إنقاذ الأرواح.. وأبعاد محاكمة إسرائيل
تاريخ النشر: 4th, February 2024 GMT
العمانية: تابعت وكالة الأنباء العُمانية بعضا من الآراء حول قضايا مختلفة أوردتها الصحف العالمية عبر مقالات نشرت في صفحاتها وتتعلق بجهود منظمة أطباء بلا حدود، وأبعاد محاكمة إسرائيل بتهم الإبادة الجماعية أمام محكمة العدل الدولية بالإضافة إلى وضع الذكاء الاصطناعي مع الأجيال الناشئة. فصحيفة «نيو ستريتز تايمز» الماليزية نشرت مقالًا بعنوان: «مساعدة منظمة أطباء بلا حدود على مواصلة إنقاذ الأرواح» بقلم الكاتب: «باول ماكفن» وهو مدير منطقة جنوب شرق وشرق آسيا والمحيط الهادئ لمنظمة أطباء بلا حدود.
وأضاف: «على مدى الأسابيع العشرة الماضية، تمت محاصرة مخيم العودة، وتعرض لأضرار بسبب الضربات، وقُتل الطاقم الطبي في الانفجارات، مما أدى إلى نفاد المستشفى من الضروريات مثل التخدير العام والأوكسجين. ووضح الكاتب: «بينما لدينا فريق طوارئ دولي لدعم زملائنا الفلسطينيين، فإن أنشطتنا محدودة للغاية بسبب الحجم الهائل للاحتياجات، وعدم إمكانية الوصول إلى الإمدادات الأساسية، والبنية الأساسية المتضررة، وانعدام الأمن على نطاق واسع وأوامر الإخلاء القسري». ونوه إلى أن أحد الجوانب الحاسمة لعمل منظمة أطباء بلا حدود في غزة هو التعامل مع التحديات المتمثلة في إجلاء الجرحى والمرضى، الذين غالبًا ما يكونون محاصرين في المستشفيات تحت الهجوم. ويركز هذا الوضع المزري على انتهاك أخلاقيات مهنة الطب وحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي.
وبين الكاتب أن الاستجابة الشاملة والمتكيفة من قبل منظمة أطباء بلا حدود سواء في الحرب الروسية الأوكرانية أو في غزة، يؤكد على مدى الالتزام الثابت للمنظمة بتوفير الرعاية الطبية الأساسية والدعم في مواجهة الشدائد. ودعا الكاتب في ختام مقاله الجميع للوقوف مع المنظمة شهادةً على روح الإنسانية الدائمة لأن مهمتها تتجاوز مجرد تقديم المساعدات الطبية، حيث يتعلق الأمر بالتمسك بالأمل في أحلك الأوقات.
من جانبها، ترى الكاتبة «ترودي روبن» أن محاكمة إسرائيل بتهم الإبادة الجماعية أمام محكمة تابعة للأمم المتحدة ينبغي أن تكون بمثابة دعوة استيقاظ. وقالت في مقالها الذي نشرته وكالة «تريبيون كونتينت» أن تهمة «الإبادة الجماعية» التي وُجهت إلى إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي، ينبغي أن تكون بمثابة جرس إنذار. وبينت أن جنوب أفريقيا قد اتهمت إسرائيل أمام أعلى محكمة تابعة للأمم المتحدة باتخاذ إجراءات ضد المدنيين الفلسطينيين في غزة تتسم «بطابع الإبادة الجماعية» و «المتعمدة للتسبب في تدميرهم جسديًّا». وأردفت الكاتبة: «يستطيع العالم أن يرى عبر القنوات الفضائية ووسائل التواصل الاجتماعي، أن 80% من سكان غزة البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة أصبحوا الآن لاجئين يعيشون في ظروف مزرية. وتسمح إسرائيل بدخول مساعدات إنسانية غير كافية إلى غزة لمواجهة النقص المروع في الغذاء والمياه والرعاية الصحية والمأوى». وأضافت: «لقد تم تدمير ثلثي المساكن في القطاع، وقتل أكثر 27 ألف فلسطيني، ثلثاهم من النساء والأطفال. ومع ذلك، فإن القضية المباشرة ليست ما إذا كانت المحكمة ستحكم في نهاية المطاف لصالح إسرائيل أو ضدها. ومن المرجح أن تستمر هذه القضية سنوات، في حين يتعين على جنوب أفريقيا أن تثبت وجود نية إسرائيلية متعمدة لتدمير السكان الفلسطينيين في غزة (بدلا من عدم الاكتراث، على سبيل المثال، بالأضرار الجانبية التي تلحق بالمدنيين نتيجة للهجمات بالقنابل على الأنفاق). وتعتقد الكاتبة بأن القضية المرفوعة أمام محكمة العدل الدولية على فشل إسرائيل في إدراك العواقب المباشرة المترتبة على ذلك النوع من الحرب التي تخوضها. وأكدت على أن هناك استياء متزايدًا بين أقرب حلفاء إسرائيل بسبب رفضها تخفيف المعاناة واسعة النطاق في غزة - حتى في ظل الضغوط الأمريكية الشديدة للقيام بذلك، مشيرةً إلى أن العمى الأخلاقي والاستراتيجي لحكومة رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو يدفع إسرائيل نحو العزلة العالمية. وذكرت الكاتبة بأن إسرائيل تسببت في تهجير 1.8 مليون من سكان غزة، ومعظمهم ليس لديهم منازل أو مدارس أو شركات أو مستشفيات للعودة إليها حيث تعرض القطاع وبنيته الأساسية للدمار المادي. وأكدت على أن ما تقوم به إسرائيل في غزة يجعلها مسؤولة عن كارثة إنسانية ذات أبعاد هائلة.
من جانب آخر، نشرت صحيفة «كوريا هيرالد» مقالًا بعنوان: «مواطنو الذكاء الاصطناعي» بقلم الكاتب «جيون كياير» وهو أستاذ في اللغويات الكورية في جامعة أكسفورد. واستهل الكاتب مقاله بالإشارة إلى أن في عام 2001 تمت صياغة مصطلح المواطن الرقمي من قبل مارك برينسكي. وفي مقالته «مواطنو العصر الرقمي، مهاجرو العصر الرقمي»، طبق برينسكي هذا المصطلح على الشباب الذين نشأوا محاطين بأجهزة الكمبيوتر والهواتف المحمولة وغيرها من أدوات العصر الرقمي.
وبين أن الأجهزة والتقنيات التي كان برينسكي يشير إليها كانت مختلفة تمامًا عن تلك التي نستخدمها الآن. لم يعد لدينا اتصالات إنترنت عبر الطلب الهاتفي أو أجهزة كمبيوتر قديمة. لقد شهدت تجربتنا الرقمية تغيّرات جذرية. ولفت الكاتب إلى أن دردشة «جي بي تي» تم إصدارها الجمهور في 30 نوفمبر 2022، وسرعان ما اكتسب اهتمامًا عالميًّا. ووضح أن كل يوم، نصادف مقالات تناقش ما يمكن أن يفعله الذكاء الاصطناعي أو النماذج اللغوية الكبيرة وما لا يمكنه فعله، بالإضافة إلى تكهنات حول تأثيرها المستقبلي. وما كان في السابق موضوعًا لخبراء الذكاء الاصطناعي أصبح الآن مصدر قلق للجميع. ومن وجهة نظر الكاتب فإن أولئك الذين ولدوا بين عامي 1997 و2010 (الجيل) وأولئك الذين ولدوا بعد عام 2010 (جيل ألفا)، والأجيال القادمة هم من مواطني الذكاء الاصطناعي، فهو زميلهم في اللعب والواقع الافتراضي هو ملعبهم؛ إنها جزء لا يتجزأ من تجربتهم اليومية. ويرى أنه بالنسبة لهم، فإن مجرد حظر الذكاء الاصطناعي أو استخدامه قد يبدو غير عادل وغير عقلاني إلى حدّ كبير. سيكون الأمر أشبه بمنع استخدام القاموس لتوليد القلم والورق أو منع استخدام محرك البحث «جوجل» في الواجبات المنزلية لجيل الألفية. وقال في هذا السياق: «المسألة لا تتعلّق بمنحهم أو عدم منحهم إمكانية الوصول إلى الذكاء الاصطناعي - أو حتى بتعليمهم أو عدم تعليمهم عنه. نحن بحاجة إلى مساعدتهم على استخدام الذكاء الاصطناعي بطريقة بناءة ومبتكرة. على سبيل المثال، يمكن للمعلمين أن ينصحوا مستخدمي الذكاء الاصطناعي بعدم الاعتماد على التكنولوجيا فحسب، بل استخدامها لتحسين أدائهم. إن دور المعلمين هو تنبيههم إلى أن الذكاء الاصطناعي - على الرغم من تسميته بـ «الذكي» - يمكن أن يؤدي في كثير من الأحيان إلى مسار «غير ذكي». يحتاج المعلمون إلى فهم النعيم الرقمي والمشكلات الرقمية المحتملة التي يمكن أن يظهرها الذكاء الاصطناعي في فصولهم الدراسية». وأضاف: «كمعلم، فإن اهتمامي الأساسي هو كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل بناء وإبداعي بطريقة تعود بالنفع على الطلاب والمعلمين على حدّ سواء».
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: منظمة أطباء بلا حدود الإبادة الجماعیة الذکاء الاصطناعی أمام محکمة إلى أن فی غزة
إقرأ أيضاً:
هل يُعيد الذكاء الاصطناعي صياغة بيئة التعلم؟
أمل بنت سيف الحميدية **
يشهد التعليم العالمي تحوّلًا مُتسارعًا بفعل الذكاء الاصطناعي، الذي لم يعد مجرد تقنية مساعدة؛ بل أصبح محركًا رئيسًا يُعيد تشكيل العملية التعليمية؛ ففي العقود الماضية كان التعليم يعتمد على التلقين والمناهج الثابتة، أما اليوم فقد دخلت أدوات التحليل الذكي والتعلم التكيفي والفصول الافتراضية إلى المدارس والجامعات، لتفتح آفاقًا جديدة أمام الطلبة والمعلمين.
هذا التحول ليس خيارًا ترفيهيًا؛ بل ضرورة تفرضها متغيرات العصر ومتطلبات بناء رأس مال بشري قادر على المنافسة، وهو ما أكدته رؤية "عُمان 2040" التي وضعت التعليم أولوية وطنية للتنمية.
وتكمُن أهمية توظيف الذكاء الاصطناعي في التعليم في قدرته على جعل العملية التعليمية أكثر عدلًا وتخصيصًا ومرونة. فقد أوضحت منظمة اليونسكو في تقرير "الذكاء الاصطناعي في التعليم" الصادر عام 2023، أنَّ النماذج التعليمية الذكية تتيح مُتابعة تقدم الطلبة بشكل فردي، وتقديم محتوى يتناسب مع مستوياتهم وسرعتهم في الاستيعاب. كما إن الاستثمار في هذه الأدوات يدعم المعلمين في أدوارهم التربوية والإبداعية، ويحررهم من المهام الروتينية مثل إعداد الاختبارات أو متابعة الحضور. وفي السياق العُماني، يعدّ هذا التحول مُتسقًا مع الاستراتيجية الوطنية للتعليم 2040 التي تستهدف بناء نظام تعليمي متطور قادر على استيعاب الثورة الرقمية.
ويُؤكد تقرير الثورة الرقمية للذكاء الاصطناعي في التعليم العالي الصادر عن البنك الدولي لعام 2023، أن الذكاء الاصطناعي أحدث ثورة في التعليم العالي، عبر أدوات تحليل البيانات التعليمية والتنبؤ بمعدلات النجاح وتخصيص المناهج. كما يشير تقرير المسارات الرقمية للتعليم "تمكين أثر أكبر للجميع" الصادر عن البنك الدولي عام 2023، إلى أنَّ بناء بيئة تعليمية رقمية متكاملة يتطلب خططًا استراتيجية طويلة المدى تشمل البنية التحتية والتشريعات والتدريب المستمر للكوادر.
وبحسب الدليل الصادر عن منظمة اليونسكو بعنوان الذكاء الاصطناعي والتعليم: دليل لصانعي السياسات (صدر عام 2021)، فإنه يوضح كيفية إدماج الذكاء الاصطناعي في التعليم بصورة أخلاقية تكفل العدالة وتكافؤ الفرص. ويشير إلى ما ينطوي عليه الذكاء الاصطناعي من مخاطر وفوائد، داعيًا إلى استخدامه بما يضمن المساواة والشمولية. كما يتناول قضايا التحيُّز في الخوارزميات وضرورة معالجتها عند تصميم النظم التعليمية، ويؤكد على خضوع السياسات ذات الصلة لمبادئ أخلاقية تراعي الأبعاد المجتمعية، ويربط ذلك بحق التعليم العادل وإتاحة فرص متكافئة لجميع المتعلمين.
ومن الأمثلة التطبيقية، استعرضت دراسة كمالوف وزملاؤه عام 2023 المنشورة على منصة (arXiv) نماذج عملية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الصفوف الدراسية، مثل أنظمة التدريس التكيفي، التي تقوم على تخصيص عملية التعليم وفق احتياجات كل طالب، إضافة إلى الاختبارات الذكية التي تكيّف أسئلتها وفق مستوى المُتعلِّم؛ وهي نماذج يمكن أن تجد طريقها إلى المدارس في سلطنة عُمان.
إنَّ التحولات الرقمية تطرح تحديات موازية، من أبرزها الفجوة الرقمية بين الدول المتقدمة والنامية، واحتمال انحياز الخوارزميات، وضعف جاهزية المعلمين للتعامل مع الأدوات الجديدة. وقد شددت منظمة اليونسكو في تقريرها حول الذكاء الاصطناعي التوليدي عام 2023، على أهمية تطوير سياسات واضحة لضمان الاستخدام المسؤول لهذه التقنيات، مع التركيز على مبادئ الأخلاق والشفافية وإتاحة الوصول للجميع. وتؤكد رؤية "عُمان 2040" ضرورة بناء قدرات وطنية في البحث العلمي والتعلم الرقمي، وهو ما يعزز مكانة المعلم كشريك أساسي في التحول، وليس مجرد منفّذ للتقنية.
وبناءً عليه، يمكن صياغة خارطة طريق محلية لتبني الذكاء الاصطناعي في التعليم في سلطنة عُمان. تبدأ هذه الخارطة بتقوية البنية التحتية الرقمية في المدارس والجامعات، ثم تدريب المعلمين على استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي بكفاءة، يلي ذلك إطلاق برامج تجريبية في عدد من المؤسسات التعليمية لتقييم جدوى النماذج المختلفة، وأخيرًا توسيع التطبيق على نطاق وطني مع مراجعة دورية للنتائج. وهذا التدرج يتوافق مع ما أوصى به تقرير التقنيات المتقدمة من أجل التعليم الصادر عن البنك الدولي عام 2023، الذي أكد أن نجاح دمج التقنيات الحديثة يتطلب التوازن بين الابتكار والبُعد الإنساني.
إنَّ مستقبل التعليم في سلطنة عُمان يسير نحو نموذج ذكي ومستدام يجمع بين التقنية والقيم الإنسانية. فالذكاء الاصطناعي لا يُراد له أن يكون بديلًا عن المُعلِّم؛ بل شريكًا يسهّل مهمته ويعزز دوره في بناء القيم وتوجيه التفكير. ويبقى الهدف الأسمى إعداد جيل قادر على التكيّف مع متغيرات العالم الرقمي، مع الحفاظ على الهوية الوطنية. وهكذا، فإن الذكاء الاصطناعي يصنع الأدوات، أمَّا التعليم فهو الذي يصنع الإنسان القادر على توظيفها لخدمة التنمية والمجتمع.
** كاتبة وباحثة تربوية
رابط مختصر