بالتزامن مع التصعيد في البحر الأحمر، وبعد أكثر من عام ونصف من الهدوء الذي شهده اليمن منذ توقيع اتفاق الهدنة في نيسان/ابريل 2022 وما تبعه من خفض تصعيد؛ اندلعت، منذ بضعة أيام مواجهات عسكرية على خطوط التماس بين محافظتي مأرب وشبوة، وتحديدًا في مديرية بيحان، بين قوات «أنصار الله» (الحوثيون) وبين قوات العمالقة وقوات دفاع شبوة المدعومة من الإمارات، وقوات حكومية، علاوة على اشتعال القتال في جبهات أخرى في الجوف وصعدة وتعز ليبرز السؤال: مَن المستفيد من استئناف اشتعال جبهات القتال في هذا التوقيت تحديدًا؟

 

لا يبدو الوضع بخير في بلد ينزف منذ تسع سنوات جراء احتراب عبثي؛ لكن هذا الاحتراب استنفد معظم مقدرات وبنى البلد التحتية؛ وذهب بالإنسان مبلغاً بعيدًا في مؤشرات المأساة، وآل وضع النسيج الوطني والاجتماعي إلى مآلات أصبح معها المستقبل مفخخًا بعوامل صراع عديدة، وبقدر يجعل منها تهديدًا حقيقيًا لأي حقبة استقرار.

 

عودا على بدء؛ اشتعلت الحرب مجددًا في عدد من جبهات القتال، في الوقت الذي يمر البلد بوضع حرج للغاية ما يجعل من قراءة متأنية لما يقف خلف «النيران المشتعلة» أمرا ضروريًا.

 

من جانبها، اعتبرت جماعة «أنصار الله» (الحوثيون) تجدد اشتعال جبهات القتال تنفيذًا لتهديدات أمريكية تلقتها الجماعة. وقال عضو المجلس السياسي الأعلى للحوثيين، محمد علي الحوثي، «إن فتح المعارك وتحريك الجبهات هي إحدى التهديدات الأمريكية، التي تم إيصالها كرسالة أمريكية عبر عًمان ردا على موقف الشعب اليمني المجاهد الرافض لإبادة أبناء غزة وحصارهم».

 

وأضاف: «ونقول لهم مصير أي مغامرة أو حماقة بتنفيذ التهديد الأمريكي للشعب الفشل والخسران، ولن يثنيه أي تحرك للأعداء عن مهمته لنصرة غزة».

 

فيما أكدت الحكومة المعترف بها إن «التصعيد الواسع للحوثيين في جبهات تعز وشبوة والجوف وصعدة في ظل عمليات التحشيد المتواصلة للمقاتلين والعربات والأسلحة والذخائر في مختلف الجبهات يؤكد استمرار الحوثيين في استثمار التعاطف الشعبي مع مأساة الشعب الفلسطيني لحشد المقاتلين وجمع الأموال، وتوجيه تلك الامكانات للتصعيد القتالي وقصف المدن والقرى وقتل اليمنيين» حد تعبيره.

 

قرار أمريكي

 

في قراءته لما يقف خلف استئناف اشتعال القتال في عدد من الجبهات يقول أمين عام حزب التجمع الوحدوي اليمني (يسار) ووزير الثقافة الأسبق، عبد الله عوبل، لـ «القدس العربي» إن «الأسباب الرئيسية في التصعيد الحالي واضحة ومعلنة، وآخرها يوم الاثنين الموافق 28/1/2024 حيث صرح المبعوث الأمريكي، تيم ليندر كينغ، أن لا سلام في اليمن طالما الحوثيون يهددون الملاحة في البحر الأحمر؛ وهذا اعتراف صريح وواضح إن أمريكا هي التي تقف وراء الحرب في بلادنا منذ تسع سنوات.

 

وأضاف: لقد خرجت تسريبات خلال الأسابيع الماضية تفيد أن الأمريكيين طلبوا من السعودية العودة إلى الحرب، ولكن السعوديين رفضوا ذلك؛ فإذن الإدارة الأمريكية هي مَن يشعل الحروب في منطقتنا؛ وهي المستفيد الوحيد من تفجير الصراعات في هذه البلاد. والإدارة الأمريكية وحلفاؤها الأوروبيون كما دعموا علنًا حرب الإبادة للفلسطينيين، فإنهم لا شك يتسترون وراء الدول الإقليمية في هذه الحرب القذرة التي دمرت البلد دولة ومؤسسات، وخلقت واقعا انقساميا، وصراعيا، وأمراء حرب بأهداف متناقضة، وكانتونات متصارعة لا يجمع بينها سوى الولاء للخارج.

 

واستطرد: «إن عودة الحرب هو قرار أمريكي من أجل منع أنصار الله من مناصرة غزة، ومنع السفن الذاهبة الى إسرائيل، فيما الفلسطينيون محاصرون ويبادون بالحرب والتجويع. إن الضمير الإنساني لا يقبل أن يتفرج على إبادة هي الأولى في التاريخ بهذه الوحشية، وتعمد قتل النساء والأطفال والصحافيين، إنه عار على هذا العالم المتحضر أن يتحدث عن حقوق الإنسان، ماعدا العربي صار بلا حقوق في العُرف الأمريكي الأوروبي الرسمي».

 

وأكد أن «المستفيد هي الإدارة الأمريكية التي فقدت هيبتها؛ لأنها غير قادرة على فعل شيء لليمنيين الذين أغلقوا البحر الأحمر».

 

وأشار إلى «أن عودة الحرب قد لا تحقق لأمريكا ما تود أن تراه، وهو انشغال أنصار الله بالحرب الداخلية لتمر السفن إلى إسرائيل بدون أن يتصدى لها أحد. الواقع أن الأمريكيين قد صرحوا أن ضرباتهم على المدن اليمنية لم تحقق أية نتائج، ولذلك هم يلجأون إلى اشعال الحرب مجددًا، ومع ذلك لن يفلحوا، واليمن لن يخسر شيئًا حتى لو جرب الأمريكيون وحلفاؤهم تكرار الضربات. لا يوجد شيء في اليمن لتدميره فقد دمرت حرب التسع سنوات البلاد والمؤسسات والبنية التحتية، لكن هذه قيمنا اليمنية وتاريخنا وثقافتنا، وهي أننا لا يمكن أن نتفرج على إخوة لنا يبادون بالأسلحة الحديثة والمحرمة، ويحاصرون دون أن نفعل شيئا. مهما كان خلافنا الداخلي كبيرا، لكننا في قضية دعم أخواننا في غزة لا يمكن إلا أن نقف إلى جانبهم وننصرهم. ذلك هو واجبنا الأخلاقي والقومي والديني».

 

وخلص عبد الله عوبل: «أما أن تتوقف حرب الإبادة وتدخل المساعدات الإغاثية إلى غزة، أو ستدخل المنطقة كلها في هذه الحرب».

 

الضغط العسكري

 

على الجانب الآخر؛ هناك مَن يذهب في قراءته للأسباب وراء استئناف اشتعال القتال باتجاه مختلف؛ إذ يقول أستاذ علم الاجتماع السياسي في مركز الدراسات والبحوث اليمني بصنعاء، عبد الكريم غانم: «عندما يتعلق الأمر بالحوثيين فإن استئناف القتال هو القاعدة أو الوضع المعتاد، أما الاستثناء فجنوحهم إلى السلم؛ فالحوثية جماعة عسكرية تمارس السياسة من خلال القتال، والتصعيد العسكري الحالي في الجبهات داخل اليمن، هو محاولة لحصد ثمار المشاركة في مساندة غزة عبر ممارسة المزيد من الضغط العسكري على الحكومة اليمنية المدعومة من التحالف العربي للقبول باشتراطات الحوثي في مباحثات السلام القادمة».

 

كما يرى: «أن تزامن هذا التصعيد العسكري في الجبهات الداخلية، مع العمليات العسكرية في البحر الأحمر، يشير إلى أنه غير مقصود لذاته، فالمرجح أنه عملية تمويه لإعادة الانتشار وإعادة التموضع في مواجهة القوات الأمريكية /البريطانية في البحر الأحمر، بعد أن تم استهداف معظم المواقع العسكرية ومنصات إطلاق الصواريخ والمسيرات التي كانت تشكل تهديدًا وشيكًا للسفن في البحر الأحمر والبحر العربي، وإضافة إلى كل ما سبق يحرص الحوثيون على توظيف التعاطف الشعبي الذي تكون جراء انخراطهم في استهداف السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر وخليج عدن، واستهداف الموانئ الإسرائيلية، فانخراطهم في الدعم الرمزي للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وما ترتب عليه من تحسين لسمعتهم في الأوساط الشعبوية، محليا وعربيا، يجعل الفرصة مواتية أمامهم للتجنيد وحشد المقاتلين وتحقيق المزيد من الدعم الداخلي».

 

واستطرد: «فالعاطفة القومية والدينية لدى القبائل اليمنية تجاه سكان غزة وما يتعرضون له من حصار ومجازر ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية، تجعلها على استعداد لرفد الجبهات بالمقاتلين وبالمال والسلاح، فاليمنيون بمختلف أطيافهم يتفقون حول ضرورة مناصرة سكان غزة لايقاف الحصار ووضع حد للمجازر التي يتعرضون لها، إلا إن هذا التحشيد العسكري الذي يقوم به الحوثيون في الوقت الراهن لا يشير بالضرورة إلى أنهم يحضرون لفتح معارك داخلية، بقدر ما يحمل رسائل لخصومهم في الداخل والخارج بعدم تأثرهم بالضربات التي تشنها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا منذ 12 كانون الثاني/يناير الماضي على مواقعهم العسكرية، لخلق انطباع لدى خصومهم بأنهم لم يتأثروا بالضربات الأمريكية /البريطانية، التي استهدفت جزءا من قدراتهم العسكرية، فالحوثيون يجيدون توظيف الأزمات وتحويلها إلى فرص، واستئناف القتال أو على الأقل التلويح به يصب في مصلحتهم».

 

في الأخير، قد ينبري أحدهم ليسأل: هل قرار الحرب والسلم يمني؟ هنا نقول: إن كان كذلك فالبلد ما زال في طور يسمح له بالتعافي المبكر مستقبلا. لكن الواقع يقول إن أمراء الحرب هناك ليسوا سوى بيادق لأطراف إقليمية ودولية هي مَن تملك قرار الحرب والسلم في بلد يعيش اليوم، لحظة حرجة.


المصدر: الموقع بوست

كلمات دلالية: اليمن الحكومة الحوثي الحرب البحر الأحمر فی البحر الأحمر جبهات القتال أنصار الله

إقرأ أيضاً:

مركز أوروبي: تزايد العنف الجنسي وزواج الأطفال بسبب عدم الاستقرار في اليمن

كشف المركز الأوروبي للديمقراطية وحقوق الإنسان (ECDHR) عن تزايد العنف الجنسي وزواج الأطفال بسبب عدم الاستقرار في اليمن.

 

وقالت المركز في بيان لها ترجمه للعربية "الموقع بوست" إن البلد الذي دمرته سنوات من الصراع، يواجه أزمة إنسانية كارثية، حيث تتحمل الفئات الأكثر ضعفًا - وخاصة النساء والأطفال - العبء الأكبر.

 

وأضاف "من بين الآثار الأكثر إيلامًا لعدم الاستقرار المستمر ارتفاع معدلات العنف الجنسي وزواج الأطفال. لا تعكس هذه القضايا المزعجة للغاية المعاناة الواسعة النطاق الناجمة عن الحرب فحسب، بل إنها تؤدي أيضًا إلى تفاقم التحديات الطويلة الأجل لإعادة بناء مجتمع تمزقه الحرب.

 

وتابع "منذ عام 2014، تورطت اليمن في حرب وحشية، شاركت فيها قوى خارجية، مما أدى إلى دمار واسع النطاق. أدت الحرب إلى انهيار البنية الأساسية، وتعطيل أنظمة التعليم، وتدمير خدمات الرعاية الصحية، مما ترك الملايين من اليمنيين مشردين وفي حاجة ماسة إلى المساعدة الإنسانية".

 

مع تدهور الوضع، حسب التقرير- عانت الفئات الأكثر ضعفًا - النساء والأطفال - بشكل غير متناسب. في هذه البيئة غير المستقرة، تم تقويض حقوق وحماية هذه الفئات بشدة، مما أدى إلى ارتفاع معدلات العنف الجنسي وزواج الأطفال.

 

وحسب المركز الأوروبي فإن زواج الأطفال يعد أحد أكثر العواقب المأساوية للصراع المستمر في اليمن، والذي تفاقم بسبب الوضع الاجتماعي والاقتصادي الهش في البلاد.

 

وقال "كان لدى اليمن أحد أعلى معدلات زواج الأطفال على مستوى العالم حتى قبل بدء الحرب، حيث تزوجت ما يقرب من واحدة من كل ثلاث فتيات قبل سن 18 عامًا. ومع ذلك، تصاعدت الأزمة منذ الصراع، حيث دفعت الفقر وانعدام الأمن والنزوح الأسر إلى تزويج بناتها في أعمار أصغر".

 

وفقًا لمنظمة Girls Not Brides، فإن انتشار زواج الأطفال في اليمن مرتبط بعدد من العوامل، بما في ذلك الأعراف الثقافية المتجذرة والفقر والآن الحرب. تتجه الأسر، في محاولة للبقاء على قيد الحياة أو حماية بناتها، بشكل متزايد إلى الزواج المبكر، غالبًا كوسيلة لتأمين المهور أو ضمان سلامة بناتهم في بيئة غير مستقرة.

 

ويرى أن عواقب هذه الزيجات وخيمة. وتواجه الفتيات الصغيرات اللاتي يتعرضن لزواج الأطفال مخاطر صحية مثل الحمل المبكر، والذي قد يؤدي إلى مضاعفات أثناء الولادة، وكثيراً ما يقعن في فخ علاقات مسيئة. كما تحرمهن هذه الممارسة من التعليم، مما يؤدي إلى تفاقم الفقر والحد من فرصهن المستقبلية.

 

وكما أبرز تقرير صادر عن صندوق الأمم المتحدة للسكان، فإن حالة أم تبلغ من العمر 16 عاماً في اليمن تشكل مثالاً مدمراً لكيفية دفع الحرب للعديد من الفتيات إلى زواج الأطفال في سن مبكرة. وبالنسبة للعديد من الفتيات في اليمن، فإن الزواج ليس خياراً - بل هو آلية للبقاء تمليها الحقائق الاجتماعية والاقتصادية التي يواجهنها.

 

وأكد المركز أن العنف الجنسي في اليمن أصبح نتيجة للصراع المستمر وأداة للحرب. وقال إن انهيار القانون والنظام، أدى إلى جانب الافتقار إلى الوصول إلى الخدمات الأساسية، إلى زيادة العنف الجنسي، وخاصة ضد النساء والفتيات.

 

وكما ورد في تقرير صادر عن المركز الأوروبي للديمقراطية وحقوق الإنسان، فإن العنف الجنسي يستخدم في كثير من الأحيان كسلاح من قبل الفصائل المتحاربة لإرهاب المجتمعات، وتعطيل التماسك الاجتماعي، والسيطرة على السكان.

 

وأشار إلى أن النساء والفتيات، اللاتي يواجهن بالفعل وطأة العنف، يقعن في كثير من الأحيان ضحايا للاغتصاب والعبودية الجنسية وأشكال أخرى من الإساءة. وفي كثير من الحالات، تُترَك الناجيات من العنف الجنسي دون دعم طبي أو نفسي، حيث انهار نظام الرعاية الصحية في اليمن تحت وطأة الصراع. وعلاوة على ذلك، فإن المحرمات الثقافية والافتقار إلى الحماية القانونية تجعل من الصعب على الناجيات السعي إلى العدالة أو حتى الإبلاغ عن إساءة معاملتهن.

 

وأوضح التقرير أن عواقب العنف الجنسي عميقة، وغالبًا ما تؤدي إلى صدمة جسدية ونفسية دائمة للناجيات، فضلاً عن انهيار ثقة المجتمع وقدرته على الصمود. وفي اليمن، حيث سيادة القانون ضعيفة، يظل العديد من الجناة دون عقاب، مما يؤدي إلى استمرار دورات العنف.

 

وأفاد أن ارتفاع حالات زواج الأطفال والعنف الجنسي ليس مجرد أزمة إنسانية؛ بل إنه يمثل تهديدًا طويل الأمد لاستقرار اليمن وتطورها في المستقبل.

 

ودعا المركز الأوروبي للديمقراطية وحقوق الإنسان (ECDHR) المنظمات الإنسانية والحكومات والهيئات الدولية إعطاء الأولوية لحماية النساء والأطفال في اليمن، ليس فقط من خلال تقديم المساعدات الطارئة ولكن أيضًا الحلول طويلة الأجل التي تعالج الأسباب الجذرية لزواج الأطفال والعنف الجنسي.

 

وقال "لا بد من بذل جهود أكبر لمحاسبة مرتكبي العنف الجنسي. ومع انهيار النظام القضائي في اليمن، أصبح الدعم الدولي ضروريا لضمان حصول الناجين على العدالة ومقاضاة المسؤولين عن الجرائم".

 


مقالات مشابهة

  • «مسام» يتلف 2015 قطعة غير منفجرة من مخلفات الحرب في اليمن
  • استئناف الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين بالعالم .. ماذا يحدث بين الصين وأمريكا؟
  • شاهد | البحر الأحمر والحروب الحديثة
  • قائد في البحرية الامريكية: اسطولنا يحتاج لدمج التكنولوجيا التي يستخدمها “الحوثيون”  
  • مقرب من المخابرات الأمريكية يلوح بإقالة المجلس الرئاسي في اليمن
  • مسؤول أوكراني: لم نبدأ الحرب.. ونريد السلام الكامل لا الهدنة
  • مستشار وزير الخارجية الأوكراني: كييف لم تبدأ الحرب وتطالب بالسلام الكامل
  • مركز أوروبي: تزايد العنف الجنسي وزواج الأطفال بسبب عدم الاستقرار في اليمن
  • «الأرصاد» تحذر من اضطراب الملاحة بالبحرين الأحمر والمتوسط
  • كاريكاتير.. تحريض ترامب على استئناف الحرب في غزة خطر يهدد بزواله