36 ساعة أمضاها نحو 20 سفيرا أوروبيا وقريناتهم، يتقدمهم كريستيان برجر، سفير الاتحاد الأوروبي لدى مصر، بين محافظات القاهرة والإسكندرية وكفر الشيخ في جولة غير مسبوقة، بينها 20 ساعة قطعت خلالها ثلاث حافلات وعدة سيارات - كانت تقلهم - طرقا عديدة وطويلة بين وداخل المحافظات الثلاث على وقع درجات حرارة منخفضة وأمطار غزيرة لم تشكل عائقا أمام رغبتهم وحرصهم على إكمال جولتهم بسلاسة، بل وإضافة محطات أخرى لم تكن مدرجة على برنامج الجولة.


جولة استغرقت في عمر الزمن 36 ساعة فقط كانت كافية ليرصد المحرر الدبلوماسي لوكالة أنباء الشرق الأوسط كيف وقع سفراء دول متقدمة ومتعددة الثقافات وقريناتهم في سحر حضارة مصر وحاضرها، مثلما كانت كافية ليرى كيف طغت مشاعر الشغف والانبهار بمعالم وآثار مصر وأسرارها الكامنة في جنبات مدنها وقراها على مظاهر الإرهاق من تعدد محطات الجولة وطول المسافات.

وفي الإسكندرية حاضنة الحضارات وعنوان الإنسانية والتعايش والتسامح وتعدد الثقافات، وفي كفر الشيخ أرض حورس التي احتضنته حتى اشتد ساعده ليقاتل وينتصر - في أول معركة بالتاريخ - للخير على الشر وفق القصة المصرية التاريخية الأشهر والأعمق، كانت أشياء كثيرة مقررة وكانت أشياء أخرى أعمق رتبتها الأقدار.

ومع كل كيلو متر من مسافات الرحلة بين بقاع شمال دلتا مصر النابض بالحياة والطاقة والأمل، ومع تنامي مشاعر الولع والشغف بأسرار حضارة مصر وحاضرها، امتدت محطات الجولة التي كان هدفها تفقد مشروعات المياه والصرف الصحي العملاقة التي شاركت في تمويلها دول الاتحاد الأوروبي، وأسهمت بشكل واضح في حل مشكلة صرف الأمطار الغزيرة في الإسكندرية وكفر الشيخ هذا العام.

وبلغ الانبهار ذروته عندما وصل الوفد الدبلوماسي الكبير والمرموق للمحطة الأخيرة والتي تمت إضافتها لبرنامج الرحلة، وهي رؤية "أثر قدم السيد المسيح" وهو طفل على صخرة محفوظة بعناية شديدة في كنيسة السيدة العذراء الأثرية بسخا في كفر الشيخ، حيث إن إحدى أهم نقاط مسار العائلة المقدسة في مصر.

وقبل زيارة الكنيسة الأثرية ورؤية أثر قدم السيد المسيح والمخطوطات التاريخية النادرة المحفوظة بعناية بداخلها، كان السفراء الأوروبيون يظنون خلال زيارتهم لمتحف كفر الشيخ - إحدى حاضنات كنوز وأسرار مصر الكامنة - أن مشاعرهم قد بلغت ذروة الانبهار وهم يطالعون في جنباته الآثار المنقوشة على الأحجار، وهناك عرفوا كيف كانت بها مدينة اسمها "بوتو" أول عاصمة لشمال مصر قبل توحيد شمالها وجنوبها على يد "مينا" موحد القطرين.

عرفوا أن هذه المحافظة الجميلة التي لم يسبق للكثيرين منهم زيارتها كانت تحمل اسم "أرض حورس"، حيث شهدت مولده واحتضان طفولته ليظل رمزا لها ولمصر على مدار القرون.

عرفوا وشاهدوا وسمعوا تفاصيل القصة القديمة الكامنة في وجدان مصر وشعبها، قصة إيزيس وأوزوريس وابنهما حورس وثأره وانتصاره على عمه "ست"، قصة انتصار الخير على الشر، وبالأحرى قصة مصر فجر الضمير.

وهناك في كفر الشيخ، عرفوا كيف انتصر حورس للحق والخير ليعيد العدالة والنظام لوادي النيل وللأرض، ومن بعدها ظل "حورس" أقدم لقب ملكي في مصر، ولقبا وحيدا قرينا بكل حاكم أو ملك لمصر منذ عصر ما قبل الأسرات وحتى الأسرة الثانية.

وقبل زيارة المتحف وخلال اللقاء مع محافظ كفر الشيخ جمال نور الدين، سمع السفراء عن كنيسة السيدة العذراء وما تحتضنه من آثار وعلامات وأسرار، سمعوا وعرفوا أن بداخلها تقبع تلك الصخرة، الصخرة التي ضربها السيد المسيح وهو طفل بقدمه فانشق عنها الماء بعد دخوله برفقه والدته السيدة مريم العذراء إلى هذه المدينة في رحلة العائلة المقدسة داخل مصر سعيا للأمان وهربا من بطش الملك الروماني هيرودس قاتل الأطفال، سمعوا فلم يكتفوا بالسمع وقرروا أن يشاهدوا، فتمت إضافة زيارة الكنيسة كمحطة أخيرة لجولتهم لتكتمل بداخلهم مشاعر الانبهار.

وبين كفر الشيخ والإسكندرية وتحت الأمطار الغزيرة خلال يوم ونصف اليوم هو عمر هذه الجولة، طالع السفراء معالم من حاضر مصر، طالعوا كيف يتم تطوير منطقة محطة الرمل والمنشية وهذا المزيج الإنشائي بالغ التميز بين طرازات مدارس البناء الأوروبية ليعكس امتزاج الحضارات التي سكنت شعوبها تلك المدينة الساحرة عنوانا للتعايش والتسامح الإنساني حقا لا قولا، وشاهدوا في طريقهم بين الإسكندرية وكفر الشيخ، بحيرة البرلس البديعة وعملية التطوير الجارية فيها لإعادتها لسابق عهدها. 

وطالعوا المزارع السمكية والطريق الساحلي الذي يربط دول شمال أفريقيا، وشاهدوا واستمعوا لشباب مصر المبدع وأفكارهم وأبحاثهم الخلاقة حول كيفية مواجهة إشكاليات تغير المناخ وتأثيراتها على المياه.

وطالع السفراء الأوروبيون وسط كل ذلك الزخم شريطا تاريخيا يمتد آلاف السنوات ليعكس بجلاء عظمة مصر وعمق الشخصية المصرية مثلما يعكس ملامح الحاضر والمستقبل.

وفي حضرة المتحف الروماني - اليونانى بالإسكندرية، وبعد أن التقوا محافظها محمود الشريف، طالع السفراء من الآثار ما جسد بصمة مصر وحضارتها الملهمة على الحضارتين الرومانية والبطلمية منذ نشأة الإسكندرية في القرن الثالث قبل الميلاد إلى القرن الثالث بعد الميلاد.

استمعوا وشاهدوا كيف صهرت الإسكندرية بروح مصر حضارات وحضارات مثلما شهدوا بإعجاب تطوير المنطقة المحيطة بالمتحف بمبانيها وشوارعها العتيقة بمعايير الهوية البصرية لتحمل نفس الطابع اليوناني الروماني للمتحف، فتصبح معه تلك المنطقة أحد أهم معالم المدينة وفي قلب خارطتها الثقافية والسياحية.

ومثلما طور أجدادنا في مصر وأوروبا جارنا الشمالي المتوسطي شراكة حضارية إنسانية بكل ما تعنيه الكلمة عكستها معالم التاريخ الذي يربط شعوب الجانبين، فقد تزامنت الجولة مع علامات بارزة على إرادة راسخة للجانبين لتطوير شراكة مصرية مع الإتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء تتجسد معها وبها آفاق التعاون في الحاضر والمستقبل والخطوات البناءة التي يجرى تدشينها في الوقت الراهن لترفيع العلاقات بين الجانبين.

ولم يكن مفاجئا في هذا الإطار أن يسبق تلك الجولة انعقاد الاجتماع العاشر لمجلس المشاركة بين الاتحاد الأوروبي ومصر في بروكسل في 23 يناير المنصرم، وهو الاجتماع الذي يواكب الذكرى العشرين لدخول اتفاقية المشاركة حيز النفاذ عام 2004 ويؤكد الشراكة القوية ومتعددة الأوجه بين الطرفين، حيث أعلن الجانبان اعتزامهما الارتقاء بالعلاقات إلى مستوى "الشراكة الشاملة والاستراتيجية".. ووقعا على اتفاق البروتوكول الإطاري الذي يمهد الطريق لمشاركة مصر في برامج الاتحاد الأوروبي، وبالتالي زيادة توطيد التواصل بين الشعوب.

ولم يكن مفاجئا كذلك أن يعقب تلك الجولة بيوم واحد إبلاغ مفوض الاتحاد الأوروبي لسياسة الجوار والتوسع "أوليفر فارهيلي"، في اتصال هاتفي منذ يومين، وزير الخارجية سامح شكري، بالمستجدات الخاصة بإقرار قمة دول الاتحاد الأوروبي، التي عقدت في بروكسل، لمخصصات مالية إضافية إلى دول الجوار للاتحاد الأوروبي ومن بينها مصر، في إطار المراجعة النصفية للميزانية الأوروبية للفترة (2021 - 2027)، وما يتضمنه هذا القرار من تخصيص دعم مالي واقتصادي إضافي لمصر.

وإذا كانت الجغرافيا قد اختارت أن تكون مصر جار أوروبا المتوسطي جنوبا، وإذا كان التاريخ قد اختار أن تتلاحم حضارات مصر منذ الأزل بحضارات أوروبا، فقد جاءت تلك الجولة - بروحها الاقتصادية والثقافية والحضارية - لسفراء دول أوروبا واللقاءات والزيارات التي تمت على هامشها لتؤكد أن صفحة المستقبل سيكون عنوانها مثلما سطورها شراكة متميزة لصالح شعوب الجانبين مثلما لصالح الحضارة والإنسانية.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الاتحاد الأوروبی السید المسیح کفر الشیخ

إقرأ أيضاً:

ضبط عدد قياسي من السلع المقلدة في الاتحاد الأوروبي عام 2023

أفادت المفوضية الأوروبية بأن سلطات الجمارك في الاتحاد الأوروبي صادرت عددا قياسيا من المنتجات المقلدة في سوق التكتل عام 2023.

وجاء في تقرير مشترك صادر عن المفوضية الأوروبية ومكتب الاتحاد الأوروبي للملكية الفكرية:”مع احتجاز أكثر من 138 مليون قطعة بقيمة 7ر2 مليار يورو (9ر2 مليار دولار)، يمثل عام 2023 عاما قياسيا لسوق الاتحاد الأوروبي الداخلي، محققا أعلى القيم في السنوات الـ12 الأخيرة”.

وصادرت السلطات أكثر من 152 مليون قطعة على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي وفي السوق الداخلية العام الماضي، بزيادة 77% مقارنة بـ86 مليون قطعة صودرت في العام السابق.

وارتفعت قيمة المنتجات المقلدة المكتشفة بنسبة 68% لتصل إلى حوالي 4ر3 مليار يورو. وكما في العام السابق، كانت الألعاب المزيفة من بين العناصر الأكثر مصادرة.

وتعزو الوكالة الزيادة الكبيرة إلى التجارة الإلكترونية، حيث يجري إرسال الغالبية العظمى من المنتجات المقلدة عبر البريد. في المقابل، انخفض عدد السلع المصادرة على الحدود الخارجية.

ويأتي أكثر من نصف هذه المنتجات المقلدة من الصين بنسبة 56%، تليها دول آسيوية أخرى،بحسب التقرير.

جريدة الرياض

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • المهاجرون إلى أوروبا.. هذا هو ميثاق الهجرة الجديد
  • بسبب أحداث غزة.. الاتحاد الأوروبي يدرس فرض عقوبات تجارية على إسرائيل
  • بوريل: سأقترح على الاتحاد الأوروبي تعليق الحوار السياسي مع إسرائيل
  • الشيخ كمال الخطيب يكتب .. إن كانت للجدران آذان فإن للملائكة أقلامًا
  • بلومبرج: الاتحاد الأوروبي يخطط لتبني حزمة أخرى من العقوبات ضد روسيا
  • ضبط عدد قياسي من السلع المقلدة في الاتحاد الأوروبي عام 2023
  • نائب: سفراء وممثلو بعثات أجنبية جاءوا للبرلمان لمنع تشريع قانون مكافحة “الشذوذ”
  • السفير المصري في بروكسل يلتقي رئيسة البرلمان الأوروبي
  • الاتحاد الأوروبي سيناقش موضوع نقل الأصول الروسية لأوكرانيا
  • بوريل: على الاتحاد الأوروبي ان يقرر ما اذا كان سيواصل دعم كييف