولويات الخطة تأتي بالعمل الجماعي مع كل القوي التي تنادي بوقف الحرب وليس معاداتها . ليس بالضرورة ان يكون الحزب المعين سباقاً في طرح السياسات الملائمة وخريطة طريق لأنقاذ الوطن ، وأنما الضرورة تتطلب المشاركة في الأطروحات والسياسات الأيجابية التي تعود بالخير علي الجميع وليس العزوف . إذا وجدنا العذر لمجرمي الحرب بأستمراريتها فلن نجد العذر لمن دافع عن ثورة ديسمبر وقدم النفس والنفيس سواء كان من الأحزاب السياسية أو الحركات المسلحة واقفاً علي الرصيف .
هذا لا يعني أن كل ما تطرحه (تقدم) هو الحل الصحيح . هي مبادرة في المقام الأول لوقف الحرب ومن ثم تسعي لحل المشكلة السودانية ، ضمت أكبر تجمع من القوي السياسية (بعد التجمع الوطني الديمقراطي) وتعمل لإستعادة السير في خط ثورة ديسمبر. الواجب الوطني يتطلب مخاطبتها وأصلاح ما تتطلبه من مقترحات تقدمها للأطراف المتصارعة . كذلك يتوجب علي تنسيقية القوي الديمقراطية المدنية أن تفصح عن لقآتها وتنزع ثوب السرية عن المفاوضات التي تجريها مع طرفي النزاع والوسطاء ، خاصة وأنها تصدرتْ المشهد في ظرف حربٍ لم يتم فيها التمثيل الديمقراطي للقائمين بأمرها . (تقدم) لم تفصح حتي الآن عن الخطوات التي تم إنجازها لقيام المؤتمر التأسيسي ، كذلك يتطلب الأمر منها مخاطبه دورية للشعب السوداني وليس عن طريق التصريحات الفردية أو التي تأتي من القنوات المختلفة .
ختاماً : يا مسلمي ومسيحيي السودان وشعبه المضطهد تعاونوا جميعاً لوقف الحرب.
حامد بشري
الأول من فبراير 2024

hamedbushra6@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: لوقف الحرب

إقرأ أيضاً:

حرب اللصوص – الوجه الحقيقي للصراع في السودان

عندما اندلعت هذه الحرب في بداياتها، بدا الأمر وكأنه صراع بين الجيش وقوات الدعم السريع، ثم سرعان ما تكشفت حقيقتها لتصبح حربًا بين جنرالين لا يمتلكان أي حس بالمسؤولية الوطنية، يسعيان بكل ما أوتيا من قوة للاستئثار بالسلطة. ومع مرور الوقت، أدرك الناس أن هذه الحرب ليست سوى محاولة من المؤتمر الوطني وأجهزته العسكرية والأمنية لاستعادة الحكم الذي أسقطته ثورة الشعب.
كل ذلك صحيح بلا شك، لكنه ليس سوى جزء من المشهد. فمع توالي الأحداث، اتضح أن هذه الحرب لم تكن سوى غطاء لعمليات نهب منظم لموارد وثروات البلاد من ذهب، ومعادن اخرى، حيث شاركت جميع الأطراف المسلحة—الجيش والدعم السريع على حد سواء—في عمليات السلب والنهب، مستهدفين البنوك والمنازل والأسواق، وباطن الارض، دون أدنى اعتبار لحقوق المواطنين أو ممتلكاتهم. ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل كشفت التقارير الأخيرة عن تورط عناصر من الجيش في مواصلة عمليات النهب التي بدأتها قوات الدعم السريع، في ما أصبح يُعرف بـ”الشفشفة”، وهو مصطلح محلي يعبّر عن نهب ممتلكات النازحين بعد مغادرتهم قسرًا.
ولم تتوقف هذه الجرائم عند نهب الممتلكات الفردية، بل امتدت لتشمل عمليات تهريب للثروات الوطنية، مثل تصدير النحاس المستخرج بطريقة غير قانونية، في وقت يعاني فيه المواطنون من الجوع والفقر والتشريد. أصبح من الواضح أن هذه الحرب ليست سوى حرب لصوص، حيث تتنافس القوى المسلحة المختلفة على استغلال البلاد لصالحها، دون اعتبار لمصير الشعب أو مستقبل السودان.
لقد بات واضحًا أن الإطاحة بالمرحلة الانتقالية لم تكن سوى “كلمة سر” لفتح الأبواب أمام نهب منظم من قبل القادة العسكريين، وهو ما تؤكده المعلومات المتداولة حول تضخم ثرواتهم بطريقة يعجز العقل عن استيعابها. هذه الاستباحة للممتلكات العامة والخاصة، وهذا الاحتقار التام للحقوق العامة، ليسا سوى امتداد لثقافة الفساد التي عمّقها عقلية الإخوان المسلمين خلال سنوات حكمهم، حيث زرعوا فكرة أن الفساد ليس مجرد انحراف، بل ممارسة مشروعة بل ومطلوبة لتحقيق المصالح. وهكذا، أصبحت السرقة سلوكًا راسخًا، لا يقتصر على الأفراد بل يمتد إلى مؤسسات كاملة، تشمل الجيش، الدعم السريع، الحركات المسلحة المتحالفة، وحتى الكتائب الأمنية المختلفة. لقد فهم الناس ان الفضائح اخرجتها لجنة التفكيك كانت اجراءات مؤلمة وشديدة الصدمة للمدانين وان الحرب لم تعد سوى الوسيلة والاداة لرفض حكم القانون والافلات من العقاب والمحاسبة. الحرب والفساد دائرة جهنمية لا تنتهي، وان هذه الفوضى لا تقتصر على تدمير الاقتصاد ونهب الثروات، بل إنها تخلق واقعًا اجتماعيًا جديدًا تُطبع فيه اللصوصية كجزء من الحياة اليومية. كل يوم تستمر فيه الحرب، يتغلغل الفساد أكثر، ويصبح أكثر قبولًا كجزء من النسيج الاجتماعي، حتى يصل إلى مرحلة يستحيل فيها اقتلاعه دون ثمن باهظ.
من الواضح بات، ان النتائج ستكون كارثية، ليس فقط على الأوضاع الاقتصادية الحالية، ولكن على مستقبل البلاد والأجيال القادمة، التي ستجد نفسها مضطرة لدفع ثمن هذا الفساد المنهجي على “دائرة المليم”، كما يُقال. لقد أُبتلي السودان بحكام عسكريين، بتحالفات مدنية، لم يروا في الدولة سوى غنيمة، ولم يروا في الشعب سوى عقبة في طريقهم للثراء.
في ظل هذا الواقع المظلم، لا يمكن الخروج من هذه الدوامة إلا عبر وعي شعبي متزايد بحقيقة الصراع، ورفض تام لاستمرار سيطرة هذه القوى الفاسدة على مصير البلاد. لا بد من إعادة بناء السودان على أسس جديدة، يكون فيها القانون هو الحاكم وليس السلاح، وتكون فيها العدالة هي الميزان، وليس المصالح الشخصية لمن هم في السلطة.
إنها السرقة بأوامر عليا. انها السرقة التي كلف تنفيذ خطتها فض انعقاد الاجتماع المدني السوداني وتدمير الدولة والعبث بالحقائق والتاريخ. انها حرب اللصوص، لكن الشعب، وحده قادر على إنهائها، طال الوقت، ام قصر.

wagdik@yahoo.com  

مقالات مشابهة

  • لوقف الحرب الروسية.. الأردن ترحب باستضافة السعودية محادثات بين أمريكا وأوكرانيا
  • هل تندلع الحرب في جنوب السودان مجددا؟
  • حرب اللصوص – الوجه الحقيقي للصراع في السودان
  • الإعلام الأمريكي يشيد بالأسلحة الروسية التي تفوق قدرات قوات كييف
  • السودان … إستشراف المستقبل بعد الحرب
  • وزير الخارجية الأمريكي: أوكرانيا مستعدة لوقف مؤقت لإطلاق النار ونتطلع لموافقة روسيا
  • وزير الخارجية الأمريكي: أوكرانيا مستعدة لوقف مؤقت لإطلاق النار
  • دراما رمضان في السودان تحاول رصد واقع الحرب
  • حساني بشير: "الدنيا ضاقت بيا وكنت بروح المقابر بالليل أناجي ربنا يفتحلي الأبواب"
  • رمضان يخفف من قساوة التحديات التي يواجهها رواد الأعمال السودانيون