ما أبعاد كشف عمليات الموساد المتكررة في تركيا؟
تاريخ النشر: 4th, February 2024 GMT
أنقرة- في تطور مثير للجدل، أعلنت السلطات التركية يوم الجمعة الماضي إيقاف 7 أشخاص في ولايتي إسطنبول وإزمير، بتهم تتعلق بالشكوك حول تورطهم في بيع معلومات لجهاز الاستخبارات الإسرائيلي "الموساد"، عقب تقارير إستخباراتية تشير إلى استعانته بمحققين خاصين لتعقب أهدافه داخل الأراضي التركية، مستخدما تكتيكات مثل جمع البيانات الشخصية والاستطلاع والتوثيق المرئي والمصور، بالإضافة إلى المراقبة وتركيب أجهزة تتبع.
وفتحت هذه الحادثة الباب أمام تساؤلات جديدة حول تطورات المعركة بين الاستخبارات التركية والإسرائيلية، حيث سبق وأن أعلنت السلطات التركية مطلع هذا العام إيقافها 34 شخصا للاشتباه في تنفيذهم نشاطات تجسس دولية لصالح "الموساد"، بعملية أمنية في 8 ولايات مختلفة، وبعد التحقيق معهم اعتقل 15 شخصا منهم، وتمّ ترحيل 8، بينما أُفرج عن 11 بشروط.
وتأتي هذه التطورات في أعقاب تهديدات إسرائيلية بتنفيذ عمليات ضد قادة حماس في عدة دول، من بينها تركيا ولبنان والأردن، مما أضاف زخما لما يمكن وصفه بـ"دبلوماسية الاستخبارات"، وهو ما يشير إلى تصاعد جديد بالنشاط الاستخباراتي بين البلدين، وانتقال الاستخبارات التركية من مرحلة المراقبة إلى مرحلة الانخراط في تحركات عملية.
كشف الخلايااعتبر "الموساد" أن فترة التسعينيات تمثل الفترة الذهبية في العلاقة بينه وبين الاستخبارات التركية، لكن شكوكه حول تركيا واستخباراتها ارتفعت بعد عام 2010 بحسب خبراء أمنيين، إذ نفذ جهاز الاستخبارات التركية منذ عام 2021 4 عمليات نوعية ضد أشخاص يقومون بأنشطة تجسس دولية لصالح جهاز الاستخبارات الإسرائيلي.
وشهدت العلاقات بين الجانبين توترا ملحوظا في أكتوبر/تشرين الأول 2021، إثر إعلان تركيا عن اعتقال 29 فردا، من بينهم مواطنون إسرائيليون، ضمن عملية سمتها "موتيني"، بعد مراقبة دقيقة استمرت لمدة عام من قبل الاستخبارات التركية، أسفرت عن كشف شبكة تجسس كانت تعمل لحساب "الموساد"، بهدف جمع معلومات عن الطلاب السوريين والفلسطينيين في الجامعات التركية.
وتبع هذا الكشف عملية "نيوبلاز" التي اعتقل خلالها 68 عميلا في ديسمبر/كانون الأول 2022، ومن ثم عملية "نيكبت" التي استهدفت 17 عميلا في أبريل/نيسان 2023، وكان بينهم التركي سلجوق كوجوكايا الذي أسس شبكة استخبارات من أتراك وأجانب داخل تركيا، تناقلت فيها معلومات سرية مقابل أموال باستخدام أساليب استخباراتية لصالح "الموساد".
وبدأت الاستخبارات التركية عام 2024 بإطلاقها عملية "مدينة الموتى" التي استهدفت 46 شخصا للأسباب ذاتها، فأوقفت 34 شخصا منهم، بينما بقي 12 آخرون طلقاء، وقد غادروا البلاد على الأرجح.
بيد أن المعركة الاستخبارية الجارية بين الطرفين لم تمنع الجانب التركي من تأدية دوره في حماية الرعايا الإسرائيليين، ففي فبراير/شباط 2022، أحبطت الاستخبارات التركية محاولة اغتيال استهدفت رجل أعمال يهودي يحمل الجنسيتين التركية والإسرائيلية ويقيم في إسطنبول.
كما ألقت السلطات القبرصية القبض على إيرانيين اثنين لاستجوابهما حول مخطط مزعوم لشن هجمات على مواطنين إسرائيليين يقيمون في قبرص، وأشارت تقارير وسائل الإعلام التركية إلى أن الاستخبارات التركية لعبت دورا مهمًا في منع تنفيذ هذا الهجوم.
وفي حادثة مشابهة، لعبت الاستخبارات التركية دورا جوهريا في إحباط محاولة الموساد الإسرائيلي اختطاف مهندس برمجيات فلسطيني مسؤول عن اختراق القبة الحديدية وتعطيلها، من العاصمة الماليزية كوالالمبور في أكتوبر/تشرين الأول 2022.
أساليب الموساديركز "الموساد" بشكل خاص على الفلسطينيين المقيمين في تركيا، وخصوصا الطلاب الذين يدرسون في التخصصات الهندسية، إضافة إلى الأفراد الذين قد تكون لهم صلات بحركة حماس، في سياق محاولاتهم لجمع معلومات استخباراتية قيمة وتعزيز أنشطتهم الاستخباراتية.
وبحسب تقاريرإعلامية تركية مستندة على نتائج التحقيقات مع المعتقلين، يستخدم "الموساد" أساليب متنوعة لزرع جواسيسه في تركيا، وتمثل إعلانات الوظائف الوهمية عبر الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي ذات التفاصيل القليلة أو المعدومة وإعلانات المنح المالية للطلاب أكثر الأساليب استخداما وفعالية.
ويقتصر تواصل الضباط الإسرائيليين مع المجندين على المحادثات الكتابية، من خلال تطبيقات المراسلة مثل "تليغرام" و "واتساب"، بينما تتم عمليات الدفع وتسليم الأموال لهم من خلال وسطاء عن طريق التسليم باليد.
ومن ثم تنتقل المهام إلى مستويات تكتيكية أعلى، حيث يُطلب من العملاء تنفيذ مهام معقدة، تصل إلى اجتماعات شخصية وجمع المعلومات والبحث وتصوير الأهداف وتسجيلها بالفيديو، إلى جانب إدارة مجموعات "واتساب" ومواقع إلكترونية لنشر معلومات مضللة وتنفيذ تحويلات مالية، والعمل تحت غطاء شركات استشارية.
وفي تعليقه "للجزيرة نت"، قال مصدر في حركة حماس إن "الأساليب التي يتبعها الموساد لتجنيد عملائه باتت مفضوحة ومعروفة لدى الجميع، وقد أثبتت فشلها مرات عديدة"، مضيفا أن "تهديداته ورفعه لمستوى تحركاته في الخارج منذ بدء عملية طوفان الأقصى دليل واضح على فشله داخل قطاع غزة".
كما أشاد المصدر بالدور الفعال والحازم الذي تقدمه تركيا بكافة مؤسساتها للتعامل مع مثل هذه التحركات، وأشاد بموقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حين حذر إسرائيل أنها ستدفع ثمنا باهظا إذا تجرأت على اغتيال أعضاء من حركة حماس في تركيا.
علاقات متوترةوفي ظل التغيرات الجيوسياسية المعقدة، تبرز أهمية متابعة تطورات الأنشطة الاستخباراتية للموساد الإسرائيلي، لاسيما على الأراضي التركية، التي تشكل محورا إستراتجيا في المعادلات الإقليمية.
ويشير الخبير الأمني عبد الله داغ في حديثه للجزيرة نت، إلى أن "إسرائيل التي تواجه أزمات داخلية وخارجية متعددة، وضغوطا شعبية متزايدة، تطالب بوقف إطلاق النار في غزة وإعادة الأسرى، بينما تسعى لتحقيق انتصارات استخباراتية وأمنية لتحسين صورتها الداخلية".
ويرى داغ أن إسرائيل تنظر لتركيا بموقفها المتفهم لقضايا المقاومة وعدم تصنيفها لحماس كمنظمة إرهابية، كأرضية خصبة لعمليات "الموساد"، خاصة تلك المتعلقة باغتيال القيادات، معتبرة أن هذه العمليات لا تهدف فقط إلى إضعاف قدرات المقاومة، ولكن أيضا إلى إرسال رسائل سياسية وأمنية معقدة إلى الدول الفاعلة في المنطقة.
وعن تأثير هذه العمليات على تركيا، يرى داغ أن الخطر الذي يمثله نشاط الموساد على الأراضي التركية لا يقتصر على المستوى الأمني فحسب، بل يمتد إلى الجوانب الاقتصادية والسياحية، إذ إن جعل تركيا مسرحا لعمليات الاغتيال والتجسس يضر بصورتها الدولية كدولة آمنة ومستقرة، مما قد يؤدي إلى تراجع الاستثمارات والسياحة، وينعكس سلبا على الاقتصاد التركي، كما أشار إلى أن هذه الأنشطة قد تسفر عن توترات داخلية، نظرا للتأثيرات السياسية والاجتماعية المترتبة عليها.
ونوه داغ إلى أنه "رغم التحسن الملحوظ في العلاقات الثنائية بين البلدين مؤخرا، فإن استمرار العمليات الإسرائيلية على الأراضي التركية قد يؤدي إلى توترات جديدة، ليس فقط في العلاقات الدبلوماسية، بل على مستوى التعاون الاقتصادي والأمني بين البلدين، مما قد يكون له تداعيات بعيدة المدى على استقرار المنطقة ككل"، وأكد على أهمية اليقظة والجاهزية لتركيا لمواجهة هذه التحديات الأمنية والدبلوماسية، مشددا على ضرورة تعزيز قدراتها الاستخباراتية والأمنية لحماية سيادتها وأمنها القومي.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الاستخبارات الترکیة الأراضی الترکیة فی ترکیا إلى أن
إقرأ أيضاً:
علم الأعصاب والحرب المعرفية تحول جذري في عمل الاستخبارات
نشر موقع (فوكس بلس) التركي مقالا يرى كاتبه أن عالمنا يشهد تحولا جذريا في أنشطة الاستخبارات، إذ لم تعد المعلومات هدفا بحد ذاتها، بل أصبحت وسيلة للسيطرة على العقول في ضوء تصاعد الحرب الإدراكية واستخدام أدوات متطورة مدعومة بالذكاء الاصطناعي.
ويرى كاتب المقال جهاد إسلام يلماز أن هذه التحولات لا تطرح تحديات تقنية فحسب، بل تثير أسئلة أخلاقية عميقة تتعلق بخصوصية العقل البشري، والحرية الفردية، وإرادة اتخاذ القرار، وهي قيم أساسية ستحدد حدود استخدام هذه التكنولوجيا مستقبلا.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2محللون إسرائيليون: نتنياهو اعترف بالفشل وأكد استعداده للتضحية بالأسرىlist 2 of 2برافدا: روسيا الطرف الوحيد القادر على إنجاح المفاوضات الإيرانية الأميركيةend of listويقول إنّ النشاط الاستخباراتي كان على مرّ التاريخ البشري أحد أكثر الأدوات الإستراتيجية التي تضمن بقاء الدول، موضحا أن هذا النشاط تطور في العصر الحديث ليكتسب مزيدا من المنهجية ويعتمد على تقنيات جديدة، وقد بات يُصنَّف ضمن فئات مثل: الاستخبارات الإشارية، والبشرية، والصورية، والمصادر المفتوحة.
تشكيل الوعي البشري
ويضيف أن دور الاستخبارات بات يسعى لتشكيل إدراك البشر، وتوجيه مشاعرهم، والتأثير في عمليات اتخاذ القرار، والسيطرة على العقول لكسب النزاعات، مما يجعل علم الأعصاب ركيزة جديدة في الأمن الإستراتيجي.
ويعتبر الكاتب هذه الحرب المعرفية أو الإدراكية الجديدة أخطر من الحروب التقليدية والسيبرانية، إذ تهاجم العقل البشري عبر أدوات مثل الدعاية والمعلومات المضللة، مدعومة بتقنيات علم الأعصاب الأكثر تطورا.
إعلانوتقوم هذه الحرب -وفقا للكاتب- على قياس العمليات الذهنية بتقنيات حديثة، وعلى التدخل المباشر في عملية استيعاب المعلومات، مضيفا أن "التجسس العصبي" يشكل تهديدا غير مسبوق للبشرية، إذ إن تحليل البيانات الدماغية بدقة عالية قد يؤدي إلى تهديد خصوصية الفكر والتلاعب بالإرادة إذا استُخدم بشكل غير أخلاقي.
علم الأعصاب يتجاوز المجال الطبيوأوضح الكاتب أن تطور علم الأعصاب جعل منه أداة إستراتيجية تتجاوز المجال الطبي، حيث بات من الممكن التنبؤ بالسلوك البشري وتوجيهه باستخدام تقنيات محددة.
وقال إن هذه التقنيات تتمثل في التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي والتخطيط الكهربائي للدماغ والتحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة، كما تتيح الواجهات العصبية الحاسوبية التواصل بين الدماغ والآلات، ما قد يُحدث ثورة في تقنيات الاستجواب والاستخبارات.
ويتابع بأن دمج مثل هذه المعطيات في الإعلام والدعاية يرفع من فاعليتها، إذ تسمح بتحليل المحفزات العاطفية وتوقّع ردود أفعال المجتمع، منبها إلى أن هذه التطورات تفتح الأبواب أمام تهديدات غير مسبوقة، مثل اختراق بيانات الدماغ، ما يستدعي تطوير بروتوكولات أمنية عصبية تُعنى بحماية خصوصية الدماغ على المستوى الفردي والجماعي.
موجات الوعي الجمعيوحسب الكاتب، يتشكل وعي الجماهير عبر "موجات الوعي الجمعي"، وعلم الأعصاب قادر على تحليل هذه التفاعلات من خلال رصد السلوك في وسائل التواصل والاستجابات البيولوجية للضغوط.
وأضاف أن البيانات التي يتم استخراجها تتيح فهما أعمق لسيكولوجيا الجماهير، وتسهم في قياس قابلية التوجيه الجماعي عبر أدوات مثل الدعاية الخوارزمية والإرهاق العاطفي.
ومن خلال دمج الذكاء الاصطناعي بعلم الأعصاب، بات بالإمكان تحليل الانفعالات البشرية لحظيا عبر ملامح الوجه الدقيقة، ونبرة الصوت، وردود الفعل الجسدية.
واستمر الكاتب يقول إن هذه الأنظمة تُستخدم في المجالات الأمنية لاكتشاف التهديدات والتنبؤ بالسلوك، كما توفّر قدرة تحليلية دقيقة تتفوق أحيانا على المراقبة البشرية التقليدية، مما يمنح ميزة حاسمة في عمليات صنع القرار الاستخباراتي.
إعلان
أسئلة أخلاقية
ويبيّن الكاتب أن توسع استخدام تقنيات علم الأعصاب في المجال الاستخباراتي يثير تساؤلات أخلاقية وقانونية حول حدود التدخل في أكثر جوانب الإنسان خصوصية، أي عقله، مشيرا إلى أن حماية "الكرامة الذهنية" باتت ضرورة تتطلب تجاوز أنظمة الحماية القانونية التقليدية المعتمدة على السلامة الجسدية.
القدرة على تتبع الأفكار حتى قبل التعبير عنها تضع حرية التعبير تحت ضغط جديد، وتؤدي إلى رقابة ذاتية تضر بالصحة النفسية للمجتمع والإحساس العام بالحرية
وحسب الكاتب، تُمثّل البيانات العصبية شكلا جديدا من أشكال الخصوصية، إذ تعكس ميول الإنسان وقراراته، وهي خصوصية تفتقر حاليا إلى قوانين وآليات واضحة تهدف إلى حمايتها، ما يفتح الباب أمام التجاوزات التي ترتكبها أجهزة الاستخبارات ويخلق ثغرات تهدد الحريات الفردية.
ويضيف أن القدرة على تتبع الأفكار حتى قبل التعبير عنها تضع حرية التعبير تحت ضغط جديد، وتؤدي إلى رقابة ذاتية تضر بالصحة النفسية للمجتمع والإحساس العام بالحرية.
ويتوقع الكاتب أن يحتل مفهوم "السيادة المعرفية" موقعا مركزيا في سياسات الأمن المستقبلية، في ظل تطور تقنيات علم الأعصاب والقدرة على التحكم بالتفكير البشري، وهي تقنيات لن تكون ذات معنى إلا إذا اقترنت باحترام الكرامة الإنسانية، حسب تعبير الكاتب.