مع تطور العالم المالي، يفكر أحد المستثمرين المتمرسين في مهنة امتدت لأكثر من 5 عقود، مستخرجًا دروسًا دائمة من رحلة ديناميكية تميزت بالابتكار والتحولات التنظيمية والطفرات الاقتصادية والأزمات. وبالاستناد إلى تجاربه ورؤاه الشخصية، يلقي الصحفي المالي البريطاني جون بلندر -في مقال نشرته صحيفة فايننشال تايمز- الضوء على المبادئ الأساسية التي صمدت أمام اختبار الزمن.
يبدأ السرد أواخر الستينيات، وهو وقت الوفرة المالية الذي تجسد في أسهم النمو "Nifty Fifty" في بورصة نيويورك. ويروي بلندر درسًا محوريًا تعلمه خلال مراجعة صندوق معاشات التقاعد الإمبراطوري للتبغ، بقيادة الخبير الشهير جورج روس جوبي.
وتحدى روس جوبي الحكمة التقليدية من خلال تحويل استثمارات الصندوق من الأوراق المالية الآمنة المفترضة إلى الأسهم، وتعزيز التنويع داخل فئة الأصول هذه. وكانت النتيجة إنشاء محفظة قوية، وأصبحت أهمية التنويع واضحة، ولو بطريقة مختلفة عن الأساليب التقليدية.
وعلق بلندر وقتها "كان هذا درساً عملياً في آلية عمل التنويع، ولو أنه لم يكن على النحو الذي تصوره خبراء الاقتصاد مثل هاري ماركويتز".
الدرس الثاني: مخاطر توقيت السوقجلبت السبعينيات اضطرابات، مدفوعة بإلغاء القيود التنظيمية والتحولات الاقتصادية. وكان من بين الأحداث البارزة القرار الذي اتخذه الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون بالتخلي عن قابلية تحويل الدولار إلى ذهب عام 1971. وقد أبرزت تقلبات السوق التي تلت ذلك عدم القدرة على التنبؤ بأسعار الأصول العالمية. ويؤكد السرد عدم جدوى محاولة تحديد توقيت السوق، بالاعتماد على الأحداث التاريخية حيث ناضل المستثمرون من أجل العودة للسوق بعد الانكماش.
الدرس الثالث: إشارات عرض النقود والحقائق التضخميةيشير بلندر إلى طفرة "دوت كوم" التي شهدتها أواخر التسعينيات مسلطا الضوء على التحدي المتأصل الذي يفرضه إيمان خبراء الاقتصاد الراسخ بكفاءة السوق. ويتعمق السرد في العامل النفسي المتمثل في الخوف من تفويت الفرصة (FOMO) الذي يدفع فقاعات السوق، إلى جانب الاستجابات اللاحقة من البنوك المركزية. وقد لوحظت هذه الظاهرة في الأزمة المالية 2007-2009، مما يؤكد الأهمية الحاسمة للاستجابة لإشارات المعروض النقدي والاعتراف بالقيود المفروضة على السندات الحكومية كوسيلة للتحوط خلال فترات التضخم.
الدرس الرابع: وهم الاستثمارات الآمنةوبالتأمل في فترة ما بعد الانهيار بالعقد الأول من القرن الـ21، يشير بلندر إلى العودة إلى نمط يذكرنا بفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، حيث انجذبت صناديق التقاعد، تحت ضغط الجهات التنظيمية، نحو السندات الحكومية بحثاً عن الأمان. ومع ذلك، فإن السرد يتحدى فكرة السلامة في الاستثمارات محذرا من صنع مخاطر نظامية من خلال إستراتيجيات موحدة.
وفي هذا السياق، يقول بلندر "إن محاولات الهيئات التنظيمية لجعل صناديق التقاعد الفردية خالية من المخاطر تجعل هيكل السوق الإجمالي أكثر خطورة".
الدرس الخامس: التنقل فيما لا يمكن التنبؤ بهوفي الختام، يفكر بلندر في الارتفاع المستمر للديون، معترفًا بحتمية حساب الديون بشكل كبير. وفي حين أن الذهب قد لا يوفر التأمين ضد انخفاض الأسعار، فإن السندات الحكومية يُنظر إليها على أنها وسيلة تحوط أكثر موثوقية. ويعكس الاستنتاج الطبيعة الدورية للأسواق المالية وحاجة المستثمرين إلى التكيف مع الطبيعة المتطورة.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
هكذا تفاعل مصريون مع تصريحات مستثمر إماراتي لتحويل وسط البلد إلى “داون تاون دبي”
ضجة كبيرة أثارتها تصريحات رجل الأعمال الإماراتي محمد العبار، حول تطوير منطقة وسط البلد المصرية (في قلب العاصمة القاهرة) وتحويلها إلى ما يشبه “الداون تاون” في إمارة دبي، مما أثار تفاعلا كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي ودفع الحكومة المصرية للرد على تصريحات العبار.
ورد رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، على تصريحات العبار، وقال إن الأنباء عن تقدم مستثمرين أجانب بعرض لتطوير منطقة وسط البلد وإنشاء محال ومولات في المنطقة، كان “جزء من الموضوعات التي تمت مناقشتها مع اللجنة الخاصة بتصدير العقار.”
وأضاف مدبولي أن هناك بالفعل “تكليف” لمكتب استشاري ليضع الرؤية الكاملة لتطوير منطقة وسط البلد وطرح المنشآت الموجودة فيها، داخل المنطقة التي تملكها الدولة وأخلت المباني الحكومية بعد الانتقال إلى العاصمة الإدارية الجديدة.”
وتحدث العبار، مؤسس إحدى الشركات العقارية في حوار مع قناة العربية بزنزس في 16 فبراير/شباط 2025، عن اهتمامه بالاستثمار في مصر و إعادة هيكلة المباني الحكومية الشاغرة بالمنطقة، وقال إن شركته تسعى إلى المساهمة في تطوير منطقة وسط البلد، في قلب العاصمة المصرية القاهرة، بالشراكة مع الحكومة المصرية.
لكن رئيس الوزراء المصري شدد على أن الصندوق السيادي لمصر هو الذي أصبح “يملك هذه العقارات والأصول اليوم، وهناك العديد من الكيانات الاستثمارية سواء المحلية أو الدولية أبدت اهتماما شديدا لتشارك الدولة في تنمية هذه المنطقة.”
وكشف رجل الأعمال الإماراتي العبار، في تصريحاته السابقة عن وجود مفاوضات جارية بالفعل مع الحكومة المصرية، لكن الحكومة لم تستلم بعد المباني من الوزارات التي أخلتها، وقال: “عند حدوث ذلك سيتم طرح عطاءات للشركات العقارية المحلية والعالمية، وستكون من أوائل المتقدمين.”
وأضاف أن المشروع يمكن أن يحاكي نجاح “داون تاون دبي”، الذي يستقطب 120 مليون زائر سنويا، على أن يمتد المشروع على مساحة 40 إلى 50 فدانا، مع تخطيط حديث للشوارع والمطاعم والفنادق” على حد تعبيره.
سلطت التصريحات الأخيرة لرجل الأعمال الإماراتي الضوء مجددا على مشروع حكومي مصري لتطوير منطقة وسط البلد، وكيفية الاستفادة من المباني الخالية وغالبيتها لها طابع تاريخي بعد انتقال الوزارات والمصالح الحكومية إلى العاصمة الإدارية الجديدة.
وأعلن صندوق مصر السيادي في 2020 عن خطة تطوير منطقة وسط البلد كجزء من خطة أكبر لتطوير القاهرة الخديوية، لتصبح مقصدا للسياحة والأعمال والنشاط الثقافي والحضارى، من خلال ﺗﺨﻄﻴﻂ ﺣﺪﻳﺚ ﻟﻠﺸﻮﺍﺭﻉ ﻭﺍﻟﻤﻄﺎﻋﻢ ﻭﺍﻟﻔﻨﺎﺩﻕ، ﻭﺇﻋﺎﺩﺓ ﺗﻮﻇﻴﻒ ﺍﻟﻤﺒﺎﻧﻲ ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﻴﺔ ﺍﻟﻘﺪﻳﻤﺔ، ﻭﺇﺿﺎﻓﺔ ﻣﺴﺎﺣﺎﺕ ﻣﻔﺘﻮﺣﺔ ﻭﺧﻀﺮﺍﺀ.
وفي يناير/ كانون الثاني 2025، ناقشت الحكومة المصرية عددا من المقترحات والأطروحات، لإعداد رؤية متكاملة، تتضمن تكليف “كيان” مختص لإدارة وتشغيل القاهرة الخديوية والاستغلال الأمثل لها بعد إعادة إحيائها.
وتتضمن الخطط ﺇﺿﺎﻓﺔ ﻣﺴﺎﺣﺎﺕ ﻣﻔﺘﻮﺣﺔ ﻭﺧﻀﺮﺍﺀ ﺑﺄﻛﺜﺮ ﻣﻦ 15 ﺃﻟﻒ متر مربع، ﻭﺗﺪﻋﻴﻢ ﺑﻨﺤﻮ 2600 ﻏﺮﻓﺔ ﻓﻨﺪﻗﻴﺔ ﺟﺪﻳﺪﺓ .
ﻣﺎ ﻫﻮ ﺩﻭﺭ ﺍﻟﺼﻨﺪﻭﻕ ﺍﻟﺴﻴﺎﺩﻱ ﻓﻲ ﺗﻄﻮﻳﺮ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﻭﺳﻂ ﺍﻟﺒﻠﺪ؟
ﺍﻟﺼﻨﺪﻭﻕ ﺍﻟﺴﻴﺎﺩﻱ ﺍﻟﻤﺼﺮﻱ ﻳﻠﻌﺐ ﺩﻭﺭﺍ ﻣﺤﻮﺭﻳﺎ ﻓﻲ ﺗﻄﻮﻳﺮ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﻭﺳﻂ ﺍﻟﺒﻠﺪ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺇﻋﺎﺩﺓ ﺍﺳﺘﻐﻼﻝ ﺍﻷﺻﻮﻝ ﺍﻟﻌﻘﺎﺭﻳﺔ ﻭﺗﻌﻈﻴﻢ ﺍﻻﺳﺘﻔﺎﺩﺓ ﻣﻨﻬﺎ. ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺪﻭﺭ ﻳﺘﻀﺢ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﻋﺪﺓ ﻣﺒﺎﺩﺭﺍﺕ ﻭﺍﺳﺘﺜﻤﺎﺭﺍﺕ ﺗﻬﺪﻑ ﺇﻟﻰ ﺗﺤﻮﻳﻞ ﺍﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﺇﻟﻰ ﻭﺟﻬﺔ ﺟﺬﺍﺑﺔ ﻟﻠﺴﺎﺋﺤﻴﻦ ﻭﺍﻟﻤﺴﺘﺜﻤﺮﻳﻦ.
وأعرب بعض المستخدمين عن مخاوفهم من طريقة تنفيذ أفكار العبار وخطرها على المباني التاريخية والمصنفة أثرية لتحل محلها كتل خرسانية.
وقالت إحدى المستخدمات على منصة إكس، “يريدون تطوير وسط البلد ويحولوها لخرسانات رمادية زجاجية كلها شبه بعض تجيب ضيق تنفس وأمراض مزمنة ..”
وقال مستخدم أخر، “العبار يريد تحويل وسط البلد، أكثر مدن العالم رقي، إلى داون تاون دبي، وهي عبارة عن أبراج زجاج وإضاءة…”
وأبدت مستخدمة رفضها لهذا المشروع لأنه لا يحتاج إلى تطوير لأنه بمثابة عمل فني متكامل.
وكتبت على منصة إكس: “هذا المكان لا يحتاج إلى فنان، هو أصلا قطعه فنية…”
في المقابل هناك من أيد الفكرة وأكد على أنها ستساعد في الحفاظ على المنطقة ورونقها، وأنها تنفي الاتهامات السابقة بأن الحكومة المصرية سوف تبيع منطقة وسط البلد والمباني الحكومية التاريخية بعد الانتقال للعاصمة الإدارية.
ونشرت إحدى المستخدمات كوميكس ساخر، من الانتقادات السابقة بأن إنشاء العاصمة الإدارية الجديدة سيؤدي إلى تدمير وبيع العاصمة القديمة، وأن هناك من ينتقد من أجل النقد، وبعد الإعلان عن خطة التطوير يتم انتقادها ورفضها بحجة الخوف على المباني التاريخية من التدمير.
بينما تساءل مستخدمون آخرون عن سبب رفض فكرة المشروع، على اعتبار أن العديد من دول العالم تسعى لهذا النوع من الاستثمارات.
بي بي سي عربي
إنضم لقناة النيلين على واتساب