حضارة اليمن بين واقع صعب وماض في “المزاد العلني”
تاريخ النشر: 4th, February 2024 GMT
يمن مونيتور/اندبندنت
لا تقتصر أزمات اليمنيين على زمنهم الحاضر، ولكنها امتدت لتطاول ماضيهم المشرق الذي لم يحافظ عليه الأحفاد، حتى بات تاريخ الأجداد عرضة للمتاجرة العلنية والبيع في مزادات الدنيا لتمثل نهاية تراجيدية لإرث واحد من أبرز البلدان غنى بحضاراته القديمة.
وعلاوة على حالة التسيب التي طاولت الإرث الإنساني ومواقعه منذ عقود، شكلت الحرب التي أشعلتها ميليشيات الحوثي عامل هدم إضافياً بلغ تهريب القطع الأثرية والمخطوطات والمتاجرة بها خارج البلاد وهذه المرة في مزاد علني.
في هذا الصدد عرضت عدد من المتاحف العالمية في مزاد عالمي بيع أكثر من 40 قطعة أثرية “ذهبية وبرونزية” من تاريخ اليمن القديم ستعرض في الـ30 من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
وكشف الباحث الأثري عبدالله محسن في منشور بصفحته على “فيسبوك” عن عرض “دار مزادات تايم لاين في لندن ما يزيد على ستة آلاف قطعة أثرية من أنحاء العالم منها (110) قطع أثرية مصرية، وأكثر من (40) قطعة ذهبية وبرونزية من آثار اليمن القديم”.
وأشار إلى أن القطع الأثرية من مجموعات تجار آثار من فرنسا وبريطانيا واليابان وإسرائيل، أبرزهم شلومو موساييف.
بيع المادي والمعنوي
وأكد محسن أن من المعروضات آثاراً على هيئة جمل مصنوع من سبائك النحاس مع نقوش بالغة التعقيد في أحد جانبيه، بحسب وصف المزاد، من القرن الثاني أو الثالث الميلادي، وزنه (104) غرامات، استحوذت عليه مجموعة فرنسية في الثمانينيات، وقد أرسلت صورته إلى أحد المتخصصين في هذا النوع من الآثار لدراسته.
وأضاف “من ذات المجموعة الفرنسية يعرض تمثال جمال مع جمله المصنوع أيضاً من سبائك النحاس من القرن الثاني إلى الأول قبل الميلاد وارتفاعه (8 سم) ويزن (120) غراماً”.
أما المجموعات الذهبية فيوضح الباحث محسن أن “شركة المزادات عادة فإنها تكتب اسم الدولة التي تنتمي الآثار الذهبية إليها مثل فارس والعراق ومصر، إلا اليمن فإنها تدرجها غالباً تحت مسمى عام (ذهب غرب آسيا)”.
ولفت إلى أن اليمن إحدى أبرز دول هذا النطاق الجغرافي التي لها تسمياتها المستقلة في المزاد دون اليمن، مضيفاً “بمطابقة الآثار الذهبية من هذا النوع مجهولة الدولة بمجموعات الذهب اليمني في المتحف البريطاني وجدت أنها متطابقة معها، مما يؤكد أنها من اليمن”.
تقاسم التاريخ
وأورد أرقاماً يمكن الرجوع إليها للحصول على معلومات إضافية منها الرقم المرجعي في المتحف البريطاني (136818) أو رقم التسجيل (1977,0226.20) وإلى مجموعات الذهب المهداة والمبيعة من شريف “أمير” بيحان حسين الهبيلي إلى الضابط البريطاني نيكولاس رايت.
وكان الهبيلي اشترط على بعثة ويندل فيلبس أن له أي تحف من الذهب يتم اكتشافها وللبعثة بقية الآثار، مما يدعو إلى السخرية وإلى الحزن في الوقت ذاته، وفق محسن.
وبين حين وآخر تعرض مواقع متخصصة بالمزادات العالمية بيع مجموعة كبيرة من قطع آثار يمنية نادرة وقيمة منهوبة.
عوائق وإمكانات
تعليقاً على الحادثة، يقول سفير اليمن لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “يونيسكو” محمد جميح، إن في الدول التي تعاني ما نعانيه من نهب وسرقة وتهريب للآثار تتوفر لديها هيئات مخصصة وشرطة لحماية الآثار ومنع تهريبها.
ويضيف “في اليمن نعاني غياب هذا الأمر بسبب ارتخاء القبضة الأمنية خلال الحرب وما قبلها، مما أدى إلى خروج كثير من الآثار المهمة التي منها نقوش تؤرخ لفترات من تاريخ اليمن القديم”.
يوضح أن هذه الإشكالات “موجودة منذ ما قبل الحرب فكيف ستكون الحال في زمن الحرب والصراع والانقسام؟”.
في شأن المعالجات الحكومية يؤكد أن الأمر “ليس بالسهولة التي يقوم بها فرد أو مسؤول في الداخل أو الخارج، ولكن هذا يحتاج إلى هيئة متكاملة تتحمل مسؤولية منع خروج الآثار ومتابعتها في حال خروجها”.
بين الهبات والعلاقات
يشير إلى أن عملية الحماية تحتاج أيضاً إلى “رصد يحتاج إلى أموال كثيرة، لأن الآثار التي هربت وعرضت في مزادات لا نستطيع أن توقف بيعها ما لم يكن لديك أمر قضائي، والأمر يحتاج إلى تحقق لإثبات ملكيتك”. يضيف “وحتى في حال الإثبات لا بد من التحقق من أنها خرجت من البلاد بطريقة غير مشروعة أو الاتجار غير المشروع بالآثار، لأن بعض الآثار خرجت بطرق مشروعة”.
عن هذا الأمر يوضح أن “هناك آثاراً أعطيت للسياح وغيرهم كهبات، كما هي الحال في فترة السلاطين خلال فترة الاستعمار البريطاني والحكم الإمامي، وهذا الأمر نواجهه في بريطانيا وأميركا لأنها خرجت بتصريح معترف به حينها، فلا بد من إثبات هذه القطعة بأنها يمنية وأنها خرجت بطريقة غير مشروعة، ثم تأتي الخطوة الثالثة المتعلقة بالمقاضاة التي تقوم بها شركة محاماة دولية وفي هذه الظروف لا نستطيع توفير الأموال اللازمة لهذه الشركات”.
عن الحلول المتاحة لهم كهيئات حكومية معتمدة ومعنية يقول إن “كل ما نستطيع استعادته سيأتي في إطار العلاقات الثنائية والاتفاقات بين دولتين، كما حصل مع النموذج الأميركي عندما أعادت الولايات المتحدة أكثر من 70 قطعة وممتلكاً ثقافياً يمنياً، تسلمتها السفارة اليمنية في واشنطن وكذلك في فرنسا تم التحفظ على 17 قطعة لحين البت فيها قضائياً”.
من ضمن الحلول اللازمة يعتقد جميح أن أهمها “إبرام اتفاقات أو مواثيق بيننا وبين عدد من الدول التي تهرب إليها قطع أثرية كما هي الحال بالاتفاقات المتعلقة بالمطلوبين للعدالة على سبيل المثال”.
وتعرضت الآثار والمخطوطات اليمنية لعملية تجريف ونهب وتهريب إلى خارج البلاد منذ عقود ولكنها تضاعفت خلال الأعوام الأخيرة، وجرى بيعها في بلدان مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإسرائيل.
وكانت الحكومة الشرعية قد قالت في وقت سابق إنها ستتبع كل الخيارات لاستعادة مئات القطع الأثرية المهربة من البلاد، بعد أن رصد بعضها معروضاً للبيع في مزادات تجارية بأوروبا.
وتتهم الحكومة ميليشيات الحوثي بنهب وتدمير عدد كبير من المواقع الأثرية والتاريخية التي تقع تحت سيطرتها والتورط في تهريب كثير من القطع الأثرية لتمويل مشاريعها.
ولم يصدر عن الحوثيين أي تعليق إزاء هذه التهم.
وفي وقت سابق، قال أمين العاصمة صنعاء في الحكومة الشرعية، عبدالغني جميل، إن الميليشيات هربت وأخفت ما يزيد على 14 ألف مخطوطة يمنية نادرة ومئات القطع الأثرية.
وفي عام 2021 نهبت عصابات محتويات متحف “ظفار” في محافظة إب (وسط البلاد) من بينها مقتنيات أثرية تعود إلى عهد الدولة الحميرية التي حكمت اليمن بين عامي 115 قبل الميلاد و752 ميلادية.
المصدر: يمن مونيتور
كلمات دلالية: التاريخ الحضارة اليمن القطع الأثریة
إقرأ أيضاً:
معهد إسرائيلي: الهجمات من اليمن ستستمر ما دامت “إسرائيل” ماضية في عدوانها على غزة
الجديد برس|
في تحليل موسع نشره معهد الأمن القومي الإسرائيلي، تم التأكيد على أن التهديد الذي تمثله قوات صنعاء ضد “إسرائيل” ليس مجرد انعكاس للحرب في غزة، بل هو عنصر متداخل معها بشكل مباشر.
وأشار التقرير إلى أن الهجمات الصاروخية من اليمن ستستمر ما دامت “إسرائيل” ماضية في عدوانها على قطاع غزة، وهو ما يضع تحديات جديدة على المستوى الأمني والاستراتيجي في المنطقة.
كما لفت المعهد إلى أن صنعاء تتمتع بقدرة كبيرة على المناورة والاستقلالية العسكرية، ما يجعلها قوة صاعدة يصعب ردعها أو إيقاف تصعيدها بالوسائل التقليدية.
ـ صنعاء: قوة غير قابلة للتوجيه أو الاحتواء:
وفقًا للتقرير، تبرز صنعاء كقوة إقليمية تتمتع بقدرة عالية على الاستقلال في اتخاذ القرارات العسكرية، مما يصعب على إيران أو أي قوى أخرى، حتى الحليفة لها، فرض سيطرتها أو توجيه سياساتها بشكل كامل.
وذكر التقرير أن هذه الاستقلالية هي ما يجعل محاولات إسرائيل وحلفائها للتصدي لأنشطة قوات صنعاء العسكرية في البحر الأحمر والمضائق المجاورة أكثر تعقيدًا.
فبينما كانت إسرائيل تأمل في تقليص نفوذ صنعاء من خلال استهدافها في أماكن معينة، كانت هناك محاولات لتطويق الأنشطة البحرية للحوثيين، إلا أن قوات صنعاء تمكنت من التصعيد بفعالية، لتظهر قدرتها على إزعاج العمليات العسكرية الأمريكية في البحر الأحمر وتغيير مسارات السفن التجارية، بما في ذلك السفن الإسرائيلية.
هذا الوضع بات يشكل تهديدًا حقيقيًا لإسرائيل في وقت حساس بالنسبة لها، حيث ترى أن الحصار البحري الذي فرضته صنعاء على السفن الإسرائيلية يهدد ممرات التجارة الحيوية التي تمر عبر البحر الأحمر والمحيط الهندي.
كما أن التهديدات الصاروخية الحوثية قد تستمر في التأثير على حركة السفن الإسرائيلية، مما يضع ضغطًا إضافيًا على الاقتصاد الإسرائيلي الذي يعتمد بشكل كبير على التجارة البحرية، في وقت يعاني فيه من تبعات الحرب في غزة.
ـ “إسرائيل” أمام معضلة استراتيجية مع صنعاء:
تعامل إسرائيل مع تهديد صنعاء يعكس مأزقًا استراتيجيًا كبيرًا، فهي تجد نفسها أمام معركة مزدوجة بين التصعيد العسكري أو الرضوخ لمطالب صنعاء. من جهة، تبقى إسرائيل على قناعة بأنها لا يمكن أن تتحمل تعطيل حركة التجارة البحرية في البحر الأحمر، وهو ما يشكل تهديدًا خطيرًا لاقتصادها.
لكن من جهة أخرى، فإن زيادة التدخل العسكري ضد قوات صنعاء قد يعرضها لفتح جبهة جديدة يصعب احتواؤها في وقت حساس بالنسبة لتل أبيب، خاصة في ظل التحديات العسكرية التي تواجهها في غزة ولبنان.
التحليل الذي قدمه معهد الأمن القومي الإسرائيلي لم يغفل المأزق الذي تواجهه “إسرائيل” في هذا الصدد.
ففي أعقاب فشل محاولات البحرية الأمريكية في توفير حماية فعالة للسفن الإسرائيلية في البحر الأحمر، بدأت تل أبيب في البحث عن حلول بديلة من خلال التنسيق مع الدول الخليجية التي تشاركها مخاوف من تصاعد تهديدات صنعاء.
كما أوصى المعهد بتوسيع نطاق التنسيق الإقليمي لمواجهة هذا التهديد المتزايد، وهو ما قد يتطلب استراتيجيات جديدة قد تشمل تحالفات متعددة وتعاون أمني موسع.
ـ تحولات استراتيجية: هل تجد “إسرائيل” الحل؟:
يبدو أن التهديد الذي تمثله صنعاء لا يقتصر على كونه تهديدًا عسكريًا فقط، بل يشمل أيضًا تداعياته الاقتصادية والسياسية. فالتأثير المباشر الذي فرضته الهجمات الصاروخية الحوثية على السفن الإسرائيلية، سواء عبر تعطيل التجارة أو من خلال محاولات الحد من حرية الملاحة في البحر الأحمر، قد يعيد التفكير في خيارات الرد الإسرائيلية.
وإذا كانت إسرائيل قد فشلت في ردع القوات الحوثية بالوسائل العسكرية التقليدية خلال الأشهر الماضية، فإنها قد تكون أمام خيارات محدودة في المستقبل.
ويشدد معهد الأمن القومي على أن أي تدخل عسكري ضد صنعاء قد يؤدي إلى تصعيد واسع في المنطقة.
فالحرب في غزة قد تكون قد أظهرت ضعفًا في الردع العسكري الإسرائيلي، في حين أن التصعيد ضد قوات صنعاء قد يُفضي إلى فتح جبهات متعددة تكون إسرائيل في غنى عنها، خاصة مع التوترات القائمة في جبهات أخرى مثل لبنان.
ومع ذلك، فإن إسرائيل لا يمكنها تجاهل تأثير الحصار البحري على اقتصادها، وهو ما يجعلها تبحث عن استراتيجية جديدة للحد من هذا التهديد، سواء عبر تكثيف التنسيق الإقليمي أو من خلال حلول عسكرية أكثر شمولًا.
ـ ماذا ينتظر “إسرائيل” في المستقبل؟:
في خضم هذا الواقع المعقد، يبقى السؤال الأكبر: هل ستتمكن إسرائيل من إيجاد استراتيجية فعالة لمواجهة تهديدات صنعاء، أم أن المنطقة ستشهد تصعيدًا أكبر يؤدي إلى توسيع دائرة الصراع؟. التحديات العسكرية والدبلوماسية في هذا السياق قد تكون أكبر من أي وقت مضى، خاصة إذا استمرت صنعاء في التصعيد والتمسك بمواقفها العسكرية.
ومع غياب ردع أمريكي فعال، وتزايد دعم القوى الإقليمية مثل إيران، قد تجد إسرائيل نفسها في مواجهة خيارات صعبة قد تؤدي إلى نتائج غير متوقعة على الصعيدين العسكري والسياسي في المنطقة.