الصين تفرض قواعد صارمة في شينجيانغ على الإسلام
تاريخ النشر: 4th, February 2024 GMT
فبراير 4, 2024آخر تحديث: فبراير 4, 2024
المستقلة/- في خطوة تهدف إلى تشديد سيطرة الحكومة على ممارسة الشعائر الدينية في مقاطعة شينجيانغ غربي الصين، فرضت السلطات الصينية على الأغلبية المسلمة مجموعة من اللوائح التي, من بين أمور أخرى ستتطلب من جميع أماكن العبادة الجديدة أن تعكس “الخصائص و الأسلوب الصيني”.
و سيدخل التشريع الشامل حيز التنفيذ في الأول من فبراير كجزء من حملة أوسع تمتد لعدة سنوات تهدف إلى السيطرة على الدين في شينجيانغ، التي تعد موطنًا لمجموعات عرقية مسلمة بشكل رئيسي مثل الأويغور، و الكازاخ، و القرغيز، و الهوي (المعروفين أيضًا باسم الدونغان).
كجزء من المجموعة الجديدة من “اللوائح المتعلقة بالشؤون الدينية”، يجب أن تعكس جميع المساجد و الكنائس و المباني الدينية الأخرى الجديدة عناصر التصميم الصينية و أي تجديدات للتخطيطات الموجودة ستتطلب موافقة السلطات الإقليمية في شينجيانغ. و تشمل الإجراءات الإضافية فرض ضوابط على التجمعات الدينية “واسعة النطاق” – و التي ستتطلب موافقة من الحكومة المحلية قبل شهر واحد على الأقل. و يجب فحص المحتوى الديني المنشور على الإنترنت من قبل الحكومة الإقليمية.
تنص القواعد أيضًا للمرة الأولى على أن تفسيرات العقيدة الدينية يجب أن “تلبي متطلبات التنمية المعاصرة في الصين و الثقافة التقليدية المتميزة للصين”، و هي خطوة يحذر الخبراء من أنها قد تزيد من تعزيز حملة القمع المستمرة ضد حقوق الأويغور و الأقليات في المنطقة.
و قال برادلي جاردين، المدير الإداري لجمعية أوكسوس لشؤون آسيا الوسطى، إن “هذه الخطوة مهمة لأنها تتعلق بعزل الديانات الصينية عن الشبكات و المجتمعات الدولية و إبقائها معزولة اجتماعيا و سياسيا تحت مراقبة الحزب الشيوعي الصيني”.
اتُهمت الصين بارتكاب انتهاكات منهجية لحقوق الإنسان في شينجيانغ، بما في ذلك شن حملة أمنية أرسلت أكثر من مليون من الأويغور و الكازاخستانيين و الأقليات المسلمة الأخرى إلى معسكرات الاعتقال و السجون.
هناك مجموعة متزايدة من الأدلة بما في ذلك الشهادات المباشرة و الوثائق الحكومية الصينية الرسمية المسربة تدعم الاتهامات، التي تتراوح من العمل القسري إلى الاعتداء الجنسي، و التعقيم القسري، و محو الهوية الثقافية و الدينية للإيغور، بما في ذلك هدم المساجد و غيرها من المواقع الدينية.
و قد أثارت هذه الإجراءات اتهامات بالإبادة الجماعية من جماعات حقوق الإنسان الدولية و العديد من الحكومات الغربية. و في عام 2022، وجد تقرير للأمم المتحدة أن الصين ترتكب “انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان” في شينجيانغ قد ترقى إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية.
و تنفي الصين أي انتهاكات لحقوق الإنسان في المنطقة و تقول إن سياساتها في شينجيانغ تهدف إلى مكافحة التطرف و الإرهاب.
على هذه الخلفية، يشعر الناشطون المحليون بالقلق بشأن الآثار الدائمة لهذه السياسات مع دخول القواعد الجديدة حيز التنفيذ.
و قال بكزات ماكسوتخان، مدير منظمة نغيز أتازورت، و هي منظمة غير مسجلة في كازاخستان تركز على العرقية الكازاخية المتضررة من حملة القمع في شينجيانغ، لإذاعة RFE/RL: “لقد تم تقييد الحقوق الدينية منذ فترة طويلة في شينجيانغ. لكن هذا القانون هو تقنين كل تلك التصرفات السابقة.”
منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية في عام 1949، أدت الأيديولوجية الإلحادية للحكومة الشيوعية إلى بذل جهود متواصلة لقمع الدين و السيطرة عليه داخل البلاد.
و لكن في حين أن التشريعات السابقة كانت تحكم الممارسات الدينية داخل شينجيانغ، يقول الخبراء إن التشريع الجديد يمثل تصعيدًا كبيرًا، و لا يتطلب السيطرة فحسب، بل انعكاسًا محددًا لـ “الخصائص و الأسلوب الصيني” في المباني و العادات الدينية.
وفقًا للأنظمة الموضوعة للمسلمين، لا ينبغي للدين أن يتدخل في “الملابس و حفلات الزفاف و الجنازات و العادات العرقية الأخرى” و “يجب أن تعكس مواقع الأنشطة الدينية التي تم بناؤها أو تجديدها أو توسيعها أو إعادة بنائها حديثًا الخصائص و الأسلوب الصيني من حيث في الهندسة المعمارية و المنحوتات و اللوحات و الزخارف.”
إن ادعاءات قيام السلطات الصينية بتغيير أو هدم المساجد في شينجيانغ ليست جديدة، حيث وجد تقرير عام 2020 الصادر عن معهد السياسة الإستراتيجية الأسترالي الذي يوثق تدمير و تجديد المساجد في شينجيانغ، أن ثلثي المساجد قد تغيرت، معظمها منذ عام 2017، عندما سرعت بكين وتيرة عملياتها و قامت بزيادة حملة القمع و توسيع نظام معسكراتها.
استخدم تقرير صدر عام 2023 عن منظمة هيومن رايتس ووتش الوثائق العامة و صور الأقمار الصناعية و شهادات الشهود لإظهار أن الحكومة الصينية وسعت حملتها لإغلاق و تغيير المساجد لتشمل مناطق أخرى غير شينجيانغ، كجزء من سياسة رسمية تعرف باسم ” الدمج.”
و كجزء من هذا، قامت السلطات المحلية بإزالة السمات المعمارية للمساجد, مثل القباب و المآذن ذات الطراز العربي و استبدلتها بالتصاميم الصينية التقليدية لجعلها تبدو “صينية” أكثر.
و نادرا ما علقت السلطات في بكين على هذه السياسة، لكن تقريرا صدر في يونيو/حزيران 2022 عن منفذ الأخبار الحكومي الصيني CCTV أشاد بإزالة ميزات معمارية مثل “حماية التراث التقليدي”.
و تسعى اللوائح الجديدة إلى إضفاء الطابع الرسمي على هذه السياسات و البناء عليها.
و إلى جانب القواعد المتعلقة بالمساجد، يهدف القانون إلى توسيع سلطة الجمعية الإسلامية الصينية، و هي الهيئة الحكومية الرسمية المشرفة على الإسلام. و ستكون الهيئة الحكومية الآن هي المنظمة الوحيدة التي يمكنها تنظيم الأنشطة المتعلقة بالحج، و لن يُسمح إلا للمساجد و الأفراد الأعضاء في الجمعية بالمشاركة.
كما يدعو القانون الزعماء الدينيين إلى نقل الروح “الوطنية” إلى أتباعهم و ينص على أن المدارس الدينية يجب أن تغرس الخصائص الصينية، مثل الإشادة بالاشتراكية و استخدام لغة الماندرين الصينية في تعاليمها.
ينظر الحزب الشيوعي الصيني الحاكم إلى الدين باعتباره شكلاً من أشكال النفوذ الأجنبي الذي يمكن أن يقوض سلطته و يتطلع إلى السيطرة على جميع الأديان الرئيسية في البلاد و قمعها.
و قد أطلق على سياسة الصين الشاملة اسم “الإضفاء الطابع الصيني”، و هو ما يتطلب من الجماعات الدينية مواءمة عقائدها و عاداتها و أخلاقها مع الثقافة الصينية. لدى الحكومة أيضًا قواعد صارمة تجاه جميع الأديان، حيث تنص أحكام قانونها الوطني على أنه من غير القانوني للقاصرين الذين يبلغون من العمر 18 عامًا أو أقل حضور الخدمات أو الاحتفالات الدينية أو تعلم الدين بأي شكل من الأشكال.
و قد استهدف الضغط الحكومي بشكل خاص الأديان التي تعتبرها بكين أجنبية، مثل الإسلام و المسيحية و البروتستانتية و الكاثوليكية.
و قامت السلطات في الماضي بإزالة الصلبان من الكنائس و هدمت أخرى.
تخضع المسيحية في الصين أيضًا لعدة مجموعات من القواعد. و يسمح للمسيحيين بممارسة عبادتهم في “كنائس رسمية” مسجلة لدى الهيئات الحكومية الإشرافية، على الرغم من أن ملايين المسيحيين في الصين لا يزالون يتعبدون في كنائس سرية.
منذ أن أصبح شي جين بينغ زعيمًا للحزب الشيوعي في عام 2012، شددت بكين سيطرتها على الأنشطة المسيحية خارج الأماكن المسجلة، و أغلقت الكنائس التي ترفض التسجيل و اعتقلت قادة الكنيسة البارزين.
عندما زار شي شينجيانغ في أغسطس، دعا المسؤولين هناك إلى الحفاظ على “الاستقرار الاجتماعي الذي تم تحقيقه بشق الأنفس” و “الترويج بشكل أعمق لإضفاء الطابع الصيني على الإسلام و السيطرة بشكل فعال على الأنشطة الدينية غير القانونية”.
قال جاردين: “عندما نقول إضفاء الطابع الصيني، فإن الجوهر الواسع يهدف إلى قطع [هذه] الديانات العالمية عن العالم”. “و [بدلاً من ذلك] يبقونهم متمركزين محليًا، و مرتبطين بالحزب الشيوعي، و محيدين سياسيًا”.
المصدر: وكالة الصحافة المستقلة
كلمات دلالية: فی شینجیانغ فی الصین کجزء من یجب أن
إقرأ أيضاً:
تناحر مستمر| دور الأيديولوجيات الدينية في تقويض الأمن العربي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
الشرق الأوسط يشهد تفرقة حادة بين الطوائف السنية والشيعية واليهودية الدول العربية يجب أن تبنى نماذج سياسية قائمة على قبول التنوع واحترام حقوق الأقليات الدينية وتعزيز التعايش السلمى
تتمتع منطقة الشرق الأوسط بتنوع ديني وإثني معقد يشكل قاعدة مهمة للأيديولوجيات السياسية والدينية التي تؤثر على الأمن القومي العربي. منذ بداية الإسلام في القرن السابع، نشأت خلافات دينية وفكرية بين المذاهب الإسلامية المختلفة، أبرزها الخلاف السني-الشيعي، الذى استمر لقرون وأثر بشكل كبير على الصراعات الإقليمية والسياسات الدولية. كما أن التحديات التى تواجه المنطقة لم تقتصر على الانقسامات الداخلية بين المسلمين، بل أيضًا شملت التهديدات من القوى الكبرى مثل إسرائيل، التى تبنت الأيديولوجية اليهودية وصار لها دور محورى فى الإقليم. فى هذا السياق، تبرز تركيا وإيران كقوتين إقليميتين تقود كل منهما الأيديولوجية السنية والشيعية على التوالي، مما يضيف مزيدًا من التعقيد للصراعات فى المنطقة.. السطور التالية محاولة لاستكشاف خلفية هذه الأيديولوجيات الدينية وتأثيرها على الأمن القومى العربي، حيث يعكس الصراع بين هذه الأيديولوجيات التوترات المستمرة التى تعيشها الدول العربية. من دعم تركيا للجماعات السنية فى مختلف أنحاء المنطقة، إلى تدخلات إيران فى الشئون الداخلية للدول العربية عبر حلفائها الشيعة، وصولًا إلى تأثير السياسات الإسرائيلية فى الشرق الأوسط، يتشكل مشهد معقد من التحالفات والصراعات التى تسعى كل قوة دينية لفرض رؤيتها على المنطقة.
الأيديولوجية السنية
شهدت المنطقة العربية فى السنوات الأخيرة صعودًا ملحوظًا للأيديولوجية السنية، التى تقودها تركيا من خلال سياستها الإقليمية الطموحة. تسعى تركيا، تحت قيادة حزب العدالة والتنمية، إلى إعادة تأسيس نفسها كقوة إقليمية قائدة للعالم الإسلامى السني، مما جعلها تدعم بشكل فعال الحركات والأحزاب السنية فى الدول العربية. يعد دعم تركيا لجماعة الإخوان فى مصر وحركة حماس فى فلسطين وغيرهما من الجماعات والحركات المتطرفة كجبهة تحرير الشام فى سوريا وعدد من الفصائل المسلحة فى ليبيا من أبرز الأمثلة على هذه السياسة، حيث تسعى تركيا إلى تعزيز نفوذها فى المنطقة من خلال دعم القوى التى تتبنى الأيديولوجية السنية. كما أن دعمها للأحزاب السنية فى سوريا والعراق يعكس رغبتها فى مواجهة التأثير الشيعى المتزايد فى تلك الدول.
دور تركيا فى قضايا الأمن القومى العربى أصبح محوريًا فى السنوات الأخيرة، حيث تدخلت عسكريًا فى العديد من الدول العربية مثل سوريا وليبيا والعراق. فى سوريا، لعبت تركيا دورًا رئيسيًا فى دعم الفصائل السورية السنية المسلحة فى مواجهة النظام السورى المدعوم من إيران وروسيا. وفى العراق، دعمت تركيا بعض الفصائل السنية فى مواجهة النفوذ الإيرانى المتزايد فى البلاد. أما فى ليبيا، فقد قدمت تركيا دعمًا عسكريًا لحكومة الوفاق الوطنى المعترف بها دوليًا، التى تتضمن العديد من القوى السنية. ورغم أن هذه التدخلات تهدف إلى تعزيز الأمن القومى التركى وحماية مصالحها الإقليمية، إلا أنها أضافت مزيدًا من التعقيد إلى الأوضاع الأمنية فى المنطقة وأثارت العديد من الجدل حول تأثيرها على استقرار الدول العربية.
الأيديولوجية الشيعية
تعد إيران القوة الإقليمية الرئيسية التى تقود الأيديولوجية الشيعية فى منطقة الشرق الأوسط، حيث تروج لسياسات طائفية تهدف إلى تعزيز نفوذها فى الدول العربية. تدعم إيران بشكل كبير الجماعات الشيعية فى العديد من الدول العربية، مثل حزب الله فى لبنان، والحشد الشعبى فى العراق، الذى كان له دور بارز فى محاربة تنظيم داعش، وجماعة الحوثيين فى اليمن، التى تسعى لتحويل البلاد إلى دولة تابعة للمحور الشيعي. هذه السياسات تعكس رغبة إيران فى بناء "الهلال الشيعي"، وهو تحالف غير رسمى من الدول والمجموعات التى تتبنى الأيديولوجية الشيعية، مما يساهم فى تعزيز دورها فى السياسة الإقليمية.
من جهة أخرى، أثارت سياسات إيران الإقليمية جدلًا كبيرًا حول تأثيراتها على الأمن القومى العربي. فى حين يرى البعض أن إيران تقدم دعمًا للجهود ضد الإرهاب وتنشر الاستقرار فى بعض المناطق مثل العراق وسوريا، يرى آخرون أن تدخلاتها تؤدى إلى تفاقم الصراعات الطائفية وزيادة التوترات بين السنيين والشيعة فى المنطقة. كما أن دعم إيران للمجموعات المسلحة فى لبنان والعراق واليمن يثير القلق بشأن تهديد استقرار الدول العربية واستقلالها، إذ يعتبر العديد من هذه الأنشطة بمثابة تهديد مباشر للأمن القومى العربي. وبذلك، فإن الأيديولوجية الشيعية التى تقودها إيران تشكل تحديًا حقيقيًا للمنطقة، فهى تمثل خطرًا على استقرار الدول العربية، لكن يمكن أيضًا أن يُنظر إليها كفرصة لبعض هذه الدول إذا تم التوصل إلى حلول دبلوماسية لتسوية النزاعات.
الأيديولوجية اليهودية
تعد الأيديولوجية اليهودية التى تقودها دولة إسرائيل جزءًا محوريًا من الصراع على الأمن القومى العربى فى منطقة الشرق الأوسط. تأسست إسرائيل فى عام ١٩٤٨ إثر صراع طويل مع العالم العربي، ويعتبر تأسيسها نقطة تحوّل دراماتيكية فى تاريخ المنطقة، حيث كانت نتيجتها نزاعات مسلحة مستمرة مع الدول العربية حول الأراضى والحقوق. تعتمد إسرائيل فى سياساتها على الحفاظ على تفوقها العسكرى وتعزيز أمنها القومي، مما يدفعها للتركيز على مواجهات عسكرية مستمرة مع الفلسطينيين والدول العربية المجاورة. فى إطار هذا الصراع، كانت إسرائيل تحرص على الحفاظ على وجودها فى بيئة إقليمية معادية، حيث تطور موقفها الأمنى ليتضمن استراتيجيات تتعلق بالاستقلالية العسكرية والنووية، مما جعلها تشكل تهديدًا مستمرًا للأمن القومى العربي.
فى السنوات الأخيرة، طرأت تغييرات كبيرة فى العلاقات بين إسرائيل وبعض الدول العربية، خاصة بعد اتفاقات أبراهام ٢٠٢٠ التى شهدت تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات والبحرين، تبعتها خطوات تطبيع بين إسرائيل والسعودية. هذا التحول فى العلاقات يثير تساؤلات حول تأثيره على التوازنات الإقليمية. بينما يرى البعض أن هذه العلاقات قد تؤدى إلى تحالفات استراتيجية جديدة لمواجهة التهديدات الإقليمية المشتركة، مثل التحديات الإيرانية، يعتقد آخرون أن هذا التطبيع يساهم فى إضعاف التضامن العربى ويزيد من الانقسامات فى المنطقة. من هنا، فإن العلاقات الإسرائيلية مع الدول العربية لها تأثير مزدوج، حيث يمكن أن تشكل جزءًا من الحلول للأزمات الإقليمية، لكنها فى الوقت نفسه تساهم فى تعقيد الصراعات الحالية.
تصادم الأيديولوجيات
يشهد الشرق الأوسط تصادمًا مستمرًا بين الأيديولوجيات السنية والشيعية واليهودية، وهو ما ينعكس بشكل واضح فى العديد من الحروب والنزاعات التى تعصف بالمنطقة. ففى سوريا، مثلًا، كان الصراع بين النظام السورى المدعوم من إيران وحزب الله (الشيعي) من جهة، والحركات السنية المسلحة المدعومة من تركيا ودول الخليج من جهة أخرى، يشكل تجسيدًا لهذه التوترات الطائفية التى تؤثر على استقرار المنطقة. وبالمثل، تعكس الحرب اليمنية النزاع بين الحوثيين المدعومين من إيران (الشيعة) والتحالف العربى بقيادة السعودية (السنة) فى صراع إقليمى يهدد استقرار اليمن ودول الجوار. أما فى العراق ولبنان، فقد أدى التدخل الإيرانى المباشر ودعم الجماعات الشيعية إلى تعزيز الانقسامات الطائفية التى تؤثر بشكل سلبى على الوحدة الوطنية فى هذه البلدان، مما يفاقم من الأزمات الأمنية فى المنطقة.
تساهم القوى الكبرى، مثل الولايات المتحدة وروسيا، فى تعزيز أو تقويض هذه الأيديولوجيات من خلال تدخلاتها العسكرية والدبلوماسية فى المنطقة. فعلى سبيل المثال، تدعم الولايات المتحدة بشكل رئيسى الدول السنية فى مواجهة التوسع الإيرانى فى الشرق الأوسط، كما تقدم دعمًا لإسرائيل فى مواجهة التحديات الأمنية التى تطرحها الأيديولوجية الفلسطينية والعربية. من جهة أخرى، تجد روسيا نفسها فى موقف داعم لإيران والنظام السورى فى صراعات مثل الحرب السورية، مما يساهم فى تعميق الصراع بين القوى السنية والشيعية. وبالتالي، فإن هذه التدخلات الدولية تلعب دورًا مزدوجًا فى تعزيز الأيديولوجيات المتصادمة أو فى محاولة إعادة التوازن الإقليمي، ما يجعل الأمن القومى العربى عرضة لتقلبات الصراع المستمر فى المنطقة.
الأمن القومي العربي في ظل أيديولوجيات متصادمة
فى ظل الأيديولوجيات المتصادمة بين القوى السنية والشيعية واليهودية، يعانى الأمن القومى العربى من تهديدات متزايدة تؤثر بشكل مباشر على استقرار الدول العربية. تتداخل هذه الصراعات الإيديولوجية مع النزاعات الإقليمية والعالمية، حيث تتبنى القوى الكبرى مواقف داعمة أو معارضة لبعض الأطراف فى المنطقة، مما يؤدى إلى تعميق الانقسامات العربية. التدخلات العسكرية من قبل دول مثل إيران وتركيا، بالإضافة إلى الدعم الغربى لإسرائيل وبعض الدول العربية السنية، تؤدى إلى تجزئة المنطقة وفتح جبهات صراع جديدة، مما يعزز التوترات الداخلية فى العديد من الدول العربية مثل العراق وسوريا وليبيا. هذا التوتر المستمر يزيد من تعقيد جهود بناء الوحدة العربية وتعطيل استقرار المنطقة بشكل عام.
من جانب آخر، تساهم التدخلات العسكرية الخارجية فى تأجيج النزاعات القائمة وتعميق الأزمات الداخلية. ففى سوريا، أدى الدعم العسكرى الروسى والإيرانى للنظام إلى تعزيز الانقسامات الطائفية والعرقية، بينما سعت تركيا إلى تقوية فصائل المعارضة السنية، مما جعل الحرب السورية ساحة لتصفية الحسابات بين القوى الإقليمية. فى اليمن، أسهم التدخل السعودى فى تأجيج الحرب الأهلية وتفاقم الوضع الأمنى فى المنطقة. كما أن التدخلات العسكرية فى العراق ولبنان قد أضعفت قدرة الدول العربية على الحفاظ على استقرارها الداخلي، وجعلت من الأمن القومى العربى عرضة للتلاعب الخارجي. لذا، فإن الصراعات الإيديولوجية وتدخلات القوى الإقليمية والدولية تشكل تحديات كبيرة أمام تعزيز الأمن والاستقرار فى المنطقة.
الحلول والتوجهات المستقبلية
تسعى العديد من المبادرات الإقليمية والدولية لتخفيف حدة الصراعات الناتجة عن الأيديولوجيات المتصارعة فى المنطقة العربية وتعزيز الأمن القومي. من أبرز هذه المبادرات التعاون الإقليمى بين الدول العربية، مثل جهود جامعة الدول العربية لحل النزاعات والصراعات الطائفية والسياسية، إلى جانب تحركات منظمات مثل مجلس التعاون الخليجى التى تسعى إلى تعزيز الأمن والاستقرار. كما تلعب الأمم المتحدة دورًا مهمًا فى تقديم الوساطات لإيجاد حلول سلمية للنزاعات من خلال مبعوثيها الخاصين، خصوصًا فى سوريا واليمن وليبيا، إلى جانب نشر قوات حفظ السلام فى بعض المناطق. إلا أن فعالية هذه المبادرات تظل محدودة فى ظل الانقسامات الداخلية وصعوبة التوصل إلى اتفاقات توافقية بين القوى الكبرى المتورطة فى هذه الصراعات.
من جهة أخرى، يمكن أن تكون العلمانية أو التوجهات الداعمة للتنوع الدينى والسياسى حلولًا محتملة لتجاوز الانقسامات الأيديولوجية. إذا تمكنت الدول العربية من تبنى نماذج سياسية قائمة على قبول التنوع واحترام حقوق الأقليات الدينية والطائفية، فإن ذلك قد يسهم فى تقليل التوترات الداخلية ويعزز من الاستقرار. العلمانية قد تساهم فى تحييد الدين عن السياسة، مما يعزز من الوحدة الوطنية ويسهم فى تقليل التأثيرات الخارجية التى تستغل التوترات الطائفية لتحقيق مصالحها. فى هذا السياق، يمكن أن تساعد ممارسات الديمقراطية التعددية على تعزيز التعايش بين مختلف الأيديولوجيات فى المنطقة، مما يسهم فى بناء مستقبل أكثر استقرارًا وأمانًا للأمن القومى العربي.
تأثير واسع
وفى النهاية يتضح أن الأيديولوجيات المتصادمة بين القوى السنية والشيعية واليهودية قد أثرت بشكل كبير على الأمن القومى العربي، مما أضاف طبقات من التعقيد إلى الأزمات الإقليمية. إن تدخلات تركيا وإيران وإسرائيل، كلٌ وفقًا لأيديولوجياتها الخاصة، قد ساهمت فى تعزيز الانقسامات الطائفية والعرقية فى المنطقة، وأدت إلى تفشى الحروب والصراعات التى تهدد استقرار الدول العربية. بالإضافة إلى ذلك، فإن الصراعات المستمرة أصبحت محطًا لتدخلات القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا، مما زاد من تعقيد الوضع الأمنى العربى وجعل المنطقة مسرحًا للتنافس الجيوسياسى الدولي.
وتواجه المنطقة تحديات ضخمة فى ظل هذه الأيديولوجيات المتصارعة التى تؤثر بشكل مباشر على استقرار الدول العربية. من العراق إلى سوريا واليمن وليبيا، تزداد الخلافات الطائفية والصراعات السياسية فى ظل التدخلات الإقليمية والدولية المتزايدة. وقد انعكست هذه التوترات على الأمن القومى العربي، مما يشكل تهديدًا حقيقيًا للقدرة على بناء دولة عربية موحدة ومستقرة.
توصيات:
من أجل تعزيز الأمن القومى العربي، يجب أن تعمل الدول العربية على تعزيز التعاون الإقليمى والتنسيق بين مختلف الأطراف السياسية. لا بد من إيجاد آليات جديدة لحل النزاعات العربية الداخلية، بما فى ذلك تعزيز الحوار بين المكونات الدينية والطائفية المختلفة. يجب أن تكون هناك مبادرات لتخفيف حدة الصراعات الداخلية من خلال الإصلاحات السياسية والاجتماعية التى تساهم فى تحقيق العدالة والمساواة لجميع الفئات فى المجتمع. علاوة على ذلك، ينبغى دعم دور جامعة الدول العربية والمنظمات الإقليمية الأخرى، وتفعيل جهودها لتسوية النزاعات فى المنطقة.
كما ينبغى أن تكون هناك دعوة قوية إلى تبنى التعددية والديمقراطية التوافقية فى المنطقة. اعتماد العلمانية أو تسوية القضايا الطائفية والسياسية من خلال احترام حقوق الأقليات يمكن أن يسهم فى تحسين استقرار المنطقة. يجب أن تلتزم الدول العربية بمبادئ التعايش السلمي، والعمل على بناء نموذج سياسى يشمل الجميع، سواء من المذاهب السنية أو الشيعية أو المسيحية أو غيرها من الأقليات. إن الحفاظ على التنوع فى إطار من الاحترام المتبادل يمكن أن يسهم فى تحقيق الاستقرار السياسى والاجتماعي فى الدول العربية. وأيضًا تعزيز قدرات الدول العربية على مواجهة التهديدات الأمنية من خلال تعزيز التعاون الأمنى والاستخباراتي بين الدول العربية. يمكن أن يؤدى بناء تحالفات استراتيجية لمكافحة الإرهاب والنزاعات المسلحة إلى تحسين الوضع الأمنى فى المنطقة. يجب أن تسعى الدول العربية إلى تحقيق التوازن بين سياساتها الداخلية والخارجية بما يساهم فى تعزيز استقلالها وأمنها الوطني، دون أن تكون فريسة للصراعات الإقليمية أو التدخلات الدولية.
أخيرًا، يجب أن يكون هناك تأكيد على ضرورة الحوار المباشر بين الدول العربية والقوى الإقليمية الكبرى، مثل إيران وتركيا، لتحقيق تفاهمات تهدف إلى الحد من التوترات وتعزيز الاستقرار الإقليمي. ينبغى أن يكون هناك عمل دبلوماسى مستمر من أجل إرساء قواعد أساسية للتعاون والتفاوض مع القوى الإقليمية والدولية، لضمان عدم التفريط فى السيادة الوطنية للأقطار العربية، مع الحفاظ على مصالح الأمن القومى العربى فى سياق التحديات الجيوسياسية المعقدة.