سافرت مع عائلتي في إحدى الإجازات الأسبوعية من القاهرة إلى الفيوم، استغرقت أكثر من ساعتين بالسيارة، في جو ممطر قارص البرودة.
كان قرارا يفتقد الحافز المنطقي وربما يستدعي السؤال: لما الحاجة إلى رحلة إذا كان يمكننا أن نجتمع فى «خروجة» في الكوربة مثلا، وتمتمت لنفسي "مالها الكوربة؟" ولكنني مع ذلك اخترت السفر والخروج من العاصمة بكل ثقلها، كان هناك ما يدفعنى بشغف ويحملني حملًا على خوض هذه الرحلة.
قادني القدر الذي تمثل فى صوت توجيهات السيدة الخارج من «موبايلي»، الصوت الذي يوحي بالمعرفة كأن هذه السيدة هي أم العريف أو أم السيد جوجل نفسه تخبرني: اتجه شمالاً اتجه يميناً فى طرق داخل القاهرة حتى وصلت الى منعطف يمين كتفريعة إلى الطريق إلى الفيوم وحينها اكتشفت أنني في طريق الواحات، فقد اختارت لي السيدة "جوجل" الذهاب إلى الفيوم من طريق الواحات، هنا بدأ قلبي يشعر بشيء من الخوف فالطريق نائي ويخلو من السيارات فقط أنا والصحراء وطريق الأسفلت.
بدأ عقلي يلقي علي تساؤلات أخرى: ماذا لو؟ ماذا لو تعطلت بك السيارة؟ ماذا لو توقفت إشارة الإنترنت وسكتت السيدة «جوجل» عن توجيهي في نصف الرحلة؟ ماذا لو قابلت قاطعي الطرق؟ ثم سألت نفسي ماذا أفعل الآن هل أبكي؟ ما هو التصرف الأمثل؟ وجاءت الإجابة فى نفس اللحظة، أكملي فمن ساعدك فى رحلة استغرقت واحد وخمسون عاما هي عدد سنوات عمرك، سيساعدك على إكمال رحلتك في الساعة والنصف القادمة.
أكملت الطريق وزدت في السرعة كى أقلل من وقت الرحلة وبدأت فى اجتياز التفريعة الأولى التى بدأت بسؤالي عن الطريق لشاب وفتاه حولا سيارتهما لمقهى متحرك عند نقطة المرور، فاتجاه الذهاب كان مغلقا لانه غير مكتمل فأكدا لي انى استطيع ان اسلك الاتجاه المعاكس لان الكل يفعل ذلك، وبعد بضع كيلومترات وجدت طريق الذهاب ممهدا فانتقلت اليه، ثم ما لبثت الا قليلا حتى رجعت الى الطريق المعاكس لتحويل الطريق لعدم اكتماله واستمريت فى الانتقال بين الطريقين كما نفعل في حياتنا اليومية ما بين الاستقامة والاعوجاج الى ان سمعت السيدة "جوجل" مرة اخرى دليلي عبر الصحراء تقودنى الى تفريعة ثانية، فطمأنت قلبي وهمهمت لعقلي قائلة هانت انتهت التيهة وسوف انحرف يمينا لاجد الطريق المعروف للفيوم، لكن فاجأتني أم العريف مرة أخرى ورفعت مستوى الصعوبة فى لعبة المتاهات.
وجدت نفسي مجددا فى طريق واحد مفرد للاتجاهين، وكلما تعمقت اكثر فى الصحراء ازدادت مستوى صعوبة المناورات فتارة ينحني الطريق، وتارة يرتفع ويعلو لدرجة عدم رؤية ما بعد القمة من مجهول، وتارة اخرى يحاصر الطريق الضيق بعض الكثبان الرملية حتى اخشى من انغماس العجل فى الرمال، وازداد حصاري ومعه ازدادت ضربات قلبي وعلت اصوات عقلي بماذا لو؟ فرفعت صوت الاغاني حتى لا اسمع غيرها، واجبت اسئلتي الداخلية بأن الله اكبر من كل المخاوف الافتراضية التي يقترحها عقلي كى انهار، لن تتعطل السيارة ولن اجد قراصنة الصحراء وسأكمل الطريق بخير، فسكت وتلاشى كومبو المخاوف الذى جهزها لي شيطان العقل.
أكملت طريقي بالتكبير والتسبيح واستدعائي ليقينى بالله وبدأ اليقين فى التجلي، ومعه بدأت تظهر ملامح المؤامرة التي كانت تنجح دائما فى تكبيلي ومنعي من الاستمرار في اكمال طريقي فى اخفاقاتي السابقة. إن الصحراء خير معلم ولكنها قاسية وماكرة فعلينا الحذروالتحوط والتحلي بالشجاعة معها، وما الصحراء الا مثال مصغر من الحياه، فلقد وثقت فى اختيار "جوجل" لطريقي دون العناء بالتحقق منه ومراجعته، وكان هذا هو خطأي الذي تداركته بالشجاعة والاقدام المدعومة بملامستي لطرف خيط اليقين، وتمسكت به حين راجعت تفاصيل رحلتي فى الحياه وخلاصة تجربتي من معارف كثيرة اسماها معرفة قدرة الله.
بدأ دليلي الجديد فى التجلي فمن هذه اللحظة قادني اليقين وبدأ الصوت الصادر من تليفوني المحمول يهمهم انحرف يمينا، ولكن هذه المرة وجدت بوابة حجرية فى تفريعة وسط الصحراء مكتوب عليها محمية قارون، وكأنها بوابة زمكانية نقلتني من عالم ملىء بالشك الى عالم ملامحة اليقين، بوابة افتراضية على لوحة من الحياه.
بدأت ملامح الطريق تتضح على الرغم من ان الطريق كان ضيقا وغير ممهد إلا أن جمال طبيعة المكان شد انتباهى بالرغم من المخاطر المخبأه فيه إلا إننى أوليت اهتمامي للجمال وحينها ظهرت سيارة مسرعة آتيه من خلفي من اللا مكان كأن سائقها يحفظ خريطة الطريق ويستطيع ان يميز المنحنيات والمطبات عن ظهر غيب، انتبهت للرسالة انه الدليل المرسل من السماء والامدادات الالهية فى وقت التسليم فتوحدت المفردات وأصبحت أنا والصحراء والطريق جزء لا يتجزأ من اللوحة.
لاحقت السيارة كأنني بطلة من أبطال سباق الرالي، كلما زاد السائق سرعته تابعته فوجدتني أرسم مشهد لمطاردة بوليسية وشعرت أن السائق بدأ يتوتر من ملاحقتي فخفف سرعته كى أتخطاه، لكني أبيت وتمسكت بموضع الملاحقة وحينها لم أكن متأكده أن السائق رجل ام أمرأه لأن زجاج السيارة كان غامقا لا يظهر ما بداخلها، إستمر فى تخفيف سرعته وفتح زجاج السيارة وأشار بيده لي للتقدم، فشاهدت ما بداخل السيارة اربع رجال، حينها فهم الرجل أني لا ألاحقه ولكني أتمسك بحبل النجاه الوحيد الذي عثرت عليه والذي يتمثل في سيارته، بدأ الرجل يرسل إشارات ضوئية قبل المنحنيات والمطبات ليحذرني وكأن سيارته تقطر سيارتي لتخرجها من المتاهة.
انتهت التفريعة الثالثة والأخيرة أسرع مما توقعت بسبب سرعة سائق السيارة الأخرى، وحينها شعرت بالامتنان الشديد لقدرة الله التي تجلت فى تزامن مرور هذا الشخص فى نفس الوقت معي. وفى نهاية المحمية كان هناك مبنى لبوابة توقف عندها السائق بينما أكملت أنا طريقي بعد أن لوحت له بامتنان شديد.وما إن لامست عجلة سيارتي طرف الطريق الأسفلتي بجانب البحيرة اكتشفت أني عبرت صحراء مخاوفي عندما تجلى اليقين، حينها استبدلت شكوكي وتساؤلات شيطان العقل المغلفه بماذا لو بيقيني بأن الله أكبر وأفرغت حمولتي من الافتراضات الوهمية لأملأ روحي بجمال المحمية، فمن دخل محمية المولى فقد كفى ووجدتني أقول أنا لا أجرؤ أن أخاف بعد اليوم.
اقرأ أيضاًثقافة البحر الأحمر تحتفي بإجازة نصف العام ببرامج فنية
اعتماد نتائج البرامج المميزة بتجارة القناة في أول أيام إجازة نصف العام
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: الفيوم إجازة البرد إجازة أسبوعية ماذا لو
إقرأ أيضاً:
كنيسة السيدة العذراء للكاثوليك بشبرا يحيون قداس الميلاد
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
ترأس القمص مرقص لطفي والأب بولس بباوي قداس ليلة عيد الميلاد المجيد مساء أمس الثلاثاء الموافق ٢٤ ديسمبر.
وفي كلمة العظة تكلم الأب الراعي عن الميلاد أنه اختيار الله البقاء معنا، يأتي ميلاد يسوع ليجدد اليقين بأن الله حاضر لنا.
واختتم اليوم بالبركة الالهية وأخذ الصور التذكارية لكافة أبناء الرعية.