فيصل الباقر
ما يُزعج أباطرة الحرب، أنّ الإفلات من العقاب فى جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، وجريمة الإبادة، ما عاد ممكنا !. ً
مدار أوّل:
"أدعياء الحرب، كالحرب تماماً... أولياء السلم، لا خوفٌ عليهم، ولا حزن... وإذا مر ّوا بهم، قالوا سلاماً... وإذا غُمّ بهم، نادوا وطن".. ((محمد الحسن سالم حِمّيد))
-1-
مازلت الحرب الكارثية "المليجيشية" بين (الجيش والدعم السريع) تتواصل، وتتزايد ويلاتها، يوماً بعد يوم، وشهراً بعد شهر، دون أيّ اكتراث من طرفيها للأوضاع الإنسانية التى وصلت فى يومنا هذا – الأربعاء، 31 يناير 2024- حالةً غير مسبوقة من السوء ودمار البني التحتية، و"الفوقية"، ومن قبل ومن بعد، مواصلة حملات تشريد وتهجير الناس من مساكنهم ومراتع صباهم، وإخراجهم منها قسراً، أو دكّها على رؤوسهم، وللأسف الشديد، لا جديد – فى جعبة قادة الطرفين - سوى تبادل وتوزيع الإتهامات، بين طرفي النزاع المسلح، والتلاوم، والتنابُذ السخيف، والوقوف فى "عقبة" ومحطة "من بدأ الحرب" و"من أشعل فتيلها" ؟!، ومواصلة سيل الإنكار من "شينة الحرب"، أو التبرير الخجول لها، بتشجيع وتنشيط دعاوى جهوية وعرقية وإثنية قبيحة، يلعب فيها خطاب الكراهية دوره المعروف فى تقسيم الناس إلى الـ"مع" والـ"ضد"، وحملات تجنيد الشباب، ليصبحوا وقوداً لحربٍ ليس لهم فيها ناقة، ولا جمل، بعد أن فتحت ثورة ديسمبر 2018، المجيدة، "نفاجات"، بل، "أبواب" و"فضاءات واسعة" نحو "وطن يسع الجميع"، لخّصه محمد الحسن سالم حِمّيد فى قوله : "مش كلّنا جينا من آدم .

.مُش آدم أبو البشرية"!.
-2-
هاهي منظمة الهجرة الدولية، تدق ناقوس الخطر، فتعلن على الملأ، أنّ عدد النازحين – بسبب الحرب - وصل – بالتمام والكمال- إلى (10 ملايين و700 الف) شخص، منذ أن اندلعت الحرب فى 15 أبريل 2023، وهذا الرقم "الصاعق" على حد تعبير المنظمة الدولية، التى وصفت الوضع بأنّه يشكّل "أكبر حالة نزوح فى العالم"، بعد أن نبّهت العالم بالنقص الحاد فى الغذاء والمأوي والرعاية الصحية والصرف الصحي، مشيرةً إلى أنّ هكذا أوضاع ستزيد من خطر الإصابة بالأمراض وسوء التغذية، ومازالت المنظمة الدولية تكرر – وعلى مسمعٍ ومرأى من الجميع – انتقادها للإستجابة الإنسانية الدولية للوضع فى السودان، فيما يبدو – بل، يتّضح - أنّ العالم انشغل – ومنشغل – حتى أخمص قدميه، بالحرب الإسرائيلية فى غزّة، بعد أن أُستُهلك موضوع الحرب الروسية فى أوكرانيا، وما لم نرفع الصوت عالياً، ضد الحرب المدمرة المستمرة فى السودان، ستتحول الحرب "المليجيشية" إلى حربٍ منسية، أو أزمة مسلحة منسية، ستنعكس مخاطرها ومآلاتها على أمن وسلامة كل دول وشعوب المنطقة والإقليم، وهذا ما يجب التنبيه له اليوم، وقبل الغد!.
-3-
مع تفاقم الأوضاع الماساوية فى السودان، دخل فى الخط - مرّةً ثانية - المدّعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، بزيارة (تشاد) التي لجأ إليها مئات آلاف اللاجئين، ليواجهوا مصيرهم المحتوم هناك، حيث تفاقُم المأساة، وبؤس الحياة، ونيران المعيشة الضنك فى مخيّمات بائسة، تفتقر للكثير من مطلوبات الحياة، بعد أن فرّوا من الموت المحقق – على الهوية الإثنية – ليصح فيهم المثل القائل: "كـالمستجير من الرمضاء بالنار"، وهذا حديث يطول!.
-4-
تأتي زيارة كريم خان لمعسكرات اللاجئين بتشاد، للإستماع بنفسه لشهادات "الضحايا" والناجين والناجيات، وليدعم على نهج "ليس من رأي ، كمن سمع" تقريره الذى أعدّه خبراء (المحكمة الجنائية الدولية) المزمع تقديمه لمجلس الأمن الدولي، والذى يقدم فيه كريم خان "أدلّة" إضافية عن الجرائم التى أُرتكبت فى دارفور منذ بدء حرب 15 أبريل 2023، وتشمل على سبيل المثال – لا الحصر – ما وقع من جرائم وحشية فى مدينة الجنينة بغرب دارفور، ومناطق أُخري من دارفور.
-5-
الجديد فى الأمر أنّ مدّعي الجنائية، أعلن أنّه أضاف إلى تحقيقاته التقليدية المعروفة، ذات الكفاءة العالية، تجربته فى الإستفادة من "المصادر المفتوحة"، وهو باب جديد، يُضاف إلى أساليب جمع المعلومات فى تقارير حقوق الإنسان، وتوثيق الإنتهاكات، وهذا فى حدّ ذاته، فتح جديد فى اكتشاف "المحتوي المفتوح المصدر"، وتحليله، والتحقق منه، لاستخدامه فى الدفاع عن حقوق الإنسان، والمساءلة القانونية، ورصد الإنتهاكات والإبلاغ عنها.
-6-
فى هذا الواقع المأزوم، وإمعاناً فى السير الخاطيء فى طريق "الهروب للأمام"، يواصل طرفا النزاع، التهرّب من مسئولياتهم القانونية فى (حماية المدنيين) فى المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش، والمناطق الخاضعة لسيطرة الدعم السريع، رُغم أنّ واجب الحماية هنا يحدده ويفرضه (القانون الدولي الإنساني)، بوضوح، والأخطر من كل هذا وذاك، أنّ طرفي النزاع ما زالا يمارسان انتهاكات "ممنهجة" ضد المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان، والنشطاء والناشطات فى المجتمع المدني، والأحزاب السياسية، اعتقالاً وتعذيباً و"إخفاءاً قسرياً"، وقتل خارج القانون، ومحاكمات تفتقر إلى معايير المحاكمة العادلة، وقرارات إدارية بفرض حالة طواريء إضافية، من ولاة وموظفين يفتقدون إلى الشرعية والمشروعية فى "احتلالهم" هذه المواقع الإدارية، بقرارات من البرهان، وغريمه حميدتي، وهما يتنافسان فى الدفاع عن الإنتهاكات، ومحاولات اكساب وجودهما فى خارطة الإنتهاكات، شيء من شرعية منعدمة أصلاً منذ "شراكتهما" الموثقة، فى إنقلاب 25 أكتوبر 2021 !.
-7-
كل هذا مرصود وموثق، وينتظر نتائج تحقيقات (البعثة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق بشأن الوضع فى السودان) التى شكلها واعتمدها (مجلس حقوق الإنسان) التابع للأمم المتحدة، المكونة من ثلاثة أعضاء من ذوي الخبرة فى (القانون الدولي لحقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني)، وهم التنزاني محمد شاندي عثمان "رئيس البعثة"، وجوي إيزيلو من نيجريا، ومني رشماوي الأردنية /السويسرية، ومن أهم مهام هذه البعثة "جمع الأدلة وتحليلها فى ضوء أيّ أجراءات قانونية مستقبلية، والتحديد، حيثما أمكن، الأفراد والكيانات المسئولة، وتقديم توصيات بهدف إنهاء الإفلات من العقاب وضمان المسائلة، ووصول الضحايا إلى العدالة".. هذا بإختصار، مؤشر مُبشّر، بأنّ الإفلات من العقاب فى جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، وجريمة الإبادة، ما عاد ممكناً، وهذا ما يُزعج "أباطرة حرب 15 أبريل"، ويؤرق مضاجعهم، مهما "شرّقوا" أو "غرّبوا" فى رحلات وسفريات البحث عن ضمانات ضد المساءلة، أو "ملاذات آمنة" من سداد تكلفة انتهاكات حرب 15 أبريل "المليجيشية" وفق القانون الدولي لحقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني.
-8-
أمام هذا الواقع المزري ليس أمامنا فى حركة حقوق الإنسان السودانية، وفى صحافة حقوق الإنسان، والصحافة الحرة والمستقلة، سوى المزيد من العمل والتنسيق والتعاون المشترك لترتيب أولوياتنا، ووضع أجندتنا، وتجميع طاقاتنا "المبعثرة" فى أكبر تحالف ضد الحرب، ورفع الصوت عالياً ضد أيّ تسويات قد تؤدي للإفلات من العقاب والمساءلة على كل الجرائم المرتكبة منذ اندلاع حرب 15 أبريل الكارثية.
جرس أخير:
" ولا شيء أكثر إيلاماً ،، من دماءٍ حزينة ... ولا شيء ينحر القلب ،، مثل حروبٍ تطال النوايا... وتصبح أكلاً وشُرباً ،، ومُتّكأ للحكايا".. ((أمير تاج السر ))

فيصل الباقر
faisal.elbagir@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: القانون الدولی حقوق الإنسان حرب 15 أبریل فى السودان من العقاب بعد أن

إقرأ أيضاً:

الأمين العام يدعو العالم إلى عدم نسيان شعب السودان وينادي بوقف “الصراع العبثي”

"بعد مرور عامين من الحرب المدمرة، لا يزال السودان عالقا في أزمة ذات أبعاد مذهلة يدفع فيها المدنيون الثمن الأعلى"، هكذا وصف أمين عام الأمم المتحدة الوضع في السودان داعيا إلى "إنهاء هذا الصراع العبثي"، وفي بيان صحفي قال الأمين العام أنطونيو غوتيريش إن أعمال القصف والغارات الجوية العشوائية تواصل قتل وتشويه الناس، فيما تُهاجَم الأسواق والمستشفيات والمدارس وأماكن العبادة ومواقع النزوح.

وأضاف أن العنف الجنسي متفش، لتتعرض النساء والفتيات لأعمال مروعة. كما يعاني المدنيون من انتهاكات جسيمة من جميع الأطراف المتقاتلة. وأشار إلى أن السودان أصبح أكبر أزمة نزوح في العالم، إذ نزح ما يقرب من 12 مليون شخص، عبر أكثر من 3.8 مليون منهم الحدود إلى الدول المجاورة.

ويحتاج أكثر من 30 مليون شخص إلى الدعم الإنساني، ويعاني أكثر من نصف عدد السكان- أي نحو 25 مليون شخص من الجوع الحاد. وفيما يقترب موسم العجاف، يُتوقع أن تنتشر المجاعة - التي حدثت في خمسة مواقع على الأقل- إلى أكثر من ذلك.

الأمين العام أشار في بيانه إلى استهداف العاملين في المجال الإنساني، إذ فقد 90 شخصا منهم حياتهم منذ اندلاع الحرب بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في 15 نيسان/أبريل 2023.

وتطرق غوتيريش إلى تدمير الخدمات الأساسية وحرمان ملايين الأطفال في التعليم، وعدم قدرة سوى أقل من ربع المنشآت الصحية على مواصلة العمل في أكثر المناطق تضررا.

وقد وصلت الأمم المتحدة وشركاؤها، خلال العام الماضي، إلى أكثر من 15.6 مليون شخص بنوع واحد على الأقل من المساعدة، إلا أن الاحتياجات لا تزال هائلة كما قال الأمين العام.

وذكر أن العاملين في المجال الإنساني غير قادرين على تعزيز وجودهم في الكثير من المناطق التي تشتد فيها الحاجة، بسبب الصراع وانعدام الأمن المقرونين بالعوائق البيروقراطية والخفض الحاد للتمويل.

"ويواصل المدنيون تحمل عبء تجاهل الأطراف للحياة البشرية" كما قال الأمين العام الذي أشار إلى الالتزامات التي أعلنتها الأطراف بشأن حماية المدنيين بما في ذلك في إعلان جدة في أيار/مايو 2023، بالإضافة إلى الالتزامات التي تقع عليها بموجب القانون الدولي وقانون حقوق الإنسان.

وأكد غوتيريش ضرورة ترجمة مثل هذه الالتزامات إلى عمل حاسم، وأهمية إجراء تحقيقات مستقلة ومحايدة وشفافة في جميع التقارير التي أفادت بوقوع انتهاكات.

تدفق الأسلحة والمقاتلين
وأعرب الأمين العام عن القلق البالغ بشأن مواصلة تدفق الأسلحة والمقاتلين إلى السودان بما يسمح باستمرار الصراع وانتشاره عبر أنحاء البلد. وشدد على ضرورة توقف الدعم الخارجي وتدفق الأسلحة.

وقال إن على المتمتعين بأكبر نفوذ لدى الأطراف، استخدام هذا النفوذ لتحسين حياة شعب السودان بدلا من إطالة أمد هذه الكارثة.

الأمين العام للأمم المتحدة شدد على الحاجة الماسة لبذل جهود سياسية شاملة ومنسقة جيدا لمنع المزيد من التجزئة في السودان. وقال إن على المجتمع الدولي إيجاد سبل لمساعدة الشعب السوداني على إنهاء هذه الكارثة وإقامة تدابير انتقالية مقبولة.

وأكد أن السودان يظل أولوية كبرى لدى الأمم المتحدة، وقال: "سأواصل الانخراط مع القادة الإقليميين حول سبل تعزيز جهودنا الدولية من أجل السلام. يُكمّل هذا، العمل المستمر الذي يقوم به مبعوثي الشخصي رمطان لعمامرة الذي سيسعى إلى ضمان أن تعزز الجهود الوساطة الدولية بعضها".

وأفاد الأمين العام بأن لعمامرة سيواصل أيضا - مع الأطراف - استكشاف سبل تقريبها من حل سلمي ودعم وتمكين المدنيين فيما يعملون من أجل رؤية مشتركة لمستقبل السودان.

وشدد الأمين العام على ضرورة تجديد التركيز على إيجاد نهاية لهذه الحرب الوحشية، وعلى ألا ينسى العالم شعبَ السودان.  

مقالات مشابهة

  • “حقوق الإنسان” بالأمم المتحدة: مقتل 71 مدنيًا في اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي على لبنان منذ وقف إطلاق النار نوفمبر 2024
  • اليونيسف: عامان من الحرب في السودان حطّما ملايين الأطفال
  • السودان يحتج لدي مجلس حقوق الإنسان والمفوضية السامية بشأن اجتياح المليشيا المتمردة لمعسكر زمزم للنازحين
  • السودان يواجه أسوأ أزمة جوع في العالم بسبب الحرب
  • الأمين العام يدعو العالم إلى عدم نسيان شعب السودان وينادي بوقف “الصراع العبثي”
  • بسبب الحرب.. “أرقام مفزعة” من اليونيسف بشأن أطفال السودان
  • اليونيسف .. “أرقام مفزعة” بشأن أطفال السودان
  • بسبب الحرب.. "أرقام مفزعة" من اليونيسف بشأن أطفال السودان
  • السودان: نزوح عشرات الآلاف من مخيم “زمزم” بعد اقتحامه من قوات الدعم السريع
  • السودان يحتج لدي مجلس حقوق الإنسان والمفوضية السامية بشأن اجتياح الميليشيا المتمردة لمعسكر زمزم للنازحين