العثور على 25 ألفًا من المواد الأثرية تعود أقدمها إلى عصر الخلفاء الراشدين
تاريخ النشر: 4th, February 2024 GMT
الرياض
أعلن برنامج جدة التاريخية بالتعاون مع هيئة التراث اليوم، عن اكتشاف ما يقارب 25 ألف بقايا من مواد أثرية يعود أقدمها إلى القرن الأول والثاني الهجري (من القرن السابع والثامن الميلادي) في 4 مواقع تاريخية، شملت مسجد عثمان بن عفان -رضي الله عنه-، والشونة الأثري، وأجزاء من الخندق الشرقي، والسور الشمالي، وذلك ضمن مشروع الآثار الذي يشرف عليه برنامج جدة التاريخية.
ويأتي الإعلان عن المكتشفات الأثرية في ظل سعي مشروع إعادة إحياء جدة التاريخية الذي أطلقه صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء -حفظه الله- للمحافظة على الآثار الوطنية، وإبراز المواقع ذات الدلالات التاريخية والعناية بها، وتعزيز مكانة جدة التاريخية كمركز حضاري، وتحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030 في العناية بالمواقع الأثرية.
وأسفرت أعمال المسح والتنقيب الأثري التي بدأت في شهر ربيع الأول 1442هـ، الموافق نوفمبر 2020م، عن اكتشاف 11,405 مواد خزفية يبلغ مجموع أوزانها 293 كلجم، كما عُثر على 11,360 مادة من عظام الحيوانات يبلغ مجموع أوزانها 107 كلجم، إضافة إلى 1,730 مادة صدفية بوزن 32 كلجم.
ويأتي ذلك إلى جانب 685 من مواد البناء يبلغ مجموع أوزانها 87 كلجم، و191 مادة زجاجية بلغ مجموع أوزانها 5 كلجم، فيما وصل عدد المواد المعدنية إلى 72 قطعة بوزن 7 كلجم حيث بلغ إجمالي ما تم العثور عليه 531 كلجم، لتشكل قيمة مهمة للمكتشفات الأثرية الوطنية.
كما كشفت الدراسات في مسجد عثمان بن عفان -رضي الله عنه- عن المواد الأثرية، والتي يُرجح أن يعود أقدمها إلى القرن الأول والثاني الهجري (القرن السابع والثامن الميلادي)، بداية من العصر الإسلامي المبكر، مرورًا إلى العصر الأموي ثم العباسي والمملوكي وحتى العصر الحديث في مطلع القرن الخامس عشر الهجري (القرن الواحد والعشرين الميلادي).
وحددت الدراسات الأثرية التي أجريت على قطع خشب الأبنوس التي عُثر عليها معلقة على جانبي المحراب أثناء أعمال التنقيب والبحث الأثري في المسجد، أنها تعود إلى القرن الأول والثاني الهجري (السابع والثامن الميلادي)، ويرجع موطنها إلى جزيرة سيلان على المحيط الهندي، مما يسلط الضوء على الروابط التجارية الممتدة لمدينة جدة التاريخية.
وتضمنت المواد المكتشفة في المسجد مجموعة متنوعة من الأواني الخزفية، وقطع من البورسلين عالي الجودة التي نشأ بعضها في أفران مقاطعة «جيانغ شي» الصينية ما بين القرن العاشر والثالث عشر الهجري تقريبًا (القرن السادس عشر والتاسع عشر الميلادي)، إضافة إلى أوعية فخارية تعود بحسب آخر ما وجدته الدراسات إلى العصر العباسي.
وفي موقع الشونة الأثري، تحدد التسلسل التاريخي للبقايا المعمارية إلى القرن الثالث عشرة الهجري على الأقل (قرابة القرن التاسع عشر الميلادي)، مع وجود دلائل من بقايا أثرية ترجع تاريخيًا إلى القرن العاشر الهجري تقريبا (القرن السادس عشر الهجري الميلادي)، كما عُثر على أجزاء من المواد الفخارية، والتي تتكون من البورسلين وخزفيات أخرى من أوروبا واليابان والصين، والتي من المرجح أن يعود تاريخها إلى القرن الثالث عشر والرابع عشر الهجري (التاسع عشر والعشرين الميلادي).
وفي أعمال التنقيب بموقع الكدوة (باب مكة) كشفت عن ظهور أجزاء من الخندق الشرقي الذي من المرجح أن يعود إلى أواخر القرن الثاني عشر الهجري (أواخر القرن الثامن عشر ميلادي).
كما عُثر على عددٍ من شواهد القبور من الأحجار المنقبية والجرانيت والرخام التي حُفر عليها بعض الكتابات وجدت في مقابر جدة التاريخية، ويرجح المختصون أن البعض منها يعود إلى القرن الثاني والثالث الهجري (القرن الثامن والتاسع الميلادي)، متضمنة أسماء أشخاص ٍ وتعازٍ وآيات قرآنية، ولا تزال تخضع للدراسات والأبحاث لتحديد تصنيفها بشكل أدق من قبل المختصين.
وتضمنت الدراسات الأثرية للمواقع التاريخية الأربعة التنقيبات الأثرية، وتحاليل عينات الكربون المشع، وتحاليل التربة والدراسات الجيوفيزيائية والعلمية للمواد المكتشفة، إضافةً إلى نقل أكثر من 250 عينة خشبية من 52 مبنياً أثرياً لدراسته في مختبرات عالمية متخصصة للتعرف عليها وتحديد عمرها الزمني وغيرها من أبحاث الأرشيفات الدولية التي نتج عنها جمع أكثر من 984 وثيقة تاريخية عن جدة التاريخية، بما في ذلك الخرائط والرسومات التاريخية لسور جدة التاريخي والشونة والمواقع الأثرية الأخرى في جدة التاريخية، والتي اطلع عليها ودُرست علميًا.
وأشرف برنامج جدة التاريخية بالتعاون مع هيئة التراث على عمليات التوثيق، وآليات تسجيل وحفظ المواد الأثرية المكتشفة في جدة التاريخية، وإدراجها في السجل الوطني للآثار، وإدراجها ضمن قواعد بيانات علمية لحمايتها والمحافظة عليها، وأرشفة الوثائق والصور للمواد الأثرية المكتشفة، وذلك عبر مجموعة من الكوادر الوطنية المتخصصة في حفظ وتسجيل المواقع الأثرية.
ويذكر أن أعمال مشروع الآثار في منطقة جدة التاريخية انطلقت في شهر جمادى الأولى 1441 هـ الموافق يناير 2020م، حيث استهل المشروع أعماله بإعداد الدراسات الاستكشافية، وإجراء مسح جيوفيزيائي للكشف عن المعالم المغمورة في باطن الأرض، في أربعة مواقع تاريخية تضم؛ مسجد عثمان بن عفان -رضي الله عنه،- وموقع الشونة، وأجزاء من السور الشمالي، ومنطقة الكدوة.
المصدر: صحيفة صدى
كلمات دلالية: برنامج جدة التاريخية عصر الخلفاء الراشدين جدة التاریخیة ا إلى القرن عشر الهجری
إقرأ أيضاً:
عاصمة الثقافة الأوروبية 2025.. مدينة واحدة عبر دولتين فرّقتهما الانقسامات التاريخية
للمرة الأولى في تاريخها، ستكون صفة "عاصمة الثقافة الأوروبية" هذا العام عابرة للحدود، حيث ستجمع بين مدينتي نوفا غوريتسا في سلوفينيا وغوريزيا في إيطاليا، وهما مدينتان كانتا في الماضي مدينة واحدة قبل أن تقسمهما معاهدة باريس عام 1948.
تتذكر المخرجة الوثائقية أنيا ميدفيد كيف كانت جدتها تعاني ألم الانفصال عن عائلتها بعدما قسّمت المعاهدة مسقط رأسها غوريزيا بين إيطاليا ويوغوسلافيا عقب الحرب العالمية الثانية. لكن مع مرور الزمن، تغير المشهد، فقد اختفت الأسلاك الشائكة التي مزّقت المدينة، وانضمت سلوفينيا إلى الاتحاد الأوروبي عام 2004، ثم إلى فضاء شنغن، مما ساهم في إزالة الحدود بين المدينتين.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2كرنفال البندقية.. تقليد ساحر يجمع بين التاريخ والفن والغموضlist 2 of 2ماركيز صحفيا في أوروبا الاشتراكية.. الأيديولوجيا والحياة اليومية للإنسانend of listلم يكن هذا التقسيم مجرد خط سياسي، بل غيّر ملامح الحياة في المنطقة، إذ قررت السلطات اليوغوسلافية عام 1948 بناء مدينة جديدة شرقي غوريزيا ترمز إلى قوة الشيوعية، فاصلة بذلك بين السكان الذين وجدوا أنفسهم في واقع مختلف على جانبي الحدود، حيث فصل بينهم خط للسكك الحديدية وحقول وحدائق وساحات مقسّمة.
قضت ميدفيد حياتها في استكشاف هذا الإرث الحدودي، واصفة إياه بـ"كنز من المعلومات والجروح التي خلّفتها فظائع التاريخ والندوب الدائمة". واليوم، وهي في 56 من العمر، تحتفظ بذكريات مختلفة تمامًا عن تجربة جدتها القاسية. فمع تخفيف القيود الحدودية في الستينيات، حصل السكان على تصاريح مرور، مما سمح لهم بالتنقل بحرية كبرى، وفتحت أمامها أبواب عالم مختلف على الجانب الإيطالي.
إعلانتقول ميدفيد، التي كانت في صغرها تهوى ركوب دراجتها نحو إيطاليا، إن مجرد عبور الحدود كان يمنحها شعورًا بالحرية، رغم أن المشهد لم يكن يبعد سوى بضعة كيلومترات. وتضيف "كان كل شيء مختلفًا، من الرائحة إلى الألوان والحافلات".
وترى أن المشروع الثقافي هذا العام يحمل دروسًا قيّمة لأوروبا، مؤكدة أن أهم ما يمكن استخلاصه من التجارب والشهادات التي جُمعت عبر العقود هو أن "الحروب لا تقدّم حلولا".
تحت شعار "بلا حدود"، تنطلق السبت فعاليات عاصمة الثقافة الأوروبية، والتي تضم أكثر من 400 حدث ثقافي تهدف من خلالها إلى استعادة الماضي المؤلم، وأيضًا إلى إزالة الحواجز الذهنية، وفق ما تؤكد مديرة الحدث ميا لوربيك.
تشكل المدينتان وجهين مختلفين لتاريخ واحد: غوريزيا بتاريخها الذي يمتد لأكثر من ألف عام، تحتضن مزيجًا من الأساليب المعمارية الأوروبية الوسطى بشوارعها المرصوفة بالحصى ومبانيها الملونة. أما نوفا غوريتسا، التي تأسست قبل ثمانية عقود، فتتميز بطابعها الاشتراكي الحداثي حيث الشوارع الواسعة والحدائق والجامعات.
لكن المصائر تبدّلت مع الزمن، إذ باتت نوفا غوريتسا، التي يقطنها 13 ألف نسمة، وجهة محببة ونابضة بالحياة، في حين شهدت غوريزيا تراجعًا سكانيا وانخفاضًا في النشاط الاقتصادي، حيث تقلص عدد سكانها إلى النصف خلال الثلاثين عاما الماضية ليصل اليوم إلى 32 ألف نسمة.
يرى أندريا بيلافيته، الناشر الإيطالي ومؤلف دليل سياحي عن المدينتين، أن العلاقة بينهما تشبه "أختين متعارضتين تمامًا، لكن من خلال التقارب يمكنهما أن تصبحا نموذجا يُحتذى به في أوروبا". ويشير إلى أن العداء الذي ساد في الماضي تلاشى وحلّت محله أشكال متعددة من التعاون، وربما سنشهد قريبًا "اختفاء الجدار" الذي لا يزال يفصل بينهما في أذهان الناس.
في هذه المنطقة الغنية بالتاريخ، تقدم فعاليات عاصمة الثقافة الأوروبية فرصة فريدة للكشف عن كنوز ثقافية غير معروفة مثل قبر الملك شارل العاشر، آخر حكام فرنسا من سلالة بوربون.
بعد تنازله عن العرش، لجأ الملك إلى النمسا والمجر، متنقلًا بين براغ وهذه المدينة الصغيرة ذات المناخ المعتدل، التي كانت تُعرف آنذاك باسم "نيس هابسبورغ"، حيث توفي عام 1836 بسبب المرض.
في تقسيم 1947، ورثت إيطاليا قلعة غوريزيا التي تعود إلى العصور الوسطى، بينما أصبحت سلوفينيا موطن دير الفرنسيسكان في كوستانييفيكا، الواقع على تل يطل على نوفا غوريتسا، حيث يرقد الملك وخمسة من أفراد عائلته في مثواهم الأخير.
إعلانبابتسامة فخر، تشير أمينة مكتبة الدير ميريام بريسيلي إلى المكان الذي كان بإمكان شارل العاشر رؤيته وهو على فراش موته عبر النافذة، قائلة "نحن السلوفينيين ليس لدينا ملك خاص بنا، لذا فإن شارل العاشر هو الملك الوحيد المدفون على أرضنا".
أما المخرجة الوثائقية أنيا ميدفيد فترى في هذا الحدث "مفارقة حدودية"، وتتساءل مازحة "من كان ليتصور أن ملكا فرنسيًّا سيُدفن في نوفا غوريتسا، المدينة الاشتراكية؟"، مؤكدة أن "التاريخ لا يمكن أن يُقرأ من خلال القوالب النمطية".