ما الذي يمنع الولايات المتحدة من شن هجمات مباشرة في إيران؟
تاريخ النشر: 4th, February 2024 GMT
سلطت صحيفة روسية، الضوء على حالة التصعيد المتزايدة في الشرق الأوسط، وما وصفته "العجز الأمريكي" في إخضاء إيران للسيناريو الذي تعرض له العراق عامي 1991 و2003.
وقالت صحيفة "برافدا" الروسية في تقرير ترجمته "عربي21"، إن إيران منذ الثورة الإسلامية في 1979 أصبحت شوكة في حلق الولايات المتحدة وإسرائيل، تمنعهما من تنفيذ سياساتهما الاستعمارية الجديدة، وتشغل موقعا جيوسياسيا مهما في الشرق الأوسط، وتتصدى لهيمنة واشنطن على هذه المنطقة الغنية بالنفط.
وأضافت الصحيفة أن الولايات المتحدة عاجزة عن إخضاع إيران للسيناريو الذي تعرض له العراق في 1991 و2003. والحديث هنا عن ادعاءات كولن باول أمام مجلس الأمن بأن العراق يمتلك أسلحة جرثومية، حاملا في يده أنبوب اختبار. وتصوير البلد على أنه يمثل قوى الشر، ثم تنفيذ عملية عسكرية ضده، وتنصيب رئيس يكون في الحقيقة دمية في يد أمريكا. وحتى الآن بعد مرور أكثر من أربعين عاما على الثورة الإيرانية، لم تجد واشنطن الجرأة الكافية لتكرار هذا السيناريو.
وتضيف الصحيفة أنه بات من الواضح أن إيران الآن ليست بلدا متخلفا كما كانت في الماضي، حيث أنها باتت تمتلك جيشا قويا وصواريخ طويلة المدى، وأي اعتداء ضدها لن يمر بسلام. إضافة إلى هذه الحسابات التي تجعل واشنطن تخاف، هنالك شبح الماضي الذي يخيم عليها، إذ أنها في 1980 حاولت تنفيذ عملية صغيرة ضد إيران انتهت ليس فقط بفشل ذريع، بل كان فشلا أسطوريا.
والحديث هنا عن محاولة إنقاذ الرهائن المحتجزين في السفارة الأمريكية في طهران في 1979. هذه القصة معروفة لدى الجميع، رغم أن التفاصيل الدقيقة لهذه العملية تبقى طي الكتمان، وهي كانت نقطة فارقة أثرت على أسلوب الولايات المتحدة في إدارة الصراعات السياسية والعسكرية.
تشير الصحيفة إلى أن هذه العملية تم التفكير فيها بعد أن قامت في الرابع من تشرين الثاني/ نوفمبر 1979 مجموعة من النشطاء الشباب الإيرانيين باقتحام السفارة الأمريكية واحتجاز الدبلوماسيين العاملين داخلها. وسارعت القيادة الإيرانية لدعم هذا التحرك، وعرضت على الجانب الأمريكي الإفراج عن الدبلوماسيين المحتجزين في مقابل إعادة الشاه محمد رضا بهلوي الذي فر من البلاد. ورفضت واشنطن هذا العرض، وقررت في النهاية اللجوء للحل العسكري.
فكرة العملية
على بعد حوالي 500 كيلومترا جنوب شرق طهران، تم اختيار موقع ليكون مهبط طائرات مؤقت، وكان يفترض أن تنزل ستة طائرات نقل عسكري من طراز هيركوليس في هذا المكان، ثلاثة منها تحمل قوات خاصة مكونة من 130 عنصر، وثلاثة لتوفير الوقود. وكان يفترض أن تصل بعد وقت قصير مجموعة من طائرات الهليكوبتر المخصصة للنقل التي تقلع من حاملة طائرات تبحر قبالة سواحل إيران، وبعد أن تقوم بالتزود بالوقود مرة ثانية في المهبط المؤقت، تحمل القوات الخاصة وتواصل الطيران إلى نقطة أخرى على بعد 80 كيلومتر من العاصمة طهران.
وكانت الخطة تتمثل في الاعتماد على مجموعة من السيارات لمداهمة مبنى السفارة التي يحتجز فيها الدبلوماسيون الأمريكيون وأخذهم إلى أقرب ملعب، حتى تأتي طائرات الهيليكوبتر لحملهم ثم تطير نحو نقطة ثالثة وهي مهبط طائرات عسكرية مهجور، كان يفترض به هو أيضا أن تتم السيطرة عليه قبل وصول الطائرات بقليل. ومن هذه النقطة كان يفترض أن يتم حمل الجميع إلى خارج البلاد.
وترى الصحيفة أن هذه الخطة كانت معقدة ومتطورة جدا، وكانت تتضمن أيضا فكرة تحريك عملاء واشنطن في إيران لخلق بعض الفوضى في الشوارع على أمل أن يصرف ذلك انتباه الأجهزة الأمنية عن عملية تحرير الرهائن، وهو الجزء الذي نجح من هذه الخطة.
التنفيذ والفشل الأسطوري
مثلت طائرات الهليكوبتر عنق الزجاجة في هذه العملية. وبعد ساعتين من الطيران ظهرت مشاكل تقنية فيها، وقامت بهبوط اضطراري في منطقة صحراوية وتم نقل الركاب من إحدى طائرات الهليكوبتر نحو أخرى. وبعد ذلك واجهت طائرة أخرى مشاكل في نظام الملاحة، وواجهت المجموعة بأكملها عاصفة رملية، وهو أمر لم يتعودوا عليه. رغم ذلك تواصلت عملية الطيران، بعد أن عادت طائرة واحدة إلى حاملة الطائرات الأمريكية.
وقالت الصحيفة إن رمال الصحراء لعبت دورا محوريا في إفشال هذه الخطة الأمريكية، وهذا العامل اعتبره الإيرانيون تدخلا إلاهيا.
إذ أنه بسبب حجب الرؤيا وإعاقة عملية الطيران، إلى جانب تعقيدات أخرى جمعت بين سوء الحظ وسوء التخطيط، بات واضحا أنه من المستحيل على القوة الأمريكية الوصول إلى وجهتها، فطلب الضباط من واشنطن اتخاذ قرار حول المواصلة أو الانسحاب. وبعد ساعتين من المشاورات، تم السماح لهم بإلغاء العملية، وهنا تنفسوا الصعداء، ظنا منهم أن المصاعب انتهت، رغم أنها في الواقع لا تزال في بدايتها، حيث أن رحلة الرجوع كانت أيضا محفوفة بالفشل.
فعلى الرغم من إلغاء المهمة، كان لابد من إعادة تعبئة طائرات الهليكوبتر بالوقود. لكن أثناء هذه العملية أدت شفرات الطائرات إلى إثارة عاصفة من الغبار وحجب الرؤيا فاصطدمت طائرتان ببعضهما وحصل انفجار ضخم توفي فيه ثمانية من الجنود الأمريكان.
وهكذا فإنها حتى دون الدخول في أي معركة، منيت الولايات المتحدة بخسارة فادحة وفقدت أرواحا في هذه العملية. فتم التخلي عن خمس طائرات هيليكوبتر في قلب الصحراء، اثنين منها استحوذ عليها لاحقا جيش الجو الإيراني، فيما فرت القوات الخاصة الأمريكية على متن طائرات هيركوليس.
تلك الحادثة استغلتها أعلى سلطة دينية في إيران، معتبرة أن رمال الصحراء كانت حليفا طبيعيا لإيران، وواصفة إياها بأنها ملائكة من الله، وأن الطبيعة في حد ذاتها تحالفت مع الجمهورية الإسلامية ضد الشيطان الأمريكي.
وتلاحظ الصحيفة أن الأمريكان سموا هذه العملية في البداية مخلب النسر، وكانوا يتوقعون أن هذا النسر سوف يحلق فوق طهران ويحمل الرهائن بكل دقة من عش الإيرانيين ويأخذهم إلى مكان آمن. إلا أنه في النهاية لم تتم استعادة هؤلاء الرهائن إلا في بداية العام 1981. ولكن تجدر الإشارة إلى أنه قبل تلك الانفراجة كان هناك مشروعان آخران جهزتهما الولايات المتحدة لتحرير الرهائن، قبل أن يتم ذلك بشكل سلمي على اثر مفاوضات بين الجانبين.
وتضيف الصحيفة أن عملية مخلب النسر هذه لم تكن المحاولة الأمريكية الوحيدة في تنفيذ عمليات في إيران، إذ أنها جهزت "مشروع غرير العسل"، نسبة إلى حيوان الظربان أو غرير العسل الذي يعيش في أفريقيا وآسيا والمعروف بعدم خوفه وبقدرته على التحمل. هذه الخطة كانت تتمثل في تجنيد قوات خاصة على متن خمسين طائرة، ونقل 12 جرافة في حال ما دعت الحاجة إلى فتح بعض الطرق، وبدأت التجارب والتدريبات لتنفيذ العملية.
ولكن بسبب المخاوف من الفشل السابق قرر القائمون على هذه العملية إلغاء الجزء المتعلق بالجرافات، والاكتفاء باستخدام الطائرات. وتم إطلاق اسم جديد عليها وهو "الرياضة الحقيقية"، وكان المخطط يتمثل بإنزال القوات الخاصة من الطائرات في ملعب في قلب طهران.
ورغم أن المساحة هناك لم تكن تكفي لهذه العملية فإن المهندسين الأمريكيين كانوا واثقين من أن لديهم التكنولوجيا اللازمة لتنفيذ الهبوط والإجلاء، فقاموا بإعداد مكان يشبه الملعب الموجود في طهران وأجروا بعض التجارب العملية، التي أظهرت أن هذه الفكرة أيضا ستكون نهايتها الفشل، فتم في النهاية التراجع عنها.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية الشرق الأوسط إيران إيران الشرق الأوسط امريكا روسيا الحرب صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة طائرات الهلیکوبتر الولایات المتحدة هذه العملیة الصحیفة أن هذه الخطة فی إیران
إقرأ أيضاً:
إيران الأمريكية بعد الحرب
ما الذي يخيف الولايات المتحدة من إيران أم أن التخادم بين الطرفين هو تجسيد لعلاقة قديمة، لم تقطع الأزمات خيوطها بالرغم من أن إيران الخمينية فعلت ما في وسعها لإقلاق المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط؟
بعد وصول الخميني إلى طهران عام 1979 إثر سقوط دولة الشاه محمد رضا بهلوي انقطعت العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين. كان ذلك قراراً إيرانياً نُفّذ على أيدي طلاب من أتباع خط الإمام، وكان أحمدي نجاد رئيس الجمهورية الإسلامية الأسبق واحداً منهم. احتل أولئك الطلاب مبنى السفارة الأمريكية واعتبروا جميع موظفيها رهائن.فشلت محاولة الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر لإطلاق سراح أولئك الرهائن. أما حين تم إطلاق سراحهم بعد 444 يوماً فإن العلاقات بين الطرفين وصلت إلى الصفر الذي لا رجعة عنه بعد أن صار "الموت لأمريكا الموت لإسرائيل" هو شعار المستقبل الشعبوي.
ولكن تلك الصورة بكل سوداويتها لم تكن تمثل الحقيقة كلها. كانت الولايات المتحدة حريصة على ألاّ تخسر إيران حربها ضد العراق في ثمانينات القرن الماضي بالرغم من أن العراق كان قد استثمر الكثير من أجل تحسين علاقته بها. كانت فضيحة "إيران غيت" قد وضعت أوراق ذلك التعاون على الطاولة. وهو تعاون، خططت الولايات المتحدة من خلاله لتدمير العراق بعد ربع قرن من الفضيحة.
وإذا قلت إن السياسة الأمريكية تضع إيران في مستوى من الرعاية يقترب من المستوى الذي تحظى به إسرائيل قد يتهمني البعض بالمبالغة إذا كان محايداً، أما إذا كان منحازاً لإيران فإن ذلك البعض سيعتبرني مغرضاً ومن مروّجي الشائعات التي تهدف إلى تشويه صورة إيران المقاومة. وفي الحالين فإن هناك نوعاً من الاستهانة بحقائق الصراع الذي يدور من حولنا وصارت منطقتنا حقل تجارب له.
عبر أكثر من أربعين سنة وضعت إيران الخمينية القضية الفلسطينية في مقدمة لائحة اهتماماتها. كان ياسر عرفات أول المخدوعين بتلك الغزوة الشعبوية. ولكن القضية نفسها لم تشهد أيّ تطور إيجابي بسبب الحماسة الإيرانية. ما رأيناه يمكن أن نجد خلاصته في التعاون الإيراني الذي يسّر للولايات المتحدة احتلال العراق الذي كان مقدمة لتسهيلات أمريكية قُدمت لإيران من أجل ترسيخ مشروعها التوسعي الذي بدأ في لبنان ووجد له أرضاً ممهدة في العراق ومن ثم انتقل إلى سوريا واليمن.
لم تقع إسرائيل على خريطة التوسع الإيراني. ماتت دول عربية ولم تمت إسرائيل. كان ذلك مصدر اطمئنان على المستوى الأمريكي الذي كان يعرف سلفاً أن المحتوى العقائدي لثورة الخميني لا ينظر بارتياب إلى إسرائيل بالقدر الذي ينظر من خلاله إلى الدول العربية. كانت الإستراتيجية الأمريكية واضحة في تبني المشروع الإيراني أو على الأقل غض النظر عنه.
ولو تُركت الأمور للعقل السياسي الأمريكي لاستمرت إيران في تثبيت احتلالها لأربع دول عربية. بل لتُركت تعبث بأمن دول الخليج العربي واستقرارها غير أن دخول إسرائيل على الخط من حيث كونها جهة متضررة صنع معادلة جديدة، صارت الولايات المتحدة مضطرة بسببها للتخلي عن بعض ثوابتها الممعنة في الحرص على المصالح الإيرانية.
لقد حدث شرخ في العلاقة الأمريكية – الإسرائيلية يوم أصرت إدارة الرئيس باراك أوباما على توقيع الاتفاق النووي مع إيران عام 2015، غير أن حرب غزة كانت مناسبة لإعادة الأمور إلى نصابها بعد أن شعرت الولايات المتحدة أن سياستها المحابية لإيران قد أدت إلى خروج الأوضاع في الشرق الأوسط عن السيطرة. فليست هناك حدود واضحة للأطماع الإيرانية.
من خلال إشعال جبهتي غزة والجنوب اللبناني سعت إيران إلى سرقة الوقت أولاً وتأكيد قدرتها على التحكم بالأوضاع في المنطقة من خلال تهديد أمن إسرائيل ثانياً. كل ذلك من أجل فرض الشراكة الإستراتيجية على إسرائيل برضا أمريكي. غير أن ذلك الهدف باء بالفشل بعد أن أدارت إسرائيل الحرب لصالحها وهو ما جعل الولايات المتحدة، والدول التي تدور في فلكها، تعتبر أن حرب إسرائيل هي حربها.
والآن بعد أن منيت إيران بالهزيمة فإن الولايات المتحدة ستبذل قصارى جهدها من أجل أن تقلل من حجم الخسائر الإيرانية لكن ليس على حساب إسرائيل. سيصطدم ذلك المسعى بالتأكيد برفض إسرائيلي. لذلك يمكن القول إن إيران نجحت في سرقة الوقت من أجل استمرار مشروعها النووي حين منعت الولايات المتحدة إسرائيل من توجيه ضربة مباشرة له، غير أن هيمنتها على المنطقة صارت محل شك بعد أقرت الولايات المتحدة أن ذلك يشكل خطراً على إسرائيل.