غرين برفت: عمارة جمالية وتقليل البصمة الكاربونية في مدينة غدامس
تاريخ النشر: 4th, February 2024 GMT
ليبيا – سلط تقرير إخباري نشره موقع “غرين بروفت” الإخباري الدولي الضوء على فنون العمارة المميزة في واحدة من أقدم المدن الصحراوية.
التقرير الذي تابعته وترجمت المهم من مضامينه الخبرية صحيفة المرصد أكد أن مدينة غدامس الشهيرة بموقعها الصحراوي المميز لعبت دورًا رئيسيًا في الحياة الثقافية والاقتصادية للمنطقة بوصفها مركزًا مهما وسلميا لتجارة القوافل في الشبكة العابرة للصحراء.
ووفقًا للتقرير أطلقت المصادر العربية على واحة غدامس لقب لؤلؤة الصحراء أو جوهرتها لطبيعتها الآسرة الهامسة بحكايات المرونة والإبداع من خلال شوارعها المتاهية ومبانيها المبنية من الطوب اللبن الغارقة في التاريخ والمحاطة بالصحراء الكبرى الواسعة.
وبحسب التقرير تمثل غدامس شهادة حية على التعايش المتناغم بين الإنسانية والطبيعة لكونها عارضة للجمال الدائم للهندسة المعمارية المستدامة ومفاهيم البناء المحلية، مؤكدًا اشتهارها منذ فترة طويلة بتراثها المعماري الفريد وأزقتها الضيقة وساحاتها ذات التصميم المعقد.
وبين التقرير إن تصميم مدينة غدامس يمثل أعجوبة معمارية متمثلة بمبانيها المترابطة وممراتها المغطاة فهي بمثابة خط دفاع طبيعي ضد شمس الصحراء الحارقة والعواصف الرملية فضلًا عن تعزيزها الشعور بالانتماء للمجتمع والتضامن بين سكانها.
وأشار التقرير إلى استخدام مبتكر لمواد من مصادر محلية ومنها الطين لتوفير العزل الطبيعي ضد درجات الحرارة القصوى، مؤكدًا إن البناء المبني من الطوب اللبن يمثل منظم حراري داخلي وحلا مستداما للتحديات التي تفرضها البيئة الصحراوية.
وأضاف التقرير إن تسخير خصائص الكتلة الحرارية للطين يبقي المباني في مدينة غدامس باردة خلال حرارة النهار الشديدة فيما تحتفظ بالدفء في ليالي الصحراء الباردة من دون الاعتماد على أنظمة التدفئة أو التبريد الحديثة.
وتابع التقرير إن التصميم المعماري التقليدي لغدامس يعطي أولوية لتقنيات التبريد السلبية فالشوارع الضيقة والأزقة المظللة تعزز التهوية الطبيعية وتدفق الهواء في وقت تعد فيه الساحات المزينة بالنباتات المورقة والنوافير المتتالية بمثابة ملاذ هادئ.
وأوضح التقرير إن هذ الملاذ يوفر فترة راحة من حرارة الصحراء القاسية مع تعزيز التنوع البيولوجي داخل المناظر الطبيعية الحضرية، مبينًا إن نقص الأموال اللازمة للحفاظ على غدامس والصراع قاد لتدهور واقعها وفقا لتقارير منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “يونسكو”.
ونقل التقرير عن “يونسكو” تأكيدها إن غدامس تمثل واحدة من أقدم مدن ما قبل الصحراء الكبرى ومثالًا بارزًا للمستوطنة التقليدية فهندستها المعمارية المحلية تتميز بالتقسيم الرأسي للوظائف لأن طابقها الأرضي يستخدم لتخزين الإمدادات.
وتابع التقرير إن الطابق الآخر سيكون للأسرة فيما تتدلى من الأزقة المغطاة شبكة من الممرات تحت الأرض وتكون في الأعلى شرفات في الهواء الطلق مخصصة للنساء، مشيرًا إلى الأهمية القصوى للحفاظ على تقنيات البناء القديمة الموجودة في غدامس.
وبين التقرير إن غدامس تقف كشهادة حية على الممارسات المستدامة للأجيال الماضية وتقدم دروسًا لا تقدر بثمن في القدرة على التكيف والإشراف البيئي فتقنيات البناء بالطوب اللبن تواجه التحديات المعاصرة بما في ذلك تغير المناخ وندرة الموارد.
وتابع التقرير إن تسخير المواد المتاحة محليا وأساليب البناء التقليدية يمكن المجتمعات من تقليل البصمة الكاربونية وتقليل تكاليف البناء وإنشاء هياكل تتكامل بسلاسة مع النظام البيئي المحيط فالطين المجفف بالشمس مخلوط بالرمل والماء والقش تستخدم لتشكيل الجدران.
وأضاف التقرير إن هذه الطريقة توفر عزلا حراريا ممتازا خلال المناخات الحارة والجافة فيما تشكل الأسقف المصنوعة من القش وسعف النخيل المجفف أو الأعشاب عوازل طبيعية وتهوية وحماية من الشمس والمطر.
وتطرق التقرير للعمارة المقببة واستخدام تقنيات مثل الطوب أو البناء الحجري لإنشاء أقواس وقباب وأقبية معقدة، مبينًا إن هذه الميزات المعمارية تعزز المظهر الجمالي وتوفر أيضًا استقرارًا هيكليًا وتحكمًا في المناخ.
وتحدث التقرير عن ساحات الفناء المركزية المحاطة بغرف أو مساحات للمعيشة بهدف زيادة الإضاءة الطبيعية والتهوية إلى أقصى حد وتوفير خصوصية وحماية من الجدران المتساقطة بمزيج من الطين والقش وعزل إضافي ومقاوم للعوامل الجوية ولمسة نهائية جمالية.
وبحسب التقرير تستخدم هذه التقنية بشكل شائع لتعزيز متانة ومظهر الهياكل المبنية من الطوب اللبن أو الأرض المدكوكة، متناولًا في ذات الوقت لدمج مصدات الرياح أو الملاقف أو البارجيلات لالتقاط وتوجيه تدفق الهواء للتهوية الطبيعية والتبريد.
واختتم التقرير بالإشارة لاستغلال هذه العناصر المعمارية لتحسين الراحة الداخلية للسكان خاصة خلال أشهر الصيف الحارة.
ترجمة المرصد – خاص
المصدر: صحيفة المرصد الليبية
كلمات دلالية: الطوب اللبن مدینة غدامس التقریر إن
إقرأ أيضاً:
الاقتصاد والاستدامة.. كيف تؤثر أنماط الإنتاج والاستهلاك على البيئة؟
لو نظرنا إلى المحيط الحيوي الذي نعيش به، لوجدنا أن حجم التحديات البيئية التي تحيط بنا كبير جداً، وتختلف درجة ونوعية التحديات تبعاً لظروف هذا المحيط الحيوي أو ذاك الذي ننتمي إليه سواء على المستوى الوطني والإقليمي والدولي، فمع النمو الاقتصادي والزيادة السكانية في العالم، زادت معها القدرة الشرائية.
وظهرت أنماط للعيش لم يعهدها العالم من قبل تستنزف موارد الكوكب، بالتالي زاد الطلب على الموارد الطبيعية بشكل عام مثل (غذاء، طاقة، مياه، والمعادن والاخشاب وغيرها)، كما زاد الطلب على المنتجات الاستهلاكية وبالتالي ارتفع معدل إنتاج النفايات، ما أدى إلى تدهور في النظام البيئي بل تراجعت القدرة الحيوية للكوكب على تلبية احتياجات الناس وفقاً لنمط العيش القائم الآن فظهرت لدينا معادلة البصمة البيئية والبصمة المائية والكربونية وغيرها، كلها مؤشرات تعطينا فكرة حول نمط العيش الذي نحن عليه هل هو معتدل أم مستنزف.
فعلى سبيل المثال، لو عاش كل سكان الكوكب مثل متوسط معيشة سكان دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية لكنا بحاجة الى 4.5 كوكب لتلبية احتياجات الناس وفقاً لنمط العيش هذا.
والحقيقة أنه لا يوجد لدينا سوى كوكب أرض واحد من هنا ظهرت فكرة البصمة البيئية وهي أداة لقياس معدل استخدام الأفراد للموارد الموجودة بالأرض مقارنة بالمعدل الذي تحتاجه الأرض لإعادة توفير هذه الموارد من جديد. ووحدة القياس هذه هي أن حصة الفرد من الأرض تعادل 1.8 هكتار عالمي. وهي المساحة التي يحتاجها كل فرد لتوفير ما يحتاجه من هواء وماء وطاقة وغذاء واخشاب وبلاستيك
ففي العام 1961 كانت مؤشرات القياس تشير إلى استخدام 1.3 من قدرة الكوكب، حيث تعتبر هذه النسبة أسرع من عملية تجدد الموارد بـ 30 %. ومثل هذا التوجه أخذ بالتزايد إلى أن وصلنا إلى 1.7 من قدرة الكوكب، بناء عليه فقد أصبح من الضروري فهم دور وأهمية الأصول البيئية لاقتصادنا الوطني ولحياتنا بشكل عام.
فنحن سكان الأرض بتنا نستهلك على المكشوف من مستقبلنا البيئي، فالأصول البيئية في تناقص مستمر بالعالم! مع استمرار البصمة البيئية لدينا بهذا الارتفاع فقد تجاوزنا القدرة البيولوجية للأرض على تلبية احتياجاتنا.
فارتفاع رقم البصمة البيئية للأفراد أو المؤسسات أو الشركات أو الدول، يعني أن نمط الإنتاج والاستهلاك غير مستدامين، يعني أن أثرنا السلبي على البيئة عالي جداً، يعني أن السمعة البيئية للفرد أو الشركة أو الدولة في تراجع، يعني أنه ليس لدينا مسؤولية اتجاه مستقبل الأجيال القادمة.
الاسرة جزء من معادلة البصمة البيئية
البداية كانت وسوف تبقى من الاسرة ومن ثم من المدرسة والمجتمع بشكل عام، فعندما تدرك الاسرة بأنها جزء من معادلة البصمة البيئية بل هي أحد أهم اركان معادلة البصمة البيئية في المجتمع والدولة، أي أن لها دور وعليها مسؤولية، حيث أظهرت دراسة قامت بها اللجنة الوطنية لمبادرة البصمة البيئية بالإمارات حول مسؤولية كل قطاع عن رقم البصمة البيئية في عموم دول الخليج العربي، بأن قطاع السكن مسؤول عن 57 من رقم البصمة البيئية للدولة، في حين قطاع الحكومي مسؤول عن 12 %، وقطاع الصناعة والاعمال مسؤول عن 30 % وبقية القطاعات مسؤولة عن 1 %.
الخلاصة أن قطاع السكن هو المسؤول الأكبر عن ارتفاع رقم البصمة البيئية بالدولة قياساً ببقية قطاعات المجتمع، والسبب في ذلك هو نمط الاستهلاك الذي نعيش به فهو مستنزف للموارد بأكثر مما نحتاج، فنحن نشتري أكثر مما نحتاج ولا نستهلك ما قد اشتريناه. بناء عليه فقد أطلق برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العام 2002 أول برنامج لمساعدة السكان تحت عنوان (المستهلك المستدام) أي أن نشتري ما نحتاج إليه ونستهلك ما قد اشترينا، في حين ان نمط حياتنا يمشي بالاتجاه المعاكس تماماً لهذه المعادلة، وخصوصاً في شهر رمضان المبارك حيث ترتفع معدل انتاج النفايات للفرد الواحد بما يقارب 10 – 15 % وهذا مؤشر على عدم الوعي وعدم المسؤولية.
نمط حياة صديق للبيئة
نؤكد في هذه المناسبة بأن معادلة تغيير سلوك الأفراد أو المؤسسات والشركات في مختلف المواضيع في مختلف دول العالم يخضع لمعادلة ثلاثية الأطراف هي (التشريعات، التوعية، المحفزات) هذه العناصر الثلاث مجتمعة يجب تطبيقها بالتوازي مع بعضها البعض، أي أن التشريعات بمفردها لا تعطي نتيجة والتوعية بمفردها غير مفيدة بالمطلق، وكذلك المحفزات، مثال على ذلك: عدم رمي النفايات بالشارع بات أمراً واقعاً بعد استصدار قوانين تغرم الفرد بملغ 500 درهم، مع حملات التوعية على مستوى الافراد والتحفيز على مستوى الشركات، وهكذا.
وكما يقول المثل العلم في الصغر كالنقش على الحجر، من هنا يأتي دور الاسرة في تكريس نمط حياة صديق للبيئة غير مستنزف للموارد يلبي احتياجات الفرد دون الضرر بالبيئة وبمستقبل الكوكب، هنا يبرز دور الام بصفتها مدرسة في التربية والتعليم بالقيادة والقدوة.
وفي هذه المناسبة نذكر بالاجتماع الذي عقده برنامج الأمم المتحدة للبيئة عام 1992 بمشاركة عدد من الخبراء والعلماء منهم 102 من الحائزين على جائزة نوبل و1600 عالم آخر من مختلف الاختصاصات، حيث وجهوا نداءً عاجلاً للإنسانية جمعاء حذروا فيه بأن هناك خطر قادم لا مفر منه ألا وهو “عدم قدرة الأرض على تلبية احتياجات الانسان إذا بقي نمط عيشه على هذا النحو”.
بناء عليه يمكن القول بأننا نحن سكان الأرض في مسار تصادمي مع قدرة الأرض على تلبية احتياجاتنا، قد لا يتمكن المجتمع البشري من الحفاظ على الحياة كما نعرفها اليوم. لذا فإن تغيير نمط العيش والاستهلاك بات أمراً ملحاً، وعلينا أن نذهب إلى الترشيد راغبين قبل أن نكون مرغمين.