جريدة الرؤية العمانية:
2025-02-08@11:43:27 GMT

يوم في حياة تشارلي

تاريخ النشر: 4th, February 2024 GMT

يوم في حياة تشارلي

 

 

ماجد المرهون

majidomarmajid@outlook.com

 

 

ليس بغريب أن يعلم معظم سكان العالم عن الحياة في أمريكا بتفاصيلها من بين كل الدول الغربية وذلك بسبب تأثير إعلام هوليود التي تستحوذ على 80% من صناعة السينما العالمية، ويقابله جهل معظم الأمريكيين بالحياة الحقيقية لسكان العالم حيث لا يصلهم الخُمس المتبقي من الإعلام بكل أنواعه إلا بنسبة لاتكاد تُذكر مع المهتمين والباحثين عن إجابات وغالبًا ماتكون تلك الفئة متنفذة وغير معروفة أو من كبار السن الذين عاصروا الأحداث منذ منتصف القرن الماضي ولم تعد الاهتمامات الأسرية وتربية الأطفال والترفيه واللهو والمتعة تعني لهم شيئًا.

 

كان ذلك ملخص الحوار الذي دار بين تشارلي وإلينا في طريق عودتهما إلى المنزل بعد زيارة قبر والدها الراحل متأثرًا بجراحه في حرب العراق، وقد بقي النقاش عالقًا في ذهن تشارلي وهو على فراش نومه ليلتها، حتى إذا طلع نهار الثامن من يناير البارد وجد ذِهنه عالقًا في الحلم الأمريكي وهيمنة أفكار الليلة الماضية المختلطة بمقولة توماس جيفرسون عن الرفاهية مع العبودية أو الاقتصاد مع الحرية وكماشة الاحتياطي الفيدرالي عند حساب ضرائبه الواجب سدادها وقروضه الائتمانية المتزايدة وتكاليف المعيشة لأطفاله وكلبه المُصاب بالاكتئاب، بالإضافة إلى تعزيز حصانة سور بيته ضد ثعابين روبرت؛ إن زوجتي على حق فأنا لا أعرف أسماء الدول ولا خارطة العالم وبالذات أعدائنا من العرب والمُسلمين ونحن نحاربهم للحفاظ على أمننا القومي باستثناء إسرائيل فهي واحة السلام والديموقراطية الوحيدة في المنطقة، وأعلم أن إيران وروسيا والصين والمهاجرين من أمريكا اللاتينية أشرار يجب الحذر منهم "تشارلي محدثًا نفسه" ولكن كوب قهوة يخلصني من زحام هذه الأفكار هو كل ما أحتاجه الآن.

 

يجلس تشارلي متدفئًا بكوبه الصيني وقهوته الكولومبية عندما لاحظ عدة كتب على طاولة المطبخ حيث كانت إلينا تتوسلها مراجعًا لأطروحتها في الأسطورة الصهيونية، ومنها كتاب سمحا فلابين بعنوان "ميلاد إسرائيل" وإيلان بابيه بعنوان "عشر خرافات عن إسرائيل" وآفي شلايم بعنوان "إرهاب دولة" فتشده يد الفضول إلى كتاب "اختراع الشعب اليهودي" للمحاضِر والمؤرخ شلومو ساند، ليشرع بتصفحه ساعة جلوسه على السجادة الفارسية مع نغمات تشايكوفسكي الخالدة قبل مغادرة المنزل مشوشًا من هدوء جولدا مائير الصارخ في أذُنيه وهي تقول: إسرائيل لم تخطط لطرد السكان المحليين بل هم من اختاروا ذلك بإرادتهم، باعتبار أن الجيش الإسرائيلي المسالم والنقي جدًا لم يقتل ويذبح ولم يُجزِّر ويُهجِّر، وأمام عينيه بن جوريون مؤنبًا نتنياهو قائلًا: عار عليك فأنت لم تستخدم القوة الكافية للدفاع عن النفس ضد الإرهاب كما فعلنا في قرية طنطورة ويغمز بعينه الوحيدة لبايدن الفخور، ثم يكتشف تشارلي عند وصوله باب سيارته نسيانه لمفتاحه ومحفظته وهاتفه.

 

صباح الخير تشارلي تبدو قلقًا؟ إني أستغرب جدًا من جاري روبرت هذا، من الذي أقنعه بجمال الثعابين حتى يُربيها في منزله، وكيف يمكنه المحافظة على أمان وسلامة أسرته من خطرها؟! "تشارلي الحانق متمتمًا بينه ونفسه" ويبدو أن معظم الأمريكيين يعلمون بوجود تقاطع مصالح بين سُلطاتنا العليا ولا ينكرون وجود زُمرة رمادية متحكمة كالدولة العميقة بحسب أقوال دونالد ترامب ولا أعتقد أنه سيكرر هذه الأقوال التي أطاحت به المرة الماضية، مع أننا لا نقطع بوجودها يقينًا إذ إن الأطراف الصالحة تقوم بمواجهة الأطراف الفاسدة وتستمر حياتنا على هذا المنوال.

 

حاكم تكساس لايزال مُصرًا على موقفه.. قصفت المُقاتلات الأمريكية مواقعًا للإرهابيين في العراق وسوريا واليمن.. سندافع عن قواتنا ومصالحنا بالتعاون مع شركائنا.. إسرائيل تسحب بعض قواتها من غزة لتفسح المجال لدخول المساعدات الإنسانية ولكنها ستستمر في الحرب دفاعًا عن نفسها.. يغلق تشارلي مذياع سيارته قبل وصوله إلى العمل وقد ازداد تشويشًا وحيرة مع ميولٍ لتكذيب ما سمعه وشاهده ونزعة تشكيك بما تعلمه في المدرسة وما ينقله لهم إعلامهم وماصورته أفلام هوليود من بطولات رامبو وسوبرمان وغيرهما ممن تجسدت فيهم الشخصية الأمريكية القيادية الصالحة والساعية لاستتباب المحبة والوئام على الكرة الأرضية والكواكب المجاورة، وما الذين قتلوا إلا غبار بشري على هامش تحقيق السلام وقد استحقوا الموت.

 

يبدو أني أحيا في عالم آخر مختلف عن الذي يحياه بقية سكان العالم "تشارلي موسوسًا نفسه" وما أن وصل إلى مقر عمله حتى وجد الجميع تقريبًا يشاركه نفس عالمه ومنهمكون في العمل، فتلك المرأة تتحدث مع مدير مدرسة ابنها المتنمر، وذلك الشاب يحاول إقناع والدته بالعدول عن طلاقها لوالده، والمدير مجتمع مع بعض المسؤولين لمناقشة تداعيات أزمة خطوط الملاحة البحرية.. ماذا الملاحة البحرية؟!

أين يقع البحر الأحمر؟ ويبحث تشارلي محاولًا ربط علاقة الاقتصاد بالجغرافيا والسياسة ولماذا تؤثر عليهم إسرائيل وهي تبعد آلاف الأميال عنهم، ومن الذي أعطاها الحق للتحكم بمصير أكثر من 320 مليون إنسان أمريكي؟! يا إلٰهي ما الذي يحدث هل كل هؤلاء القتلى من الأطفال! لقد تجمدت أفكاره وهو يتصفح بعض تطبيقات مواقع التواصل التي لم يطلها حجب حراس البوابات الذي طال كل شيء منذ أن كان طفلًا وهو على قناعة تامة بل يقين شبه مطلق بأن إسرائيل وأمريكا تقاتلان الجانب المظلم من العالم ولم يكن يشك البتة أن بلاده تُسمِّن غولًا من أمواله وعرق دافعي الضرائب المغلوب على أمرهم ليتسلط على الأبرياء بالقتل والدمار والتهجير، ويتغول أرضهم ومقدراتهم حتى تحول ماردًا يهدد كل جيرانه في المنطقة، ومازاد من صدمة تشارلي أن معظم الشعب الأمريكي كان معتقدًا بكل مايعتقده منذ نشأة الولايات المتحدة الأمريكية حتى شهر أكتوبر من العام الماضي.

 

لقد أسقط "المؤرخون الجدد" في كتبهم الأساطير والأكاذيب الصهيونية ولكن لم يكن يصدقها إلا قليل ممن لا تأثير لهم على المجتمع وهم أفراد وفرقاء مع استمرار الإعلام الأمريكي الكاذب في بث تأكيد نزاهة إسرائيل خلال العقود السبع العجاف، والتي انطلت على تشارلي الطيب وأمثاله الكثير؛ ما أضخم تلك المظاهرة ما السبب؟! "تشارلي سائلًا نفسه في طريق عودته من العمل" إنهم منددون بموقف الحكومة الأمريكية الداعم لجرائم حرب إسرائيل ويبدو أن العالم قد استفاق خلال 3 أشهر من سباتٍ دام عشرات السنين وسوف تواصل هذه الصحوة تمددها بشكل أكبر وأقوى من كل وسائل الحجب وأساليب المجابهة للإعلام المضاد.

 

وصل تشارلي منزله متلحفًا بالكوفية الفلسطينية ليفاجأ بزوجته وأبنائه وكلبهم المكتئب وهم يقفون خارجًا في طقسٍ شديد البرودة وسيارة الإسعاف عند مدخل بيت جارهم، قالت إلينا: لقد أخبرونا أن أحد ثعابين روبرت المسكين قد لاذ بالفرار بعد أن لدغه في يده وشددوا على أهالي كل البيوت المجاورة بضرورة الخروج، يبدو أن تلك الثعبان شديد الخطورة وربما سنبات هذه الليلة في الشارع...!

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

«الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية» تعلق برامجها حول العالم وتمنح موظفيها «إجازة مفتوحة»

أعلنت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، تعليق برامجها، وأنها ستضع معظم موظفيها حول العالم في إجازة إدارية مفتوحة.

ووفقا للإعلان، فإن “الغالبية العظمى من العاملين الإشرافيين سيعودون إلى الولايات المتحدة خلال أيام”.

وأوضحت الوكالة أن “هناك استثناءات من هذا القرار تشمل “الموظفين المسؤولين عن المهام الحرجة في البعثات، والقيادة الأساسية، وبعض البرامج المعينة”. ومن المتوقع أن يستمر الموظفون الأساسيون في أداء مهامهم بشكل طبيعي”.

وأشار البيان إلى أن “معظم المقاولين الذين يعملون مع الوكالة سيشهدون إنهاء عقودهم. وقالت USAID إنها تدرس “الاستثناءات لكل حالة على حدة”، بما في ذلك تمديد فترة السفر أو العودة بناءً على الصعوبات الشخصية أو العائلية، أو مخاوف التنقل والسلامة، أو لأسباب أخرى”.

وأفادت الوكالة بأنها “تعمل بالتعاون مع وزارة الخارجية على وضع خطة لترتيب ودفع تكاليف عودة الموظفين الموجودين حاليًا في الخارج إلى الولايات المتحدة خلال 30 يومًا”.

هذا “وأدى هذا القرار إلى تعليق مؤقت لأغلب البرامج التي تديرها الوكالة، وهي الجهة المسؤولة عن قيادة برامج المساعدات الخارجية الأمريكية”.

جدير بالذكر أن “هذا الإعلان يأتي بعد أيام من تصريحات إيلون ماسك، بأن الرئيس دونالد ترامب، وافق على إغلاق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، فيما أعلن وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، عن قيادة جديدة وإعادة هيكلة محتملة للوكالة”.

مقالات مشابهة

  • المبعوثة الأمريكية: إسرائيل ستفي بجدول الانسحاب من لبنان
  • الأهرام: فكرة الإدارة الأمريكية بإخلاء قطاع غزة خيالية ويرفضها العالم
  • ترامب: إسرائيل ستسلّمنا غزة بعد انتهاء القتال
  • الديمقراطيات الأوروبية بين مطرقة الأوليجارشية الأمريكية وسندان الاستبداد الروسي والصيني
  • «الخارجية الأمريكية»: كثير من دول العالم رفضت مقترح ترامب بشأن غزة
  • ترامب المصارع أو التجسيد المفضوح للإمبريالية الأمريكية
  • شاهد | من أولويات الإدارة الأمريكية الجديدة: إسرائيل والتطبيع
  • “الدوما” الروسي: وكالة USAID الأمريكية شبكة إجرامية موّلت الإرهاب والمخدرات
  • «الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية» تعلق برامجها حول العالم وتمنح موظفيها «إجازة مفتوحة»
  • تعرّف على الرئيس الذي ساهم بقطع علاقات 20 دولة أفريقية مع إسرائيل