تبدو إسرائيل أكثر اقترابا من التصرف على نحو قد يلحق ضررا فادحا  بمصالح الولايات المتحدة من خلال إثارة مواجهة في مختلف أنحاء المنطقة، والتي يمكن لإيران وغيرها من القوى مثل الصين وروسيا استغلالها.

وترى باتريشيا كرم، الزميلة في "المركز العربي واشنطن دي سي" والمدير الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المعهد الجمهوري الدولي، أنه بما أن الحرب بين إسرائيل و"حماس" تهدد بجر الولايات المتحدة إلى صراع أوسع نطاقاً من شأنه أن يقلب موقف واشنطن وسياستها رأساً على عقب، فإن السلام والاستقرار في المنطقة قد يحتاج حتماً إلى المرور عبر غزة.

اقرأ أيضاً

من غزة إلى اليمن.. كيف تبدو استراتيجية بايدن مرتبكة في الشرق الأوسط؟

تباعد المصالح الأمريكية الإسرائيلية

وبينما تبدو الولايات المتحدة متفقة مع إسرائيل، فإن مصالحهما قد تتباعد بشكل متزايد.

ومع ذلك، وعلى الرغم من كونها في عجلة من أمرها لمنع انتشار الحرب، فإن الولايات المتحدة لم تكن حازمة للغاية في كبح جماح إسرائيل، ولم تكن صريحة للغاية بشأن الحاجة إلى معالجة مسألة إقامة الدولة الفلسطينية - على الأقل حتى الآن.

ولم تستخدم إدارة بايدن سوى الدبلوماسية من وراء الكواليس للضغط على إسرائيل لتقليص حملتها ضد حماس من خلال تشجيع مفاوضات الرهائن والسماح بتدفق المساعدات الإنسانية إلى غزة.

ومن ثم، تقول الكاتبة، إن هناك قدراً معيناً من الاستعصاء على الصراع بين إسرائيل و"حماس"، والذي قد لا يظل بلا تغيير فحسب، بل قد يؤدي أيضاً إلى تغيير طبيعة العلاقات الأمريكية العربية على نحو لا رجعة فيه، بل وربما يدفع الولايات المتحدة إلى الخروج من الشرق الأوسط.

وتضيف: بغض النظر عن النتيجة، ومع تعمق خيبة الأمل إزاء تصرفات الولايات المتحدة ومواقفها، فإن الإدارة الأميركية سوف تجد صعوبة بالغة في إعادة تشكيل وإصلاح سياساتها في المنطقة، حتى ولو كان المجال والفرصة لا يزالان موجودين.

وعلى نطاق أوسع، قد تجد الولايات المتحدة أيضًا صعوبة في تغيير سياساتها في بقية بلدان الجنوب العالمي، التي تعاني بالمثل من الضيق بسبب مسار الصراع في غزة ودور واشنطن فيه، كما تقول باتريشيا.

اقرأ أيضاً

حسابات معقدة للرد على إيران.. بوليتيكو: هذا ما يخشاه بايدن

معضلة الحوثيين

وبالطبع، فإن أبرز تداعيات الصراع في غزة هو دخول الحوثيين في اليمن على الخط بهجماتهم على الملاحة المتجهة إلى الاحتلال الإسرائيلي، والتي قوبلت بردود عسكرية أمريكية.

لكن، وبحسب الكاتبة، فإنه من المفارقة أن الضربات ضد الحوثيين قد ترمز إلى ضعف السياسة الأمريكية وتراجع قوتها في الشرق الأوسط وتكون نذيراً لما هو قادم، حيث تستعرض إيران عضلاتها مع التصعيد الشجاع للحوثيين.

ومن ناحية أخرى فإن الهجوم الإسرائيلي المتواصل على غزة لا يزال بعيداً عن تحقيق هدفه، مع استمرار  الفلسطينيين في المقاومة وتجاوز عدد الشهداء 26 ألف شخص.

وفي الواقع، ليس من السهل الحديث عن الفائزين والخاسرين في هذه الحرب بالنظر إلى كيف أن كل ضحية فلسطينية تعزز مكانة إيران، حيث يشن حلفاؤها في المنطقة حوالي 160 هجومًا على القوات والمنشآت الأمريكية في العراق وسوريا.

ويكثف "حزب الله" نشاطاته على طول الحدود اللبنانية الإسرائيلية.

ومن ثم فمن الممكن القول بأن توسع الصراع في هذا المناخ يبدو أمرا لا مفر منه، بحسب الكاتبة.

اقرأ أيضاً

إيران حققت أقصى نفوذ إقليمي ممكن.. المرشد وإسرائيل بين 5 أسباب

سلب التفوق الأخلاقي

وتقول الكاتبة إنه إلى جانب التأثير السلبي على مصداقية الولايات المتحدة في جميع أنحاء المنطقة والجنوب العالمي، والتي كانت متحدة منذ فترة طويلة بشأن محنة الفلسطينيين وتنتقد عدم وجود قيود مفروضة على إسرائيل، فقد حرم موقف بايدن الداعم لإسرائيل في عدوانها الوحشي على غزة الولايات المتحدة من التفوق الأخلاقي الذي قدمته حرب أوكرانيا.

وتضيف: من المحتمل أن يؤدي ذلك إلى تنفير الحلفاء المتبقين في منطقة يحقق فيها المنافسون من القوى الكبرى والأعداء العنيدين مثل روسيا والصين تقدماً.

تعقد التطبيع السعودي

وتعقدت عملية التطبيع، التي ترعاها واشنطن وتريدها بشدة، بين السعودية وإسرائيل، بسبب غزة أيضا، حيث دفعت الأحداث الرياض إلى الإصرار على موقفها بدولة فلسطينية تعترف بها إسرائيل والعالم، قبل التطبيع، وهو الأمر الذي لا يزال نتنياهو يعارضه بمراوغة واضحة.

اقرأ أيضاً

تشاتام هاوس: الردع الأمريكي ضد إيران تضرر بشدة.. وهذه طريقة ترميمه

وفي الوقت نفسه، سعت الصين إلى الاستفادة من المشاعر المؤيدة للفلسطينيين وانعدام الثقة في الولايات المتحدة لمحاولة كسب معركة الروايات، ووضعت نفسها كصانع سلام محايد (على عكس الولايات المتحدة التي تنظر الصين إلى دعمها القوي لإسرائيل وتصوره على أنه منافق)، حتى أن بكين دعت وزراء الخارجية العرب والمسلمين لإجراء محادثات بشأن إنهاء الحرب في غزة في محاولة واضحة لإزاحة واشنطن كوسيط وحيد في الصراع.

أما روسيا، التي ظلت لفترة طويلة تتودد لـ"حماس"، كما تقول الكاتبة، فتقف أيضاً على الهامش، حيث تقف للاستفادة من الصراع الذي طال أمده وتعزيز مكانتها في سياق الفوضى الإقليمية المستمرة وتراجع الاهتمام بأوكرانيا.

وتسبب عدم قدرة إسرائيل على إحراز انتصار حاسم في غزة، رغم الدعم الأمريكي الضخم، إلى تراجع في هيبة واشنطن، التي تباهت أمام العالم بدعم الفائزين دوما.

والمفارقة أنه بينما تسعى واشنطن إلى لملمة الأمور والعودة إلى الوضع السابق، لا يزال قادة إسرائيل مصرون على تحقيق "النصر المطلق" بعيد المنال.

المصدر | باتريشيا كرم / المركز العربي واشنطن دي سي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: العلاقات الأمريكية الإسرائيلية غزة نفوذ أمريكا الحوثيين حماس البحر الاحمر الولایات المتحدة الشرق الأوسط فی المنطقة اقرأ أیضا فی غزة

إقرأ أيضاً:

هل يعتبر التضخم في الولايات المتحدة تحت السيطرة؟

توقع تقرير  لبنك قطر الوطني تباطؤ التضخم في الولايات المتحدة بشكل أكبر خلال العام المقبل، مدفوعاً بتطبيع استخدام الطاقة الإنتاجية، وتعديلات تكلفة الإسكان، واحتمال ضبط الأوضاع المالية العامة خلال ولاية ترامب الثانية مع تولي بيسنت منصب وزير الخزانة.

وقال التقرير تحت عنوان " هل يعتبر التضخم في الولايات المتحدة تحت السيطرة؟  بعد أن بلغ ذروته عند 5.6% سنوياً قبل أكثر من 30 شهراً في يونيو 2022، عاد التضخم في الولايات المتحدة تدريجياً ليقترب من نسبة 2% المستهدفة في الأشهر الأخيرة. وكان هذا إنجازاً كبيراً لبنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، ومبرراً لبداية دورة التيسير النقدي في شهر سبتمبر من العام الجاري، عندما تم إقرار تخفيضات أسعار الفائدة لأول مرة منذ بداية الجائحة في عام 2020.

وعلى الرغم من النجاح والتقدم في السيطرة على التضخم، فإن المخاوف بشأن أسعار المستهلك في الولايات المتحدة لا تزال تلقي بظلالها على أجندة المستثمرين. في الأسابيع الأخيرة، أدت بيانات التضخم الأعلى من المتوقع و"الاكتساح الجمهوري"، مع فوز ترامب بالانتخابات الرئاسية وهيمنة حزبه على الأغلبية في مجلسي الشيوخ والنواب، إلى مخاوف بشأن توقعات التضخم. والأهم من ذلك، أن المقياس الرئيسي لبنك الاحتياطي الفيدرالي، وهو التضخم الأساسي في نفقات الاستهلاك الشخصي، والذي يستثني الأسعار المتقلبة للطاقة والمواد الغذائية من المؤشر، لا يزال أعلى من النسبة المستهدفة. وهناك مخاوف من أن "الجزء الأخير" من عملية السيطرة على التضخم قد لا يكون سهلاً كما كان متوقعاً في السابق، وأن "النسخة الثانية من سياسة أمريكا أولاً" قد تؤدي إلى زيادة التضخم، بسبب التوسع المالي وارتفاع الرسوم الجمركية على السلع المستوردة.

وأوضح تقرير QNB أن احتمالية ارتفاع التضخم أدت بالفعل إلى تغيير كبير في التوقعات المرتبطة بحجم ووتيرة التيسير النقدي الذي سينفذه بنك الاحتياطي الفيدرالي في عام 2025. ففي غضون أسابيع قليلة، خفض مستثمرو أدوات الدخل الثابت توقعاتهم بشأن تخفيضات أسعار الفائدة من 150 نقطة أساس إلى 50 نقطة أساس فقط، مما يشير إلى أن سعر الفائدة الأساسي على الأموال الفيدرالية سيستقر في نهاية العام المقبل عند 4% بدلاً من 3%

 

ويرى التقرير أنه بغض النظر عن جميع المخاوف والصدمات المحتملة التي قد تؤثر على الأسعار الأمريكية، فإننا نعتقد أن التوقعات المرتبطة بالتضخم في الولايات المتحدة إيجابية، بمعنى أن التضخم سيعود تدريجياً إلى النسبة المستهدفة (2%) ما لم تحدث أي تطورات جيوسياسية كبيرة أو تصدعات في السياسة الأمريكية. 

ويوضح أن هناك ثلاثة عوامل رئيسية تدعم وجهة نظرهم وهي:

أولاً، شهد الاقتصاد الأميركي بالفعل تعديلات كبيرة في الأرباع الأخيرة، الأمر الذي ساهم في تخفيف حالة نقص العرض وارتفاع الطلب التي كانت تضغط على الأسعار. ويشير معدل استغلال الطاقة الإنتاجية في الولايات المتحدة، قياساً بحالة سوق العمل والركود الصناعي، إلى أن الاقتصاد الأميركي لم يعد محموماً. بعبارة أخرى، هناك عدد مناسب من العمالة لفرص العمل المتاحة، في حين أن النشاط الصناعي يسير دون اتجاهه الطويل الأجل. وتأقلمت سوق العمل بالكامل وهي الآن عند مستوى طبيعي، حيث بلغ معدل البطالة 4.1% في أكتوبر 2024، بعد أن كان قد بلغ أقصى درجات الضيق في أوائل عام 2023 عندما تراجع بكثير من مستوى التوازن إلى 3.4%. وتدعم هذه الظروف التخفيف التدريجي لضغوط الأسعار.

ثانياً، سيصبح انخفاض التضخم في أسعار الإسكان مساهماً رئيسياً في انخفاض التضخم الإجمالي في الأرباع القادمة. يمثل الإسكان ما يقرب من 15% من مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي، ويشمل الإيجار أو، إذا كانت الوحدة السكنية مملوكة للمالك، ما قد يكلفه استئجار وحدة مماثلة في سوق الإسكان الحالية. بلغ التضخم في الإسكان ذروته عند 8.2% في أبريل 2023، حيث تأخر كثيراً عن ذروة التضخم الإجمالي، مما يعكس "ثبات" الأسعار، نظراً لأن العقود تستند إلى الإيجار السنوي. لذلك، تتفاعل الأسعار بشكل أبطأ حيث عادة ما يظهر تأثير تغير الأوضاع الاقتصادية الكلية عليها بشكل متأخر. انخفض تضخم الإسكان بوتيرة ثابتة منذ منتصف عام 2023 وهو حالياً أقل من 5%. تُظهر مؤشرات السوق للإيجارات المتعاقد عليها حديثاً، والتي تتوقع الاتجاهات في الإحصائيات التقليدية، أن تضخم الإيجار أقل من مستويات ما قبل الجائحة. وهذا يشير إلى أن مكون الإسكان في الأسعار سيستمر في التباطؤ في عام 2025، مما يساعد في خفض التضخم الإجمالي.

ثالثاً، غالباً ما يتم المبالغة في المخاوف بشأن الطبيعة التضخمية للنسخة الثانية من سياسة الرئيس ترامب الاقتصادية "أميركا أولاً". ستبدأ إدارة ترامب الجديدة في ظل بيئة وطنية ودولية مختلفة تماماً عن ظروف الولاية السابقة في عام 2016، حيث سيكون نطاق التحفيز المالي الكبير مقيداً أكثر. لقد اتسع العجز المالي الأميركي بالفعل بشكل كبير من 3% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2016 إلى 6% في عام 2024، مع زيادة نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في نفس الفترة من أقل من 100% إلى ما يقرب من 125%. وأعرب وزير الخزانة القادم، سكوت بيسنت، الذي يعتبر "أحد الصقور" في القطاع المالي، بالفعل عن نيته "تطبيع" العجز إلى 3% بحلول نهاية الولاية. بعبارة أخرى، سيتم تشديد الأوضاع المالية أكثر بدلاً من تخفيفها، وهو ما من شأنه أن يساهم في إبطاء ضغوط الأسعار، على الرغم من أي تأثيرات ناجمة عن سياسات التعريفات الجمركية والهجرة التي لم يتم إضفاء الطابع الرسمي عليها بالكامل بعد. 

مقالات مشابهة

  • تقرير أمريكي: الحوثيون عدو إسرائيل في اليمن من الصعب على واشنطن ردعهم (ترجمة خاصة)
  • الخارجية الأمريكية: الولايات المتحدة تقدر دور مصر الكبير في المنطقة
  • يبدأ 11 مساء.. ضباب خفيف إلى متوسط على أجزاء من المنطقة الشرقية
  • رئيس الوزراء العراقي: يجب منع اتساع الصراع بالمنطقة
  • هل يعتبر التضخم في الولايات المتحدة تحت السيطرة؟
  • صفقات أمريكية لمصر بـ2024 تثير التساؤلات.. رقم كبير لمنظومة صواريخ وأسلحة فتاكة
  • منخفض جوي يبدأ الثلاثاء مع أمطار غزيرة على المنطقة الشرقية
  • واشنطن تعلن عن سقوط مقاتلة أمريكية فوق البحر الأحمر
  • QNB: التضخم في الولايات المتحدة الأميركية يتباطأ في عام 2025
  • باكستان تعلق على مخاوف أمريكية من برنامجها الصاروخي