سودانايل:
2024-11-04@17:53:57 GMT

البرهان ومستقبل العمل السياسي في البلاد

تاريخ النشر: 4th, February 2024 GMT

زين العابدين صالح عبد الرحمن
في جولة رئيس مجلس السيادة القائد العام للجيش السوداني عبد الفتاح البرهان في عدد من معسكرات الجيش و التي ختمها بولاية سنار، قال البرهان (أن الشروع في العملية السياسية تبدأ بعد القضاء على تمرد ميليشيا الدعم السريع أولا، ودعا القوى السياسية للتعاون مع الجيش للقضاء على التمرد.

و أشاد البرهان أيضا بوقوف الشعب السوداني مع الجيش في معركته مع الميليشيا) و أضاف قائلا ( أن الحل السياسي يجب أن يكون داخليا دون تدخل أي طرف خارجي. مشددا و على السياسيين الذين يبحثون عن حلول خارج السودان، نقول لهم أن الحلول موجودة داخل السودان) و بالتالي يكون البرهان قد رسم مسار العمل السياسي. مع التأكيد على أن لا يكون هناك وجودا للميليشيا عسكريا أو سياسيا في المرحلة القادمة.
كنت قد كتبت في 26 نوفمبر الماضي مقالا بعنوان " من الذي يصنع الأحداث في السودان؟" و جاء في مقدمة المقال أن هناك سؤلا جوهريا تتهرب منه النخب السياسية و حتى المثقفين و الكتاب.. من الذي يصنع الأحداث في السودان منذ تشكيل حكومة عبد الله حمدوك الأولى في أغسطس 2019م حتى اليوم و لماذا؟ الإجابة على السؤال سوف تبين أين تكمن القوة و أين يكمن الضعف في المجتمع.. الذي يملك اليد الطولي في صناعة الأحداث هو الذي سوف يكون له الآثر الكبير في تشكيل مستقبل السودان... أن القوات المسلحة هي التي تصنع الأحداث من بعد سقوط الإنقاذ، و بعد الحرب ظلت كل القوى السياسية تشكل غيابا مستمرا وسط الجماهير، و حتى القوى المتحركة فعليا " تقدم – قحت" تتحرك خارج السودان في اعتقاد أن المجتمع الدولي و المنظمات الإقليمية هي التي سوف تكون رافعتها للسلطة، و غاب عنها أن دعم الجماهير للقوات المسلحة سوف يقف مستقبلا ضد أي قوى سياسية لم تؤيد الجيش في معركته مع الميليشيا، و حركة أي قوى سياسية وسط الجماهير في الداخل مرهون بموقفها الذي كان في الحرب..
قال البرهان ( على الذين يبحثون عن حلول خارج السودان يجب عليهم الحضور للسودان و يجلسوا مع القوى الأخرى تحت ظل شجر من أجل الوصول لحل) فالسؤال هل تقبل " تقدم " هذا العرض و تتوجه مباشرة إلي داخل السودان؟ هذا ما أجاب عليه عمر الدقير أحد قيادات " تقدم" في اللقاء الذي كانت قد أجرته معه قناة " الجزيرة مباشر" و سألته هل لديكم تحفظات حال طلب أن يكون الاجتماع داخل السودان؟ قال عمر الدقير ( مستعدون لعقد اللقاء في أي زمان و مكان و نتمنى عقده بأعجل ما يمكن، و سنمضي إليه واضعين نصب أعيننا مصلحة الوطن و شعبه) و قد أجاب البرهان على طلب " تقدم" باللقاء معهم من خلال خطاب كان قد وجهه إلي الجماهير و ضباط و ضباط صف و جنود القوات المسلحة.. و إن كان البرهان ربط القاء مع " تقدم" بالحوار الجامع للقوى السياسية داخل السودان، و هنا يكمن المغزى للخطاب. أن فكرة البرهان أن يجعل " تقدم " في مواجهة مع الشعب السوداني.. إذا وجدت ترحيبا من الشعب، و فتح صدره و آذانهم لها سوف يصبح الضوء الأخضر للقاء قيادة القوات المسلحة.. فالقضية ليست لقاء البرهان منفردا كما تطلب " تقدم" بل أن يكون المسار عبر ما تفصح به الجماهير.
أن سياسة البرهان تضع القوى السياسية امام تحدي حقيقي، و رهان بأنها عاجزة أن تحدث تغييرا في الساحة السودانية، لأنها لا تملك أدوات صناعة الأحداث، و أيضا عاجزة أن تقدم مشروعا سياسيا يكون جاذبا لقطاع واسع من الجماهير. أن صانع الأحداث هو الذي يرسم للقوى السياسية الطريق الذي يجب أن تسير فيه، و أيضا الطريقة التي يجب أن تفكر بها، و المادة التي يجب أن تتناولها في حوارها، أن كان داخل مؤسساتها أو خارجها.. أن القوى السياسية اصبحت تنتظر خطاب البرهان في الحاميات العسكرية، أو في زياراته الخارجية حيث يعقد مؤتمرا صحفيا يبين فيه نتائج الزيارة، ثم تبدأ عملية التعليق على الحدث. هذا العقل السياسي الجامد لا يستطيع أن يحدث تغييرا في الواقع، لأنه بنى كل تصوراته على رهان السلطة و كيفية المساومة للوصول إليها، و مادام يساوم عليها سوف يقدم أكبر تنازلات تطلب منه. لكن هل الجانب الأخر سوف يقبل بهذه المساومة و التنازل من جانبه، خاصة بعد ما ضعفت أدوات ضغط منافسه، و ساحة الحرب بدأت الآن تفرض معادلة جديدة هي التي جعلت البرهان يطالب " تقدم" أن تجلس مع الآخرين تحت ظل شجرة داخل السودان.. الذي يصنع الحدث و يمسك بخيوط اللعبة هو الذي يرسم المسار الذي يسير عليه الآخرين.
أن أغلبية القيادات السياسية و حتى مجموعة المثقفين الذين يلتفون حولهم عجزوا أن يغيروا طريقة تفكيرهم، و يحددوا مع من معركتهم؟ هل هي مع الفلول و الكيزان؟ و إذا كانت مع هؤلاء ما هي الميادين التي يجب أن تدار فيها المعارك؟ و هل هي معركة سياسية يشكل فيها الحوار و التفاوض حجز الزاوية، أم هي معركة إقصاء تتطلب أدوات الحرب؟ أم معركتهم مع القوات المسلحة و الجماهير التي تقف معها في صف واحد؟ و هل المعركة السياسية على فضاء افتراضي أم واقع بحيثياته و أدواته و الفاعلين فيه؟ الإجابة على الأسئلة تحتاج للمنطقية و الواقعية و ليست شعارات معلقة في الهواء لا تخدم عملية التحريك السياسي، و أيضا تحتاج إلي تفكير خارج الصندوق.. هؤلاء يؤكدون ما قاله أنطونيو غرامشي ( أن المثقفين الذين هم في الدرجة الثانية لا يريدون أن يجهدوا عقولهم و إن أرادوا الظهور بمظهر من يعرف كل شيء) هؤلاء في السودان قد ابتكروا مصطلحي " الفلول و الكيزان " في مواجهة الذين يخالفونهم الرأي، و بالتالي يخفف عنهم عبء الاجتهاد الفكري.. لآن الاجتهاد الفكري يتطلب من المرء الشجاعة لكي يصدع برأيه دون خوف أو وجل، و أيضا الاستعداد للحوار في الفكرة التي يصل إليها عبر الاجتهاد. أما من يريد أن يرمي المصطلحين في مواجهة الآخرين يؤكد عن عجزه و تواضع قدراته. و بالتالي هؤلاء لا يستطيعون أن يكونوا مؤثرين في الحدث، و لا يقدرون على صناعته..
أن الغائب الأن عن الساحة السياسية تماما الأحزاب بكلياتها، فهي مجرد مؤسسات خاملة تكتفي فقط بالبيانات من فترة إلي أخرى، في اعتقاد أن الحرب تمنعها من الحركة، أو تصدر بيانات تحمل مضامين غير واقعية الهدف منها أثبات وجود، و القوى الأخرى التي تعتقد إنها فاعلة لا تراهن على الجماهير تراهن على الخارج في تحقيق أهدافها، لأنها لم تستطيع أن تتجاوز فكرة الاتفاق الإطاري، و هي تعلم أن العجلة لن تعود مرة أخرى لتلك الفترة، بحكم المتغيرات التي طرأت على الساحة السياسية، و إذا هزمت الميليشيا و خرجت خارج الملعب سوف يخرج معها العديد من مؤيديها. نسأل الله حسن البصيرة.

zainsalih@hotmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: القوات المسلحة القوى السیاسیة داخل السودان أن یکون یجب أن

إقرأ أيضاً:

من كيكل الميدان الى كيكل الاعلام!

رشا عوض 

في مقطع فيديو يتداوله البلابسة بفرح ابله وابتسامات صفراء ، يدعي عبد المنعم الربيع وهو احد كيزان الدعم السريع ( كيكل الاعلام الذي لم يتم استدعاؤه بعد لتتويجه بطلا في بورتسودان اسوة بكيكل الميدان) يدعي ان هناك تحالفا بين تقدم والدعم السريع في اشارة الى اعلان اديس ابابا، وعلى هذا الاساس يستنكر ادانة تقدم للدعم السريع في بياناتها ويطالبها بالسكوت حتى على القتل احتراما للتحالف المزعوم.
حديث هذا الدعامي الكوز جاء في سياق الاعتراض على بيانات تقدم التي تدين انتهاكات الد.عم السريع وبذلك ينسف اكذوبة ان القوى المدنية لا تدين جرائم هذه القوات، بل وينفي تلقائيا ما اراد اثباته! وهو ذلك التحالف المزعوم بين تقدم والدعم السريع.
ويؤكد عبد المنعم الربيع بخطابه في الفيديو المذكور وكل خطاباته المعادية للمدنيين انه كوز يخدم سرديات الكيزان المضللة حول القوى المدنية بصورة منهجية، ويعمل مع الالة الاعلامية للفلول في تناغم تام ، ليس فقط في موضوع تقدم ، بل في خطاب الكراهية العرقية والعنصرية وتعميق الانقسام الجهوي بذات اساليب الكيزان، في احد فيديوهاته حول الاغتصابات في ولاية الجزيرة تحدث بطريقة مستفزة ومقززة وهدد ان ما حدث في ولاية الجزيرة سيتكرر في شندي والولاية الشمالية!
اعلان اديس ابابا ليس تحالفا سياسيا بل هو اعلان مبادئ تم عرضه على كل من قيادة الجيش وقيادة الدعم السريع في سياق البحث عن ايقاف الحرب عبر التفاوض وحماية المدنيين من الانتهاكات اثناء الحرب والالتزام بتوصيل الاغاثة الانسانية لهم ووضع البلاد مجددا في مسار انتقالي ديمقراطي بقيادة مدنية اي استعادة مسار ثورة ديسمبر ، مع الالتزام بخروج العسكر بكل تشكيلاتهم من السياسة والاقتصاد وبناء جيش واحد مهني قومي، هذا هو ملخص اعلان المبادئ الذي خرقه الدعم السريع مرارا وتكرارا خصوصا في جانب حماية المدنيين اذ تصاعدت وتيرة الانتهاكات، والمطلوب ازاء ذلك ادانة واستنكار عدم الالتزام باعلان اديس ابابا وليس التراجع عنه كما يطالب البعض، فكيف تتراجع قوى سياسية عن ” مبادئ ” تمثل من وجهة نظرها الارضية الصلبة لبناء الحل السلمي !! المباديء تظل ثابتة وليس منطقيا التراجع عنها، والواجب هو العمل على تعميق الالتزام بها وادانة الطرف الذي يخرقها .
مفتاح نجاح القوى المدنية هو الحفاظ على استقلالها السياسي عن طرفي الحرب ، جيشها الحقيقي الذي يجب ان تستثمر فيه هو ملايين السودانيين المكتوين بنيران الحرب ويبحثون عن الخلاص منها وتحقيق السلام في ظل نظام حكم يحفظ امنهم وكرامتهم وحريتهم.
الجيش ملغوم بالكيزان، الدعم السريع ملغوم بالكياكل، فضلا عن الجنرالات المعادين للديمقراطية عداء غليظا وان كانوا ليسوا بكيزان او كياكل!
طريق البحث عن السلام يقتضي اجتراح طريق وسط حقل الالغام هذا بحذر وخارطة طريق دقيقة لا تخطئ بوصلتها طريق الدولة المدنية الديمقراطية، وفي هذا الاطار هناك مسافة استراتيجية ثابتة وغير مرنة يجب ان تفصل بين القوى المدنية الديمقراطية وكل الاطراف العسكرية عنوانها (لا تحالف ولا تنازل عن اجندة التحول الديمقراطي) ، وهناك مسافة تكتيكية متغيرة ومرنة في التواصل مع الاطراف العسكرية في سياق البحث عن مخرج من كارثة الحرب الامر الذي يتطلب حوارات وتفاهمات مع الاطراف العسكرية لان قرار وقف الحرب رهين لديها الى حد كبير ، وقضايا حماية المدنيين واغاثهم تتطلب اتفاقيات معهم ، وفي الاطار السياسي فان قبول الاطراف العسكرية بالتفاوض هو المدخل لتحقيق السلام وفي هذا الاطار لا يمكن الحديث عن لقاء اي طرف عسكري والحوار معه كجريمة او خيانة او تحالف سياسي مع العسكر.
كذلك تتأثر المسافة التكتيكية الفاصلة بين القوى المدنية الديمقراطية والاطراف العسكرية بمدى استجابة الثانية لاجندة التحول الديمقراطي، فمن يلتزم في خطابه الرسمي بالحكم المدني الديمقراطي والاصلاح الامني والعسكري افضل من الذي يتوعد الشعب بوصاية العسكر على السياسة بل ويفتح بلاغات جنائية فيمن يطالب بالسلام والديمقراطية.

الوسومرشا عوض

مقالات مشابهة

  • مواقف القوى السياسية اللبنانية من المفاوضات ووقف إطلاق النار
  • مختار: لا ينبغي استمرار انقسام مجلس الدولة الذي يعد الواجهة السياسية للمنطقة الغربية
  • المالكي والمشهداني يبحثان التعاون بين القوى السياسية والبرلمان
  • المشهداني والمالكي يؤكدان أهمية التنسيق والتعاون بين القوى السياسية ورئاسة مجلس النواب
  • هل يتجاوز فرقاء السودان انسداد الأفق السياسي؟
  • ريلمى تقدم سلسلة realme P1 تركز على الأداء القوى
  • الواقعية السياسية التي قيدت يد إسرائيل
  • السودان بين تنسيقية تقدم والحركة الإسلامية!
  • من كيكل الميدان الى كيكل الاعلام!
  • عودة المشهداني للبرلمان: بداية جديدة نحو الاستقرار السياسي في العراق