الجزيرة:
2025-04-05@05:49:11 GMT

واشنطن تعود إلى موازنتها بين تركيا واليونان

تاريخ النشر: 4th, February 2024 GMT

واشنطن تعود إلى موازنتها بين تركيا واليونان

بعد عامين تقريبًا من المفاوضات الشاقة بين تركيا والولايات المتحدة حول طلب الأولى شراء 40 مقاتِلة من طراز (إف-16) الأميركية، وما يقرب من 80 من مجموعات التحديث، قرّرت واشنطن أخيرًا أن الوقت قد حان لإتمام الصفقة. ومع أن تقديم الإدارة الأميركية إخطارًا رسميًا للكونغرس بالصفقة جاء في إطار عملية المساومة مع أنقرة على مصادقة الأخيرة على عضوية السويد في حلف شمال الأطلسي الناتو، مقابل تحرك واشنطن لإتمام صفقة المقاتِلات، إلا أن الدوافع الأميركية لتمرير هذه الصفقة تتجاوز في الواقع ملفّ السويد، وإن لعبت المساومة بين المسألتين دورًا حاسمًا في النهاية.

هذه الدوافع بدأت بالظهور بعد الحرب الروسيّة على أوكرانيا، عندما أدركت واشنطن الحاجة إلى إعادة ضبط علاقاتها المضطربة مع أنقرة، والاستفادة من قيمتها الجيوسياسية الثمينة بالنسبة للغرب في صراعه الجديد مع روسيا.

علاوة على ذلك، فإنّ الضغوط التي مارستها واشنطن والدول الأوروبية على أنقرة خلال السنوات الماضية، ومحاولة معاقبتها على خياراتها الجيوسياسية الجديدة، ونزعتها الاستقلالية في السياسة الخارجية، لم تنجح في التأثير على سياساتها الخارجية، وعلاقاتها مع روسيا على وجه الخصوص.

إن أهمّ النتائج المستخلصة من فترة التوترات الأميركية-التركية الكبيرة خلال العقد الماضي، تتمثل في أن التخلي الأميركي عن العلاقات المتوازنة مع أنقرة وأثينا لم يؤدِّ سوى إلى مفاقمة التوترات بين حليفين للولايات المتحدة

وبهذا المعنى، فإن انفتاح الغرب على تركيا في السنوات الثلاث الماضية، كان نتيجة حاسمة لتداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية ولضعف إستراتيجية الضغوط الغربية على أنقرة.

لذلك، فإن التحرك الأميركي الراهن لإتمام صفقة المقاتلات مع تركيا مُرتبط بديناميكيات مُتعددة في السياسة الأميركية تجاه أنقرة؛ وعلى رأسها محاولة واشنطن إعادة تشكيل سياستها مع كل من تركيا واليونان. ولم يكن مفاجئًا أن تعمل الولايات المتحدة أيضًا على تمرير صفقة بيع اليونان مقاتلات من طراز (إف-35) بالتوازي مع بيع تركيا مقاتلات (إف-16).

هنا تبرز أيضًا الكيفية التي عملت بها الزيارة التاريخية الأخيرة للرئيس رجب طيب أردوغان إلى أثينا على تحفيز الولايات المتحدة للمضي قدمًا في إتمام عمليتَي البيع لأنقرة وأثينا.

بقدر ما إن التوترات التركية اليونانية خلال السنوات الماضية شكّلت فرصة لواشنطن لتعزيز تعاونها الدفاعي مع اليونان من أجل تعزيز حضورها في شرق البحر المتوسط والضغط على أنقرة؛ بسبب خياراتها الجيوسياسية المستقلة عن الغرب وتقاربها مع روسيا، فإنّها عملت في المقابل على إضعاف قدرة واشنطن على التأثير في ديناميكيات التوترات التركية – اليونانية. وقد بدا في تلك الفترة أن الولايات المتحدة تتخلّى عن نهجها التاريخي في موازنة علاقاتها مع أنقرة وأثينا.

ويُمكن القول إن انجراف التوترات التركية – اليونانية في عام 2020 إلى حافة الصدام المسلح عكس في جانب أساسي انحراف واشنطن عن نهج التوازن في علاقاتها مع تركيا واليونان. لذا، ينبغي النظر إلى مزامنة الولايات المتحدة لعمليتَي بيع تركيا واليونان المقاتلات الجديدة من منظور سعيها إلى العودة إلى نهج التوازن.

وهذه العودة إلى نهج التوازن تُحقق فوائد جيوسياسية كبيرة للولايات المتحدة، إن على صعيد إعادة ضبط علاقاتها مع حليف مهم كتركيا، أو على صعيد تعظيم قدرتها في التأثير على ديناميكية العلاقات الجديدة بين تركيا واليونان، وجعلها قابلة للاستدامة لفترة طويلة، فضلًا عن تعزيز التّناغم داخل حلف شمال الأطلسي، وتعظيم الدور الأميركيّ في المنافسة الجيوسياسية مع روسيا في البحر الأبيض المتوسط.

مع ذلك، سيبقى الوجود العسكري الأميركي في اليونان يُشكل عامل ضغط على العلاقات التركية – الأميركية، لكنّ العودة الأميركية إلى نهج التوازن يُمكن أن تُساعد في خلق بيئة جديدة في التفاعلات الأميركية مع أنقرة وأثينا.

إن أهمّ النتائج المستخلصة من فترة التوترات الأميركية – التركية الكبيرة خلال العقد الماضي، تتمثل في أن التخلي الأميركي عن العلاقات المتوازنة مع أنقرة وأثينا لم يؤدِّ سوى إلى مفاقمة التوترات بين حليفين للولايات المتحدة. والعودة إلى نهج التوازن لا تخلق فرصًا جديدة للولايات المتحدة لتعزيز الوضع الجديد في العلاقات التركية – اليونانية فحسب، بل يُمكن أن تساعدها في تقويض قدرة روسيا على الاستفادة من الاضطرابات التركية – الغربية لتعميق شراكتها مع أنقرة.

إذا كانت الحرب الروسية – الأوكرانية فرضت على حلف الناتو التكيف مع التحدي الجديد مع روسيا بإحداث موجة توسع جديدة للحلف، فإنه من الأهمية بمكان العمل أيضًا على إعادة ترميم العلاقات المتصدعة بين أعضاء الحلف نفسه، إن كان على مستوى تركيا واليونان، أو على مستوى تركيا والولايات المتحدة.

في نهاية المطاف، تبقى كل من تركيا واليونان حليفين لا غنى عن أحدهما بالنسبة للولايات المتحدة، حتى لو بدت أثينا أقرب إلى التوجهات الغربية من أنقرة. وفي ظل البيئة الشرق أوسطية المضطربة التي أفرزتها الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والتحديات الهائلة التي تواجهها الولايات المتحدة للحفاظ على مكانتها وتأثيرها في السياسات الشرق أوسطية، فإن أهمية تركيا في السياسات الأميركية في الشرق الأوسط أصبحت أكبر من أي وقت مضى.

وبالنسبة للدول الأوروبية، فإن العودة الأميركية إلى نهج التوازن بين تركيا واليونان تُحقق لها فوائد جيوسياسية كبيرة أيضًا. فمن جانب، سيكون الدور الأميركي محوريًا منذ الآن وصاعدًا في الحفاظ على حالة التهدئة بين تركيا واليونان، ومنع انجراف العلاقات بين البلدين مرّة أخرى إلى دائرة التوترات التي ضغطت على العلاقات التركية – الأوروبية في السنوات الماضية. ومن جانب آخر، فإن تطور العلاقات الجديدة بين تركيا واليونان إلى تعاون في مجال الطاقة يكتسب أهمية بالغة لأوروبا في إطار مساعيها لفطم نفسها عن الغاز الروسي.

 

في خضم التوترات التركية – اليونانية نهاية العقد الماضي، ساعد اعتقاد بأن الولايات المتحدة بدأت تنظر إلى تعزيز علاقاتها مع اليونان على أنها بديل لها عن شراكتها الإستراتيجية مع تركيا. لكن مساعي واشنطن للعودة إلى نهج التوازن في علاقاتها مع تركيا واليونان تُظهر عدم واقعيّة هذا الاعتقاد وأن الشراكة مع تركيا لا تزال حيوية لواشنطن.

 

 

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: بین ترکیا والیونان الولایات المتحدة للولایات المتحدة علاقاتها مع مع روسیا مع ترکیا

إقرأ أيضاً:

بين التحذير والوعيد.. إلى أين تتجه العلاقات الأميركية الإيرانية؟

طهران- شهدت العلاقات الأميركية الإيرانية تصعيدا جديدا الأيام الأخيرة، حيث حذرت إيران أمس الثلاثاء من أي عمل عسكري ضدها بعد تهديد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بقصفها مؤكدة أنها سترد بشكل حاسم.

ووجّه الحرس الثوري الإيراني في بيان تحذيرا لمن وصفهم بالأعداء من "ارتكاب أي أخطاء في الحسابات أو أوهام شريرة تجاه الأراضي الإيرانية".

ويأتي هذا التصعيد في وقت حساس بالنسبة للملف النووي الإيراني، حيث أشار علي لاريجاني مستشار مرشد الثورة -في تصريحات له يوم الاثنين- إلى تداعيات أي تحرك أميركي ضد البرنامج النووي. وقال في مقابلة مع التلفزيون الرسمي إن "أي خطأ أميركي تجاه النووي الإيراني سيجبرنا على اتخاذ مسارات أخرى، وقد يضطرنا تحت ضغط الشعب إلى تصنيع سلاح نووي".

???? كبير مستشاري قائد الثورة الإسلامية علي لاريجاني:

????إذا قصفت أمریکا أو إسرائیل إيران بذريعة برنامجها النووي، فستُجبر إيران على التوجه نحو إنتاج القنبلة الذرية

????إسرائیل لا تملك القدرة وحدها على مواجهتنا وكانت دائما أداة بيد واشنطن في المنطقة pic.twitter.com/ge1K0eFKLk

— إيران بالعربية (@iraninarabic_ir) March 31, 2025

وتمثل التصريحات الأخيرة تطورا جديدا في السجال بين واشنطن وطهران، وسط ظروف إقليمية ودولية معقدة، حيث يبقى الوضع محط ترقب في ظل استمرار الضغوط السياسية والاقتصادية على إيران. وتستمر الأطراف الدولية في محاولة احتواء هذه التوترات، بينما تبقى الأسئلة مفتوحة حول ما إذا كانت التصعيدات الحالية ستؤدي إلى إجراءات أكبر أو ما إذا كانت ستفتح المجال أمام فرص دبلوماسية جديدة.

#عراقجي: حسب معلوماتنا فإن الولايات المتحدة تسلمت ردنا واطلعت عليه pic.twitter.com/BAoKtNvSD8

— قناة الجزيرة (@AJArabic) March 31, 2025

إعلان باب للتفاوض

قال المحلل السياسي مصطفى فقيهي إن تصريحات لاريجاني، إلى جانب تصاعد التهديدات المتبادلة بين إيران وأميركا، تمثل جزءا من أحجية المفاوضات والاتفاق، وهي خطوة تهدف إلى تقليل التنازلات المقدمة، كما يمكن تفسير مسألة نشر قاذفات "بي2" (B2) في قاعدة دييغو غارسيا في أرخبيل تشاغوس ضمن هذا الإطار.

وتابع في حديثه للجزيرة نت أنه في الأساس، الشعار الذي ترفعه إدارة ترامب هو "السلام من خلال القوة" أي تحقيق الاتفاق عبر ممارسة الضغط والتهديدات الموثوقة.

وأضاف أنه يمكن أيضا تفسير تصريحات لاريجاني في سياق تبني نهج مماثل أو مواجهته. ورغم ذلك، فقد ترك كل من لاريجاني والبيت الأبيض باب التفاوض مفتوحا، حيث تحدث لاريجاني، وللمرة الأولى، عن التعاون الاقتصادي مع الولايات المتحدة.

ومن ناحية أخرى، وفق فقيهي، قد تعكس هذه التهديدات أجواء متوترة وأزمة محتملة. وبهذا المعنى، يبدو أن لاريجاني قد أعلن موقفه الحاسم منذ البداية، مما يحدد معالم المرحلة المقبلة، لكن مثل هذا التهديد قد يكون أيضا "مجازفة" توفر مبررا لشن هجوم على إيران.

ومع ذلك، يبدو أن هناك تباينا في المواقف داخل كل من إيران والولايات المتحدة. ففي واشنطن، يتحدث مستشار الرئيس للأمن القومي مايكل والتز عن اتفاق خاص، بينما يشير ستيف فيتكاف (مكلف واشنطن بالعلاقات الدبلوماسية مع إيران) إلى إمكانية التوصل إلى اتفاق مرن شبيه بالاتفاق النووي السابق.

أما في طهران، فقد عبر كل من وزير الخارجية وممثل المرشد الأعلى عن مواقف معارضة لتصريحات لاريجاني، وفقا للمتحدث.

وختم بالقول إن الوضع حساس، بشكل عام، وأي سوء تقدير قد يخرج الأمور عن السيطرة، ولكن إذا سارت الأحداث بشكل طبيعي ولم يتم التوصل إلى اتفاق، فمن غير المرجح أن نشهد -بحلول شهر مهر (سبتمبر-أكتوبر)- أزمة بحجم حرب بحرية محتملة.

#ترمب يهدد إيران: التوصل إلى اتفاق نووي أو التعرض لقصف لا مثيل له#شبكاتpic.twitter.com/JmSAcTCLEz

— قناة الجزيرة (@AJArabic) March 31, 2025

إعلان استبعاد الحرب

أوضح رئيس تحرير صحيفة الوفاق الحكومية مختار حداد أنه عندما يتم تهديد إيران من الطبيعي أن ترد. وبالنسبة لمستقبل التطورات، استطرد أن هذا يعود إلى السلوك الأميركي، وأن إيران "أثبتت من خلال عمليتي الوعد الصادق الأولى والثانية، وبعد اغتيال الفريق الحاج قاسم سليماني أنه عندما يتم إجراء أي عملية تستهدف الجمهورية الإسلامية بأي شكل من الأشكال فإنها ترد".

وفي السياق، اعتبر حداد، في حديثه للجزيرة نت، أن هذه المستجدات توصل رسالة بأن الحوار إذا تم فسيكون غير مباشر وحول إحياء الاتفاق النووي فقط ولا يوجد حوار حول أي قضايا أخرى مثل قدرات إيران الدفاعية والقضايا الإقليمية، وكذلك فالحوار لن يتم تحت الضغط والتهديد وفرض عقوبات، وبالتالي هذا يوضح أن مستقبل الأزمة يعود إلى السلوك الأميركي.

ويعتقد المتحدث ذاته أن دول المنطقة لا تقبل بأن يستهدف الأميركان الأمن والاستقرار في المنطقة، معتبرا أن التصريحات الإيرانية الأخيرة ليست رسائل دبلوماسية فقط بل هي تحذير للأميركان. وعليه، استبعد حداد المواجهة العسكرية في المدى القصير.

مقالات مشابهة

  • السر في "الزيارة التركية".. كواليس ضربة إسرائيل لقواعد سوريا
  • مساعي تركيا لإنشاء قاعدة جوية في سوريا تُثير مخاوف إسرائيل
  • بالصور | زيارة رسمية.. الفريق صدام خليفة يلتقي وزير الدفاع وقائد القوات البرية التركية في أنقرة
  • مقتل 16 مهاجرا في حادثتي غرق قبالة سواحل تركيا واليونان
  • مبعوث لبوتين في واشنطن لتحسين العلاقات بين البلدين
  • فيدان في واشنطن: ملامح بداية جديدة للعلاقات التركية- الأميركية
  • فيدان في باريس.. محطة جديدة في مسار العلاقات التركية الفرنسية المتوترة
  • الكرملين: مبعوث بوتين قد يزور واشنطن لبحث تعزيز العلاقات الثنائية
  • السفير العراقي في أنقرة: السوداني سيبحث في تركيا طريق التنمية وملف الطاقة
  • بين التحذير والوعيد.. إلى أين تتجه العلاقات الأميركية الإيرانية؟