الخليج الجديد:
2024-07-06@01:00:39 GMT

التهجير تاريخا وأفقا للعنصرية الغربية

تاريخ النشر: 4th, February 2024 GMT

التهجير تاريخا وأفقا للعنصرية الغربية

التهجير تاريخا وأفقا للعنصرية الغربية

العنصرية الإسرائيلية ليست حالة شاذة، بل إنها رافد في تيار غربي متنام قد يمسك قريبا بالحكم في كبريات الدول الأوروبية.

حكومة بريطانيا مصرّة على طرد طالبي اللجوء والهجرة إلى رواندا، رغم أن الأمم المتحدة أعلنت أن ذلك انتهاك للقانون الدولي.

ذهب اليمين الألماني المتطرف في الرغبة في تطهير أوروبا من الدخيل الإفريقي والعربي والمسلم أبعد بكثير من حكومة بريطانيا.

المعنى أن دول المغرب العربي منزوعة السيادة بحيث يجوز للأوروبيين أن يقتطعوا منها مساحة يجعلونها منفى، بل مستعمرة عقاب.

باتت خطط الترحيل والتهجير والطرد والترانسفير قاسما مشتركا بين اليمين العنصري المتطرف في إسرائيل وأمثاله في بعض البلاد الأوروبية، مثل ألمانيا وبريطانيا وفرنسا.

تقتيل أهالي البلاد الأصليين أو ترحيلهم باسم التفوق الحضاري أو الديني في حالة أمريكا والعودة لأرض الأجداد أو أرض الميعاد في حالة إسرائيل (اليهود شعب بلا أرض وفسلطين أرض بلا شعب).

تتصاعد دعوات إسرائيل لترحيل الفلسطينيين من بلادهم «طواعية». وأحدث حلقات هذا المسلسل مهرجان عنصري شارك فيه 30 وزيرا إسرائيليا، أطلق دعوات التطهير العرقي ووبناء «غزة يهودية».

* * *

التقتيل أو الترحيل هو نموذج التأصيل التاريخي لكل من الكيانين الأمريكي والإسرائيلي، أي أنه نموذج التفسير أو التبرير الثاوي في أعمق أعماق تصورات الأمتين عن شرعيتهما الوطنية أو جدارة كل منهما بالأرض المغتصبة أو «المتنازع عليها».

يتم تقتيل أهالي البلاد الأصليين أو ترحيلهم باسم مبدأ أعلى: التفوق الحضاري أو الديني في الحالة الأمريكية (مع الزعم بأن شعب أمريكا الشمالية الأصلي شعب بدائي بلا حضارة) والعودة لأرض الأجداد أو أرض الميعاد في الحالة الإسرائيلية (مع الزعم بأن اليهود شعب بلا أرض وأن فسلطين أرض بلا شعب).

وإذا كانت جرائم التقتيل، بلوغا إلى غاية الإبادة المضمرة أو المعلنة، إنما هي اختصاص إسرائيلي حصري في الظرف التاريخي الحالي، فإن خطط الترحيل والتهجير والطرد والترانسفير قد صارت قاسما مشتركا بين تيارات اليمين العنصري المتطرفة في إسرائيل وبين مثيلاتها في بعض البلاد الأوروبية، مثل ألمانيا وبريطانيا وفرنسا.

إذ لا يكاد يمر يوم إلا وتأتي الأخبار بالمزيد عن الدعوات الإسرائيلية المتصاعدة لترحيل الفلسطينيين من البلاد «طواعية». وقد كان من أحدث حلقات هذا المسلسل المخزي ذلك المهرجان العنصري الذي شارك فيه حوالي ثلاثين وزيرا إسرائيليا، حيث أطلقت الدعوات إلى التطهير العرقي وإحياء مستوطنات غوش قطيف وبناء «غزة يهودية».

أما في أوروبا، فإن الحكومة البريطانية مصرّة على تنفيذ سياسة طرد طالبي اللجوء والهجرة إلى رواندا، رغم أن الأمم المتحدة أعلنت أن في هذه السياسة انتهاكا للقانون الدولي. على أن اليمين الألماني المتطرف قد مضى في الرغبة في تطهير أوروبا من الدخيل الإفريقي والعربي والإسلامي أبعد بكثير من الحكومة البريطانية.

فقد كشفت وسيلة الإعلام الاستقصائية «كوركتيف» في تحقيق بعنوان «خطة سرية ضد ألمانيا» أن «حركة الهوية» المتحالفة مع حزب البديل الألماني اليميني المتطرف قد وضعت خطة تدعو إلى «إنهاء الاستعمار الأجنبي للبلاد» وذلك بطرد طالبي اللجوء وحتى الأجانب الحاصلين على إذن قانوني بالإقامة.

أما أخطر بنود الخطة فيتمثل في الدعوة إلى طرد كل مهاجر «غير مندمج» علما أن هذا الوصف الفضفاض يشمل كثيرا من المواطنين ذوي الأصول الأجنبية ممن يحملون الجنسية الألمانية.

ذلك أن زعيم حركة الهوية مارتن سلنر قد أعلن أن هؤلاء المجنسين الألمان يمثلون بالنسبة لليمين المتطرف كبرى المشكلات التي ينبغي التعجيل بحلها، ودعا إلى ممارسة ضغوط قوية لحملهم على التأقلم مع الثقافة المحلية من خلال قوانين مصممة للغرض.

ويعترف زعيم حركة الهوية أن التنفيذ يتطلب عشرات السنين. أما درة التاج في الخطة فهو المضيّ إلى حد المطالبة بإنشاء دولة في شمال إفريقيا (!) للتخلص من هؤلاء المهاجرين غير المرغوب فيهم، والذين يقارب تعدادهم مليوني نسمة.

والمعنى أن دول المغرب العربي منزوعة السيادة بحيث يجوز للأوروبيين أن يقتطعوا منها مساحة يجعلونها منفى، بل مستعمرة عقاب كافكائية! ومصير هؤلاء الألمان المنفيين عندنا أن ينخرطوا في أنشطة التدريب المهني، بل إن سلنر يقترح عليهم بمنتهى الجد ودون رغبة في الإضحاك أن يستثمروا الوقت في ممارسة الرياضة. أما المدافعون عن حقوق المهاجرين، فالرأي عنده أن حل مشكلتهم بالغ السهولة: إذ حسْبُهم أن يتبعوا المنفيين إلى منفاهم!

وقد استثارت هذه الخطة، المتمثلة في التخلص من المواطنين غير المرغوب فيهم (مع إعادة استعمار إفريقيا التي يتبناها اليمين الألماني المتطرف رسميا ويسميها «الهجرة العكسية» أي عودة المهاجرين إلى بلدانهم طوعا أو كرها) لدى عموم الألمان ذكرى مداولات المسؤولين النازيين عام 1940 بشأن «مشروع مدغشقر» الذي كان يرمي في الأصل إلى التخلص من ملايين اليهود والغجر والمختلين عقليا والمناهضين للنازية بنفيهم إلى الجزيرة الإفريقية. لكن الخطة لم تنفذ واستعيض عنها بخطة الحل النهائي التي وضع النازيون تفاصيلها في ندوة فانسي عام 1942.

أما في فرنسا فقد سبق للمرشح الرئاسي أريك زمور أن نادى بإنشاء وزارة للهجرة العكسية للتخلص من حوالي مليون لاجئ ومهاجر، كما أن اليمينية المتطرفة ماريون مارشال دأبت على تسمية المهاجرين الحاصلين على الجنسية الفرنسية بـ«فرنسيّي الأوراق». وهي تقصد المسلمين حصرا، وتخلط في هذه التسمية التحقيرية بين مهاجري الجيل الأول وبين أبنائهم وأحفادهم ممن ولدوا ونشأوا في فرنسا.

وهكذا فالعنصرية الإسرائيلية ليست حالة شاذة، بل إنها رافد في تيار غربي متنام قد يمسك قريبا بالحكم في كبريات الدول الأوروبية.

*مالك التريكي كاتب تونسي

المصدر | القدس العربي

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: أمريكا الغرب إسرائيل تهجير ترحيل فلسطين العنصرية أريك زمور

إقرأ أيضاً:

تحذير في بريطانيا بعد صعود اليمين المتطرف في انتخابات فرنسا

ألقى صعود اليمين المتطرف في الانتخابات التشريعية الفرنسية، بظلاله على أوروبا بشكل عام، وعلى بريطانيا بشكل خاص كونها على أعتاب الانتخابات أيضا.

ونشرت صحيفة "إندبندنت" مقالا للصحفي شون أوغرادي قال فيه إن شعوب الديمقراطيتين الأكثر احتراما في أوروبا يقرران هذا الأسبوع مستقبليهما بطرق مختلفة وهذا سبب للاحتفال الكبير.

والأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن الكثير من الناس يتجهون نحو اليمين عند صناديق الاقتراع.

ففي المملكة المتحدة، حيث يحتفظ حزب الإصلاح في المملكة المتحدة بحصة تصويت جيدة على الرغم من سلسلة من مزاعم العنصرية ضد بعض المرشحين البرلمانيين للحزب، وفي فرنسا، حيث الملايين من الناخبين على استعداد لدعم حزب فاشي في الأساس. مما يعني أننا أصبحنا معتادين على الصعود الطويل الأمد لليمين الأكثر تطرفا، حتى أننا في بعض الأحيان نغفل عن ما يحدث. لقد اختار أكثر من واحد من كل ثلاثة ناخبين فرنسيين للتو حزب التجمع الوطني هو أحدث تغيير للعلامة التجارية للجبهة الوطنية القديمة، بقيادة الناشطة اليمينية المتطرفة المخضرمة مارين لوبان، على حد تعبيره.

وتابع الكاتب بأنه قد تكون فرنسا على وشك تشكيل أول حكومة يمينية متطرفة، في الجولة الثانية من الانتخابات المقررة يوم السبت، منذ أن قام النازيون بتشكيل نظام فيشي المتعاون في الحرب العالمية الثانية. والأسوأ من ذلك أن هذه قد تكون المرة الأولى التي يختار فيها الفرنسيون مثل هذا الحكم بمحض إرادتهم. وسوف تكون إدارة تنكر الحق القديم في الحصول على الجنسية الفرنسية عن طريق الولادة، وهو مبدأ يعود تاريخه إلى عام 1515 ــ فلا يجوز لأطفال المهاجرين أن يطلقوا على أنفسهم اسم "فرنسيين" (وهو ما لا يفضي إلى الاندماج). وهذا سيكون تاريخيا بالفعل.

ولفت إلى أن ذلك سيكون سيئا بالنسبة لأوروبا أيضا. وفي حين سيحتفظ ماكرون بامتيازاته الدستورية فيما يتعلق بالسياسة الخارجية والدفاع، فإذا وجد نفسه بطريقة أو بأخرى مع جوردان بارديلا البالغ من العمر 28 عاما رئيسا للوزراء، فسوف يجد القيادة السياسية الفرنسية في الاتحاد الأوروبي معرضة للخطر بشدة. وبعد أن شعر ماكرون بالإذلال بالفعل بسبب هذا الخطأ غير القسري، فقد أدى إلى تفاقم الوضع وجعل فرنسا تبدو وكأنها أكبر وأثمن قطع الدومينو في الاتحاد الأوروبي التي سقطت في أيدي اليمين المتطرف. وهذا من شأنه أن يغير اتجاه الحكم الفرنسي، لأن الوزراء في المجالس الأوروبية يقومون بالكثير الآن؛ وأيضا لأن حزب الجبهة الوطنية يمثل تيارا قويا من الآراء المتشككة في أوروبا.

وبالتالي فإن لوبان وبارديلا يريدان الحصول على خصم من ميزانية الاتحاد الأوروبي (مثل ذلك الذي حصلت عليه ثاتشر لبريطانيا في عام 1984)، ووقف التوسعة لاستيعاب مولدوفا وجورجيا، لتعزيز الحدود الفرنسية، وترحيل المهاجرين في انتهاك لحقوقهم الإنسانية، والمساعدات لأوكرانيا.

في الوقت الحاضر، لا تدعو لوبان إلى "الخروج من الاتحاد الأوروبي" وإعادة الفرنك الفرنسي، لكنها بالتأكيد تريد "أوروبا أقل"، في تناقض صارخ مع الرئيس، الذي يعتقد بشكل مشهور أن "المزيد من أوروبا" هو الحل لعلل القارة، مثل ركود مستويات المعيشة والهجرة وتباطؤ النمو. من المؤكد أن وصول مجموعة من القوميين الشعبويين المتباينين عبر عواصم أوروبا لا يبشر بالخير بالنسبة لتماسك الاتحاد الأوروبي في المستقبل، حتى لو تمكنت أورسولا فون دير لاين من البقاء كرئيسة للمفوضية. ومن أجل القيام بمهمتها، ستحتاج إلى تقديم تنازلات مع أمثال لوبان وجورجيا ميلوني وفيكتور أوربان.

وفي الوقت نفسه، تشير استطلاعات الرأي عبر القناة إلى أن حوالي واحد من كل ستة بريطانيين سيصوتون لصالح حزب الإصلاح في المملكة المتحدة، أحدث أدوات نايجل فاراج والذي يبدو أنه يتورط في خلاف حول العنصرية كل يوم. إن آراء فاراج لا تحتاج إلى التدرب عليها، ويشعر المرء بأنه، ومن حوله والمرشحين، أصبحوا أقل خجلا هذه الأيام بشأن توضيح ما يفكرون فيه بالضبط بشأن التعددية الثقافية والتنوع والشمول.

ومن الممكن تماما أن ينجح فاراج أخيرا في الوصول إلى مجلس العموم والمنصة البرلمانية، على الرغم من أنه قد يكون وحيدا إلى حد ما ويعامل باعتباره برلمانيا مصابا بالجذام. ومع ذلك، فهو معتاد على ذلك.

كما سلطت الانتخابات البرلمانية الأوروبية الأخيرة الضوء على حقيقة مفادها أن اليمين المتشدد واليمين المتطرف لن يختفيا ببساطة. وحتى لو كانا يتراجعان إلى أجزاء من أوروبا الشرقية مثل بولندا، فإنهما يظلان في السلطة أو يقتربان منها من هولندا إلى إيطاليا إلى المجر. وقد وجد الساسة من تيار اليمين واليسار والوسط صعوبة، إن لم يكن من المستحيل التصدي لحججهما، ربما لأنهم لم يرغبوا في منح المتطرفين المكانة بإعارتهم الاهتمام. وهذا هو جوهر ما قاله وزير الداخلية البريطاني جيمس كليفرلي اليوم عن إحجام المحافظين عن مواجهة فاراج ــ وهو الأمر الذي سوف يندمون عليه.

ربما يكون من المغري أن نرى سلسلة النجاحات التي حققها اليمين المتطرف، وآخرها في فرنسا، كحلقة أخرى في الحركة التي حفزها التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في عام 2016 .

لقد أصبح اليمين أكثر جرأة بالفعل، ولكن ما هو ملحوظ أيضا هو أنه بمجرد تجربة السياسات اليمينية المتشددة، ثم فشلها لاحقا، يميل الناخبون إلى رفضها بمجرد أن تتاح لهم الفرصة. وهذا ما حدث في بولندا، حيث يتولى السياسي الأوروبي المخضرم دونالد تاسك منصب رئيس الوزراء الآن.

وكذلك الحال في بريطانيا. وهذه هي الطريقة الأخرى للنظر إلى التغيير الوشيك في الحكومة في بريطانيا ــ باعتباره رفض الغالبية العظمى من الناس لتجربة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وكل ما تنطوي عليه. على هذا النحو، لم يكن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي واردا في الحملة الانتخابية، لأن الناخبين البريطانيين ما زالوا يعانون من صدمة شديدة لدرجة أنهم لا يستطيعون فتح جروح قديمة، كما يقول كير ستارمر.

ومع ذلك، على الرغم من تجمع هذه الأقلية الكبيرة خلف فاراج، يشعر معظم الناس أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كان فاشلا، وهم مصممون على إخراج المحافظين القوميين الشعبويين الحاليين من السلطة. لقد عاشت بريطانيا، ودفعت ثمن، التجربة القومية الشعبوية ولم تستمتع بها كثيرا.

لقد اكتشفنا أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي جعل التجارة مع أوروبا أكثر صعوبة وجعلنا أكثر فقرا. ولم "يطلق العنان للإمكانات". ولم يحل أزمة الهجرة. حاولت المدعوة ليز تروس تجربة ميزانية تخفيض الضرائب بشكل جذري في اندفاعة نحو النمو مما أدى إلى انهيار المالية العامة. لقد كانت خطة رواندا طريقا مسدودا باهظ الثمن. ويريد بعض البريطانيين المزيد من ذلك، وسوف يصوتون لصالح انقسامات فاراج وأوهامه. أما البقية فقد تم تحصينهم ضد هذا النوع من السياسات، على الأقل في الوقت الحالي.

ومع ذلك، مثل كوفيد، يمكن للبريطانيين أن يصابوا بفيروس الفاراجية مرة أخرى. ولهذا السبب فإن المخاطر مرتفعة للغاية بالنسبة لستارمر، وينبغي له أن ينتبه للأخطاء التي ارتكبها ماكرون.

مقالات مشابهة

  • لولا دا سيلفا يحذر من خطر فوز اليمين المتطرف في فرنسا
  • معركة «النفس الأخير» لماكرون ضد اليمين المتطرف.. «الوحدة الأوروبية في خطر»
  • عقاب جماعي.. جيهان جادو تكشف سر صعود اليمين المتطرف في الانتخابات الأوروبية
  • اليمين المتطرف وبالون النجاة
  • استطلاع رأي يستبعد فوز اليمين المتطرف الفرنسي بأغلبية مطلقة
  • نشر 30 ألف شرطي في العاصمة باريس خوفًا من فوز «اليمين المتطرف»
  • فرنسا.. الأحزاب تبحث عن تحالفات لمواجهة اليمين المتطرف
  • هل تعيد فرنسا سيناريو عام 2002؟
  • من المجر إلى هولندا.. هل يؤدي توسع نفوذ اليمين الراديكالي في أوروبا إلى التأثير على قرارات الاتحاد؟
  • تحذير في بريطانيا بعد صعود اليمين المتطرف في انتخابات فرنسا