المساعدات الإنسانية بين تعاطف الجمهور وخيانة الجسور
تاريخ النشر: 4th, February 2024 GMT
يحكى أن شكاية وصلت لملك من الملوك، ضمّنها صاحبُها ما آل إليه من بؤس الواقع وقلة الحيلة، فما كان من الملك التعاطف مع الشاكي الفقير والأمر بمعونة تبلغ 100 ألف دينار مع ضمان عمل دائم يكفيه وأسرته الحاجة وشظف العيش، تتابع وصول أمر الملك للرجل الفقير عبر بطانته فأعلنوا هذا التعاطف والتجاوب في عموم المملكة دلالة على رحمة الملك وعطفه على رعيته، أما ما وصل لهذا الفقير حقا فلم يكن سوى مائة دينار سُرَّ بها الرجل الفقير ليكثر من الدعاء للملك العادل ورأفته بحال أبناء شعبه، وإذ نتساءل جميعا عما بقي من مبلغ المعونة فلم يعد سرا أن أيدي الوسطاء المأمورين بتنفيذ أمر الملك قد تناهبته، وأما العمل فقد استأثر به أحدُهم لقريبٍ له مقابل مصلحةٍ متبادلة؛ بطانة الملك استكثرت على الفقير هذه المعونة الضخمة فقرروا بينهم حمايته من نفسه والشيطان واستبقوا مغبة الكثرة لأنفسهم وليس بهم خصاصة ولا إيثار، بلغ شكر ودعاء الفقير للملك فاطمأن بأن فرّج عن أحد مواطني مملكته كربة تؤرقه فأمن لبطانته المخلصة وقرر تعزيز أمانتهم بزيادة مخصصاتهم المستحقة إذ إنهم جسر الناس للوصول إليه، تابع الفقير بؤس واقعه اليومي محتفظا للملك بالامتنان ولنفسه بما بقي من عزة النفس التي تمنعه من الطلب ثانية مهما قست الظروف؛ إذ إن ماء وجهه أغلى من إراقته في توسل مائة دينار أخرى تقتضي مقام الشكر ومقامات التوسل.
بكل أسى وحزن نناقش ذلك ونحن نتابع كثيرا من أخبار منع المساعدات العينية من الوصول، أو استغلال بعض الجهات ما يصلها من معونات هائلة ببيعها لا منحها لمستحقيها، أو تخزينها بمنعها حتى وإن فسدت استدرارا لمزيد من تعاطف الجماهير الذي هو أداتهم لإكمال استنزاف صناديق المعونات، وتفريغها في جيوبهم متاجرين بإنسانيتهم وقيمهم وأخلاقهم ودماء وأرزاق كثير من ضحايا النكبة آملين دوامها لضمان تحقق مصالحهم منها، نناقش ذلك مع تكشف بعض الحالات من استغلال أطفال أو نساء من المنكوبين في التصوير والترويج لجذب المتعاطفين بأموالهم ثم التخلي عن الضحايا مادة الاستغلال بعد مهمة التصوير المنتهكة خصوصياتهم ودماءهم ودموعهم. نناقش ذلك ونحن نرى قمصان كورونا البيضاء كبيرة الحجم الفائضة عن الحاجة بعد انتهاء الأزمة على أطفال غزة متسائلين عن مصير كل المساعدات الأممية منذ بداية أزمة جديدة هي نكبة الإبادة الجماعية في أكتوبر الماضي، نناقش ذلك مع أخبار المبالغ الهائلة المفروضة على كل راغب في الخروج من نطاق الأزمة إلى فضاءات آمنة، نناقشها ونحن نتابع تلويح الدول العظمى المسيسة بإيقاف مساعداتها التي لا تصل أصلا إلى المنكوبين في قطاع غزة، وقبلها في قطاعات أخرى عانت من فساد الأدوات وخيانة الوسطاء في العراق والمغرب والصومال والسودان وغيرها من أراضينا العربية المنكوبة دوما لا بالكوارث وحدها، بل بضمائر تجار الحروب والمتسلقين المُحْتَفين بالكوارث والنكبات .
ختاما؛ لا ينبغي أن يفهم من هذه المقالة عموم الشر وبيع الضمائر في الجميع وإلا لما وجد هؤلاء الفاسدون مادة تغذي جشعهم وتعملق حساباتهم من استغلال الخير في قلوب الناس والتعاطف مع الضعيف والتكامل الاجتماعي بين الناس عموما، كما لا ينبغي الاعتقاد بوجوب إيقاف الدعم عن أي ضحايا مستضعفين مستحقين للمعونات ماديا ومعنويا، لكن المرام هو التثبت والتحقق قبل أن نؤخذ جميعا بانفعال لحظة التعاطف التي لا تصل بمادة التعاطف إلى هدف أبعد من جيب لص أو حسابات مُتَنَفعين باعوا ضمائرهم تماما كما باعوا أوطانهم، ما زالت غزة تستحق منا الكثير مما نريد له ضمان الوصول دون التعلق بأستار الخونة من تجّار النكبات والحروب.
حصة البادية أكاديمية وشاعرة عمانية
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
بايدن: مصممون على إعادة كل الرهائن وتوسيع المساعدات الإنسانية إلى غزة
أكد الرئيس الأمريكي، جو بايدن، أن الولايات المتحدة عازمة على إعادة كافة الأسرى المحتجزين في غزة، مشيرًا إلى أن المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار ستكون لمدة ستة أسابيع.
وأضاف بايدن في تصريحاته اليوم أن الاتفاق سيشمل أيضًا الإفراج عن رهائن أمريكيين في هذه المرحلة، بالإضافة إلى زيادة حجم المساعدات الإنسانية لسكان غزة.
وأوضح بايدن أن المساعدات الإنسانية ستبدأ بالتدفق إلى غزة بموجب الاتفاق الجديد، مشيرًا إلى أن هذا الاتفاق يمثل خطوة هامة نحو وقف دائم للقتال في المنطقة، وهو نفس المقترح الذي طرحته الولايات المتحدة في مايو الماضي.
وأشار الرئيس الأمريكي إلى أن الضغط من قبل إسرائيل على حركة حماس، بدعم من الولايات المتحدة، أسهم في التوصل إلى هذا الاتفاق، مؤكدًا أن الخطوط العريضة له قد وُضعت في 31 مايو 2024.
كما لفت بايدن إلى أن إسرائيل ستبدأ في التفاوض على المرحلة الثانية من الاتفاق خلال الأسابيع الستة المقبلة، بينما أكد أن الاتفاق سيؤدي إلى إعادة إعمار كبيرة في غزة.
وفيما يخص الوضع في لبنان، قال بايدن إن لبنان تمكن من انتخاب رئيس وزراء لا يخضع لنفوذ حزب الله لأول مرة منذ سنوات، بفضل الضغوط التي مارستها الولايات المتحدة.
وأردف بايدن قائلًا: "حماس وإيران وحزب الله أصبحوا جميعًا ضعفاء بفضل جهودنا"، مشيدًا في الوقت ذاته بالتعاون الوثيق بين إدارته وإدارة الرئيس السابق دونالد ترامب في الوصول إلى هذا الاتفاق.