آفاق الصين الاقتصادية أكثر إشراقا مما يبدو للمراقبين
تاريخ النشر: 4th, February 2024 GMT
صاحبت بداية عام 2024 موجة من التكهنات المتشائمة على نحو متزايد بشأن اقتصاد الصين. وفي حين تظل الحكومة الصينية متفائلة، يتوقع صندوق النقد الدولي أن يتباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 4.6% هذا العام، انخفاضا من 5.4% في عام 2023. من ناحية أخرى، من المتوقع أن يستمر ارتباك سوق الأسهم الصينية بعد انخفاض أسعار الأسهم إلى أدنى مستوياتها في خمس سنوات.
لكن آفاق الصين الاقتصادية في حقيقة الأمر أكثر إشراقا مما يبدو للمراقبين. ففي حين لم تنشر الحكومة بعد توقعاتها الخاصة لعام 2024، يتوقع أغلب الاقتصاديين الصينيين أن تحدد هدف نمو سنوي قدره 5%. ونظرا لأداء الصين الاقتصادي الأفضل من المتوقع في عام 2023، فأظن أن النمو بنسبة 5% ضروري وفي حكم الممكن.
كان الاستهلاك هو المحرك الرئيسي للنمو الصيني في عام 2023، حيث شكل 82.5% من الزيادة في الناتج المحلي الإجمالي. لم تنشر الحكومة الصينية أرقام الاستهلاك النهائية، لكن مبيعات التجزئة من السلع الاستهلاكية الاجتماعية تخدم كمؤشر مفيد. فقد ازدادت هذه المبيعات بنسبة 7.2% العام الماضي، وهذا يعكس تعافي الإنفاق الاستهلاكي بعد انخفاضه في عام 2022. لكن الحفاظ على زخم النمو هذا يبدو غير مرجح، ويتوقع عدد كبير من الاقتصاديين الصينيين تباطؤا كبيرا في الاستهلاك في عام 2024. تحت وطأة ضعف الطلب العالمي، انخفض صافي نمو صادرات الصين بنسبة 1.3% بالرنمينبي في عام 2023. ولأن التوقعات الاقتصادية العالمية من غير المرجح أن تتحسن في عام 2024، فمن المعقول أن نتوقع أن تكون مساهمة صافي الصادرات في نمو الناتج المحلي الإجمالي في الصين ضئيلة. وبالتالي، لتحقيق هدف نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5٪، لا بد من زيادة نمو الاستثمار بشكل كبير. لكن الاستثمار في الأصول الثابتة في الصين، وهو مؤشر لتكوين رأس المال، ارتفع بنسبة 3% فقط في عام 2023، مقارنة بنسبة 5.1% في عام 2022.
يتكون الاستثمار في الأصول الثابتة من ثلاث فئات أساسية: التصنيع، والعقارات، والبنية الأساسية. وفي قطاع التصنيع، شهدت صناعات عديدة نموا كبيرا في عام 2023، مع ارتفاع الاستثمارات في الآلات والمعدات الكهربائية، والأدوات والعدادات، والسيارات، والتكنولوجيا الفائقة بنسبة 34.6%، و21.5%، و17.9%، و10.5% على التوالي. لكن الزيادة الإجمالية في الاستثمار في التصنيع لم تتجاوز 6.3%، مقارنة بنحو 9.1% في عام 2022.
في الوقت ذاته، انخفض الاستثمار العقاري بنسبة 9.1% في عام 2023، وعلى الرغم من علامات التحسن، لا يزال من المتوقع أن ينخفض هذا العام. إذا لم يرتفع الاستثمار في التصنيع بشكل كبير، وظل تعافي الاستثمار العقاري مخيبا للآمال، فإن الحسابات التقريبية ــ استنادا إلى البيانات المتاحة وغير المتسقة إلى حد ما ــ تشير إلى أن الاستثمار في البنية الأساسية يجب أن ينمو بما يزيد على 10% للتعويض عن الانخفاض في نمو الاستهلاك. ولأن الاستثمار في البنية الأساسية ازداد بنسبة 5.8% فقط في عام 2023، فإن تحقيق نمو يتجاوز 10% يشكل تحديا كبيرا.
مع ذلك، تساعد حقيقة مرور الاقتصاد الصيني بفترة شبه انكماشية، حيث يقع مؤشر أسعار المستهلك ومؤشر أسعار المنتجين في المنطقة السلبية، في تمكين صناع السياسات من تقديم حوافز مالية كبيرة لتعزيز النمو الاقتصادي دون الحاجة إلى القلق بشأن التضخم، على الأقل في الأمد القريب.
نظرا لهذه الضغوط الانكماشية، ينبغي لبنك الشعب الصيني أن يعمل على تخفيف سياسته النقدية وتحديد هدف التضخم عند مستوى 3% إلى 4%. واعترافا بأصالة المعروض النقدي، ينبغي لبنك الشعب الصيني أن يؤكد بشكل أكبر على أسعار الفائدة باعتبارها أداة قصيرة الأجل في الاقتصاد الكلي، بدلا من توجيه الموارد المالية نحو صناعات وشركات بعينها. يظل الاستثمار في البنية الأساسية الأداة الأكثر فعالية تحت تصرف الحكومة لتحفيز الاقتصاد عندما يكون الطلب ضعيفا. وإذا واجهت الحكومة صعوبات في تمويل الاستثمار في البنية الأساسية من خلال إصدار السندات السيادية، فمن الممكن أن ينفذ بنك الشعب الصيني نسخته الخاصة من التيسير الكمي وشراء الديون الحكومية في السوق المفتوحة.
خلافا لادعاءات بعض الاقتصاديين، فإن الصين لا تتصارع مع الاستثمار المفرط في البنية الأساسية. الواقع أن الصين لا تزال تعاني من فجوة كبيرة في البنية التحتية يتعين عليها سدها، وخاصة في مجالات حرجة مثل الرعاية الصحية، ورعاية المسنين، والتعليم، والبحث العلمي، والتنمية الحضرية، والنقل. ومرافقها العامة أقل كفاءة من تلك الموجودة في البلدان المتقدمة، بل وتتخلف عن نظيراتها في بعض الاقتصادات النامية. من المؤكد أن الاستثمار في البنية الأساسية يميل إلى أن يكون غير مربح ولا يولد تدفقات نقدية كبيرة، ولهذا السبب ينبغي تمويل هذه الاستثمارات بشكل مباشر من خلال الميزانيات الحكومية. ولكن لضمان تلبية الصين لاحتياجاتها من البنية الأساسية، يتعين على صناع السياسات أن يستثمروا في مشاريع تتسم بالكفاءة والجودة العالية.
كان القرار الذي اتخذته الصين بإصدار سندات حكومية إضافية بقيمة تريليون يوان صيني (137 مليار دولار أمريكي) في عام 2023 بمثابة تحول كبير في السياسات. ومن خلال السماح لنسبة عجز الموازنة إلى الناتج المحلي الإجمالي بالزيادة من 3% إلى 3.8%، أشارت الحكومة الصينية إلى أنها لم تعد قادرة على الحد من عجز الموازنة السنوية والدين العام بما لا يتجاوز 3% و60% من الناتج المحلي الإجمالي على التوالي (على غرار معاهدة ماستريخت في الاتحاد الأوروبي). في حين تتلخص الأولوية القصوى للحكومة في عام 2024 في تعزيز النمو الاقتصادي واستعادة الثقة الاقتصادية، يتعين على الصين أن تواجه أيضا ارتفاع ديون الحكومات المحلية وأزمة السيولة المستمرة في القطاع العقاري، والتي إذا تركت دون علاج، قد تتصاعد لتتحول إلى أزمة ديون تامة النضج.
ما يدعو إلى التفاؤل أن الحكومة الصينية تمتلك الموارد المالية التي تحتاج إليها لمواجهة هذه التحديات بشكل مباشر. ومن خلال تنفيذ سياسات مالية ونقدية توسعية وملاحقة إصلاحات حقيقية، ستكون الصين في وضع جيد يسمح لها في عام 2024 بعكس اتجاه التباطؤ الاقتصادي الذي دام عشر سنوات وصيانة النمو القوي لسنوات قادمة.
يو يونج دينج الرئيس السابق للجمعية الصينية للاقتصاد العالمي ومدير معهد الاقتصاد العالمي والسياسة في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية.
خدمة بروجيكت سنديكيت
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الناتج المحلی الإجمالی الحکومة الصینیة فی عام 2023 فی عام 2024 من خلال بنسبة 5
إقرأ أيضاً:
وزيرا التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي والاستثمار يلتقيان بعثة البنك الدولي لمناقشة موقف تطوير استراتيجية الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر (2025- 2030)
عقدت الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، والمهندس حسن الخطيب، وزير الاستثمار والتجارة الخارجية، اجتماعًا مع بعثة البنك الدولي بقيادة ستيفان جيمبرت، المدير الإقليمي للبنك الدولي بمصر واليمن وجيبوتي والوفد المرافق له، وذلك بمقر وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي بالعاصمة الإدارية الجديدة، لمناقشة موقف تطوير استراتيجية الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر (2025- 2030)، التي يتم إعدادها بالتعاون مع مجموعة البنك الدولي أحد أهم شركاء التنمية لمصر، وذلك تنفيذًا للتوجيهات الرئاسية وقرارات المجلس الأعلى للاستثمار. وشارك في الاجتماع الدكتورة داليا الهواري نائب الرئيس التنفيذي للهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة.
و في مستهل اللقاء، توجهت الدكتورة رانيا المشاط بالشكر لفرق العمل من البنك الدولي، ووزارتي التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي والاستثمار والتجارة الخارجية والهيئة العامة للاستثمار على جهودهم في تطوير استراتيجية الاستثمار الأجنبي المباشر لمصر خلال الاجتماعات الفنية، مشيرة إلى أهمية استراتيجية الاستثمار الأجنبي المباشر الجديدة واستراتيجية التنمية الصناعية وتعزيز التجارة (IDTES) باعتبارهما من الأهداف الاستراتيجية الكبرى التي تسعى الحكومة المصرية لتحقيقها، لتعزيز بيئة الاستثمار في مصر.
وأشارت إلى الجهود التي تقوم بها الدولة لتعزيز كفاءة إدارة الاستثمارات العامة، وحوكمتها، ووضع سقف مُحدد للاستثمارات بما يحد من معدلات التضخم ويتيح المزيد من الفرص للقطاع الخاص، لافتة إلى أن التعاون الفني مع البنك الدولي لإعداد استراتيجية الاستثمار الأجنبي المباشر يخدم هذا التوجه كما ينفذ توجيهات المجلس الأعلى للاستثمار بوضع رؤية واضحة للاستثمار الأجنبي المباشر في مصر، فضلًا عن تعزيز جهود الدولة من أجل جذب وتشجيع الاستثمارات الخارجية في إطار مستهدفات برنامج الحكومة لبناء اقتصاد تنافسي جاذب للاستثمارات، والاستفادة من المقومات الكبيرة للاقتصاد المصري، مؤكدة أن العلاقات مع الشركاء الدوليين يتم من خلالها إعداد العديد من التقارير التشخيصية والدراسات التي تتضمن توصيات ومحاور يتم تنفيذها على أرض الواقع في العديد من المجالات لدفع جهود التنمية.
وأكدت "المشاط" أن استراتيجية الاستثمار الأجنبي المباشر الجديدة في مصر ستضع رؤية استثمارية طموحة وقابلة للتحقيق للبلاد،وستقدم استراتيجية متماسكة لنمو الاستثمار وتنويعه، مما يساهم في تحقيق أهداف النمو الاقتصادي الشامل وتنويع الاقتصاد في مصر. ويتمثل جوهر هذه الاستراتيجية في زيادة القدرة التنافسية للاستثمار في البلاد لتعزيز جذب الاستثمار الأجنبي المباشر المستدام.
وأضافت أن وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، تعمل بالتنسيق مع وزارة الاستثمار والهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، ومجموعة البنك الدولي على استمرار التنسيق والتشاور مع مختلف الجهات المعنية، وعقد العديد من ورش العمل، من أجل استيفاء كافة الملاحظات بشأن الاستراتيجية الجديدة في إطار الأهمية التي توليها الدولة بشأن دفع وزيادة الاستثمارات المحلية والأجنبية وتمكين القطاع الخاص.
من جانبه، أكد المهندس حسن الخطيب، وزير الاستثمار والتجارة الخارجية، أن الوزارة تبذل كل جهودها من أجل تهيئة مناخ استثماري جاذب ومستقر، بهدف تحقيق قفزات كبيرة من النمو تتناسب مع طموحات الشعب المصري، منوها إلى أنه خلال الفترة المقبلة سيتم الانتهاء من صياغة الخطة الاستراتيجية الاستثمارية للوزارة، والتي تتضمن استراتيجية لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر، مع التركيز على تحسين بيئة الأعمال وتسهيل الإجراءات، مما يعزز من تنافسية مصر كوجهة رئيسية للاستثمار والتجارة في المنطقة، ويعكس التزام الوزارة بتوفير فرص استثمارية مستدامة تدعم النمو الاقتصادي
ولفت «الخطيب» إلى أن الدولة تمتلك بنية تحتية متطورة ومدن جديدة ومتطورة كما يتميز السوق المصري بعمالة مدربة ومؤهلة، مشيرا إلى أن مصر تعد سوقا استهلاكيا كبيرًا، وتتمتع بموقع جغرافي إستراتيجي، يتوسط قارات العالم مما يسهل النفاذ إلى أوروبا والشـرق الأوسط وإفريقيا وآسيا كما تتمتع مصر بمصادر طاقة متنوعة، منها مصادر الطاقة المتجددة من الشمس والرياح، فضلا عن ارتباطها باتفاقيات تجارية متنوعة، كاتفاقيات التجارة الحرة مع أكثر من٧٠ دولة، وأيضا إتاحة عدد من الحوافز الاستثمارية، منها حوافز عامة، وأخرى خاصة، وكذا حوافز إضافية.
جدير بالذكر أن وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، استضافت بالتنسيق مع الهيئة العامة للاستثمار، اجتماعات على المستوى الفني في إطار الإعداد للاستراتيجية، بمشاركة نحو 20 جهة وطنية ذات صلة، بالإضافة إلى مجموعة البنك الدولي.