واحدة من أسوأ طرق التفكير فى مصر والعديد من الدول العربية فى التعامل مع الدول والقوى والمنظمات العالمية هى منطق الأبيض أو الأسود من دون التفكير أن كل القضايا والرؤى قد تحتمل وجود ألوان متدرجة كثيرة ورمادية.
هذا الحكم أو المعيار الغريب هو الذى يدمغ نظرة عدد كبير من المصريين تجاه الاتحاد الأوروبى، الأمر الذى يجعلنا نقع فى أحكام غير صائبة وبالتالى نخسر الكثير من الأوراق والفرص.
فى الأسبوع قبل الماضى قضيت خمسة أيام فى بروكسل عاصمة بلجيكا والمقر الرئيسى للاتحاد الأوروبى لحضور اجتماع لجنة الشراكة المصرية الأوروبية، واللقاء مع الكثيرين من المسئولين فى إدارات الاتحاد خصوصا ذات الصلة بمصر وفلسطين.
معظمنا يفترض أن الاتحاد الأوروبى سيتخذ موقفا موحدا وسريعا ضد إسرائيل ويتضامن مع الفلسطينيين فى غزة والضفة.
معظمنا يتوقع أن الاتحاد الأوروبى ينبغى أن يقدم لمصر كل المساعدات الاقتصادية المطلوبة والعاجلة حتى يتعافى اقتصادها.
لكن الحقيقة أن معظمنا لا يدرك وربما لا يعرف من الأساس أن الأمور ليست بهذه السهولة، وأن هناك تعقيدات كثيرة ينبغى أن نفهمها حتى لا نغرق دائما فى بحور من الأوهام.
أولى هذه الحقائق هى أنه لا توجد أوروبا واحدة وموحدة فى معظم القضايا. هناك ٢٧ دولة عضوة فى الاتحاد الأوروبى وبالتالى هناك احتمال لوجود ٢٧ وجهة نظر أو أقل قليلا فى معظم القضايا.
مثلا إذا كانت هناك وجهات نظر مختلفة داخل الاتحاد بشأن التعامل مع الأزمة الأوكرانية وكذلك داخل حلف الأطلنطى ــ وهى أزمة وجودية ــ أليس من الطبيعى أن تكون هناك وجهات نظر مختلفة بشأن العلاقة مع مصر والموقف من الصراع العربى الإسرائيلى؟!
ثانيا: اتخاذ القرارات الأساسية داخل الاتحاد الأوروبى يتميز بالبطء، وهو راجع بالأساس إلى وجود آراء مختلفة للدول الأعضاء، وبالتالى فإن ذلك يقود إلى عدم اتخاذ قرار سريع أولا، وغير كاف ومقنع للآخرين.
ثالثا: وإذا فهمنا هذا العامل جيدا سندرك فورا لماذا تتأخر اتفاقيات الشراكة بين الاتحاد وبعض الدول، ولماذا لا يقدم الاتحاد ما تطلبه هذه الدول، ولماذا يحدث التردد والبطء فى مواجهة قضايا نظن نحن المصريين والعرب أنه ينبغى أن يكون هناك قرار سريع بشأنها.
من المهم أيضا أن يكون لدينا إدراك كافٍ لكيفية التعامل مع الاتحاد الأوروبى، وآليات عمله، وآليات اتخاذ القرار، ومن هى القوى والدول المؤثرة داخله.
معرفة ذلك توفر الوقت والجهد والمال، وبالتالى فإن الاعتقاد بأن الاتحاد سوف يقف بجانبك سواء فى قضية سياسية أو اقتصادية لمجرد أنك تعتقد أنك على حق فذلك وهم كبير ستدفع ثمنه باهظا.من المهم أيضا أن يكون الطرف الذى يتعامل مع الاتحاد الأوروبى يتميز بالكفاءة، والقدرة على اقناع الأوروبيين بأن هذا الاتفاق أو ذاك يصب أيضا فى مصلحة الأوروبين، وليس لأسباب عاطفية كما هو موجود فى العقلية العربية والشرقية. الغرب يحسب الأمور طبقا لمصالحه، وما الذى سوف تحصل عليه أو تخسره أو تربحه من وراء هذا الاتفاق أو الشراكة أو أى علاقة عموما.
وخلال الزيارة الأخيرة أدركت مدى كفاءة سفيرنا فى بروكسل الدكتور بدر عبدالعاطى فى التواصل والتفاهم مع الأوروبيين بحكم أنه ليس فقط سفيرنا فى بروكسل، بل لدى الاتحاد الأوروبى ولوكسمبرج وحلف شمال الأطلنطى.
الاتحاد الأوروبى ليس جمعية خيرية لتوزيع المساعدات الإنسانية ولكنه يريد أن يحقق ويعظم مصالحه حينما يتعاون مع هذه الدولة أو تلك.
هناك مثلا برامج تعاون كثيرة قد لا يدركها كثير من الدول داخل الاتحاد ويمكن من خلالها الحصول على منح ومساعدات وحتى قروض بشروط ميسرة جدا ليس فقط للحكومة ولكن أيضا للقطاع الخاص، وكلما كان هناك إدراك وفهم لوجود هذه البرامج ومرونة الدخول إليها والتعامل معها حصلت العديد من الدول على ميزات كثيرة. وأظن أن المغرب نموذج ممتاز فى هذه الآلية حيث تمكن اقتصادها من الحصول على منافع كثيرة من خلال فهمه العميق لآليات التعاون مع أوروبا. وأظن أن مصر فى طريقها لتحقيق ذلك فى الفترة المقبلة.قضية كيفية التعامل مع أوروبا مهمة جدا وليست سهلة، وتحتاج للكثير من الجهود والفهم والإدراك والتسلح بمهارات معينة خصوصا فى التفاوض والتواصل حتى نستطيع أن نستفيد من العلاقة معهم خصوصا أنهم يحققون العديد من المنافع الاستراتيجية من التعامل معنا.
عماد الدين حسين – الشروق نيوز
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: الاتحاد الأوروبى التعامل مع
إقرأ أيضاً:
حزب الاتحاد: مشروع قانون لجوء الأجانب فرضه الواقع.. ومصر لم تتخل عن ضيوفها
قال المستشار رضا صقر، رئيس حزب الاتحاد، إن مشروع قانون لجوء الأجانب في مصر، فرضه الواقع الذي يحياه الشارع المصري من تزايد كبير وغير مسبوق لأعداد اللاجئين، والذي تشير التقديرات لتجاوزه حاجز الـ 9 ملايين لاجئ ومن الوارد أن يكون متخطيًا لهذا الرقم بكثير، مشيرًا إلى أنه أمام هذا الحديث عن كم تلك الأعداد المهولة للنازحين والمقيمين بصورة غير رسمية، يتوجب معه وضع قانوني منظم لمن يريد أن تُسبغ عليه صفة لاجئ.
وأضاف "صقر"، في تصريحات صحفية اليوم، أن مشروع قانون لجوء الأجانب في مصر، يعتبر التزام لاتفاقية الأمم المتحدة الموقعة عليها مصر والخاصة بشئون اللاجئين، فضلا عن النص الدستوري الواضح الذي منح للمشرع حق تنظيم اوضاع اللاجئين واستضافتهم، مشيرًا إلى أن مسايرة مصر لهذا الأمر لا يضر أي طرف، بل يحمي حقوقها وحقوق اللاجئين في الاستفادة من جميع الامتيازات التي تمنحها مصر لمواطنيها باستثناء العمل السياسي، إضافة إلى التزامهم بالواجبات المفروضة عليهم بنص القانون.
وأشار رئيس حزب الاتحاد، إلى أن مشروع القانون الجديد، سوف يمنح الدولة المصرية فرصة لحصر أعداد اللاجئين وتكوين قاعدة بيانات دقيقة حولهم، ما يمكنهم من إدارة الدعم الموجهة إليهم بصورة جيدة ومعرفة النفقات التي تتحملها، مشيرًا إلى أنه مصر توفر لكل لاجئ حياة كريمة في مصر دون مزايدة عليهم.
وشدد المستشار رضا صقر على ضرورة أن يكون هناك دعم دولي لمصري لتحملها فاتورة اللاجئين، وألا تقف الدول تنظر لمصر وهي تتصدى للنزوح الجماعي من مختلف الدول التي تشهد حالة من عدم الاستقرار، لافتًا إلى أن تلك الأعداد لو تركتها مصر، لتحملت الدول الأخرى وعلى رأسها الأوروبية أعباء هؤلاء اللاجئين.
ولفت إلى أهمية ما تضمنه مشروع القانون من إنشاء لجنة دائمة لشئون اللاجئين تكون لها الشخصية الاعتبارية وتتبع رئيس مجلس الوزراء وتكون هي الجهة المعنية بشئون اللاجئين، وعلى الأخص الفصل في طلبات اللجوء، والتعاون مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين، وضمان تقديم كافة أوجه الدعم والرعاية والخدمات للاجئين.