ما حقيقة العلاقات الاستراتيجية التي تجمع روسيا بالسعودية والإمارات؟
تاريخ النشر: 4th, February 2024 GMT
نشرت صحيفة "بوليتيكس توداي" الأمريكية تقريرا، قالت فيه إن العلاقات بين روسيا والمملكة العربية السعودية والإمارات تتسم بالبراغماتية والتركيز على المصالح الاستراتيجية، وهي علاقة مهمة في السياق الإقليمي والدولي الحالي.
وقالت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن علاقة روسيا مع الرياض وأبوظبي علاقة متعددة الأوجه، وتتسم بأهمية استراتيجية متزايدة، وهو ما تؤكده الزيارة الأخيرة للرئيس فلاديمير بوتين، والحوارات حول مواضيع مثل حرب أوكرانيا والهجوم الإسرائيلي على غزة وتحالف الدول النفطية أوبك بلس.
وتشير الصحيفة إلى أن زيارة بوتين للإمارات والسعودية في 6 كانون الأول/ ديسمبر الماضي كانت واحدة من الرحلات النادرة للرئيس الروسي، منذ أمر القبض الذي أصدرته ضده المحكمة الجنائية الدولية، حيث أنه اضطر على سبيل المثال لإلغاء حضوره في آخر قمة لدول البريكس في جنوب أفريقيا، وقمة الدول العشرين في الهند.
ومع اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا، اتخذت الدول الخليجية وخاصة الرياض وأبوظبي موقفا محايدا. وقد رفضت هذه الدول المشاركة في العقوبات المفروضة من الدول الغربية على روسيا.
إذ أن هذه البلدان الخليجية تواجه أصلا بعض التعقيدات في علاقتها مع الولايات المتحدة، بسبب التغييرات التي طرأت على خطابها وتوجهها نحو سياسة الانسحاب من الشرق الأوسط. كما دخلت هذه العلاقة في أزمة ثقة، مع سيطرة طالبان على أفغانستان.
إضافة إلى ذلك فإن واشنطن تواجه بعض الخلافات مع السعودية على مواضيع من بينها سياسات محمد بن سلمان وسياسات إنتاج النفط، كما تواجه بعض الخلافات مع الإمارات حول موضوع العلاقة بين هذه الأخيرة وبشار الأسد.
وترى الصحيفة أن هذه الدول الخليجية التي كثفت من بحثها عن شراكات جديدة إقليمية ودولية، رفضت الانضمام للعقوبات الغربية ضد روسيا، وسعت لتطبيع علاقتها مع إسرائيل وإيران وتركيا منذ العام 2020، وإن كان ذلك بمقاربات مختلفة. ويمكن اعتبار أن موقف هذه البلدان من الحرب الروسية الأوكرانية، مرده التوجه العام نحو عالم متعدد الأقطاب.
وترى الرياض وأبوظبي روسيا قوة بديلة في هذا العالم متعدد الأقطاب، ولاعبا محوريا في سياسات الطاقة والمخاوف والتحديات الأمنية.
إذ أن تراجع الطلب العالمي على النفط والغاز الطبيعي منذ العام 2019، في سياق انتشار وباء كورونا والانتقال نحو الطاقات النظيفة، جعل من روسيا وبلدان الخليج تشتغل جنبا إلى جنب لإيجاد حلول مشتركة.
وإلى جانب هذا التعاون في المجال الطاقي، اتجه الأثرياء الروس نحو حماية مواردهم المالية بالاستعانة بهاتين الدولتين، من خلال إيداعها في الإمارات هربا من العقوبات الغربية. وبحسب بيانات العام 2020، فإن المواطنين الروس جاؤوا في المرتبة الأولى في شراء المنازل في دبي، متقدمين على البريطانيين والهنود.
الشراكة الاستراتيجية في مجالي الأمن والدفاع:
بحسب الصحيفة تعود العلاقة بين هذه البلدان إلى وقت طويل، عندما بدأت تظهر معالم نظام عالمي متعدد الأقطاب. ويجدر التذكير هنا بأن السعودية والإمارات كانتا تسعيان لتطوير تعاون عسكري دفاعي وأمني مع روسيا منذ العام 2010. حيث اشترت الرياض نظام الدفاع الجوي أس 400، وصواريخ كورنيت-إي ام الموجهة والمضادة للدبابات، إلى جانب معدات عسكرية أخرى.
كما وقع البلدان اتفاق تعاون عسكري في أغسطس/ آب 2021، وهي خطوة اعتبرت في ذلك الوقت علامة على أن السعودية تتجه نحو بناء علاقات مع لاعبين دوليين مؤثرين في العالم لتحقيق استقلالية نسبية عبر هذه الشراكات، عوض الاعتماد الكلي على الولايات المتحدة.
أما الإمارات من جهتها فلطالما كانت منخرطة في الشراكة العسكرية والدفاعية والأمنية مع روسيا، لدرجة أن هذه الأخيرة دخلت في مفاوضات مع أبوظبي والهند على مشروع إنتاج مشترك للجيل الخامس من الطائرات المقاتلة سو-57.
ولسنوات طويلة كانت الشركات الروسية تعرض منتجاتها الجديدة في المعارض الدولية في أبوظبي. هذا النوع من المنصات كان يستخدم للتفاوض على عقود تزويد بالمعدات العسكرية. ويمكن اعتبار هذا التعاون خيارا إماراتيا لتنويع شراكاتها الأمنية والدفاعية، وليس نابعا من حاجة ملموسة.
العلاقات الحالية بين الدول الثلاث
تقول الصحيفة إن زيارة بوتين إلى أبوظبي والرياض يمكن تلخيصها في ثلاث نقاط أساسية: الأولى هي أن روسيا لاعب استراتيجي في هندسة الأمن في الخليج، منذ تطبيع العلاقات بين السعودية وإيران. وليس أدل على ذلك من الترحيب الحار الذي لقيه بوتين في أبوظبي، ثم الصور الحميمية التي ظهرت خلال لقائه بمحمد بن سلمان، وهي إذا قارناها مع الصور التي ظهرت خلال زيارة جو بايدن إلى جدة مؤخرا، تكشف عن الحظوة التي تلقاها روسيا في الخليج.
أما النقطة الثانية فهي أنه خلال زيارته للإمارات ولقائه مع الرئيس محمد بن زايد آل نهيان، قال بوتين إن العلاقات الروسية الإماراتية وصلت إلى مستويات غير مسبوقة، وأصبحت أبوظبي أكبر شريك تجاري في المنطقة. حيث أن حجم المبادلات التجارية بين البلدين ارتفع بنسبة 68 بالمائة في 2022، لتصل قيمتها الجملية إلى قرابة 9 مليار دولار.
أما النقطة الثالثة المهمة، فهي أن زيارات بوتين للمنطقة تعتبر بالنسبة له مهمة لكسر العزلة الدولية التي يواجهها.
وبعد زيارة بوتين السابقة للإمارات في 2019، زار محمد بن زايد مدينة سانت بيترسبورغ لمتابعة تطورات الحرب الروسية الأوكرانية. وأدى زيارة رسمية أخرى لروسيا في تموز/ يوليو 2023، لحضور المنتدى الاقتصادي في سانت بيترسبورغ. وقد أكد بوتين على أن روسيا والإمارات لديهما شراكة استراتيجية في إطار تحالف أوبك بلس، إلى جانب الشراكة السياسية والأمنية والمبادلات التجارية.
وترى الصحيفة أن العلاقات الروسية مع السعودية والإمارات، كما أظهرت ذلك زيارة بوتين الأخيرة إلى الخليج، تكشف عن تحالف استراتيجي متزايد ومتعدد الأوجه. إذ أن هذه الدول الخليجية بالتوازي مع حفاظها على تحالفها الاستراتيجي مع الدول الغربية، تتجه شيئا فشيئا نحو سياسة خارجية أكثر توازنا، خاصة في الملفات الجيوسياسية الهامة، وفي مجال التعاون الاقتصادي.
وترمز زيارات بوتين لهذه المنطقة إلى تغيير هادئ في الدبلوماسية الخليجية، في سياق عالم متعدد الأقطاب، يمكن فيه لقوى إقليمية مثل الرياض وأبوظبي تنويع تحالفاتها الدولية.
أما علاقات روسيا تجاه دول الخليج، وبشكل خاص السعودية والإمارات، فإنها تتسم بالبراغماتية والتركيز على المصالح الاستراتيجية. حيث أنها في البداية كانت تركز على التعاون في مجال الطاقة والحفاظ على استقرار أسواق النفط عبر تحالف أوبك بلس، ولكنها تطورت لاحقا لتتضمن ملفات أخرى أوسع مثل الأمن والتعاون العسكري والتنسيق الجيوسياسي.
في المقابل فإن مقاربة هذه الدول الخليجية في التعامل مع روسيا تعكس سعيها للتموقع في محيط عالمي معقد، وذلك من خلال الحفاظ على التوازن في علاقاتها الخارجية، بين حلفائها الغرب التقليديين والقوى الصاعدة مثل روسيا والصين. هذه الحسابات تكشف عن تغييرات في المشهد الدولي بشكل خاص، وعن رغبة هذه الدول الخليجية في مزيد من الاستقلالية في اتخاذ قراراتها الخارجية.
للاطلاع إلى النص الأصلي (هنا)
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية روسيا السعودية بوتين محمد بن سلمان الإمارات السعودية روسيا الإمارات بوتين محمد بن سلمان صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة السعودیة والإمارات هذه الدول الخلیجیة الریاض وأبوظبی متعدد الأقطاب زیارة بوتین مع روسیا أن هذه
إقرأ أيضاً:
زيارة شي جين بينغ.. الشراكة الإستراتيجية بين المغرب والصين تتجاوز العلاقات التقليدية
زنقة 20 ا الرباط
كشفت وسائل إعلام صينية أن التبادلات الاقتصادية والتجارية بين الصين والدول العربية تزايدت في السنوات الأخيرة، حيث اكتسبت منتجات عديدة صنعت في الدول العربية شعبية كبيرة بين المستهلكين الصينيين وبرزت ميزاتها الخاصة في السوق الصينية.
وذكرت أنه على مستوى منصات التجارة الإلكترونية، تعرف منتجات يدوية مغربية إقبالا كبيرا من طرف الصينيين مثل الوسادة والسجاد المغربي.
و أصبحت الصين عام 2022، ثالث أكبر شريك تجاري للمغرب والشريك الأول في آسيا، وبلغ إجمالي حجم التبادل التجاري 7.6 مليارات دولار، وحاليا، تصل الاستثمارات الصينية في المغرب إلى حوالي 56 مليون دولار.
ومع ذلك، ووفقا لتقرير مؤشر الاستثمار الصيني العالمي لعام 2023 الصادر عن وحدة الأبحاث الاقتصادية التابعة لمجلة الإيكونوميست البريطانية، كان المغرب ثالث أكثر البلدان جاذبية للاستثمار الصيني في أفريقيا العام الماضي بعد مصر وجنوب أفريقيا.
الخبير المغربي ادريس الفينة قال أن العلاقات بين المغرب والصين شهدت تطورًا نوعيًا خلال العقد الأخير، مما جعلها نموذجًا يحتذى به في التعاون جنوب-جنوب.
هذه الشراكة الاستراتيجية وفق الخبير المغربي تتجاوز العلاقات التقليدية، حيث يراهن كلا البلدين على تكامل اقتصادي يعزز مكانتهما على الساحة الدولية.
الرهانات المغربية على الاستثمارات الصينية
في إطار رؤية المغرب 2030 لتعزيز الاقتصاد الصناعي وتحقيق التنمية المستدامة، يشكل التعاون مع الصين رافعة أساسية. إذ أصبح المغرب منصة إقليمية للصناعات ذات القيمة المضافة العالية، مع اهتمام خاص بالاستثمارات الصينية في قطاعات استراتيجية مثل:
صناعات مكونات السيارات الكهربائية: يمثل المغرب اليوم قاعدة إقليمية لتصنيع مكونات السيارات، حيث تستفيد شركات صينية رائدة من المناطق الصناعية مثل طنجة المتوسط والقنيطرة.
الشرائح الإلكترونية الدقيقة: يشهد هذا القطاع اهتمامًا متزايدًا، نظرًا لدوره في التحول الرقمي الذي يتبناه المغرب.
الصناعات الصيدلانية والمضادات الحيوية: يعزز المغرب قدراته الإنتاجية بالتعاون مع الصين، ما يتيح له توفير الأدوية بأسعار تنافسية للأسواق المحلية والإفريقية.
كما يعتمد المغرب على الشركات الصينية في مجال البنية التحتية، لا سيما في مشاريع كبرى مثل تطوير الموانئ، القطارات فائقة السرعة، والطاقة المتجددة. تُعد الصين أحد أبرز الشركاء في تحقيق طموحات المغرب بأن يصبح مركزًا إقليميًا للنقل والتجارة.
الفوائد الصينية من التعاون مع المغرب
من الجهة الأخرى، تجد الصين في المغرب بوابة إستراتيجية للأسواق الإفريقية والأوروبية، حيث تستفيد من:
صادرات الأسمدة الفوسفاتية: المغرب، كأكبر مصدر عالمي للفوسفات، يلعب دورًا رئيسيًا في تلبية احتياجات الصين من الأسمدة لتأمين إنتاجها الزراعي.
الصناعات الغذائية: شهدت صادرات المغرب من الخضر والفواكه الطازجة إلى الصين نموًا ملحوظًا بنسبة تفوق 30% خلال السنوات الأخيرة، ما يعكس أهمية هذا السوق بالنسبة للجانبين.
السياحة: جسور بين الثقافات
إلى جانب الشراكات الاقتصادية، عرفت العلاقات المغربية الصينية تطورًا لافتًا في المجال السياحي. فقد سجلت أعداد السياح الصينيين الوافدين إلى المغرب نموًا بنسبة تجاوزت 60% خلال السنوات الأخيرة، بفضل تسهيل نظام التأشيرات وتنوع العروض السياحية المغربية. المدن التاريخية مثل مراكش وفاس أصبحت وجهات مفضلة للصينيين الباحثين عن تجارب ثقافية فريدة.
أفق جديد للعلاقات المغربية-الصينية
مع استمرار الصين في تنفيذ مبادرة “الحزام والطريق”، يبقى المغرب شريكًا محوريًا بفضل موقعه الجغرافي المميز واستقراره السياسي والاقتصادي. من المتوقع أن تحقق هذه الشراكة قفزات نوعية في الأعوام القادمة، خاصة مع تعميق التعاون في مجالات البحث العلمي والابتكار التكنولوجي.
تظهر الأرقام والإحصائيات أن حجم التبادل التجاري بين البلدين قد تضاعف ليصل إلى ما يزيد عن 6 مليارات دولار سنويًا، مع تسجيل نمو سنوي بنسبة 10% تقريبًا. هذه الديناميكية تمهد الطريق لتوسيع قاعدة التعاون في مجالات جديدة، بما يعزز المصالح المشتركة ويحقق التنمية المستدامة.