لجريدة عمان:
2024-07-01@18:23:39 GMT

حركة «ماغا» قائمة على الخوف وليس على الواقع

تاريخ النشر: 4th, February 2024 GMT

ترجمة ـ قاسم مكي -

كريستي نويم الحاكمة الجمهورية لولاية داكوتا الجنوبية من متشدِّدي حركة ماغا. وكانت تُذكَر أحيانا كمرشحة محتملة لمنصب نائب الرئيس مع دونالد ترامب. (ماغا اختصار لعبارة باللغة الإنجليزية تعني «لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى». وهي شعار استخدمه ترامب لحملته الانتخابية عام 2016 وتحول لاحقا إلى هتاف استقطاب وحركة سياسية لمؤيديه.

(يرتكز الشعار حسب الموسوعة البريطانية على الاعتقاد بأن أمريكا كانت يوما ما بلدا عظيما ثم فقدت مكانتها بسبب النفوذ الأجنبي عبر الهجرة والتعددية في الداخل وفي الخارج من خلال العولمة وازدياد التكامل بين الاقتصادات الوطنية المختلفة - المترجم)

قبل أيام قليلة حذرت كريستي نويم من أن الرئيس بايدن «يعيد تشكيل» أمريكا ويحوِّلنا إلى «أوروبا».

أول فكرة خطرت ببالي بعد سماعي تحذيرها هي: إذن هل يحاول (بايدن) رفع متوسط أعمارنا بحوالي خمس إلى ست سنوات؟

إذا وضعنا الأمور في سياقها من الواضح أن نويم تعتقد أو تتوقع من مستمعيها أن يعتقدوا بأن أوروبا مشهدٌ لفوضى تسببت فيها جحافل المهاجرين.

خلال العام الماضي قضيت بعض الوقت وأنا أتجول في مدن أوروبية مختلفة ولم أجد أيا منها أرضا يبابا. نعم بشكل عام أوروبا لديها مشاكل في التعامل مع المهاجرين. والهجرة أصبحت قضية سياسية ساخنة هناك. نعم، تخلَّف التعافي الاقتصادي لأوروبا عن تعافي الولايات المتحدة. لكن التصورات عن أوروبا كقارة دمرتها الهجرة تخيلات وأوهام.

غير أن مثل هذه التخيلات أصبحت الآن عملة سياسية رائجة عند اليمين الأمريكي. هل تذكروا تلك الأيام التي أعلن فيها الخبراء في جدية أن الترامبية سببها القلق الاقتصادي؟ حسنا. على الرغم من ازدهار الاقتصاد لا يزال هنالك الكثير من القلق المبرر والذي يعكس صراعات حقيقية للعديد من الناس. فأمريكا لا تزال بلدا يعاني من اللامساواة وعدم الأمان والافتقار إلى العدالة.

لكن القلق الذي يحرك «ماغا» لا يحركه الواقع الفعلي. بل تحركه بدلا من ذلك تصورات كارثية لا علاقة لها بالتجربة الواقعية.

ذلك يعني في هذه الآونة أن الإستراتيجية السياسية للجمهوريين تعتمد إلى حد كبير على تخويف الناخبين الذين تشهد أوضاعهم المادية تحسنًا على الصعيد الشخصي ليس فقط حسب الإحصاءات الرسمية ولكن وفقا لما يقولونه هم أنفسهم. الجمهوريون يفعلون ذلك بأن يقولوا لهم هنالك أشياء سيئة تحدث لأناس آخرين.

هذا أوضح ما يكون عندما يتعلق الأمر باقتصاد الولايات المتحدة والذي كان أداؤه جيدا في عام 2023. بل جيدا على نحو أقرب إلى المعجزة. فالنمو الاقتصادي لم يقتصر فقط على دحض التنبؤات واسعة النطاق بانكماشٍ وشيك في الولايات المتحدة ولكنه فاق التوقعات بقدر كبير. لقد انحسر التضخم الذي هو الآن على نحو أو آخر عند المعدل الذي يريده البنك المركزي الأمريكي. والناس يشعرون بذلك في حياتهم. فحوالي 63% من الأمريكيين الذين استُطلِعت آراؤهم ذكروا أن وضعهم المالي جيد أو جيد جدا.

مع ذلك قالت نيكي هيلي في جولاتها الانتخابية قبل أيام قليلة «لدينا اقتصاد يتداعى وتضخم منفلت». والراجح أن الجمهوريين الذين استمعوا لها صدقوها. فوفقا لاستطلاع أجرته شركة «يوجوف» يقول حوالي 72% من الجمهوريين إن اقتصادنا (عند معدل نمو يبلغ 3% وتضخم بنسبة 2% تقريبا) يزداد سوءا. فيما يقول ما يزيد قليلا على 6% إنه يتحسن.

مرة أخرى هذا الحكم السلبي على الاقتصاد لا يعكس تجربة شخصية. ففي ديسمبر طلبت «يوجوف» من الأمريكيين تقييما عاما لعام 2023. قال الجمهوريون: إنه كان عاما فظيعا للبلد حيث ذكر 76% إنه كان عاما سيئا أو رهيبا. لكن من الغريب أن 69% من الجمهوريين (وهذه نسبة قريبة من النسبة السابقة) قالوا العام الفائت كان لا بأس به أو جيدا أو عظيما بالنسبة لهم بصفة شخصية.

لم يقتصر هذا الاستطلاع الأخير تحديدا على وضع الاقتصاد. فمن المفترض أيضا أنه عكس أشياء مثل التصورات حول الجريمة. لكن الجريمة تراجعت بقدر مهم في عام 2023. وهذا التراجع «في العالم العقلاني» يشكل إضافة إلى الاقتصاد الجيد من خلال تعزيز الإحساس بتحسن الأوضاع.

لكن العالم «وخصوصا عالم ماغا» ليس عقلانيا. فمن الملاحظ على مدى فترة طويلة أن الأمريكيين يميلون إلى القول بتصاعد الجريمة حتى عندما تتراجع وحتى عندما يقرون بأنها تنحسر في الأمكنة التي يعيشون فيها.

مرة أخرى التصورات الخاطئة شديدة الارتباط بالتحزب (الولاء الحزبي) مع استعداد مذهل من جانب الجمهوريين للاعتقاد بصحة أشياء ليست صحيحة. من ذلك الاعتقاد الزائف بأن أوروبا قارة على وشك الانهيار (على الرغم من أن ملايين الأمريكيين يزورون أوروبا ويحصلون بالتالي على فرصة مشاهدة أوضاعها بأنفسهم في كل عام).

ومن الصعب إيجاد عذر للاعتقاد بأن نيويورك وهي إحدى المدن الكبيرة الأكثر أمانا في أمريكا «صحراء حضرية». إذ تقول التقديرات إن أكثر من 50 مليونا من الأمريكيين زاروا التفاحة الكبيرة (نيويورك) في العام الماضي. وكثير من الذين لم يزوروها يعرفون شخصا زارها أو مقيما فيها (مثلي أنا أحد سكانها). مع ذلك يقول 22% فقط من الجمهوريين إن المدينة مكان آمن لزيارتها أو العيش فيها.

التهوين من شأن نيويورك يثير سؤالا حول مدى استعداد مؤيدي ماغا لتجاهل الأدلة التي يشاهدونها بأعينهم. الناس يشترون البنزين في كل الأوقات وعندما يقول ترامب: «أسعار البنزين الآن 6 دولارات أو 7 دولارات أو حتى 8 دولارات للجالون» وهذا يساوي حوالي ضعف السعر المبيَّن على لوحات كبيرة في أرجاء الولايات المتحدة هل يصدقه أتباعه؟

ثم هنالك بالطبع جائحة كوفيد التي يبدو أن تسييس ماغا لقضية اللقاحات ساهمت أثناءها في ارتفاع معدلات الوفيات وسط الجمهوريين.

ماذا يعني ذلك عن مستقبل أمريكا؟ ما يعنيه لا يمكن أن يكون طيبا. لقد انضم فعليا جزء كبير من جسمنا السياسي إلى «عبادة شخصية» عقائدها لا تكاد تتأثر بحقائق الواقع.

كيف حدث هذا لنا؟ الحقيقة هي أني لا أعلم. لكن لا يمكن لك أن تتحدث بجدية عن حال أمريكا دون الإقرار بانتشار نظرة ماغا «المرتكزة على الخوف» للعالم.

بول كروجمان أستاذ اقتصاد متميز بمركز الدراسات العليا - جامعة مدينة نيويورك وحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد عام 2008.

الترجمة لـ «عمان» عن «نيويورك تايمز»

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة

إقرأ أيضاً:

صراع الأفكار

 

 

ماجد المرهون

majidomarmajid@outlook.com

 

 

لنشأة أفكارنا مُسبباتٍ كثيرة وهي مآل ما تكتسبه حواسنا التي تؤدي إلى استثارة محفزات ذهنية تفاعلية، ثم تحولها إلى الإدراك التخيلي الذي يستنكر بعضها فيطردها مراغمًا لاعتباراتٍ عقائدية ولياقات أخلاقية وعُرفية أو يُؤجلها بتبريراتٍ ظرفية وقتية وربما مادية، ويَستحسِن بعضها فيتبناها لإنتاج النواة الأولى للفكرة التي تولد في سجن العقل وترسل نداءات طلب حريتها بوتيرةٍ مُستمرة، وستخفت تدريجيًا مع مرور الوقت وستذوي مع تقادمها إن لم تجد تجاوبًا عند سجَّانها ولكنها لا تموت، بل سوف تنتقل ببطءٍ شديد إلى ملف الأحلام لتنضَّم إلى ركام الأفكار السابقة، فتلمع إحداها بين الحين والآخر مؤكدةً وجودها ومستجديةٍ إطلاقها.

ولكلٍ منَّا فكرةٌ خلاقة؛ بل أفكار رائعة وحبيسة، نحن من صنعها في عالمٍ غير مُدرك، ولا تنشأ أفكارنا إلّا في قيعان ذلك العالم الخصب والذي لا يتوقف عن تخليقها تباعًا دون توقف، بيد أنَّ القليل جدًا منها ما يجد طريقه إلى الواقع بحسب قوة الدوافع وضرورتها وبحسب الأدوات المتاحة لتحقيقها، ولعل المُمكنات المادية في العالم الملموس كالجهد والوقت والمال هي العوامل الرئيسة التي تأخذ بيد الفكرة إلى النور فيجد التفكير طريقه إلى منفذ التعبير، ومع أن إمكانية تحقيق الفكرة في غياب أحد العوامل الثلاثة ممكنًا إلا أنها ستخرج هزيلة أو ضعيفة وقد لا ترقى إلى مستوى الطموح المنشود.

لا ريب أن مُعظمنا قد أنجز شيئًا من أفكاره بعد أن بدأت بشرارة عصبية صغيرة جدًا في وعينا ثم تبنتها عقولنا لتجتبيها في سبيل تذليل المعوقات وتخطي العقبات وتجاوز الصعوبات، وهذا هو الغراس الطبيعي السليم في تحدي الإنسان لنفسه والتكيف مع ظروفه لتحقيق طموحه وأحلامه وبلوغ غاياته وآماله وجني ثمار جهده وتعبه، ولولا الصراع الناشئ بينه وبين أفكاره ما اضطلع بما هو عليه اليوم من تقدم وتطور، وقد فصَّلتُ في هذه المقدمة على النحو السالف حتى اصطنع مفهومًا حسيًا واضحًا لما يتولد من التفكير مرورًا بالشحن المعنوي ووصولًا إلى التجسيد الواقعي.

ربما يكون ما تقدم معلومًا لدى الجميع بشكل أو آخر ولكن ما قد لا يعلمه الكثير او يجهل تفسيره هو بقاء فكرةٍ تحررت في شكل عمل غير مكتمل أو غير ناجح مسيطرةً على دماغ الإنسان وعدم قدرته على نسيانها أو التخلص منها، علمًا بأنَّ الكثير من المهام قبلها وبعدها كانت ناجحة وبعضها كان متقدمًا وبارزًا في فعاليته، لكنها تُهمَّش بمرور الوقت لقدرة الدماغ على نسيان الأحداث المكتملة، ثم تتحول الفكرة غير مكتملةِ النتيجة إلى مصدر قلق وإزعاج مستمر وهو ما يُعرَف بـ"تأثير زيجارنيك" نسبةً إلى عالِمة النفس السوفيتية بالوما زيكارنيكوف.

وتتكون حالة من المُغالبة بين الإنسان وذاته إزاء فكرةٍ قديمةٍ انتهت بنتيجةٍ فاشلة أو غير مكتملة، وتتحول إلى عائق يصعب تجاوزه وقد يفضي إلى الحد من انسيابية الأفكار الإيجابية المحتجَزة وراءه حتى إذا وصل مرحلةٍ لا تخلو من المخاطرة المُستهينةِ بالنتائج المُحتملة اقتحم العقبة الكؤود التي تؤرقه في محاولة جديدة مع اعتبار عدم أهمية تنفيذها الآن وكان من الأحوط هجرها هجرًا جميلاً، وعليه فإن تأثير الفكرة أحيانًا يكون سلبيًا إذا ما أصر صاحبها على تنفيذها مع علمه بالأخطار التي تصاحبها والنتائج الضارة المترتبة على تصعيدها إلى النطاق العملي، وهي مرحلة لا تخلو من معاندة النفس والتعنُّت المدعوم بنزعة التحدي، خصوصًا إذا كان جموح الفكرة لا يخدم أحدًا ولا يعود بمنفعة على المجتمع بقدر ما يعود بالضرر على صاحبه في المقام الأول وكان من الأجدر تركها تركًا جميلًا.

قد تُساور أحدهم فكرة شديدة الإقناع بمخالفة أمرٍ، ربما يتفق عليه كل المجتمع أو مُعظمه، وليس بقصد المخالفة وإنما بسبب سيطرة تلك الفكرة على ذهنهِ واستماتتها في الإلحاح والدفع به لتنفيذها حتى تتحرر من قيودها وتنال حريتها مع خروجها إلى الواقع ولكنها تعود على صاحبها وبالًا فيغدو أسير الألم حبيس النَّدم، فليس كل ما يفكر به المرء قابل أو واجب التنفيذ إذ إن ضرر بعض ما نفكر به ينضوي تحت المخاطر العالية ويندرج ضمن موجبات الوقاية والحماية، كما قد تختلط الأفكار دون ترتيب لدى معظم الناس وأنا منهم والقليل مَن يمكنه تخطيطها إلى أهدافٍ قابلة للتنفيذ على رأس القائمة، تليها أهداف ممكنة التنفيذ يومًا ما لعدم توفر ممكناتها في الوقت الراهن، وأخيرًا أهداف غير قالبة للتنفيذ لظروفٍ ماديةٍ أو اجتماعية أو غيرها، ولكنها ليست مستحيلة فتصبح الأولوية لأحسنها عند انتفاء الأسباب والأخطار واضمحلال الموانع والأضرار.

لولا كثرة الحديث عن محاسن السكوت لما علمنا فضائله ولولا الأفعال الخبيثة ما استطعنا تقييم الأفعال الحميدة، ولولا اشتجار فكرة هذا المقال مع ذهني لما رأى النور، وإن كُل ما لم نجعل له قالبًا في صيغة قول أو فعل فهو غير موجود في الواقع وإن كان موجودًا في الذهن، ومع أن كيفية نشأة الفكرة لاتزال غير مفهومة علميًا، إلّا أننا لا ننكر تكونها جراء ما نراه ونسمعه ونستشعره ونستذكره وما تحدث به النفس من خير وتُوَسوِس به من شر.

قال سُقراط: "أفكارك هي التي تجعل حياتك وردًا، أو تجعل حياتك شوكًا"

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • خارجية أمريكا: حزب الله منظمة خطيرة ولا مبرر لرفعها من قائمة المنظمات الإرهابية
  • أمريكا ترفع حالة التأهب القصوى في قواعدها العسكرية بجميع أنحاء أوروبا.. ماذا يحدث؟؟
  • اعتقال متظاهرين مؤيدين لفلسطين لتعطيلهم حركة المرور في موكب فخر المثليين في نيويورك (فيديو + صور)
  • لهذا السبب رفعت أمريكا مستوى التأهب في قواعدها العسكرية في أوروبا
  • النمر : الخوف والفرح يوقفان عضلة القلب.. فيديو
  • الجيش الإسرائيلي يواصل غاراته على حي الشجاعية واشتباكات بمدينة غزة
  • نيكي هيلي تحذر الجمهوريين من احتمالية تغيير الديمقراطيين لبايدن بالانتخابات القادمة
  • اليمين الفرنسي يترك الباب مفتوحا لناخبيه للتصويت لفائدة اليمين المتطرف في الدورة الثانية
  • صراع الأفكار
  • تقرير: نيكي هايلي اتصلت بترامب وحذرت الجمهوريين من بديل محتمل لبايدن