أن الصدق فى القول يؤدى إلى الصدق فى العمل والصلاح فى الأحوال: يقول تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا } [الأحزاب:70-71]. فالصدق فى القول يؤدى إلى الصدق فى الفعل، وهذا هو العمل الصالح(5).
- الصدق يهدى الإنسان إلى البر والخير: يقول – صلى الله عليه وسلم-: «إن الصدق يهدى إلى البر، وإن البر يهدى إلى الجنة وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقًا، وإن الكذب يهدى إلى الفجور وإن الفجور يهدى إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابًا»(6). والبر الذى يهدى إليه الصدق هو الذى بيّنه الله - عز وجل - فى قوله تعالى: { لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِى الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِى الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِى الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ } [البقرة:177].
- الصدق فيه النجاة: يقول تعالى: { قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِى اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } [المائدة:119]. أى أن صدقهم فى الدنيا ينفعهم فى الآخرة. وفى الحديث: «تحروا الصدق وإن رأيتم أن الهلكة فيه، فإن فيه النجاة»(7). وعن عبد الله بن عمرو - رضى الله عنهما- أن رجلا جاء إلى النبى – صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، ما عمل الجنة؟ قال: «الصدق، إذا صدق العبد بر، وإذا بر آمن، وإذا آمن دخل الجنة»، قال: يا رسول الله، وما عمل النار؟ قال: «الكذب، إذا كذب العبد فجر، وإذا فجر كفر، وإذا كفر دخل النار»(
- الصدق فيه الربح والفوز: يقول ابن عباس - رضى الله عنهما: «أربع من كن فيه ربح: الصدق، والحياء وحسن الخلق، والشكر». وعن عبد الله بن عمر - رضى الله عنهما- أن النبى – صلى الله عليه وسلم - قال: «أربع إذا كن فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا: حفظ أمانة، وصدق حديث، وحسن خليقة، وعفة فى طعمة»(9). مراتب الصدق: أشار الإمام أبو حامد الغزالى(10) إلى أن للصدق مراتب عديدة نلخصها فيما يلى: 1- صدق اللسان: وذلك لا يكون إلا فى الأخبار أو فيما يتضمن الأخبار ماضيًا أو مستقبلا، ويندرج تحته الوفاء بالوعد والخلف فيه. وحق على كل عبد أن يحفظ ألفاظه، فلا يتكلم إلا بالصدق. وهذا هو أشهر أنواع الصدق وأشهرها. 2- الصدق فى النية والإرادة: ويرجع ذلك إلى الإخلاص، وهو ألا يكون له باعث فى الحركات والسكنات إلا الله تعالى. فإن مازجه شوب من حظوظ النفس، بطل صدق النية، ويجوز أن يسمى صاحبه كذابًا. 3- صدق العزم: فإن الإنسان قد يقدم العزم على العمل، فيقول فى نفسه، إن أعطانى الله تعالى ولاية عدلت فيها. فهذه عزيمة تحتاج إلى صدق؛ لأنه بمنزلة التمام والقوة لها كيلا يضعف أو يتغير وقت التنفيذ. ولذلك روى الإمام مسلم عن سهل بن حنيف -رضى الله عنه- أن النبى – صلى الله عليه وسلم - قال: «من سأل الله تعالى الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه». 4- الوفاء بالعزم: ذلك أن النفس قد تسخو بالعزم فى الحال، إذ لا مشقة فى الوعد والعزم. لكن إذا حقت الحقائق وحصل التمكن، وهاجت الشهوات، انحلت العزيمة، ولم يتفق الوفاء، ولهذا مدح الله تعالى هؤلاء المؤمنين الذى وفوا بعزائمهم فقال سبحانه { رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ } [الأحزاب:23]. 5- الصدق فى الأعمال: وهو أن يجتهد حتى لا تدل أعماله الظاهرة على أمر فى باطنه لا يتصف هو به، وعلى المسلم هنا أن يستجر الباطن إلى تصديق الظاهر. 6- الصدق فى مقامات الدين: وهو أعلى الدرجات وأعزها، ومن أمثلته: الصدق فى الخوف، والرجاء، والتعظيم، والزهد، والرضا، والتوكل، وحب الله تعالى، ورسوله – صلى الله عليه وسلم.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الصلاح صلى الله علیه وسلم الله تعالى رضى الله
إقرأ أيضاً:
علي جمعة: سيدنا محمد دعا بنفسه إلى عالمية الإسلام
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء، مفتي الجمهورية السابق أن سيدنا محمد ﷺ قد دعا بنفسه إلى عالمية الإسلام، قال تعالى : ﴿إن هو إلا ذكر للعالمين﴾ ، وقال تعالى: ﴿وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين﴾.
على جمعة: الله عز وجل يبسط الرزق ويقدره لحكمة جمعة: سيدنا محمد النبي الوحيد الذي جعلت حياته أسوة لكل شخصوتابع جمعة أن ذلك في حين أن كل نبي جاء لم يدع إلى العالمية، بل دعا إليها من جاء بعده، وهذه العالمية أيدت في القرآن، فنص فيه على أنه محفوظ ﴿إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون﴾ [، وأنه الختام ﴿ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما﴾ ، وأن الدين قد كمل : ﴿اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا فمن اضطر فى مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم﴾، ولذا تراه قد اعترف بجميع الأنبياء من قبله، وجعل الإيمان بهم ركن الإيمان بالإسلام، وخاطب الناس أجمعين، فقال : ﴿قل يا أيها الناس إنى رسول الله إليكم جميعا﴾، وقال : ﴿يا بنى آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يوارى سوءاتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون﴾.
وأضاف جمعة أن وهناك العديد من الخصائص والمعجزات اختص بها رسول الله ﷺ، منها تقدم نبوته وآدم منجدل في طينته، وكتابة اسمه الشريف على العرش وكل سماء والجنان وما فيها وسائر ما في الملكوت، وذكر الملائكة له في كل ساعة، وذكر اسمه في نداء صلاة شريعته، والتبشير به في كل الكتب السابقة ونعته فيها ونعت أصحابه وأمته.
كما بين جمعة أنه قد حجب إبليس من السماوات لمولده ﷺ ، وشق صدره وجعل خاتم النبوة بظهره بإزاء قلبه، وبأنه سمي أحمد ولم يسم به أحد قبله، وبأنه أوتي كل الحسن ولم يؤت سيدنا يوسف عليه السلام إلا الشطر،كما اختص الله نبيه ﷺ برؤيته جبريل على صورته التي خلق عليها، وبانقطاع الكهانة لمبعثه وحراسة السماء، وبالإسراء وما تضمنه من اختراق السماوات السبع والقرب إلى قاب قوسين وبوطئه مكانا ما وطئه نبي مرسل ولا ملك مقرب وإحياء الأنبياء له وصلاته بهم والملائكة، وباطلاعه إلى الجنة والنار ورؤيته للباري تعالى مرتين، وقتال الملائكة معه، كما اختص الله نبيه ﷺ بأن لا يكون لأحد عليه فضل في تعليمه الكتابة والقراءة، فأتاه الكتاب وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب.
وكما جعل الله له ﷺ معجزات في الدنيا عديدة منها بأنه كان يرى من خلفه كما يرى من أمامه، ويرى في الليل والظلمة كما يرى بالنهار والضوء، وبأن ريقه يعذب بالماء الملح، ويغذي الرضيع، وعرقه أبيض من المسك، وإبطه أبيض غير متغير اللون لا شعر عليه، وما تثاءب قط ولا احتلم قط، ولم ير له ظل في شمس ولا قمر، وكانت الأرض تطوى له إذا مشى، وأعطى قوة أربعين رجلا ،ومن رآه في المنام فقد رآه حقا فإن الشيطان لا يتمثل بصورته .
أما ما اختص الله به نبيه ﷺ في الآخرة فخصال كثيرة نذكر منها : أنه ﷺ أول من تنشق عنه الأرض، وأول من يفيق من الصعقة، وبأنه يحشر في سبعين ألف ملك، ويحشر على البراق، ويؤذن باسمه في الموقف ، ويكسى في الموقف أعظم الحلل من الجنة، وبأنه يقوم عن يمين العرش وبالمقام المحمود، وأن بيده لواء الحمد وآدم ومن دونه تحت لوائه، وأنه إمام النبيين يومئذ وقائدهم وخطيبهم، وأول من يؤذن له بالسجود، وأول من يرفع رأيه، وأول من ينظر إلى الله تعالى.
وهو كذلك أول شافع وأول مشفع وبالشفاعة العظمى في فصل القضاء، وبالشفاعة في إدخال قوم الجنة بغير حساب، وبالشفاعة فيمن استحق النار أن لا يدخلها، وبالشفاعة في رفع الدرجات ناس في الجنة، وبالشفاعة فيمن خلد في النار من الكفار أن يخفف عنهم، وبالشفاعة في أطفال المشركين أن لا يعذبوا، وأنه أول من يجوز على الصراط، وأنه أول من يقرع أبواب الجنة ، وأول من يدخلها ، وبعده أمته وبالكوثر والوسيلة وهي أعلى درجة في الجنة, وقوائم منبره ذوائب الجنة، ومنبره على ترعة من ترع الجنة، وما بين قبره ومنبره روضة من رياض الجنة.