الفصل في قضيتا الهوية والدين ضروريتان لبناء السودان الجديد
تاريخ النشر: 4th, February 2024 GMT
بقلم/موسى بشرى محمود
02/02/2024
تعتبر قضيتا «الهوية والدين» من القضايا الجوهرية التي لم تجد أذانا" صاغية وهي من الأمراض المزمنة التي لم يتعاف منها السودان بعد.
يعتقد بعض السودانيين أنهما من التابوهات التي تندرج تحت «المسكوت عنه» أو بالأحرى من المسلمات ويجب عدم الخوض فيها من دون تقديم نقد أو مبرر منطقي يتقبله العقل.
كتاب ومفكرين كثر ساهموا في طرق أبواب هذان القضيتان ولكن كالعادة يتم التغافل عنهما في كل جولة من جولات التفاوض ولم يتم وضع حد لعلاج هذا الخطل الممنهج في الدساتير القومية المختلفة المتعاقبة من «مدنيين وعسكر» منذ ميلاد السودان في ثوبه المعاصر.
تعريف الهوية السودانية تعريفا" واضحا" والتواثق عليه ومن ثم وقوف الدولة على مسافة واحدة مع كل الأديان في تقديري هو أحد أهم قوارب النجاة بالنسبة للمشكل السوداني وبدونه سيستمر الدوران في فلك الرجعية.
ينتاب البعض منا إحساس غريب يشوبه التهرب من المواجهة العلنية لإعلان من«هو أو هي» بل العكس يعمل على تسويق وتعميم الفكرة ذات الثقافة الاحادية ويعتقد أن السودان دولة ذات هوية عروبية إسلامية«إسلاموعربية» ولا يعترف بأي هوية أخرى ثانية وهو مستنقع خطير يصعب الخروج من براثنه مالم نعترف بالاخر وننظر للقضايا بكلياتها خارج الصندوق عسى ولعلنا نجد ضوءا" في نهاية النفق.
أحادية الهوية،الدين وأحادية اللغة فلسفة رجعية لاتمت للمنطق بصله ويجب التفكير جليا" في قضايا التسويف والإستلاب الثقافي الأيدولوجي
المتعمد بواسطة مجموعة إقصائية أحادية الفكر والعين والاذن ويجب قبول الآخر وعدم مسحه من ذاكرة الوجود.
السودان بلد متعدد الأعراق والثقافات،الأديان،التعدد الإثني والعرقي وفيه ما يفوق«620» مكون إجتماعي يتحدثون أكثر من «120» لغة محلية«» Local
dialects/Langues»
غير العربية والانجليزية فلماذا يتم تعريب كل هذه المكونات وأسلمتها بقوة السلطان وجبروته؟
من أين لهم الحق في ذلك ومن فوضهم؟
لماذا لا تكون الهوية الأفريقية أو «السودانوية» هي الهوية الجامعة للسودان بدل تبعيته لمنظومة«الدول العربية»؟
ما الذي يمنع إذا قلنا أن السودان دولة أفريقية ناطقة بالعربية والإسلام دين الغالبية من مواطنيه ولكن هذا لايعني أن الإسلام دين الدولة لأن الدولة «شخصية إعتبارية» ولا يمكن أن يكون له دين محدد بل حق التدين في حد ذاته حرية للمعتقد أو الباحث عن دين معين يستوعب قناعاته وفي الآخر الدين هو«علاقة بين العبد وربه وليس بين الدولة والعبد»!
لا يمكن للدولة أن تتبني كذلك الديانة المسيحية أو اليهودية لإدارة دفه دولاب العمل.
هناك الكجوريين وأصحاب المعتقدات الأفريقية واللا دينيين أيضا" هم مواطنين سودانيين وشركاء في الحقوق والواجبات وينبغي أن تعامل الدولة كل هذه الفئات المؤمنه وغير المؤمنة على أساس المواطنه وليس على أساس الهوية الدينية أو المناطقية....الخ
هناك سؤال لايبارح الذهن دائما" وهو لماذا لا يكون الفيصل في التعامل مع المواطن على أساس الحقوق وليس التعامل بأفضلية دين على آخر أو العمل وفق دين محدد؟
في كل ما سبق ووفق تقديري المتواضع أرى أننا في حاجة إلى شجاعة لتعريف قضيتا«الهوية والدين» من أجل وضع حد لمسألة الهوية وعدم تسويفها ولتقف الدولة على مسافة واحدة مع كل الأديان.
أي مفاوضات قادمة لإيجاد حل جذري للمشكل السوداني يجب أن تضع في أولويات أجندتها هذان القضيتان المهمتان وغيرها من المواضيع ذات الأهمية القصوى.
«نواصل في حلقات قادمة»
musabushmusa@yahoo.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
“خيال النخب السودانية: بين الذاتية الضيقة ولعنات القبيلة والحزب والجهوية”
في غرفة من غرف تطبيق الكلوب هاوس الصوتية اجتمعت نخبة من المثقفين السودانيين لمناقشة مشروع وطني يفترض أن يكون جامعًا، لكن سرعان ما تحولت الجلسة إلى ساحة لتجلي كل مظاهر الذاتية والتعالي. مارسوا أنواعًا شتى من الإقصاء الفكري، وتعمدوا تهميش من بذل جهده بإخلاص لإعادة صياغة الأفكار المطروحة. اتهامات متبادلة، وولاءات خفية لقضايا ضيقة، جعلت المشروع الذي كان يمكن أن يُحدث فرقًا، مجرد ورقة أخرى ضائعة بين صراعات القبيلة، قداسة الحزب، والجهوية المتجذرة والانحياز للذات المريضة والمحاولات المستمرة لصناعة كيانات تخدم أجندة بعينها
هذه القصة، التي تتكرر بصور مختلفة، تُجسد أزمة النخب السودانية التي أسرت طموحاتها الوطنية داخل قوالب ذاتية ضيقة. بدلًا من تقديم رؤية جامعة تُنقذ السودان من صراعاته المستدامة، باتت النخب تدور في حلقة مفرغة من الانقسامات، تاركة الوطن يدفع ثمن صراعات لا تنتهي.
خارطة الطريق: انتصار للوطن وانتصار للذات السودانية
السودان، في أزمته الراهنة، بحاجة إلى مشروع وطني يتجاوز الحسابات الضيقة ويصيغ مستقبله على أسس متينة من العدالة، القانون، والمؤسسات. لا يمكننا الحديث عن خلاص الوطن دون إدراك أن الانتصار لقضيته ليس فقط انتصارًا جماعيًا لكل أهله، بل هو انتصار لكل فرد سوداني يُدرك أن قيمة الوطن من قيمة الذات.
الانتصار للوطن هو انتصار للذات
إن قضايا السودان ليست مجرد معارك سياسية أو عسكرية، بل هي معارك للكرامة الإنسانية والحقوق الأساسية. عندما ننتصر لقضية الوطن، فإننا نؤسس لذات جماعية تُدرك قيمتها الحقيقية في ظل دولة القانون والمؤسسات. كل خطوة نحو السلام، العدالة، والتنمية هي خطوة نحو تحرير الذات السودانية من إرث القهر، التشظي، والاستبداد.
بناء دولة القانون والمؤسسات
الدولة السودانية الحديثة لا يمكن أن تُبنى إلا على دعائم واضحة:
سيادة القانون ولضمان أن تكون القوانين عادلة وشفافة، تطبَّق على الجميع دون استثناء.
المؤسسات المستقلة: تأسيس مؤسسات تحمي الحقوق، وتدير شؤون الدولة بكفاءة ونزاهة، بعيدًا عن هيمنة أي جهة حزبية أو عسكرية.
المواطنة المتساوية تجاوز الهويات الضيقة لبناء مجتمع يُعلي من قيم العدل والتنوع.
خارطة الطريق: نحو سودان جديد
انتصار شروط الشعب
وقف الحرب عبر مفاوضات شاملة تعكس تطلعات المتضررين، وليس مصالح الأطراف المتصارعة.
وضع العدالة الانتقالية كشرط أساسي، لتعزيز الثقة وبناء مجتمع متماسك.
سيادة القانون وتفكيك المليشيات
حلّ المليشيات المسلحة وبناء جيش وطني مهني، تحت إشراف مؤسسات الدولة المدنية.
حماية حقوق الأفراد والجماعات من خلال تفعيل دور القضاء المستقل.
حكومة انتقالية للكفاءة
تشكيل حكومة انتقالية من التكنوقراط غير الحزبيين، تضع أسسًا متينة لإعادة هيكلة مؤسسات الدولة.
بناء دستور يرسّخ مبادئ الحرية والعدالة، ويضمن مشاركة كل السودانيين في تحديد مستقبلهم.
4. دولة المؤسسات والانتخابات الحرة:
تنظيم انتخابات حرة ونزيهة، تتيح للسودانيين اختيار قيادتهم على أسس ديمقراطية.
إعادة بناء مؤسسات الدولة لضمان الشفافية والمحاسبة.
الطريق الثالث: الحل الوطني الجامع
إن الطريق الثالث ليس خيارًا ترفيًا، بل هو السبيل الوحيد لإخراج السودان من محنته. هذا الطريق يتطلب قيادة متجردة، تُدرك أن المصلحة الوطنية تتجاوز الحسابات الشخصية والولاءات الحزبية. إنه طريق يُعيد الاعتبار للذات السودانية من خلال وطن قوي، موحد، ومستقر.
انتصار الوطن بداية جديدة للجميع
عندما ننتصر للوطن، فإننا نؤسس لواقع جديد يجعل السودان بيتًا لكل أهله، دون إقصاء أو تهميش. هذا الانتصار هو انتصار لكل سوداني يرى في السلام فرصة لحياة كريمة، وفي العدالة ضمانًا لمستقبل مستدام، وفي المؤسسات ركيزة لدولة تحترم الجميع.
وهذا الطريق هو بداية لتاريخ جديد، حيث تكون قوة القانون هي السائدة، وحيث تنتصر إرادة الشعب على كل أشكال الظلم والفرقة.
zuhair.osman@aol.com