موقع النيلين:
2024-07-05@13:04:01 GMT

الاثنان يريدانها من النهر إلى البحر

تاريخ النشر: 4th, February 2024 GMT


كتب رئيس الوزراء الإسرائيلى يوم 20 يناير الماضى على منصة إكس «لن أتنازل عن السيطرة الأمنية الإسرائيلية الكاملة على كل الأراضى الواقعة غرب الأردن ــ وهذا يتعارض مع الدولة الفلسطينية». وهو تأكيد عما ذكره يوم 18 يناير فى مؤتمر صحفى قائلا «إن أى كيان فلسطينى ذى سيادة يمثل خطرا أمنيا غير مقبول على إسرائيل؛ لأن هذا الصراع لا يدور حول عدم وجود دولة، أى دولة فلسطينية، بل حول وجود دولة، وهى دولة يهودية».

تفصح هذه الرسائل عن سياسة اليمين الحاكم فى إسرائيل الذى يريد تهجير الفلسطينيين والفلسطينيات من أرضهم، والاستيلاء على كامل أرض فلسطين من نهر الأردن وحتى البحر المتوسط لتصبح أرضا خالصة لدولة إسرائيل. المدهش فى هذا الطرح أنه يطابق رؤية المقاومة الفلسطينية التى تريد إنشاء دولة فلسطين على كامل أرض فلسطين، وتذخر أدبياتهم بمقولة «من النهر إلى البحر» التى يرددها قادة حماس، والجهاد، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وغيرهم من فصائل المقاومة. ونفهم من هذا التطابق فى موقف الطرفين أننا أمام مشهد يديره طرفان يؤمنان بالمعادلة الصفرية.

ولو وضعنا الموقف السياسى جانبا، وتصورنا أننا أمام مشكلة أرض يتنازع عليها طرفان، فإن الحلول قد تنحصر فى حلين، أولهما استيلاء أحد الطرفين عنوة على الأرض مع إقصاء أو إخضاع الطرف الآخر، وثانيهما الوصول لاتفاق من أجل اقتسام الأرض بطريقة ما بالتراضى بين الطرفين أو عن طريق الضغوط أو حتى الإجبار. وعلى مدار 75 سنة، هى عمر دولة إسرائيل، لم تقدم الأخيرة حلا دبلوماسيا أو سياسيا أو مبادرة سلام لاقتسام الأرض، ولم تحدد حدودها بالدستور وإنما بقوة الدبابات، فآخر حدودها هى ما تصل إليه قوتها العسكرية وتستطيع حمايته. أما على الجانب العربى، فلقد انحاز أولا إلى الحل الأول لمدة ربع قرن منذ نشأة إسرائيل عام 1948 وحتى حرب عام 1973، ثم تحول إلى الحل الثانى لقرابة نصف قرن بدءا من اتفاقية كامب ديفيد عام 1978 وحتى الآن، وذلك أخذا بالاعتبار وجود استثناءات فى الموقف العربى سواء وقت الحرب أو وقت السلام. معنى ذلك أن الموقف العربى تحول من المواجهة إلى السلام، ولكن إسرائيل لم تتحول، بل حافظت على تصورها فى السيطرة على المنطقة من النهر إلى البحر، وعندما تسارعت خطوات ما كان يطلق عليه فى الماضى «عملية السلام» وأقدم رئيس وزراء إسرائيلى للتنازل عن جزء من الأرض للطرف الفلسطينى، تم اغتياله فى وسط تل أبيب عام 1995، على يد متطرف صهيونى، من نفس المعسكر الذى يحكم إسرائيل الآن.

لو انحصرت المسألة فى اقتسام الأرض لما امتد الصراع طيلة عمر دولة إسرائيل، ولأمكن التوصل إلى تفاهم فى وقت ما. ولكن الأرض تعتبر جزءا من المشكلة الأوسع التى تمس العقيدة. ولذلك التغلب عليها سياسيا مسألة مستعصية عبر الزمن. وحتى لو تحولت الدول العربية إلى استراتيجية السلام للتوصل إلى تفاهم لحل القضية، فإن السياسات الإسرائيلية ماضية بلا هوادة فى الحل الأول بغض النظر عن انتقال الدول العربية للحل الثانى. وأفصح رئيس الوزراء الإسرائيلى فى خطاب إلى شعبه يوم 20 أكتوبر 2023 عن هذا المكنون عندما استدعى فقرات من الكتاب المقدس، من سفر أشعياء وأسقط معانيها على الشعب الفلسطينى، لاسيما أهل غزة الذى شبههم بالعماليق، فى وصف المشهد الحالى طبقا لرؤية اليمين الإسرائيلى، «نحن أبناء النور فيما هم أبناء الظلام، وسوف ينتصر النور على الظلام وسوف نحقق نبوءة أشعياء، لن تسمعوا بعد الآن عن الخراب فى أرضكم، وسنكون سببا فى تكريم شعبكم وسنقاتل معا وسنحقق النصر». ثم انتقل إلى الحل واستدعى من سفر صموئيل الأول «اذهب وحارب عماليق، اقض عليهم قضاء تاما، هم وكل ما لهم، لا تشفق عليهم، اقتل جميع الرِجال والنساء والأطفال والرضع، واقتل ثيرانهم وغنمهم وجمالهم وحميرهم، وحاربهم حتى يَفنوا». وهو الأمر الذى نفذه جيش الاحتلال الإسرائيلى حرفيا فى غزة، وتسبب فى جرجرة إسرائيل إلى محكمة العدل الدولية بتهمة الإبادة الجماعية، وأصبح عليها لأول مرة الوقوف للدفاع عن سياساتها التى تعرت أمام العالم.الرهان على حل الدولتين هو المسألة التى عمل اليمين المتطرف الإسرائيلى على تدميرها بكل السبل فى أى فترة تولى فيها نتنياهو الحكم. ولكنه فعل أو يفعل ذلك وهو يراهن على أن الطرف العربى سيستمر فى الحل الثانى أو طريق السلام مع إسرائيل مهما فعلت. واعتبر نتنياهو أن الاتفاق الإبليسى (الإبراهيمى سابقا) هو الدليل على نجاح سياسته، لاسيما بعد اصطفاف عدد لا بأس به من الدول العربية للتطبيع مع إسرائيل. وحتى يوم 6 أكتوبر الماضى كادت القضية الفلسطينية أن تتلاشى فى ظل جهود الوساطة الأمريكية لضم السعودية إلى اتفاقية السلام الإبليسى مع إسرائيل. ثم جاءت حرب 7 أكتوبر لتغير المعادلة وتؤكد فشل سياسات اليمين الإسرائيلى الذى يظن أنه سيستولى على الأرض، ويطرد الشعب الفلسطينى، ومع ذلك سيستمر العرب فى التطبيع.
لذلك جن جنون السلطة اليمينية فى إسرائيل، وعبر نتنياهو عن ذلك قائلا يوم 23 نوفمبر «ليس هناك أمل فى السلام بين إسرائيل والفلسطينيين وبين إسرائيل والدول العربية إذا لم نقض على هذه الحركة القاتلة التى تهدد مستقبلنا جميعا». وكلما طال أمد الحرب كلما خسرت إسرائيل، فلا هى أخضعت الشعب الفلسطينى، ولا حصدت السلام، ولا حصلت على أسراها، بل تستمر المقاومة فى المقاومة. وهذا هو فشل اليمين الإسرائيلى بعينه. ونتنياهو وحكومته المتطرفة على يقين أن هذه هى فرصتهم الأخيرة، ولو أفلتت منهم، فلا مستقبل لليمين فى إسرائيل، وسيتلاشى معها حل الاستيلاء على فلسطين من النهر إلى البحر.

يدور هذا المشهد أمام أعين العالم الذى يدرك الآن أن ما تروج له الميديا الغربية ليس كل الحقيقة، وأن ثمة انفصاما بين صورة إسرائيل التى ظن أنه يعرفها وبين ما يقوم به جيشها أمام أعين الناس. لكن المهم الآن الشعوب العربية التى تعرف إسرائيل جيدا، والتى لا ترضى عما تشاهده، وترى الحرب تتوسع تدريجيا على خطوط التماس مع القوات الأمريكية فى اليمن، والعراق، وسوريا، وكان آخر ما رأته هو استهداف القوات الأمريكية فى قاعدة التنف فى شمال شرق الأردن. وهو الأمر الذى يستعصى على استراتيجية أمريكا فى المنطقة التى تفعل المستحيل لكيلا تظهر فى موقف المعتدى بجوار إسرائيل، وتحاول فصل المواجهات وكأنها لا علاقة لها بما يحدث فى فلسطين، وفى نفس الوقت تحاول إعادة إحياء حل الدولتين. وبدلا من الضغط على إسرائيل لوقف الحرب لكى تهدأ المنطقة وتنتهى المواجهات مع أنصار الله فى اليمن، والمليشيات الشيعية فى العراق وسوريا، فإن الولايات المتحدة مستمرة فى تصديها العسكرى حتى تعطى إسرائيل الفرصة كاملة لتحقيق أهدافها، على حساب شعوب المنطقة.

معتمر أمين – الشروق نيوز

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: من النهر إلى البحر

إقرأ أيضاً:

خانه الجميع (1)

قضية قديمة مستمرة فى كل حقبة أدبية لابد أن ترى فيها مثقفاً مظلوماً منبوذاً، لعل أبرز من يعبر عن هذه الظاهرة الشاعر عبد الحميد الديب, والشاعر نجيب سرور, والكاتب السينمائى الجاد محمد حسن الذى أودعه أحد مراكز القوة فى الستينيات مستشفى الأمراض العقلية ليتزوج زوجته وصولا لبطل قصتنا اليوم الأديب محمد حافظ رجب الذى تلقى الطعنات من الجميع.

رحل الكاتب والقاص محمد حافظ رجب، عن عمر ناهز 86 عاماً، بعد صراع طويل مع المرض، بعد حياة مأساوية منذ ولادته فى 6 مايو عام 1935، حيث عمل بائعاً متجولاً بجوار سينما ستراند فى الإسكندرية، وعاملاً فى مصنع للحلويات.

أقام (رجب) بالقاهرة لفترة قصيرة، وعمل فى المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب، ثم عاد إلى الإسكندرية عام 1962، وأصدر مجموعاته القصصية «غرباء» عام 1968، و«الكرة ورأس الرجل، ومخلوقات براد الشاى المغلي، وحماصة وقهقهات الحمير الذكية، واشتعال رأس الميت، وطارق ليل الظلمات، ورقصات مرحة لبغال البلدية، وعشق كوب عصير الجوافة، ومقاطع من جولة ميم المملة».

وشارك «رجب» فى صباه فى تأسيس الرابطة الثقافية للأدباء الناشئين، وقد عرفته أرصفة الإسكندرية بائعاً للفول والسجائر وأوراق اليانصيب، وهو صبى صغير، ولم يحصل إلا على الشهادة الابتدائية، ونشرت قصصه الأولى فى جريدة «المساء» التى كان يشرف على ملحقها الأدبى الكاتب عبد الفتاح الجمل، ثم أسس مع آخرون رابطة لكتّاب الطليعة فى الإسكندرية عام 1956، حيث كتب الراحل لطفى الخولى أن مستقبل القصة ينبع من هذه الرابطة.

وكان «رجب» قد أطلق صيحته الشهيرة: «نحن جيل بلا أساتذة» التى أشعلت معركة أدبية فى الستينات، تصدى لها يحيى حقي، وظل حافظ رجب يكتب القصة القصيرة منتمياً إلى أدب اللامعقول، الذى يعتبر أحد رواده، وبعد أن تعرض لتجربة قاسية فى القاهرة، عاد إلى مسقط رأسه فى الإسكندرية، وانقطع عن الكتابة فترة من الوقت، واختفى تماماً من الحياة الثقافية، ثم عاد إلى الكتابة فى أوائل الثمانينات من القرن الماضى.

ولم نجد خيراً من أخيه الكاتب السيد حافظ، ليحدثنا عن عبقريته لذاك تركنا هذه المساحة ليغوص فى أعماق المأساة, مؤكدين أن كل كلمة يتحمل صاحبها مسئوليتها تماما, كما أن حق الرد مكفول لأى شخص عنده ما يخالف ذلك موثقاً بالدليل القاطع والبرهان الساطع.

يقول الكاتب السيد حافظ

«جاء من أقصى مدينة الاسكندرية رجل يسمى محمد حافظ رجب إلى القاهرة الساهرة وأحيانًا الكافرة كما قال الشاعر الكبير أحمد عبد المعطى حجازى فى ديوانه (مدينة بلا قلب) يحمل أحلامًا كبيرة ممتطياً جواد أفكاره الاشتراكية والعدالة الاجتماعية منبهرًا بالأدب الروسى والكاتب العالمى مكسيم جوركى و«دستوفيسكى»، وأن البسطاء والفقراء هم سر الأرض وملحها.. حين ترك الإسكندرية ترك الأسرة ترك أباه صاحب المطاعم فى شارع شكور (ثلاثة مطاعم متنوعة).. ترك أباه وحيدًا وهو الابن الأكبر الذى عاش له من أحد عشر طفلًا ولدتهم أمه فسموه تبركًا «الشحات».. فتزوج أبوه من سيدة فاضلة أخرى وأنجب منها تسعة أطفال عاش منهم أربعة (السيد كاتب معروف وله أكثر من 150 كتاباً مؤلفاً.. وأحمد وكيل وزارة التربية السابق وله كتابان .. والدكتور رمضان طبيب كتب ثلاثة وثلاثين كتابًا فى علوم الدين والطب.. والدكتور عادل باحث وكتب أكثر من 25 كتابًا فى الرياضة والسياسة .

قرر «رجب» أن يكون مثل طائر النورس لا يهدأ أبدًا واجه أباه وأعلن رفضه أن يكون معه فى التجارة والإشراف على المطاعم واشتكى والده من مصاريفه التى كان ينفقها فى شراء كتب الأدب، فهى تحتاج إلى ميزانية خاصة، فقرر الانفصال عن الأسرة والبحث عن وظيفة تمكنه من القراءة والكتابة لأنه كان يؤمن بمستقبل كبير وأنه سوف يصبح كاتبًا عالميًا

فماذا حدث هذا.ما يعرفه فى المقال القادم.

‏ [email protected]

مقالات مشابهة

  • فكر جديد
  • مصرف المحيط بمكتب المحافظات
  • خانه الجميع (1)
  • إسرائيل دولة مارقة.. والحرب على غزة ضد الإنسانية
  • "السلام الآن": "إسرائيل" صادرت 12 ألف دونم في غور الأردن
  • "السلام الآن": "إسرائيل" صادرت 12 ألف دونما في غور الأردن
  • إسرائيل والنهايات التاريخية
  • الموقف العربي والإسرائيلي من الدولة الفلسطينية
  • السفير أبو علي: الشعب الفلسطيني يتعرض لأبشع عملية إبادة على مرأى ومسمع من العالم
  • المندوبية الدائمة لدولة فلسطين تشارك في اجتماع المؤتمر السادس الإقليمية لمقاطعة إسرائيل