دول عربية خلف الكواليس.. ماذا تحمل مفاوضات البحرين السرية للسودان؟
تاريخ النشر: 4th, February 2024 GMT
انطلقت محادثات "غير معلنة" في البحرين، يقودها ممثلون رفيعو المستوى من الجيش السوداني وقوات الدعم السريع خلال شهر يناير الفائت، وهو أول تواصل من هذا النوع بين الجانبين المتحاربين منذ تسعة أشهر.
وأفادت أربع مصادر، من بينهم شخصان حضرا المحادثات، بأن المحادثات في المنامة شهدت حضور ممثلين تأثيريين من الجيش وقوات الدعم السريع، بالإضافة إلى مسؤولين من مصر، الداعمة الرئيسية للجيش، ومن الإمارات، الداعمة الرئيسية لقوات الدعم السريع، وفقا لـ"رويترز".
وتأتي هذه المحادثات بعد محاولات متكررة من القوتين المتحاربتين ودول شرق أفريقيا للوساطة في تحقيق وقف لإطلاق النار والوصول إلى اتفاق سياسي لإنهاء الحرب التي اندلعت في السودان في إبريل الماضي.
ونقلت تلك المصادر، أن الطرفان اتفقا مبدئيا على إعلان مبادئ تشمل الحفاظ على وحدة السودان وجيشه، ومن المتوقع أن تستمر المحادثات لمناقشة وقف إطلاق النار في الفترة القادمة.
ليست كسابقاتها
المفاوضات الحالية فيها بعض الاختلاف عن المحادثات السابقة، وتمثّل ذلك باختيار مفاوضين من درجة رفيعة، أحدهم نائب القائد العام للجيش السوداني، وهو يعتبر الرجل الثاني في الدولة، ويقابله بذات الدرجة في ميليشيا الدعم السريع، وهذا ما يمثل اختلافا مهما جدا، بحسب الكاتب الصحفي والمحلل السياسي د. ياسر محجوب الحسين,
وأضاف أنه "قُصد منها لتكون سرية، ربما برغبة من الطرفين أو الوسطاء، لأن التداول الإعلامي للمفاوضات قبل أن تصل إلى منتهاها ربما تؤثر عليها سلبا".
وتابع الحسين حديثه لـ "عربي21"، أن "الاختلاف الثاني، هو دخول وسطاء جدد في المحادثات، فضلا عن كونها مبنية على اتفاق جدة وفق ما طلبته الحكومة السودانية لأنها تريد أن تتجاوز محاولات الإيغاد، وهو أساس جيد للمفاوضات".
ولفت إلى أنه وفق لمعلومات تلقاها من وسطاء، فإن البحرين وقطر وكذلك مصر دخلوا على خط المحادثات إلى جانب السعودية والولايات المتحدة، وبالتالي توسعت دائرة الوسطاء، بحسب الحسين.
وبيّن أن "نجاح المفاوضات بالنسبة للحكومة السودانية متوقف على التزام الميليشيا (الدعم السريع) بالجوانب العسكرية وإيقاف إطلاق النار والخروج من المناطق التي سيطرت عليها".
المحلل السياسي السوداني، أوضح أن "المفاوضات في المنامة تقوم على مفاوضات جدة، وترغب الحكومة ضمان تنفيذ ما قام عليه اتفاق جدة فيما يعلق بالموضوع العسكري والعملياتي".
ومضى يقول: "لا ترغب الحكومة في البحث بأي مسائل سياسية، وهو ما أعلنه البرهان بأنها ستأتي بعد القضاء على التمرد وسيتم بحثها داخل السودان".
وذكر لـ "عربي21"، بأن "المفاوضات السياسية التي قد تتم داخل السودان لن تشمل الدعم السريع كمنظمة، وربما تشملها كأفراد، في حين أنها ستشمل كافة القوى السياسية السودانية المعارضة والموالية، وسيجري الحديث على الفترة الانتقالية ومتطلباتها والدخول مباشرة في إجراء انتخابات ولن تستغرق العملية وقتا طويلا".
واعتبر موقف الحكومة السودانية "جيدا الآن وبإمكانها فرض الشروط وتوقيع اتفاقية"، عازيا ذلك إلى أنه "لم تستقبل أي دولة عربية قائد التمرد، وهناك تقدم كبير جد من قبل قوات الجيش في العاصمة، وسط تراجع الدعم السريع وخفوت إعلامه وتحركات قائده"، وفق حديثه.
حول إمكانية اجتماع البرهان وحميدتي، قال إن "الجيش غير راغب في لقاء قائده مع حميدتي، خاصة في الفترة الأخيرة، وقد شرعت الحكومة في تصنيف الدعم السريع على أنها منظمة إرهابية، لذا لا يمكن عقد اللقاء".
وتابع: "لا تريد الحكومة منحه (حميدتي) أي ميزة حتى لا يفلت من العقاب أو يكون هناك نوع من الاعتراف به".
حركة "تمازج" تستبعد هدنة طويلة الأمد
بدورها، استبعدت حركة “تمازج”، وهي أحد فصائل الحركة الشعبية في السودان، أن تفضى مفاوضات البحرين إلى هدنة طويلة الأمد.
هذا ما قال رئيس حركة تمازج السودانية الفريق محمد علي قرشي لـ "عربي21"، مبينا أنه لا يمكن الحديث عن ذلك "في ظل وجود جيش مختطف لا يستطيع أن يحمي قراراته أو أن يسيطر على تحركاته قواته على أرض الميدان".
وأشار إلى أنهم عادة ينظرون إلى موقف الطرف الآخر المتمثل بالجيش السوداني، "من حيث الجدية وبالعودة إلى مواقفه السابقة من حيث الالتزام"، معلقا على أن موقف الجيش في الاتفاقات الماضية "ضعيف جدا ولا يرقى لأن يكون خطوة من شأنها تمهد الطريق أمام استكمال عملية التفاوض"، في إشارة إلى احتمالية وقف المفاوضات في المنامة.
حول اختيار مملكة البحرين كمقر للاجتماعات السرية، ذكر القرشي قائلاً: "البحرين جسر لا بأس فيه لاستكمال المحادثات لكن تبقى الجدية والرغبة العازمة هي الفيصل في ذلك".
"توسيع منبر جدة ليكون سياسيا"
يقول الصحفي السوداني المقيم في قطر، إن المرحلة الحالية تتطلب "ضرورة إطلاق حوار سوداني سوداني يؤسس لمرحلة انتقالية يتبعها انتخابات حرة مراقبة دوليا، ويقود في النهاية إلى خروج الجيش من المعادلة السياسية بعد تشكيل حكومة مدنية".
ورأى أنه "يجب أن يكون الحل السياسي من الداخل السوداني، دون الإغفال عن الدور الإقليمي كمسهّلين لهذا الحل".
وأكمل حديثه لـ "عربي21"، أنه "يتوجب خلق جيش واحد مبني على أساس قومي ومهني، في ظل تواجد 7 جيوش في السودان، منها الجيش السوداني والدعم السريع وحركات اتفاقية (جبل كامن)".
وتابع: "الدعم السريع ارتكب الكثير من المجازر في السودان، واحتل بيوت الأهالي ودمرت البنية التحتية للبلاد، وسط نزوح 7 ملايين سوداني داخليا وخارجيا".
ويؤيد أبو عرفات إمكانية "توسيع منبر جدة ليكون مظلة سياسية أيضا إلى جانب كونه عسكرية"، في حين شهد السودان 8 مبادرات إقليمية سابقة دون أن تفضي إلى حل.
وفي مايو / أيار 2023،اتفق طرفا النزاع في السودان خلال جولة تفاوضية في جدة، على السماح لجميع المدنيين في السودان بمغادرة مناطق الأعمال القتالية والمحاصرة، إضافة إلى الالتزام بالإجلاء، واحترام المرافق العامة والخاصة في السودان.
وتضمن الإعلان الموقع بين الجيش والدعم السريع في مدينة جدة السعودية، اتفاقا مشتركا بشأن الامتناع عن شن أي هجوم يضر بالمدنيين، وعلى احترام وحدة السودان، والعمل لمصلحة السودانيين.
ومنذ اندلاع المواجهات في 15 نيسان/ أبريل، تشهد العاصمة السودانية حالة من الفوضى ناجمة عن المعارك بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي".
في شهر يناير المنصرم، كشف تقرير أممي، أن ما بين عشرة آلاف و15 ألف شخص قتلوا في مدينة واحدة في منطقة غرب دارفور بالسودان العام الماضي في أعمال عنف عرقية نفذتها قوات الدعم السريع شبه العسكرية والميليشيات المتحالفة معها، مشيرا إلى دور الإمارات فيما يجري من صراع في السودان.
وقال مراقبون أمميون في التقرير المقدم إلى مجلس الأمن، إن عدد قتلى الصرع في السودان بلغ حوالي 12 ألف شخص قتلوا في جميع أنحاء السودان منذ اندلاع الصراع المسلح في 15 نيسان/ أبريل 2023 بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
ووصف المراقبون الاتهامات بأن الإمارات العربية المتحدة قدمت دعما عسكريا لقوات الدعم السريع "عدة مرات في الأسبوع" عبر مدينة أمدجراس في شمال تشاد، بأنها "ذات مصداقية".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية البحرين السوداني المنامة البرهان حميدتي السودان البحرين المنامة حميدتي البرهان المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة وقوات الدعم السریع الجیش السودانی فی السودان
إقرأ أيضاً:
مستقبل القبائل العربية بعد هزيمة الدعم السريع في السودان
بعد الانتصارات الساحقة للجيش السوداني على قوات الدعم السريع في ولايات السودان المختلفة وفي مناطق العمليات خلال الأيام الماضية، وبعدما تراءى للأعين انهيار التمرد وفشل مشروعه السياسي والعسكري، ووقوف الحرب على الحافة، تتمدد الآن حالة من القلق والخوف والهواجس، من تداعيات وآثار الحرب ونكالها على القبائل العربية التي تتواجد في الامتداد الجغرافي العريض من غرب السودان ما بين حدود نهر النيل شرقًا، حتى ساحل المحيط الأطلسي في غرب أفريقيا.
عُرف هذا الفضاء الجغرافي خلال القرون الماضية، التي شهدت الكشوف الجغرافية الأوروبية، ومن قبلها الرحالة العرب، بما اصطلح عليه الجغرافيون والمؤرخون حتى بداية العصر الحديث، وهو مسمى السودان الغربي والسودان الأوسط، الذي يشمل حاليًا دول أفريقيا جنوب الصحراء، وخاصة دول حوضي نهري النيجر والسنغال وبحيرة تشاد وما حولها، ما بات يعرف حديثًا بدول الساحل.
ولا يتجادل اثنان في أن حرب السودان زاد من تعقيدها إضرام الجهات الخارجية، النار في البيئة الاجتماعية شديدة التداخل والترابط، التي تتقاسمها تسع دول في المنطقة، ولم تكن هذه الجهات الخارجية تدرك خطورة الاختلال السياسي والاجتماعي الذي سيحدث، وأي عاصفة من الخبال تجتاح مع هذه الحرب مجتمعات ودول أفريقيا جنوب الصحراء.
إعلانظلت القبائل العربية في هذا الجزء العريض الطويل من القارة الأفريقية، تحمل همها التاريخي، وهي تعيش على هامش الحياة السياسية وبعيدة عن مركز السلطة كغيرها من القبائل الصحراوية، يراودها حلمها بسبب تفاعلات السياسة الجارية منذ ستينيات القرن الماضي.
تعاظم ذلك مع بروز قوات الدعم السريع في السودان، وظن بعض أبناء القبائل العربية في هذه المنطقة الشاسعة أنهم وجدوا ضالتهم فيها للسيطرة على الدولة السودانية ثم الانطلاق غربًا، وأدرك بعض العاقلين منهم أن الدعم السريع، مشروع سياسي عسكري طائش، خائب المسعى، مهيض الجناح، لا يمتلك مقومات البقاء.
لكن مع ذلك ساندته بعض الأصوات من النخب والقيادات القبلية، ونهضت هذه المجموعات يحركها التاريخ، وتدفعها بقوة عوامل الجغرافيا، مناصرة للتمرد في السودان، على مظنة أن مسار التاريخ سيتغير، دون أن يخضع ذلك لمعادلات حركة التاريخ الطبيعية.
بعض العاقلين من متعلمي القبائل العربية في غرب السودان؛ والسودانين: الغربي والأوسط، يعلمون أن مشروع الدعم السريع وحربها الحالية، لا يمت بصلة عضوية متطابقة بالكامل مع تطلعات القبائل عقب حصول بلدان المنطقة على الاستقلال، لكنه ربما أثار ثائرة العاطفة وأوقد نارًا في النفوس وفق المعطيات الظرفية لكل دولة في الإقليم.
وظلت هذه الأطياف المتنوعة من المثقفين والسياسيين والقيادات ذوي الأصول العربية يخطون خطوات جادة وحثيثة للتعبير عن دور يتناغم مع تفاعلاتهم السياسية في السياقات المتطورة في بلدانهم، من أجل المشاركة السياسية التي تليق بهم، وتحويل مجتمعاتهم الرعوية إلى مجتمعات مستقرة وآمنة، والمساهمة بجهد فاعل في بناء أوطانهم، وهم بلا شك كانوا جزءًا من الحركات التحررية وروّاد الاستقلال، وفي قلب حركة النضال المدني والعسكري خلال ستة عقود منصرمة في أقطارهم.
إعلانوعلى ضوء التطورات الاجتماعية والسياسية، ومنتج التنمية الاجتماعية ومعدلاتها، نما حلم القبائل العربية في هذا الفضاء الواسع، لكنها لم تخطط لمشروع سياسي أو تسعى لصراع سلطوي مسلح، وهي موحدة أو متعاونة أو وهي منفردة، وذلك عدا تجارب الحركات المسلحة في تشاد منذ العام 1965، عندما ثار الشعب ضد حكم الرئيس فرانسوا تمبلباي وتم تكوين حركة فرولينا، وكان عرب تشاد في الواجهة ومن الآباء المؤسسين، ويومها سارعت القبائل العربية إلى الاندماج مع غيرها من القبائل، وعملت على تأسيس حركات وتنظيمات سياسية مسلحة، يسري عليها ما يصيب الجميع دون الاستفراد بمشروع أحادي العرق.
عندما صعد نجم الدعم السريع عقب مشاركتها في حرب اليمن وعاصفة الحزم، بالتحديد في 2017، وبدعم من دولة إقليمية، حدث أول لقاء سري لقيادتها مع الموساد الإسرائيلي، تم فيه رسم مخطط كانت فيه المصالح الإسرائيلية واضحة وتمت مخاطبة أطماع ومصالح وتطلعات قيادة الدعم السريع.
في ذات الوقت، كانت مجموعات من عرب تشاد وقليل منهم من جنوب ليبيا وبعض أبناء القبائل العربية في شمال غرب أفريقيا الوسطى، قد تم تجنيدهم لصالح الدعم السريع، وتم نقلهم للمشاركة في حرب اليمن، وقدر عددهم في ذلك الوقت حتى العام 2019، ما يقارب أحد عشر ألفًا من المجندين، وزاد العدد بنسبة تجاوزت 400% بعد ذهاب نظام الرئيس عمر البشير، ووجدت قيادة الدعم السريع الطريق ممهدًا والأموال متدفقة لتتم أكبر عملية تجنيد في القارة الأفريقية من أجل صناعة جيش موازٍ للجيش السوداني، وتكوين النسخة الأفرو-عربية من شركة فاغنر الروسية.
غداة انطلاقة الحرب كانت لدى الدعم السريع ما يزيد عن (120.000) جندي شاركوا في محاولة الانقلاب والسيطرة على الدولة وبدأت بهم الحرب، يمثل الأجانب منهم (45%)، وهم مرتزقة من تشاد، والنيجر، ومالي، وجنوب ليبيا، وأطراف من أفريقيا الوسطى، وشرق نيجيريا، والكاميرون، وبوركينا فاسو، وجنوب الجزائر، بالإضافة إلى مرتزقة من جنسيات أخرى، ويمثل العرب 70% من هذا الوجود الأجنبي داخل قوات الدعم السريع.
إعلانونظرًا لوجود القبائل المشتركة بين السودان، وتشاد، والنيجر، ونيجيريا، ومالي، وليبيا، وجنوب الجزائر، والسنغال، وموريتانيا، التحقت مجموعات منها مع أبناء عمومتهم بالسودان في قبائلهم المشتركة، وهي: (الرزيقات، والمسيرية، والحوازمة، والتعايشة، والحيماد، والبني هلبة، والهبانية، والسلامات، وأولاد راشد، وخزام، والبراريش، وأولاد سليمان، والمحاميد، والحسانية، والجعفريين)، بجانب قبائل أخرى غير عربية تعيش نفس الأوضاع السياسية والاجتماعية: (الطوارق، الفولاني، التبو، القرعان، الزغاوة، والبديات).
تجنيد أبناء القبائل العربية في غرب السودان وجواره الأفريقي لصالح الدعم السريع، تم لفئات الشباب من الأعمار بين (14 سنة – 45 سنة) كمقاتلين، وشاركت الفئات الأكبر سنًا في مهام دعائية وفي عمليات التجنيد والاستقطاب، ونشط في ذلك زعماء القبائل ورموزها وقادتها، وتم توظيف عدد هائل من الناشطين والمتعلمين لصالح الدعاية السوداء التي اعتمدتها الدعم السريع في حربها.
مع توريط الدعم السريع لقبائل عرب غرب السودان ودول الساحل في الحرب، واستخدام أساليب الترغيب والترهيب في إغراء القيادات والزعامات القبلية وتوظيفها في عمليات الاستنفار والتجنيد وجرجرة شباب القبائل للانضمام لمشروع الدعم السريع، انساق البعض وراء ذلك، وعبر كثير منهم عن مخاوفهم من الارتدادات العكسية لهذا المشروع، وكانت لديهم تحفظات واضحة على هذا المشروع، ومنهم الرئيس النيجري السابق محمد بازوم، والسيد محمد صالح النظيف وزير خارجية تشاد السابق، وعدد من القيادات في دول الإقليم الملتهب.
وليس من باب التهويل، أن تيارًا في منطقة الساحل ودوائر رسمية واستخبارية غربية، لم تزل تنظر إلى النتائج والمحصلة الإستراتيجية لحرب السودان، وأهمها التوازنات السياسية والسكانية في هذه البلدان، لا سيما تشاد، والنيجر المرتبطتين بالسودان، وليبيا وهي منطقة هادرة الثقافة العربية والإسلامية ومصدرة لهما إلى أفريقيا جنوب الصحراء.
إعلانفإن كانت هناك مصلحة في استنزاف المورد البشري لعرب المنطقة وتقليل فاعليتهم بسبب الحرب المجنونة التي شنتها الدعم السريع في السودان واستقطبت لها جل العناصر المقاتلة في هذه الدول، فإن هذا المشروع الاستنزافي قد نجح.
في السودان وحده بلغت خسائر قبيلة الرزيقات التي ينتمي لها قادة الدعم السريع عشرات الألوف من الشباب قد تصل إلى 45 ألفًا في ولايات دارفور الخمس، بينما خسرت قبيلتا المسيرية والحوازمة وهما من أكبر قبائل كردفان ودارفور العربية ما يقارب العشرين ألفًا من شبابها، بينما خسرت قبائل البني هلبة والتعايشة والهبانية والفلاتة والسلامات والزيادية وقبائل أخرى بضعة آلاف في معارك الخرطوم وولاية الجزيرة ومعارك كردفان ودارفور وخاصة مدينة الفاشر.
وتقول حركات معارضة تشادية ينتمي جلها للعنصر العربي إن عددًا من قياداتها ورموزها وشبابها قد قتلوا في حرب السودان، عندما تدافعوا بالآلاف للالتحاق بقوات الدعم السريع، كذلك الحال لقبائل عربية في النيجر وجنوب ليبيا وأفريقيا الوسطى.
الصحيح دائمًا أن القبائل لا تتحمل جريرة ما قامت به مليشيا الدعم السريع، لكن مع ذلك تواجه هذه القبائل في السودان، أو دول السودانَين الغربي والأوسط، تهمًا قاسية بولوغ أبنائها في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها مليشيا الدعم السريع، فضلًا عن عمليات النهب والسرقة لممتلكات السودانيين من سيارات وأموال ومصوغات ذهبية ومعدات وأثاث وأجهزة وأدوات مختلفة، وكل هذه المنهوبات تتواجد في أسواق غرب السودان ودول المنطقة المختلفة.
لكن الأثر الأبرز هو حالة العداء والضغائن والإحن التي تعتصر القلوب في داخل السودان، وعودة النعرات القبلية والرغبة في التشفي لدى شرائح مختلفة في المجتمع السوداني، وربما تكون هناك مخاوف وحذر بالغ لدى دول الساحل التي ترى في القبائل العربية خطرًا ماحقًا لا بد من لجمه، خاصة إذا امتلكت هذه القبائل السلاح والمال والدربة على القتال، وسرت فيها عدوى الدعم السريع، ورغبت في الاستيلاء على السلطة في بلدانها.
إعلانفي حالة السودان تحتاج القبائل العربية بغرب السودان بعد نهاية هذه الحرب أو قبلها، إلى الشروع في حوارات تصالحية عميقة مع قبائل السودان المختلفة، لكبح جماح ما يعتمل في النفوس من غل وغضب، وهي اليوم أحوج ما تكون لبناء الثقة من جديد، وأن تنفي عن نفسها ما جرى باسمها، وتتبرأ من جرائم الدعم السريع، وتنبذ الشعارات وخطاب الكراهية المتشح بالهمجية والغلو والتطرف، وتحركه سموم النظرة العرقية الضيقة والغبن الاجتماعي، ويستهدف قبائل بعينها في مناطق السودان المختلفة، ويدعو لتدمير وتخريب السودان وأعمدة بنائه الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية، وتمزيق نسيجه القائم وتجربته التاريخية وتدمير البنية التحتية للدولة.
وواضح وفقًا لمجريات الحرب أنها ستنتهي بهزيمة قوات الدعم السريع، وخروج قيادتها من المشهد العام، ومطاردة قادتها ورموزها والمتعاونين معها. ينبغي مع نشوء حالة من التوجس والحساسية البالغة تجاه حواضنها الاجتماعية، أن تُطرح أفكار وخطوات تقود لمصالحة وطنية شاملة، وذلك إن توفر الرشد السياسي والاجتماعي لدى الجميع، لأن الأثمان المنتظرة لا بد باهظة وواجبة السداد، بحجم ما ارتُكب من جرم في حق السودانيين جميعًا.
لذلك كله، فإن مستقبل هذه القبائل على المحك، إذا انتهت الحرب دون رؤية متكاملة للدولة والمجتمع، فالفرص التي كانت متاحة للاندماج الاجتماعي وتذويب القبليات والعرقيات تلاشت نوعًا ما، وباتت بعيدة المنال، وتحصد الدعم السريع الهشيم لأنها لطخت سمعة هذه القبائل، ودمرت مستقبلها عندما حصدت حربها عشرات الآلاف من شبابها، وجعلتها في قفص الاتهام.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية