نشرت صحيفة "بوليتيكس توداي" الأمريكية تقريرا، قالت فيه إن العلاقات بين روسيا والمملكة العربية السعودية والإمارات تتسم بالبراغماتية والتركيز على المصالح الاستراتيجية، وهي علاقة مهمة في السياق الإقليمي والدولي الحالي.

وقالت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن علاقة روسيا مع الرياض وأبوظبي علاقة متعددة الأوجه، وتتسم بأهمية استراتيجية متزايدة، وهو ما تؤكده الزيارة الأخيرة للرئيس فلاديمير بوتين، والحوارات حول مواضيع مثل حرب أوكرانيا والهجوم الإسرائيلي على غزة وتحالف الدول النفطية أوبك بلس.



وتشير الصحيفة إلى أن زيارة بوتين للإمارات والسعودية في 6 كانون الأول/ ديسمبر الماضي كانت واحدة من الرحلات النادرة للرئيس الروسي، منذ أمر القبض الذي أصدرته ضده المحكمة الجنائية الدولية، حيث أنه اضطر على سبيل المثال لإلغاء حضوره في آخر قمة لدول البريكس في جنوب أفريقيا، وقمة الدول العشرين في الهند.

ومع اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا، اتخذت الدول الخليجية وخاصة الرياض وأبوظبي موقفا محايدا. وقد رفضت هذه الدول المشاركة في العقوبات المفروضة من الدول الغربية على روسيا.

إذ أن هذه البلدان الخليجية تواجه أصلا بعض التعقيدات في علاقتها مع الولايات المتحدة، بسبب التغييرات التي طرأت على خطابها وتوجهها نحو سياسة الانسحاب من الشرق الأوسط. كما دخلت هذه العلاقة في أزمة ثقة، مع سيطرة طالبان على أفغانستان.

إضافة إلى ذلك فإن واشنطن تواجه بعض الخلافات مع السعودية على مواضيع من بينها سياسات محمد بن سلمان وسياسات إنتاج النفط، كما تواجه بعض الخلافات مع الإمارات حول موضوع العلاقة بين هذه الأخيرة وبشار الأسد.

وترى الصحيفة أن هذه الدول الخليجية التي كثفت من بحثها عن شراكات جديدة إقليمية ودولية، رفضت الانضمام للعقوبات الغربية ضد روسيا، وسعت لتطبيع علاقتها مع إسرائيل وإيران وتركيا منذ العام 2020، وإن كان ذلك بمقاربات مختلفة. ويمكن اعتبار أن موقف هذه البلدان من الحرب الروسية الأوكرانية، مرده التوجه العام نحو عالم متعدد الأقطاب.

وترى الرياض وأبوظبي روسيا قوة بديلة في هذا العالم متعدد الأقطاب، ولاعبا محوريا في سياسات الطاقة والمخاوف والتحديات الأمنية.

إذ أن تراجع الطلب العالمي على النفط والغاز الطبيعي منذ العام 2019، في سياق انتشار وباء كورونا والانتقال نحو الطاقات النظيفة، جعل من روسيا وبلدان الخليج تشتغل جنبا إلى جنب لإيجاد حلول مشتركة.

وإلى جانب هذا التعاون في المجال الطاقي، اتجه الأثرياء الروس نحو حماية مواردهم المالية بالاستعانة بهاتين الدولتين، من خلال إيداعها في الإمارات هربا من العقوبات الغربية. وبحسب بيانات العام 2020، فإن المواطنين الروس جاؤوا في المرتبة الأولى في شراء المنازل في دبي، متقدمين على البريطانيين والهنود.


الشراكة الاستراتيجية في مجالي الأمن والدفاع:

بحسب الصحيفة تعود العلاقة بين هذه البلدان إلى وقت طويل، عندما بدأت تظهر معالم نظام عالمي متعدد الأقطاب. ويجدر التذكير هنا بأن السعودية والإمارات كانتا تسعيان لتطوير تعاون عسكري دفاعي وأمني مع روسيا منذ العام 2010. حيث اشترت الرياض نظام الدفاع الجوي أس 400، وصواريخ كورنيت-إي ام الموجهة والمضادة للدبابات، إلى جانب معدات عسكرية أخرى.

كما وقع البلدان اتفاق تعاون عسكري في أغسطس/ آب 2021، وهي خطوة اعتبرت في ذلك الوقت علامة على أن السعودية تتجه نحو بناء علاقات مع لاعبين دوليين مؤثرين في العالم لتحقيق استقلالية نسبية عبر هذه الشراكات، عوض الاعتماد الكلي على الولايات المتحدة.

أما الإمارات من جهتها فلطالما كانت منخرطة في الشراكة العسكرية والدفاعية والأمنية مع روسيا، لدرجة أن هذه الأخيرة دخلت في مفاوضات مع أبوظبي والهند على مشروع إنتاج مشترك للجيل الخامس من الطائرات المقاتلة سو-57.

ولسنوات طويلة كانت الشركات الروسية تعرض منتجاتها الجديدة في المعارض الدولية في أبوظبي. هذا النوع من المنصات كان يستخدم للتفاوض على عقود تزويد بالمعدات العسكرية. ويمكن اعتبار هذا التعاون خيارا إماراتيا لتنويع شراكاتها الأمنية والدفاعية، وليس نابعا من حاجة ملموسة.


العلاقات الحالية بين الدول الثلاث
تقول الصحيفة إن زيارة بوتين إلى أبوظبي والرياض يمكن تلخيصها في ثلاث نقاط أساسية: الأولى هي أن روسيا لاعب استراتيجي في هندسة الأمن في الخليج، منذ تطبيع العلاقات بين السعودية وإيران. وليس أدل على ذلك من الترحيب الحار الذي لقيه بوتين في أبوظبي، ثم الصور الحميمية التي ظهرت خلال لقائه بمحمد بن سلمان، وهي إذا قارناها مع الصور التي ظهرت خلال زيارة جو بايدن إلى جدة مؤخرا، تكشف عن الحظوة التي تلقاها روسيا في الخليج.

أما النقطة الثانية فهي أنه خلال زيارته للإمارات ولقائه مع الرئيس محمد بن زايد آل نهيان، قال بوتين إن العلاقات الروسية الإماراتية وصلت إلى مستويات غير مسبوقة، وأصبحت أبوظبي أكبر شريك تجاري في المنطقة. حيث أن حجم المبادلات التجارية بين البلدين ارتفع بنسبة 68 بالمائة في 2022، لتصل قيمتها الجملية إلى قرابة 9 مليار دولار.

أما النقطة الثالثة المهمة، فهي أن زيارات بوتين للمنطقة تعتبر بالنسبة له مهمة لكسر العزلة الدولية التي يواجهها.

وبعد زيارة بوتين السابقة للإمارات في 2019، زار محمد بن زايد مدينة سانت بيترسبورغ لمتابعة تطورات الحرب الروسية الأوكرانية. وأدى زيارة رسمية أخرى لروسيا في تموز/ يوليو 2023، لحضور المنتدى الاقتصادي في سانت بيترسبورغ. وقد أكد بوتين على أن روسيا والإمارات لديهما شراكة استراتيجية في إطار تحالف أوبك بلس، إلى جانب الشراكة السياسية والأمنية والمبادلات التجارية.

وترى الصحيفة أن العلاقات الروسية مع السعودية والإمارات، كما أظهرت ذلك زيارة بوتين الأخيرة إلى الخليج، تكشف عن تحالف استراتيجي متزايد ومتعدد الأوجه. إذ أن هذه الدول الخليجية بالتوازي مع حفاظها على تحالفها الاستراتيجي مع الدول الغربية، تتجه شيئا فشيئا نحو سياسة خارجية أكثر توازنا، خاصة في الملفات الجيوسياسية الهامة، وفي مجال التعاون الاقتصادي.

وترمز زيارات بوتين لهذه المنطقة إلى تغيير هادئ في الدبلوماسية الخليجية، في سياق عالم متعدد الأقطاب، يمكن فيه لقوى إقليمية مثل الرياض وأبوظبي تنويع تحالفاتها الدولية.

أما علاقات روسيا تجاه دول الخليج، وبشكل خاص السعودية والإمارات، فإنها تتسم بالبراغماتية والتركيز على المصالح الاستراتيجية. حيث أنها في البداية كانت تركز على التعاون في مجال الطاقة والحفاظ على استقرار أسواق النفط عبر تحالف أوبك بلس، ولكنها تطورت لاحقا لتتضمن ملفات أخرى أوسع مثل الأمن والتعاون العسكري والتنسيق الجيوسياسي.

في المقابل فإن مقاربة هذه الدول الخليجية في التعامل مع روسيا تعكس سعيها للتموقع في محيط عالمي معقد، وذلك من خلال الحفاظ على التوازن في علاقاتها الخارجية، بين حلفائها الغرب التقليديين والقوى الصاعدة مثل روسيا والصين. هذه الحسابات تكشف عن تغييرات في المشهد الدولي بشكل خاص، وعن رغبة هذه الدول الخليجية في مزيد من الاستقلالية في اتخاذ قراراتها الخارجية.

للاطلاع إلى النص الأصلي (هنا)

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية روسيا السعودية بوتين محمد بن سلمان الإمارات السعودية روسيا الإمارات بوتين محمد بن سلمان صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة السعودیة والإمارات هذه الدول الخلیجیة الریاض وأبوظبی متعدد الأقطاب زیارة بوتین مع روسیا أن هذه

إقرأ أيضاً:

بوتين وأردوغان يبحثان تعزيز التعاون الاقتصادي بين روسيا وتركيا

روسيا – بحث الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان تعزيز التعاون الثنائي بين البلدين في مختلف المجالات، ولاسيما في المشاريع الاستراتيجية وقطاع الطاقة.

وذكر الكرملين، في بيان اليوم الجمعة: “تم خلال المحادثة بحث القضايا الراهنة المتعلقة بتعزيز التعاون المتبادل المنفعة بين روسيا وتركيا في مختلف المجالات، بما في ذلك تطوير المشاريع الاستراتيجية في مجال الطاقة. وأعرب الجانبان عن ارتياحهما للتطور الإيجابي في العلاقات الثنائية والنمو الملحوظ في التبادل التجاري بين البلدين”.

ويعد قطاع الطاقة أحد أهم أوجه التعاون بين تركيا وروسيا. وتتعدد أشكال هذا التعاون، ما بين محطة “أكويو” للطاقة النووية إلى خطوط أنابيب تصدير الغاز الروسي عبر البحر الأسود إلى تركيا “السيل التركي” و”السيل الأزرق”.

وتعد محطة “أكويو” أول محطة طاقة نووية تبنى في تركيا، وتنفذ المشروع شركة “روساتوم” الروسية ويشمل المشروع أربع وحدات طاقة مزودة بمفاعلات VVER من الجيل الثالث+، من تصميم روسي، وتبلغ قدرة كل وحدة 1200 ميغاواط.

المصدر: RT

مقالات مشابهة

  • ترامب "ينقلب" على بوتين.. ويهدد روسيا
  • بوتين يهنئ المسلمين في روسيا بعيد الفطر المبارك
  • بوتين يهنئ مسلمي روسيا بعيد الفطر المبارك
  • روسيا تستعد لهجوم عسكري جديد.. وزيلينسكي يتهم بوتين بالمماطلة
  • عيد الفطر.. السعودية وقطر والإمارات والكويت واليمن تحتفل الأحد 30 مارس
  • السعودية وقطر والإمارات تعلن غدا الأحد أول أيام عيد الفطر
  • السعودية والإمارات وقطر تعلن غداً الأحد أول أيام عيد الفطر
  • بوتين يشيد بصواريخ “تسيركون” ويصفها بالأسلحة الاستراتيجية
  • ماذا قال ترامب عن المسيرات الإيرانية التي تستخدمها روسيا لضرب أوكرانيا؟
  • بوتين وأردوغان يبحثان تعزيز التعاون الاقتصادي بين روسيا وتركيا