عربي21:
2025-04-23@07:28:41 GMT

القضية الفلسطينية: من أوسلو إلى الطوفان

تاريخ النشر: 4th, February 2024 GMT

تناقش هذه المقالة موضوعين متناقضين على الرغم من أن كلا منهما نتاج للآخر، فالموضوع الأول اتفاقية أوسلو التي وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية مع إسرائيل سنة 1993، والموضوع الثاني النقيض لأوسلو وهو معركة طوفان الأقصى التي أطلقتها حركة حماس في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر2023، والتي ما زالت مستمرة وأدخلت القضية الفلسطينية بشكل خاص والشرق الأوسط بشكل عام في مرحلة "قديمة جديدة" من الصراع العربي- الإسرائيلي.



فعلى الجانب الفلسطيني أعادت الصراع إلى ما قبل توقيع أوسلو وإنهاء الكفاح المسلح، وسجلت نقطة فاصلة في تاريخه وأعادت القضية الفلسطينية إلى صدارة المشهد الإقليمي والدولي، بعدما مسحتها أوسلو على مدار ثلاثة عقود من المفاوضات العبثية. وعلى الجانب العربي أعادت الذاكرة إلى مرحلة تاريخية مشرقة في التاريخ العربي وهي حرب أكتوبر عام ١٩٧٣، فاتفاق أوسلو للسلام سنة ١٩٩٣ أنهت الدرب الكفاحي الفلسطيني، وبعد أقل من عقد على فشل هذه الاتفاقية عادت القضية الفلسطينية إلى تاريخ أمجادها الكفاحية والسياسية والدولية من خلال اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام٢٠٠٠.

فكل من أوسلو وانتفاضة الأقصى وطوفان الأقصى مراحل متناقضة، فمرحلة أوسلو جاءت لتلغي الثورة الفلسطينية ولتضع حدا للانتفاضة الأولى، واندلعت انتفاضة الأقصى نتاج فشل أوسلو وعدم الالتزام الإسرائيلي ببنودها، وعلى الرغم من ذلك الفشل الذريع والمتعمد من قبل إسرائيل إلا أن الولايات المتحدة عملت على إنعاشها من خلال إعطاء الضوء الأخضر لإسرائيل بقتل الرئيس ياسر عرفات في سنة 2004، مما أدى إلى وقف الانتفاضة. وبعد ثلاثة عقود على أوسلو وعقدين على الانتفاضة الأقصى جاءت طوفان الأقصى لتؤكد أن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ما زال قائما، كل من أوسلو وانتفاضة الأقصى وطوفان الأقصى مراحل متناقضة، فمرحلة أوسلو جاءت لتلغي الثورة الفلسطينية ولتضع حدا للانتفاضة الأولى، واندلعت انتفاضة الأقصى نتاج فشل أوسلو وعدم الالتزام الإسرائيلي ببنودها، وعلى الرغم من ذلك الفشل الذريع والمتعمد من قبل إسرائيل إلا أن الولايات المتحدة عملت على إنعاشها من خلال إعطاء الضوء الأخضر لإسرائيل بقتل الرئيس ياسر عرفات في سنة 2004، مما أدى إلى وقف الانتفاضة. وبعد ثلاثة عقود على أوسلو وعقدين على الانتفاضة الأقصى جاءت طوفان الأقصى لتؤكد أن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ما زال قائماوأن أوسلو ماتت ودُفنت في رمال القطاع، فكانت غزة أولا "الولادة" وأخيرا "الوفاة" لاتفاق أوسلو؛ فأوسلو جاءت لتنهي انتفاضة الحجارة، وبنفس الطريقة جاءت كل من انتفاضة الأقصى وطوفان الأقصى لتنهي طريق السراب الطويل من أوسلو على قاعدة الجديد يجب القديم.

وحري بنا التطرق إلى اتفاق أوسلو، حيث لعبت التغيرات التي حدثت على الساحات الدولية والإقليمية والمحلية من منتصف السبعينيات وحتى بداية التسعينيات من القرن الماضي دورا مهما في تغير مسار الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي ودفع منظمة التحرير الفلسطينية برئاسة عرفات لتوقيع الاتفاق.

لقد استند اتفاق أوسلو على الاعتراف المتبادل بين إسرائيل ومنظمة التحرير، واحتوى الاتفاق على سبعة عشر بندا، ونص على إجراء مفاوضات للانسحاب الإسرائيلي من الضفة الغربية وغزة على مرحلتين؛ مرحلة إعدادية ومرحلة انتقالية، تبدأ المرحلة الإعدادية في تشرين الأول/ أكتوبر عام 1993 وتنتهي بعد ستة أشهر، والمرحلة الثانية (المرحلة الانتقالية)، تبدأ بعد الانسحاب الإسرائيلي من غزة وأريحا، وتستمر لمدة خمس سنوات تجرى خلالها انتخابات عامة حرة مباشرة لاختيار أعضاء المجلس الفلسطيني الذي سيشرف على السلطة الفلسطينية الانتقالية، وعندما يتم ذلك تكون الشرطة الفلسطينية قد استلمت مسؤولياتها في المناطق التي تخرج منها القوات الإسرائيلية خاصة تلك المأهولة بالسكان. وتحث الوثيقة على ضرورة التعاون الإقليمي في المجال الاقتصادي من خلال مجموعات العمل في المفاوضات متعددة الأطراف، أما بالنسبة لمفاوضات الوضع النهائي، فقد نصت الوثيقة على أن تبدأ بعد انقضاء ما لا يزيد عن ثلاث سنوات، وتهدف إلى بحث القضايا العالقة مثل: القدس، والمستوطنات، واللاجئين، والترتيبات الأمنية، والحدود.

وتجدر الإشارة إلى أن حركة حماس وصفت اتفاق أوسلو بأنه انتكاسة تاريخية في الخط الوطني لمنظمة التحرير، واعتبرته انحرافا خطيرا في المسار السياسي للقضية الفلسطينية، لأنه تسبب في تراجع قضايا الشعب الفلسطيني بشكل خطير، ودعت الشعب الفلسطيني بكل مكوناته للعمل على إسقاط أوسلو.

ولا بد من التأكيد على أن منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة حركة فتح تخلت عن الكفاح المسلح لتحرير فلسطين من أجل أوسلو "السلام"، وعملت على تعديل بنود الميثاق الوطني الفلسطيني سنة 1996، وقد فعلت حركة حماس ما فعلته منظمة التحرير تجاه ميثاقها الصادر عام ١٩٨٨، إلا أن حركة حماس لم تقم بتعديل الميثاق ولا إلغائه، وإنما أصدرت وثيقة السياسات العامة سنة ٢٠١٧ والتي حلت محل الميثاق، ومن أهم التغييرات الجوهرية "القبول بدولة فلسطينية على حدود 1967".

وتأسيسا على ذلك، وبما لا يضع مجالا للشك، فإن معركة طوفان الأقصى أحدثت العديد من التغيرات على العديد من المستويات وفي مقدمتها المستوى الدولي. فقد عادت القضية الفلسطينية كقضية شعب يريد الخلاص من الاحتلال، ولا يمكن أن يتم حل القضية الفلسطينية كما تريد إسرائيل من خلال البعد الاقتصادي (السلام الاقتصادي)؛ بتحسين الحياة الاقتصادية للشعب الفلسطيني واعتبار أن هذا السلام سيرضي الشعب الفلسطيني وينهي تمسكه بوطنه والحرية والاستقلال.

أما على المستوى العربي، فقد أحرجت الزعماء العرب وكشفت زيف ادعائهم بأنهم يقفون إلى جانب الشعب الفلسطيني وحقوقه، فقد ذهب البعض العربي للتطبيع مع إسرائيل قبل تطبيق بنود قمة بيروت سنة 2002، التي نصت على أنه لا سلام مع إسرائيل قبل حل القضية الفلسطينية وإحلال السلام وإقامة الدولة الفلسطينية، على الرغم من كل ذلك ما زال موقفهم مع نهاية الشهر الرابع للحرب على القطاع يوصف في التآمر والخذلان والخنوع للموقف الأمريكي الإسرائيلي وبكل وضوح وبلا خجل.

أما على المستوى الإسرائيلي، فالثقة في قدرة الجيش على حماية المجتمع الإسرائيلي أصبحت معدومة، وحتى الثقة في القيادة العسكرية والأمنية والسياسية والدولة ومؤسساتها أصبحت مهشمة، مما أدى إلى زيادة حدة التناقضات الداخلية والاتهامات المتصاعدة، فكل قائد وطرف يحاول تحميل الفشل للآخر، وهذا نتاج الفشل المتواصل منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، في ظل الخسائر البشرية والمادية في المعركة وعدم قدرة المستوى السياسي والعسكري من تحقيق أي هدف من أهداف الحرب على القطاع.

كل ذلك زاد من حرب الإبادة والانتقام من المدنيين للضغط على المقاومة، فقد تم ارتكاب الآلاف من المجازر بحق الأطفال والنساء وأهالي القطاع التي راح ضحيتها أكثر من 27 ألف شهيد، بالإضافة إلى تدمير البنية التحية والمساكن والمؤسسات والمساجد والمستشفيات والجامعات والمدارس، حتى وصل التدمير إلى ما نسبته 70 في المئة من القطاع، وكل ذلك من أجل الحفاظ على صورة إسرائيل القوية. إلا أن صورتها قد تهشمت مرة ثانية على المستوى الدولي، وفضحت ديمقراطيتها المزعومة، كما تم فضح صورة كل من يدعم إسرائيل من النظام الدولي وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية.

ففي بداية السابع من تشرين الأول/ أكتوبر خرجت العديد من مسيرات التأييد لإسرائيل في العالم؛ ولكن سرعان ما انقلب السحر على الساحر، وتبينت حقيقة أكاذيب القادة الإسرائيليين والأمريكيين، مما أدى إلى تراجع التأييد لإسرائيل ليحل محله التأييد المنقطع النظير للقضية الفلسطينية على المستوى الشعبي العالمي؛ الذي أصبح يشكل عامل ضغط على سياسات دوله التي اضطرت للتغيير من مواقفها تجاه استمرار الحرب على القطاع.

واستنادا لما سبق، من الضروري تناول المستوى القانوني الإنساني الدولي، حيث أقدمت دولة جنوب أفريقيا في 11-12 كانون الثاني/ يناير2024، على محاكمة إسرائيل في لاهاي، للتحقيق في قضية "الإبادة الجماعية" بحق الشعب الفلسطيني في القطاع، والتي تعد الأولى من نوعها في تاريخ دولة الاحتلال. وقدمت جنوب أفريقيا مرافعة رائعة وموفقة ومنضبطة من 84 صفحة، عرضت من خلالها الدلائل على انتهاك إسرائيل لالتزاماتها بموجب ميثاق الأمم المتحدة، وتورطها بـ"ارتكاب أعمال إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني في القطاع". وتعتبر قرارات محكمة العدل الدولية ذات أهمية كبيرة على المستوى القانوني والمستوى الأخلاقي، والسياسي أيضا؛ لأنه يؤثر على سياسات الدول تجاه المعايير الإنسانية وحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ويمكن أن يعيد رسم سياستها تجاه الموقف من الحرب على القطاع.

ورفضت المحكمة رد الدعوى المقدمة واتخذت قرارات في 26 كانون الثاني/ يناير2024 باتخاذ العديد من التدابير المؤقتة من قبل إسرائيل لوقف الإبادة الجماعية في القطاع؛ وهذا القرار حتى لو لم يكن واضحا في وقف الحرب ولكن حجم التصويت الجماعي وطبيعة القرارات وإلزام إسرائيل بتقديم تقرير خلال شهر، قد ألحق الضرر الفادح بسمعة إسرائيل على المستوى العالمي، وكشف طبيعة إسرائيل وممارساتها الإجرامية بحق الشعب الفلسطيني في القطاع. وهذه سابقة في تاريخ الاحتلال الذي تملص على مدار سبعة عقود ونصف من مثل هذه المحاكمة، وقد يشرّع التحرك لمحكمة الجنائية الدولية للنظر في اتخاذ خطوات وعقوبات ضد كبار القادة الإسرائيليين.

وقد قدمت دولة جنوب أفريقيا على طلبها إلى محكمة العدل الدولية بناء على اعتبارين:

الأول بناء على مواد وسوابق، فالمادة 9 من اتفاقية الإبادة الجماعية تخول محكمة العدل الدولية حل النزاعات، كما حدث عام 2020 حين أصدرت المحكمة قرارا بوقف العدوان في قضية الإبادة الجماعية للروهينغيا، وعام 2022 في قضية أوكرانيا. والمنطلق الثاني لخطوة جنوب أفريقيا يتمثل بكون إسرائيل موقعة على ميثاق منع الإبادة الجماعية، وبناء على هذا التوقيع يتم إجراء هذه المحاكمة.

المقاومة الفلسطينية ولأول مرة في التاريخ المعاصر تثبت أن المشروع الصهيوني لا مستقبل له على أرض فلسطين، وأن التطبيع العربي الإسرائيلي لا يمكن له أن ينهي القضية الفلسطينية وأن الفلسطينيين قادرون لوحدهم على مواجهة دولة الاحتلال. وفي النهاية تبين أن القضية الفلسطينية حتى لو تخلى العرب عنها وعن دعم نضال الشعب الفلسطيني، فهناك العديد من أحرار ومناضلي العالم يقفون ضد الاحتلال
واستخلاصا لما سبق، فقد عملت طوفان الأقصى على إعادة القضية الفلسطينية للطاولة الدولية وبكل قوة، وأثبتت قدرة الشعب الفلسطيني على التمسك بالثوابت وعدم قبوله للتعايش مع الاحتلال ومع الاتفاقيات التي تنتقص من حقه في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس. والصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني والمقاومة أجبرا الولايات المتحدة الأمريكية والأوروبيين على الحديث عن دولة فلسطينية أو كيان فلسطيني أي "حل الدولتين"، والمطالبة المستمرة بتبادل الأسرى من خلال إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية، مع تولي أمريكا قيادة مفاوضات إطلاق سراح المحتجزين. وكان الرئيس جو بايدن هو من يتابع التفاوض من خلال الاتصال المستمر مع أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد، حيث قاد هذه المفاوضات رئيس وكالة المخابرات المركزية الأمريكية "سي أي إيه" وليام بيرنز مع رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي دافيد برنياع.

ومما لا شك فيه أن طوفان الأقصى أثبتت أنه يمكن هزيمة الجيش الذي لا يقهر، وأن إسرائيل لا تمتلك القدرة على إنهاء القضية الفلسطينية، وأن اتفاق أوسلو وما لحقه من اتفاقيات لا تمثل الشعب الفلسطيني، فالشعب الفلسطيني يريد الخلاص من الاحتلال ومن الاتفاقيات التي لا تنص ولا تهدف للحرية والاستقلال.

وهنا لا بد من القول إن المقاومة الفلسطينية ولأول مرة في التاريخ المعاصر تثبت أن المشروع الصهيوني لا مستقبل له على أرض فلسطين، وأن التطبيع العربي الإسرائيلي لا يمكن له أن ينهي القضية الفلسطينية وأن الفلسطينيين قادرون لوحدهم على مواجهة دولة الاحتلال. وفي النهاية تبين أن القضية الفلسطينية حتى لو تخلى العرب عنها وعن دعم نضال الشعب الفلسطيني، فهناك العديد من أحرار ومناضلي العالم يقفون ضد الاحتلال، وهذا ما تمثل في موقف بلد نيلسون مانديلا الذي يعد من أكثر البلاد التي عانت من سياسة نظام الفصل العنصري "أبارتايد"، كما أن موقف المقاومة في كل من اليمن الشقيق والعراق وسوريا وحزب الله يؤكد أن الحق يقف مع الحق.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه اتفاقية أوسلو الفلسطينية إسرائيل المقاومة إسرائيل فلسطين المقاومة اتفاقية أوسلو طوفان الاقصي مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة القضیة الفلسطینیة الإبادة الجماعیة الولایات المتحدة الشعب الفلسطینی انتفاضة الأقصى منظمة التحریر طوفان الأقصى جنوب أفریقیا على الرغم من على المستوى اتفاق أوسلو تشرین الأول مما أدى إلى على القطاع فی القطاع حرکة حماس العدید من من أوسلو من خلال إلا أن

إقرأ أيضاً:

طوفان الأقصى.. بيرل هاربر الفلسطينية التي فجّرت شرق المتوسط

أحسب أن حماس كانت تدرك أنها قامت في 7 أكتوبر ـ  تشرين الأول 2023 بعملية عسكرية غير مسبوقة، لكنها ربما لم تكن تملك تقديرا دقيقا لحجم وأثر عملية "طوفان الأقصى" ولعلها فوجئت بمفاعيلها على الأقل، الأمر الذي حملني على وصفها بـ " دوسة في بيت نمل". ولعل أفضل وسيلة لقياسها حجما وتأثيرا تكمن في مقارنتها بعمليات سابقة أدت إلى حروب شاملة.

سقط في اليوم الأول من العملية وفق الإحصاء الإسرائيلي 1200 قتيل و3400 جريح وأسر 251 إسرائيليا بين مدني وعسكري. بالمقابل تشير الأرقام الرسمية إلى أن إسرائيل خسرت في اجتياحها للبنان (1982 ـ 1985) 654 جنديا و3887 جريحا وفقدت أربعة جنود ووقع في الأسر 12 جنديا. وتفصح الأرقام المعلنة لحرب أكتوبر ـ تشرين الأول عام 1973 أن عدد القتلى الإسرائيليين بلغ 2600 قتيل و136 أسيرا لدى مصر و28 أسيرا لدى سوريا. وأسفرت حرب حزيران ـ يونيو عام 1967 بين العرب وإسرائيل عن سقوط 983 قتيلا عسكريا و20 مدنيا و15 أسيرا. وسقط في حرب السويس عام 1956 حوالي 172 جنديا إسرائيليا وأسيرا واحدا. وفي الحرب الأكبر عام 1948 سقط 6373 جنديا ومدنيا.

"بيرل هاربر" فلسطيني

وإذا أردنا الذهاب إلى مكان أبعد في هذه المقارنة، نجد أن الضربة اليابانية الصاعقة في ميناء "بيرل هاربر"، القاعدة البحرية الأمريكية الواقعة في جزر هواي في 7 ديسمبر ـ كانون الأول عام 1941 والتي دفعت أمريكا للاشتراك في الحرب العالمية الثانية، قد أدت إلى سقوط 2403 جنود وجرح 1178 جنديا. هذه الخسائر لا تتجاوز خسائر إسرائيل بكثير على الرغم من الفوارق الهائلة بين إحجام الأطراف المعنية والمعدات العسكرية والمواقع الاستراتيجية.

تفيد هذه المقارنة بأن حجم العملية والخسائر التي خلفتها ما كان متوقعا وهو بمثابة إعلان حرب شاملة تستدرج بالضرورة حلفاء الطرفين وتتجاوز غزة ولبنان. فهل كانت حماس تراهن على إشعال حرب شاملة عبر استدراج محور الممانعة من دون تنسيق مسبق أم أن المحور لم يدرك هو أيضا أثر وحجم العملية التي وصلته النية الفلسطينية بوقوعها من دون تحديد ساعة الصفر؟

لقد انهارت في 7 أكتوبر ـ تشرين الأول أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر، في ساعات قليلة، أمام أعين المقاتلين الذين فوجئوا حقا بما أتت أيديهم. والواضح أنهم كانوا يحسبون انتصارا أقل في معارك أصعب وخسائر أكثر وردود فعل إسرائيلية أسرع.هذا السؤال ما زال بحاجة إلى إجابة لم تصدر بعد عن أي من أطراف "محور الممانعة". بانتظار الإجابة الرسمية من المعنيين، أرجح أن المحور فوجئ كما فوجئت حماس بنتائج العملية من دون أن يكون مستعدا للانخراط فيها انخراطا شاملا وتاما وليس عبر إسناد بصواريخ ومسيرات على أهميتها. نعم لقد كان "طوفان الأقصى" مؤثرا إلى الحد الذي يفوق كل تصور مسبق لدى جميع أطراف الحرب.

ستتضح أبعاد الصورة أكثر عندما ننظر إلى حجم القوى التي احتشدت أو أخذت تحتشد للاشتراك في هذه الحرب. فقد أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية في 8 أكتوبر ـ تشرين الأول عن إرسال حاملة الطائرات جيرالد فورد وهي الأحدث والأهم في العالم، إلى شرق المتوسط وتلتها حاملة الطائرات داويت أيزنهاور. وأرسلت من بعد إلى البحر الأحمر حاملة الطائرات هاري ترومان ومن ثم تلتها شقيقتها فينزون، وأرسلت جنبا إلى جنب حاملة طائرات مروحية وسفنا وغواصات وفرقاطات حربية.

استنفار 55 قاعدة عسكرية أمريكية

هذا الحشد العسكري الأمريكي كان قياسيا، ذلك أن واشنطن تحتفظ بـ 11 حاملة طائرات، أرسلت أقل من نصفها بقليل للرد على عملية "طوفان الأقصى" أضف إلى ذلك إرسال دعم لوجستي بشري في سياق استنفار القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة، والبالغ عددها 55 قاعدة أكبرها قاعدة العيديد في قطر التي تضم 13 ألف جنديا.

وفي السياق أرسلت بريطانيا سفنا حربية ومشاة بحرية وطائرات استطلاع وقتال إلى شرق المتوسط ولم تبرح الطائرات البريطانية سماء غزة والمنطقة. من جهتها بادرت فرنسا والاتحاد الأوروبي إلى تشكيل قوة بحرية لحماية السفن التجارية الأوروبية في البحر الأحمر وشاركت في إسقاط المسيرات الإيرانية التي أطلقت على إسرائيل في 13 نيسان ـ أبريل عام 2024.

تعكس هذه الأرقام تقديرا أمريكيًا وأوروبيًا عاليا للخطر الداهم الذي يهدد الدولة العبرية وتصميما على حمايتها ورفع معنويات سكانها التي تراجعت إلى الحد الأقصى بعد هجوم أكتوبر، خصوصا بعد أن بدا الجيش الإسرائيلي في حالة ارتباك وعجز عن استعادة زمام المبادرة رغم مرور ساعات طويلة على بدء "الطوفان".

 إن ذهاب العملية إلى أبعد مما تتصوره أو تتوقعه حماس والمحور يمكن ملاحظته من خلال ردود فعل أطرافه، لكن قبل ذلك لا بد من ذكر بعض آثارها على الأرض. فقد وصل مقاتلو حماس إلى عمق 25 كلم في طوفانهم وتحديدا إلى مستوطنة أوفاكيم ، مروا بمستوطنات على بعد 10 كلم في سديروت و5 كلم في نتيفوت و5 كلم في مهرجان روعيم الذي انتشرت صور الهاربين منه على وسائل التواصل الاجتماعي بطريقة مروعة لم تشهد إسرائيل ما يشبهها في كل حروبها مع العرب، منذ تأسيس دولتها عام 1948 في فلسطين المحتلة.

مصرع التكنولوجيا الرقمية

لقد استفاد مقاتلو حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى من عنصر المفاجأة، ليحققوا إصابات قاتلة في صفوف الإسرائيليين أكثر بكثير مما كانوا يتوقعون. فقد سيطروا على مقر قيادة فرقة غزة (رعيم) بسهولة كبيرة، وخرقوا الجدران الإلكترونية والإسمنتية من دون صعوبات تذكر، واستخدموا الطائرات المسيرة في التشويش وتدمير أبراج المراقبة، والطائرات الشراعية (جيلدرز) لنقل مقاتلين إلى مواقع القتال بسرعة كبيرة، وشنت قواتهم البحرية هجمات ناجحة بواسطة قوارب مطاطية في قاعدة (زيكيم) البحرية,

بدأت هذه الهجمات المنسقة بإطلاقات صاروخية كثيفة، الساعة السادسة والنصف صباحا بالتوقيت المحلي، واستمرت أياما طويلة حتى تمكنت إسرائيل من القضاء على الوحدات العسكرية المتسللة وذلك من دون أن تصاب حماس بخسائر كبيرة بحسب مصادرها. في حين أكدت إسرائيل والولايات المتحدة سقوط 1000 شهيد فلسطيني في داخل الأراضي الإسرائيلية.

إن وصول "طوفان الأقصى" إلى عمق 25 كلم يعني أن المقاتلين أصبحوا في منتصف الطريق بين غزة والضفة الغربية حيث تقدر المسافة بين 50 إلى 70 كلم وصاروا على بعد 200 كلم من الحدود اللبنانية، وتفيد المعلومات التي نشرتها إسرائيل حول المقاتلين الذين أسروا أو استشهدوا، أنهم كانوا يحتفظون بتموين وذخيرة تكفي أياما عديدة ما يعني أنهم كانوا يراهنون على طول العملية بانتظار تطورات لاحقة.

لقد نوقشت خلال الحرب إحدى الفرضيات التي تقول إن حماس كانت تنتظر تحركا من مقاتلي الضفة الغربية لإكمال الهجوم الوافد من غزة، والذي لو استمر كان يمكن أن يشكل جسرا قتاليا من غزة إلى الضفة الغربية، هذا الجسر كان يمكن أن يتسع ويكتسب أهمية عسكرية فائقة لو نفذ حزب الله هجوما مرغوبا باتجاه الجليل ومنه إلى حيفا. ويؤكد على صلاحية هذه الفرضية اللواء الإسرائيلي المتقاعد إسحق بن بريك الذي يرى بأن إسرائيل ما كان بوسعها القتال على جبهتين. وراجت توقعات أخرى في الدولة العبرية من أن الحزب كان بوسعه الوصول إلى حيفا من دون صعوبات كبيرة مستفيدا من عنصر المباغتة في اليوم الأول للعملية.

هجوم لم يأت من الضفة وآخر من الجليل

هل كان محور الممانعة يتحرك وفق خطة مرسومة سلفا على أن تبدأ بعملية "طوفان الأقصى" وتستكمل بهجوم حزب الله على الجليل وصولا إلى حيفا وإلى ما بعد وفق ما كان يردد الأمين العام الراحل للحزب السيد حسن نصر الله؟ أو على الأقل هل كانت حماس تتمنى أن يتحرك هذا السيناريو، وهل استدرجت المحور إلى هذا المكان؟ بعض الأنباء غير المؤكدة تفيد أن حماس أبلغت أطراف المحور في لقاء تم في بيروت في آب ـ أغسطس عام 2023 نيتها شن عملية عسكرية كبيرة ضد إسرائيل تسمح لها بتغيير قواعد الاشتباك، لكننا ما زلنا بحاجة إلى تأكيد رسمي لم يصدر بعد عن أطراف المحور حول هذا الجانب.

يذهب أصحاب منطق المؤامرة إلى مدى أبعد، إذ يرون أن اغتيال رئيسي أخلى الساحة لانتخاب رئيس جديد يريد المصالحة مع أمريكا حليفة وحامية إسرائيل في الشرق الأوسط. في كل الحالات لا نملك أدلة من شأنها تكذيب التقرير الإيراني الرسمي حول ظروف مقتل رئيسي، وفيه تأكيد قاطع بأن سقوط مروحية الرئيس الإيراني تم بسبب الظروف الجوية السيئة، أضف إلى ذلك أن إيران كانت تستعد للتفاوض مع الولايات المتحدة حول الملف النووي قبل العملية، ما يعني أنها ما كانت في وارد خوض حرب مع إسرائيل حليفة واشنطن الأهم في المنطقة قبل "طوفان الأقصى".وتفيد أنباء أخرى أن إيران كانت على علم بتفاصيل العملية، وقد انعكس ذلك في تصريح شهير للرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي، الذي وصف العملية بـ "زلزال" ستهتز له أركان إسرائيل. وينسب إلى رئيسي تصميمه على دعم المقاومة الفلسطينية في غزة ولبنان بكل الوسائل التي تتيح هزيمة إسرائيل، بل يتهم أصحاب نظرية المؤامرة إسرائيل باغتيال رئيسي بعد زيارته لأذربيجان بواسطة "بايجر" مفخخ ويربطون موقع الاغتيال بوجود مكتب ناشط للموساد في العاصمة الآذرية "باكو".

ويذهب أصحاب منطق المؤامرة إلى مدى أبعد، إذ يرون أن اغتيال رئيسي أخلى الساحة لانتخاب رئيس جديد يريد المصالحة مع أمريكا حليفة وحامية إسرائيل في الشرق الأوسط. في كل الحالات لا نملك أدلة من شأنها تكذيب التقرير الإيراني الرسمي حول ظروف مقتل رئيسي، وفيه تأكيد قاطع بأن سقوط مروحية الرئيس الإيراني تم بسبب الظروف الجوية السيئة، أضف إلى ذلك أن إيران كانت تستعد للتفاوض مع الولايات المتحدة حول الملف النووي قبل العملية، ما يعني أنها ما كانت في وارد خوض حرب مع إسرائيل حليفة واشنطن الأهم في المنطقة قبل "طوفان الأقصى".

كائنا ما كان حال ونوع التواصل بين أطراف محور الممانعة قبل هجوم السابع من أكتوبر فإن ردود الفعل الغربية والدولية على هذه العملية كانت كلها تنم عن خوف على الكيان الصهيوني، وعن شعور بالخطر على مصيره. بعبارة أخرى كانت الولايات المتحدة تعرف أن إسرائيل غير قادرة على خوض القتال على أكثر من جبهة وأنها تحتاج إلى حماية ومشاركة في الحرب، ودعم لوجستي متواصل ومفتوح. ولعل انتشار القوات الأمريكية في المنطقة بالطريقة التي أشرنا إليها للتو يفصح عن هذا الشعور بالخطر المصيري على الكيان الإسرائيلي.

لقد انهارت في 7 أكتوبر ـ تشرين الأول أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر، في ساعات قليلة، أمام أعين المقاتلين الذين فوجئوا حقا بما أتت أيديهم. والواضح أنهم كانوا يحسبون انتصارا أقل في معارك أصعب وخسائر أكثر وردود فعل إسرائيلية أسرع. ولعلهم ذهبوا بتوقعاتهم بعيدا في رهان متأخر، على أن يشترك معهم المحور بكافة أطرافه في معركة "زلزلت الكيان الصهيوني" على ما قال رئيس إيران الراحل. لكن التمني في لحظة نصر استثنائية لم يكن متناسبا مع حسابات حماس نفسها ومع حسابات المحور عموما. ذلك أن حربا تسعى إلى توجيه ضربة قاضية لإسرائيل ستؤدي بالضرورة إلى حرب مع الولايات المتحدة والغرب الذي دمر العراق وأفغانستان خلال شهور قليلة، ويمكنه بوسائله الحربية أن يدمر إيران وأن يتحمل مخاطر حرب إقليمية مفتوحة، أو حرب عالمية دفاعا ليس فقط عن إسرائيل وإنما أيضا عن جغرافية العالم السياسية التي رسمها ويتحكم بمساراتها.

طوفان الأهداف

ما من شك في أن حماس كانت تتمنى أو تتوقع ولربما عملت ما بوسعها لحمل أطراف المحور على الاشتراك في حرب طوفان الأقصى بكامل القدرات المتاحة، لكنها كانت تعتمد في المقام الأول على قدراتها الذاتية، وهذا ما لاحظناه من خلال شبكة الأنفاق السرية الضخمة لحماية بناها التحتية.

إذا ما استبعدنا خطة شاملة لخوض حرب مفتوحة ضد إسرائيل وحلفائها من خلال عملية "طوفان الأقصى" فإن تقديرنا لأهداف العملية يمكن حصره في الخطوط العريضة التالية:

1 ـ الحؤول دون تصفية القضية الفلسطينية عبر الخط الإبراهيمي أي التطبيع مجانا من دون تنازلات.

2 ـ تغيير قواعد الاشتباك مع إسرائيل على غرار القواعد التي كانت قد استقرت في لبنان قبل الطوفان. معلوم أن إسرائيل ما كانت قادرة قبل الطوفان على اقتلاع خيمتين نصبها الحزب في أرض حدودية متنازع عليها.

3 ـ فك الحصار المستمر على غزة منذ العام 2007 وإعادة إعمارها.

4 ـ تعظيم حضور حماس في المشهد السياسي الفلسطيني والإقليمي.

5 ـ استعراض قوة حماس والفصائل المقاتلة برا وبحرا وجوا وهي المرة الأولى التي يتمكن خلالها فصيل فلسطيني من تشكيل قوة بهذا القدر من التنوع في مساحة صغيرة لا تصل إلى 400 كلم مربع.
 
6 ـ تهميش السلطة الفلسطينية الرسمية التي اختارت التفاوض لاسترجاع ما يمكن استرجاعه من أرض فلسطين بعد خسارتها الحرب وخروجها من لبنان عام 1982.

7 ـ ضرب أسطورة الجدران المعلوماتية والتكنولوجية الرقمية التي أحاطت بغزة وصورت على أنها غير قابلة للاختراق.

8 ـ استباق التطبيع السعودي الإسرائيلي والتهدئة اللبنانية الإسرائيلية.

9 ـ إخراج المسجد الأقصى من دائرة الاعتداء الدوري وإرساء معادلة جديدة لحمايته.

10 ـ طي صفحة الشعور الفلسطيني بالإحباط جراء الطرق المقفلة لحل القضية الفلسطينية وإظهار إسرائيل ك "بيت العنكبوت" وهو تعبير اشاعه السيد حسن نصرالله بعد انتصار العام 2000.

11 ـ إبرام صفقة لتحرير آلاف السجناء الفلسطينيين.

12 ـ اختبار فعالية حلف الساحات والممانعة.

13 ـ اختيار توقيت 7 أكتوبر لإحياء ذكرى الانتصار العربي في حرب أكتوبر ـ تشرين الأول عام 1973 التي وصفت بأنها آخر الحروب العربية.

14 ــ إعادة طرح القضية الفلسطينية على المجتمع الدولي وإخراجها من المسار الإبراهيمي أو على الأقل فتح مسار آخر أمامها يمنح الفلسطينيين حقوقا أكثر وأملا بمستقبل أفضل.

هل تحققت هذه الأهداف أو هل يمكن أن تتحقق وماذا عن نهاية الحرب؟ أسئلة سأجيب عنها في المقال التالي.  

*باحث في أكاديمية باريس للجيوبوليتيك

مقالات مشابهة

  • عبد العاطي: استراتيجية حقوق الإنسان أولوية وطنية ومصر ترفض تصفية القضية الفلسطينية
  • «برلمانية الوطني»: حل القضية الفلسطينية يحقق الأمن
  • أحمد موسى: البابا فرنسيس كان محبًا لمصر.. ودائم الدفاع عن القضية الفلسطينية
  • المؤتمر الوطني الفلسطيني يحذر من محاولات تصفية القضية الفلسطينية
  • سفير مصر في باريس لـ"البوابة نيوز": زيارة ماكرون للقاهرة لا تزال على ألسنة الأوساط المُختلفة في باريس والعواصم العالمية.. علاء يوسف: فرنسا تؤيد وجهة نظر الرئيس السيسي تجاه القضية الفلسطينية
  • اللواء طارق نصير من بغداد: القضية الفلسطينية قضية مصر الأولى والعرب
  • لدعمها القضية الفلسطينية.. الإفريقي التونسي يكرم ابنة غوارديولا على هامش الديربي
  • طوفان الأقصى.. بيرل هاربر الفلسطينية التي فجّرت شرق المتوسط
  • البابا تواضروس: الدور المصري في دعم القضية الفلسطينية واضح كالشمس
  • البابا تواضروس: القضية الفلسطينية قضية مصر الأولى وجهود كبيرة لتحقيق السلام