تهميش مستمر للموسيقى اللاتينية في ترشيحات جوائز “جرامي”
تاريخ النشر: 4th, February 2024 GMT
متابعة بتجــرد: عندما افتتح “أمير” موسيقى الريجيتون باد باني احتفال توزيع جوائز “جرامي” قبل عام، أمل كثر في أن يكون إسناد هذه المهمة إليه مؤشراً إلى إعطاء الموسيقى اللاتينية حقها في هذا الحدث المخصص للصناعة الموسيقية الأميركية، لكنّ الواقع أظهر أن فناني أميركا الجنوبية والوسطى لا يزالون مهمّشين فيه، رغم شعبيتهم الواسعة.
كذلك تمكن باد باني عام 2023 من أن يرفع للمرة الأولى أسطوانة باللغة الإسبانية هي Un verano sin ti، إلى مصاف الأعمال المرشحة لجائزة أفضل ألبوم، إلاّ أنّ قائمة الترشيحات للاحتفال الـ66 لتوزيع الجوائز الذي يقام، الأحد، في لوس أنجلوس، لم تتضمن أي فنان من أميركا اللاتينية في هذه الفئة الرئيسية، ولا في واحدة من الجوائز الثلاث الأخرى المرموقة (أفضل أغنية وأفضل تسجيل وأفضل فنان جديد لهذا العام).
وأحدث هذا الغياب صدمة لدى المراقبين الذين لاحظوا مثلاً عدم شمول الترشيحات لجائزة أفضل فنان جديد المغني المكسيكي بيسو بلوما، رغم كونه حقق نجاحاً هائلاً بنيله المركز الخامس عالمياً من حيث عدد نقرات الاستماع على منصة “سبوتيفاي” عام 2023.
ولاحظت مجلة “رولينج ستون” أن المنظّمين “يستبعدون موجة جديدة تماماً من المواهب التي تُغيّر المشهد الموسيقي”.
قصص المكسيك
كذلك لم تشمل الترشيحات شاكيرا التي عادت بقوة إلى الساحة الفنية من خلال أغنيتها العالمية Bzrp Music Sessions, Vol. 53 عن انفصالها عن لاعب كرة القدم السابق جيرار بيكيه.
ومن بين المستبعدين أيضاً مغني الراب البورتوريكي إيلاديو كاريون، والكولومبية كارول جي، التي حلّت في المركز التاسع من حيث عدد مرات الاستماع على “سبوتيفاي” عام 2023، ولكنّ اسمها لم يرد كمرشحة في أيّ من الفئات العامة.
وقد اعترف رئيس أكاديمية التسجيل Recording Academy التي تمثل العاملين في صناعة الموسيقى الأميركية وتنظّم جوائز “جرامي” هارفي مايسن جونيور بذلك على موقع “بيلبورد” إذ قال “كنت أتمنى أن يكون لدي المزيد من الفنانين والمؤلفين اللاتينيين، وعلينا أن نحرص على تمثيل الواقع الفعلي للموسيقى”.
ورأى منتقدو جوائز “جرامي” أن “التهميش فاضح في ما يتعلق بأنماط الموسيقى المكسيكية المناطقية (باندا وسييرينو ونورتينو ومارياتشي)، التي باتت تحظى بشعبية كبيرة في الولايات المتحدة، واحتلت مرات عدة هذه السنة أحد المراكز العشرة الأولى في الترتيب المرجعي الأميركي “هوت 100” الذي تضعه مجلة “بيلبورد”.
وأتاح هذا الازدهار لجيل جديد من الفنانين إعادة تأهيل قصص الـ”كوريدو” السردية المغنّاة التي عٌرفت شعبياً قبل أكثر من قرن خلال الثورة المكسيكية، من خلال تحديثها بإدخال تأثيرات موسيقى الراب أو الريغيتون عليها.
وتعرّض بيسو بلوما لانتقادات شديدة؛ بسبب عمله في هذا السياق على نوع فرعي قديم من هذا الأنشودات يُعرف بـ”ناركوكوريدو”، وهي أغنيات تحكي قصصاً عن المخدرات، إذ اتُهم الفنان بأنه يمجّد بذلك تهريبها وعصاباتها.
لكنّ هذه الأغنيات تجذب في الواقع جمهوراً عابراً لحدود الدول، من الشباب المعتادين على العالم الرقمي الذين يشكلون الغالبية العظمى من مستخدمي منصات البث التدفقي وشبكات التواصل الاجتماعي.
“تآكل الإنجليزية”
ورأى الأستاذ في جامعة المكسيك خوان كارلوس راميريس بيمينتا المتخصص في الـ”كوريدو” وثقافة المخدرات، أن “ما يحدث راهناً هو عبارة عن إعادة معايرة ليس فقط للموسيقى المكسيكية المناطقية، بل كذلك للهوية المكسيكية في الولايات المتحدة”.
فكثير من محبي الفنانين كبيسو بلوما هم من المهاجرين الشباب إلى الولايات المتحدة، أو من الجيل الأول من الأميركيين، بالإضافة إلى عدد كبير من غير اللاتينيين الذين لا يتحدثون الإسبانية.
ولاحظ الأكاديمي أن هذه الظاهرة “مرتبطة فعلاً بتآكل الموسيقى الإنكليزية والأميركية كموسيقى عالمية”.
وكما حال موسيقى “البوب”، و”الروك”، و”الهيب هوب”، و”الكانتري”، وسواها من الأنواع، للموسيقى اللاتينية فئة فرعية خاصة بها من جوائز “جرامي”، إلى جانب الفئة العامة الأكثر شهرة. ومنذ عام 2000، دأب فرع منفصل من “أكاديمية التسجيل” على تنظيم جوائز “جرامي” اللاتينية أيضا، وهي مخصصة بالكامل للموسيقى باللغتين الإسبانية والبرتغالية.
ولاحظ الأستاذ في جامعة كولومبيا في نيويورك إد موراليس، أن احتفال توزيع هذه الجوائز اللاتينية “فرصة لترويج تجاري واسع”، لكنه في الوقت نفسه يساهم ربما في “عزل” الموسيقى اللاتينية، وفي “تقليل الحاجة إلى إدراجها في جوائز “غرامي” التقليدية”.
واعتبر الباحثان أن هذا التهميش يشبه ما عرفه فنانو الهيب هوب طوال عقود، ولم يوضع له حدّ إلا في الآونة الأخيرة، وقال خوان كارلوس راميريس بيمينتا “إنها عملية الحرمان من التمثيل نفسها”.
أما إد موراليس، فشدد على أن “أميركا اللاتينية يجب ألاّ تبقى إلى الأبد هامشية ومصنّفة على أنها أجنبية”.
main 2024-02-04 Bitajarodالمصدر: بتجرد
إقرأ أيضاً:
ترشيحات ترامب.. ما بين ديناميات الشرق الأوسط ومآلات إسرائيل
على الرغم من أن دونالد ترامب ستبدأ مدة إدارته رسمياً في 20 يناير المقبل، وهو تاريخ الانتقال الرسمي للسلطة بينه وبين الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن، إلا انه بدأ في وضع رؤية لسياسته الخارجية من خلال الإعلان عن تشكيلة إدارته التي بدأت تتضح ملامحها.
وهو ما آثار العديد من التأويلات حول أولويات ترامب في المرحلة القادمة، حيث ان تعيينات السياسة الخارجية جاءت على أولوية تحرك الرئيس الأمريكي قبل الخوض في الملفات الداخلية والاقتصادية، وهو ما يثبت صحة ما تم تناوله في المقالة السابقة حول هيمنة ملف السياسة الخارجية بالنسبة للرئيس القادم للولايات المتحدة.
وعليه، ستركز هذه المقالة على هذه الترشيحات وانعكاساتها على تعاطي ترامب مع الشرق الأوسط ومدي دعم هذه الإدارة لإسرائيل؟
بدأ دونالد ترامب في الكشف عن بعض أسماء المسؤولين الذين ستوكل لهم مناصب هامة خلال فترة ولايته المقبلة. ومن بين هذه الشخصيات، سوزي وايلز التي بعد أن قادت حملة ترامب الانتخابية تتجه لتشغل منصب كبير الموظفين في البيت الأبيض.
ومن بين الأسماء المرشحة لمنصب مستشار الامن القومي مايك والتز نائب ولاية فلوريدا وكان والتز عنصرا في القوات الخاصة وهو معروف بعدائه للصين فضلا عن توم هومان الذي سيشغل منصب رئيس وكالة الهجرة ومراقبة الحدود وذلك وفقا لما أعلنه ترامب في تغريدة على موقعه الخاص "تروث سوشيال، إلي جانب ماركو روبيو المرشح لوزير الخارجية، الذي يعد من ابرز الداعمين للمشروع الاستيطاني.
اما مايك هاكابي حاكم ولاية أركنساس فقد تم ترشيحه لسفير الولايات المتحدة لدي إسرائيل، وقد طالما شكك في الهوية الفلسطينية ويعارض حل الدولتين وقد طالب في 2015، بالاعتراف بالضفة الغربية بانها إسرائيلية.
كما أعلن ترامب عن تعيين إليز سيتفانيك سفيرة للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة. وتعتبر من بين الداعمات لإسرائيل وتعد أبرز المشرعين المؤيدين لإسرائيل في الكونجرس وقد سبق وان استجوبت رؤساء الجامعات خلال جلسة استماع في الكونجرس بسبب الشعارات المعادية لإسرائيل التي رفعها طلاب هذه الجامعات الذين ساندوا فلسطين وهو ما ادي إلى استقالة رؤساء جامعتي بنسيلفانيا وهارفارد، كما ايدت منع تمويل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين (اونروا) وعلي جانب اخر قد استضافها نتنياهو لإلقاء كلمة في الكنيست.
في خضم استقراء الأسماء البارزة في إدارة ترامب، يتعين محاولة تفنيد واستنباط تعاطي الإدارة الامريكية الجديدة مع الشرق الأوسط ، وذلك خلال الإجابة علي تساؤليين ما هي دلالات التعيينات في ظل واقع إقليمي يتسم بتصاعد التوترات في المنطقة وما هي تداعياتها علي مجريات الأمور؟
سوف تنطلق توجهات الرئيس ترامب من موروثات الإدارة السابقة، ومن بين هذه الملفات التركة التي توارثتها عن إدارة بايدن متجسدة في الحروب المتواصلة والمستمرة في الشرق الأوسط وأوروبا بعدما فشلت إدارة بايدن في إيقافها أو تطورها أو التحكم في نسق تغييرها، وأبرزها الحرب الروسية الأوكرانية التي تتسع حالياً خاصة بعد اشتباك كوريا الشمالية في إقليم كورسك.
ناهيك عن ذلك، وفي مقدمة الملفات المشتعلة في المنطقة، يأتي الملف الإيراني، بكل أبعاده وتداعياته، سواء ما هو متعلق بالمركز، أي إيران عينها، أو اذرعها، المتمثلة في وكلائها في المنطقة، من الحوثيين في اليمن، إلى الحشد الشعبي في العراق، مروراً بالخلايا التابعة في سوريا، وصولاً إلى حزب الله في لبنان، وحماس في غزة.
وعلى الرغم من أن سياسات ترامب يُصعب، في كثير من الأحيان التنبؤ بها، إلا أن الواقع سيفرض تغييرات كثيرة على سياساته في الشرق الأوسط الذي تأثر بالحرب الإسرائيلية على غزة وما تلاها من تصاعد للصراع في المنطقة، كما أنه من المؤكد أن هذه التعيينات تعكس رؤية دونالد ترامب وتفاعله مع قضايا المنطقة، خاصة في ضوء الإعلان عن تعيين شخصيات معادية للقضية الفلسطينية بل ومؤيدة لليمين الاسرائيلي وتنتهج سياسته.
وعلي الرغم من إطلاق حملة ترامب للعديد من المبادرات حول إنهاء تلك الحروب بما يخفف من الأعباء عن الاقتصاد الأمريكي وخاصة في الشرق الاوسط ألا ان حلفاء الولايات المتحدة في إسرائيل يحتجون على هذه المساعي بزعم أن الأهداف الإسرائيلية من تلك الحروب لم تتحقق بعد وهو ما يفتح العديد من التأويلات حول شكل وطبيعة المرحلة القادمة.
وبالتالي لعل من المفيد مناقشة ملامح الإدارة الجديدة وتوجهاتها التي يرسيها في ضوء الترشيحات المعلنة حتى الآن وفي حقيقة الأمر تعد سياسات ترامب إزاء الشرق الأوسط واضحة، فبتعيين الفريق المشار إليه، تبرز ملامح المرحلة القادمة والتي ترتكز على مزيد من الدعم لإسرائيل وربما الميل الواضح نحو توسعها على حساب أراضي فلسطينية، فضلا عن ممارسة مزيد من الضغط والتحجيم ضد إيران، وبالتالي فأن وجهة النظر والمألات الإسرائيلية هي التي سوف تهيمن علي المصالح الامريكية في المنطقة، بما يسهم في تقويض تلك المصالح في نهاية الأمر، وذلك علي عكس مقاربات ونهج الرئيس السابق دوايت أيزنهاور الذي منع إسرائيل من احتلال سيناء عام 1956 وأيضا هينري كيسنجر في عهد الرئيس نيكسون حيث طبق كيسنجر حينها سياسة "بناء الجسور" في تطوير علاقات أمريكية أكثر إيجابية مع الدول العربية، وفي الصراع العربي الإسرائيلي، طبق كيسنجر نظرية "التفكيك والتركيب" عبر العمل على تفكيك القضايا والأزمات الكبرى إلى عناصر وتفاصيل أصغر لفهمها ثم إعادة تركيبها بما يتناسب مع المعطيات الجديدة.
ومن ثم، تعد توجهات ترامب نحو الشرق الأوسط من خلال الموازنة بين المصالح الإسرائيلية والعربية غير منطقية في ظل ان الحلول الإسرائيلية تتجه نحو الحلول العسكرية فقط، كما إن خطة ترامب السابقة التي رسم خطوطها عام 2020، عبر تعميق العلاقات الاقتصادية بين إسرائيل والدول العربية والضغط على إيران، لم تعد مواتية، لا سيما مع تغير المشهد الدولي، وظهور متغيرات متعلقة بقوى دولة صاعدة قادرة وراغبة في التفاعل مع المنطقة وقضاياها
ومن جهة أخري، لم تراعي تلك الرؤية تغيير شكل التحالفات والديناميكيات التي فرضتها القوي المهيمنة في الاقليم حيث أن هناك تحالفات مغايرة في المنطقة باتت تتشكل محاورها ودوائر نفوذها؛ وهو ما يسهم في تغيير شكل التحالفات الامريكية في المنطقة بطبيعة الحال، وثمة مؤشرات عديدة أبرزها، زيارة رئيس الأركان السعودي إلي مقر القوات المسلحة الإيرانية يوم 10 نوفمبر 2024 لعقد مباحثات حول الدبلوماسية الدفاعية وتوسيع التعاون الثنائي وبالتالي لم يتم استخدام المجال الجوي السعودي من قبل الولايات المتحدة لتوجيه ضربات إلي إيران، والتحركات السعودية لعقد اتفاقية امنية مع العراق لتعزيز التعاون العسكري إلي جانب تصاعد النفوذ الصيني والروسي في المنطقة بشكل اعمق عما كان عليه في فترة ولاية ترامب الأولي.
ختاما، تظهر تعيينات الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب لأعضاء فريق إدارته بعضا من رؤيته فيما يتعلق بالشرق الأوسط، كما أن التلميحات المتصاعدة التي تشكل الإدارة تشير إلى أنه ثمة محاولة للقضاء على فكرة الدولة الفلسطينية وتلاشي حل الدولتين، وتشكيل شرق أوسط جديد، ومع ذلك وفي تقديري ولن يدفع ترامب بهذا الحل وستكون تحركاته في هذا الإطار ممنهجة وتدريجية نظراً لأولويات أخرى تتعلق بالصين وإنهاء الحرب في أوكرانيا.