عربي21:
2024-09-11@17:44:33 GMT

التهجير تاريخا وأفقا للعنصرية الغربية

تاريخ النشر: 4th, February 2024 GMT

التقتيل أو الترحيل هو نموذج التأصيل التاريخي لكل من الكيانين الأمريكي والإسرائيلي، أي أنه نموذج التفسير أو التبرير الثاوي في أعمق أعماق تصورات الأمتين عن شرعيتهما الوطنية أو جدارة كل منهما بالأرض المغتصبة أو «المتنازع عليها». تقتيل أهالي البلاد الأصليين أو ترحيلهم باسم مبدأ أعلى: التفوق الحضاري أو الديني في الحالة الأمريكية (مع الزعم بأن شعب أمريكا الشمالية الأصلي شعب بدائي بلا حضارة) والعودة لأرض الأجداد أو أرض الميعاد في الحالة الإسرائيلية (مع الزعم بأن اليهود شعب بلا أرض وأن فسلطين أرض بلا شعب).



وإذا كانت جرائم التقتيل، بلوغا إلى غاية الإبادة المضمرة أو المعلنة، إنما هي اختصاص إسرائيلي حصري في الظرف التاريخي الحالي، فإن خطط الترحيل والتهجير والطرد والترانسفير قد صارت قاسما مشتركا بين التيارات اليمينية العنصرية المتطرفة في إسرائيل وبين مثيلاتها في بعض البلاد الأوروبية، مثل ألمانيا وبريطانيا وفرنسا. إذ لا يكاد يمر يوم إلا وتأتي الأخبار بالمزيد عن الدعوات الإسرائيلية المتصاعدة لترحيل الفلسطينيين من البلاد «طواعية». وقد كان من أحدث حلقات هذا المسلسل المخزي ذلك المهرجان العنصري الذي شارك فيه حوالي ثلاثين وزيرا إسرائيليا، حيث أطلقت الدعوات إلى التطهير العرقي وإحياء مستوطنات غوش قطيف وبناء «غزة يهودية».

أما في أوروبا، فإن الحكومة البريطانية مصرّة على تنفيذ سياسة طرد طالبي اللجوء والهجرة إلى رواندا، رغم أن الأمم المتحدة أعلنت أن في هذه السياسة انتهاكا للقانون الدولي. على أن اليمين الألماني المتطرف قد مضى في الرغبة في تطهير أوروبا من الدخيل الإفريقي والعربي والإسلامي أبعد بكثير من الحكومة البريطانية. فقد كشفت وسيلة الإعلام الاستقصائية «كوركتيف» في تحقيق بعنوان «خطة سرية ضد ألمانيا» أن «حركة الهوية» المتحالفة مع حزب البديل الألماني اليميني المتطرف قد وضعت خطة تدعو إلى «إنهاء الاستعمار الأجنبي للبلاد» وذلك بطرد طالبي اللجوء وحتى الأجانب الحاصلين على إذن قانوني بالإقامة.

أما أخطر بنود الخطة فيتمثل في الدعوة إلى طرد كل مهاجر «غير مندمج» علما أن هذا الوصف الفضفاض يشمل كثيرا من المواطنين ذوي الأصول الأجنبية ممن يحملون الجنسية الألمانية. ذلك أن زعيم حركة الهوية مارتن سلنر قد أعلن أن هؤلاء المجنسين الألمان يمثلون بالنسبة لليمين المتطرف كبرى المشكلات التي ينبغي التعجيل بحلها، ودعا إلى ممارسة ضغوط قوية لحملهم على التأقلم مع الثقافة المحلية من خلال قوانين مصممة للغرض.

ويعترف زعيم حركة الهوية أن التنفيذ يتطلب عشرات السنين. أما درة التاج في الخطة فهو المضيّ إلى حد المطالبة بإنشاء دولة في شمال إفريقيا (!) للتخلص من هؤلاء المهاجرين غير المرغوب فيهم، والذين يقارب تعدادهم مليوني نسمة. والمعنى أن دول المغرب العربي منزوعة السيادة بحيث يجوز للأوروبيين أن يقتطعوا منها مساحة يجعلونها منفى، بل مستعمرة عقاب كافكائية! ومصير هؤلاء الألمان المنفيين عندنا أن ينخرطوا في أنشطة التدريب المهني، بل إن سلنر يقترح عليهم بمنتهى الجد ودون رغبة في الإضحاك أن يستثمروا الوقت في ممارسة الرياضة. أما المدافعون عن حقوق المهاجرين، فالرأي عنده أن حل مشكلتهم بالغ السهولة: إذ حسْبُهم أن يتبعوا المنفيين إلى منفاهم!

وقد استثارت هذه الخطة، المتمثلة في التخلص من المواطنين غير المرغوب فيهم (مع إعادة استعمار إفريقيا التي يتبناها اليمين الألماني المتطرف رسميا ويسميها «الهجرة العكسية» أي عودة المهاجرين إلى بلدانهم طوعا أو كرها) لدى عموم الألمان ذكرى مداولات المسؤولين النازيين عام 1940 بشأن «مشروع مدغشقر» الذي كان يرمي في الأصل إلى التخلص من ملايين اليهود والغجر والمختلين عقليا والمناهضين للنازية بنفيهم إلى الجزيرة الإفريقية. ولكن الخطة لم تنفذ واستعيض عنها بخطة الحل النهائي التي وضع النازيون تفاصيلها في ندوة فانسي عام 1942.

أما في فرنسا فقد سبق للمرشح الرئاسي أريك زمور أن نادى بإنشاء وزارة للهجرة العكسية للتخلص من حوالي مليون لاجئ ومهاجر، كما أن اليمينية المتطرفة ماريون مارشال دأبت على تسمية المهاجرين الحاصلين على الجنسية الفرنسية بـ«فرنسيّي الأوراق». وهي تقصد المسلمين حصرا، وتخلط في هذه التسمية التحقيرية بين مهاجري الجيل الأول وبين أبنائهم وأحفادهم ممن ولدوا ونشأوا في فرنسا.

وهكذا فالعنصرية الإسرائيلية ليست حالة شاذة، بل إنها رافد في تيار غربي متنام قد يمسك قريبا بالحكم في كبريات الدول الأوروبية.

(القدس العربي)

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الفلسطينيين فلسطين الاحتلال الغرب تهجير مقالات مقالات مقالات صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

جمال التفاعل الإنساني

 

سلطان بن محمد القاسمي

في الحياة، نلتقي بأشخاص يعبرون طريقنا وكأنهم نسمات من الإلهام. هؤلاء الأفراد ليسوا مجرد أشخاص عاديين؛ إنِّهم بمثابة الشموع التي تضيء دروبنا، ويتركون أثرًا عميقًا لا يُنسى. تأثيرهم يمتد إلى أعماق نفوسنا، يغيروننا بطريقة هادئة لكنها جوهرية، يقودوننا نحو الأفضل دون أن نشعر أحيانًا. هؤلاء الأشخاص لا يعطوننا فقط دروسًا قيّمة، بل يزرعون فينا بذور التغيير والتعلم. وفي مقال "حسن الموافقات"، أشرنا إلى أهمية التفاعل الإنساني، وكيف أن الحياة تصبح لوحة مليئة بالألوان بتداخل الأفراح والأحزان، واليوم نستكمل تلك الفكرة بتفصيل كيف يمكن للأشخاص الملهمين أن يكونوا الركيزة التي نعتمد عليها في رحلتنا نحو الإبداع والتطور.

وعند النظر في حياتنا، ندرك أن الأثر الأكبر يأتي من الأشخاص الذين يضيفون قيمة حقيقية لحياتنا. هؤلاء الأفراد يمتازون بنظرتهم المتفردة للعالم، وهي نظرة تختلف عن السائد، تشجعنا على أن ننظر إلى الحياة من زوايا جديدة. إنهم يدفعوننا للخروج من قوالبنا المعتادة، لنتحدى أنفسنا ونواجه مخاوفنا. وفي هذا السياق، أتعلم من هؤلاء الأشخاص أن الإلهام لا يأتي من الكلمات فقط، بل من الأفعال التي نراها في حياتهم اليومية.

وفي كل لحظة نتفاعل فيها مع هؤلاء الأشخاص، نشعر بأنهم يغرسون فينا قيمًا وأفكارًا تساعدنا على تطوير أنفسنا. فلا يُمكننا أن نتجاهل أن التغيير الحقيقي يأتي عندما نرى شخصًا يُجسّد تلك القيم بأفعاله لا أقواله فقط. وهنا يتعلم المرء أنَّ التواضع هو أساس العظمة، وأن النجاح لا يُقاس بما نحققه فقط، بل بما نقدمه للآخرين. إن هؤلاء الملهمين يعلموننا أن كل خطوة نتخذها نحو الأمام تُعد إنجازًا، حتى وإن كانت صغيرة.

وكلما مررنا بتجربة أو تحدٍ جديد في حياتنا، نجد أن ما تعلمناه من هؤلاء الأشخاص يُشكل العمود الفقري لما ننجزه. في إحدى اللحظات المهمة، قد أجد نفسي مترددًا أمام عقبة، لكن تذكري لكلمات الشخص الذي ألهمني يعيد لي الثقة. هذا هو تأثيرهم؛ يتركون فينا أثرًا طويل الأمد يدوم ويتعمق بمرور الزمن.

إلى جانب ذلك، فإن أحد أبرز الدروس التي تعلمتها من شخص ملهم في حياتي هو قيمة الصبر. لقد علمني أن التحديات ليست عقبات توقف تقدمنا، بل هي فرص تعليمية تساعدنا على التطور. كان دائمًا ما يذكرني بأن الأمور العظيمة لا تأتي بسهولة، وأن الطريق إلى النجاح مليء بالعقبات التي تشكل جزءًا من الرحلة. لقد جعلني أفهم أن قيمة الإنجاز لا تكمن فقط في الوصول إلى الهدف، بل في الجهد الذي نبذله خلال هذه الرحلة. ومع كل تحدٍ أواجهه، سواء في الحياة الشخصية أو في محاولاتي لصقل مهاراتي، كانت الكتابة تمثل لي واحدة من تلك الرحلات التي تتطلب الصبر والمثابرة.

ومع مرور الوقت، أدركت أن الكتابة لم تعد مجرد وسيلة للتعبير عن المشاعر، بل أصبحت وسيلة للتغيير. كما تعلمت من هذا الشخص أن الكلمات تحمل قوة لا يمكن تجاهلها، وأنها قادرة على تحويل الأفكار إلى حقيقة، وتغيير حياة الآخرين. هذا الدرس جعلني أرى الكتابة بأعين جديدة؛ إنها ليست مجرد جمل تُرتب على ورق، بل هي انعكاس للفكر والروح. ومن هنا، بدأت أدرك أن الكتابة الحقيقية تأتي من القلب، وأن النصوص الصادقة هي التي تترك أثرًا دائمًا.

كان لهذا الشخص الملهم أثر بالغ في حياتي من خلال تجربة واقعية لم أنسها. ذات يوم، قال لي إنه يرى فيَّ موهبة شعرية رغم أنني لم أكن قد جربت كتابة الشعر من قبل. استغربت كثيرًا من كلامه، وكيف يمكن لشخص مثلي، الذي لم يعتبر نفسه يومًا شاعرًا، أن يصوغ قصيدة. لكنه أصر على أن لدي القدرة، وقال لي: "أعطيك أربعة أشهر لتكتب قصيدة بالشكل السليم." قبلت التحدي، رغم شكوكي في البداية. ومع مرور الوقت، كان يمدني بالدواوين الشعرية، ويصطحبني إلى المكتبات لاستعارة كتب العروض والنحو والبلاغة. كنت مهتمًا ومتحمسًا لهذه الرحلة الجديدة، وكلما تعمقت في التعلم، ازداد شغفي بالشعر.

وبعد أربعة أشهر، جئت إليه بقصيدة من 18 بيتًا. كان انبهاره واضحًا، وقال لي بابتسامة فخر: "أرأيت أنك قادر على ذلك؟" تلك اللحظة كانت نقطة تحول كبيرة في حياتي؛ لم أتعلم فقط كيفية كتابة القصائد، بل اكتسبت الثقة في قدراتي. ورغم أنني لم أصبح شاعرًا محترفًا، إلا أنني تعلمت شيئًا جميلاً أضاف إلى شخصيتي الكثير. وكل هذا بفضل الله، ثم بفضل ذلك الشخص الذي آمن بقدرتي ودعمني في هذا الطريق.

واليوم، لا يمكنني أن أنسى هذا الشخص أبدًا، فهو حاضر دائمًا في ذاكرتي، وأذكره بالخير في كل موقف أمر به. كان بمثابة النجمة التي أضاءت طريقي في أوقات الظلام، وغيّر مني بطريقة لم أكن أتخيلها. مثلما ترشد النجوم البحارة في أعماق البحر، كان هو يرشدني في مسارات الحياة المتعرجة، يلهمني بالشجاعة والصبر، ويزرع في نفسي الثقة والإيمان. كل كلمة أو نصيحة قدمها لي كانت أشبه بنور يشع في داخلي، يدفعني للأمام ويُذكّرني بأن الطريق نحو النجاح يبدأ بالثقة والتوجيه الصادق.

ومن هنا، يمكن القول إن هؤلاء الأشخاص المُلهمين ليسوا مجرد معلمين عابرين؛ بل هم قدوة تستمر في إلهامنا حتى بعد غيابهم. حيث تعلمت منهم أن النجاح الحقيقي لا يُقاس فقط بما نحققه لأنفسنا، بل بما نساهم به في حياة الآخرين. كان تأثيرهم عليَّ أشبه بنهرٍ جارٍ يغذي مسارات أفكاري ويدفعني دائمًا نحو الأمام.

وبالحديث عن الإلهام، لا يمكن أن ننسى أن هذا التأثير الإيجابي يعزز فينا الشعور بالمسؤولية تجاه أنفسنا وتجاه الآخرين. حيث تعلمت من هؤلاء الأشخاص أن النجاح ليس فقط إنجازات فردية، بل هو مسؤولية اجتماعية. وكذلك نحن مدينون لكل من ألهمنا أن ننقل هذا الإلهام إلى الآخرين. فمن خلال تقديم الدعم والتشجيع، نساهم في خلق دائرة إيجابية من التفاعل تُثمر نجاحات أخرى.

وفي الختام، أستطيع القول إن وجود هؤلاء الأشخاص في حياتنا يُعد نعمة لا تُقدر بثمن. إنهم يجسدون الفكرة القائلة بأن الإنسان لا يعيش بمفرده، بل يتأثر بمن حوله ويؤثر فيهم. كل لقاء مع شخص ملهم هو فرصة لاكتشاف أبعاد جديدة في أنفسنا، وفرصة لنمو لا حدود له. وفي ظل هذه العلاقة، نتعلم أن الحياة ليست مجرد رحلة نعيشها بمفردنا، بل هي سلسلة من التفاعلات والتجارب التي نصنعها مع الآخرين، ومن خلالهم، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "من لا يشكر الناس لا يشكر الله"، فإن الامتنان لمن ألهمنا وساعدنا في مسيرتنا هو جزء من تقديرنا للنعم التي وهبها الله لنا.

هذا هو جمال التفاعل الإنساني؛ إذ إنه يفتح لنا الأبواب نحو الإبداع، ويكشف لنا عن القوة الداخلية التي ربما لم نكن نعلم بوجودها. هؤلاء الملهمون يعلموننا كيف نصبح أفضل نسخة من أنفسنا، وكيف نحول حياتنا إلى قصة ملهمة تستحق أن تُروى.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • جمال التفاعل الإنساني
  • حماس: عدوان إسرائيل على الضفة لن ينجح بتنفيذ التهجير والضم
  • مدخل لدولة 56م
  • سموترتيش ومملكة يهودا: يستغل منصبيْه لقتل أي حلم بدولة فلسطينية والوزير المتطرف يرد "هذه مهمة حياتي"
  • مئات الفلسطينيين يشيعون الناشطة الأميركية التركية التي قتلت برصاص القوات الإسرئيلية في الضفة الغربية   
  • «بوريل»: نرفض عمليات التهجير القسري في غزة والضفة الغربية
  • تشييع جثمان المتضامنة الأمريكية عائشة نور التي قتلت برصاص الاحتلال بالضفة الغربية
  • وزيرة الشؤون: دولة الكويت سطرت تاريخا ناصعا في دعم العمل الخيري والإنساني
  • عاجل | تشييع جثمان المتضامنة الأميركية التركية عائشة نور التي قتلت برصاص الاحتلال في الضفة الغربية
  • خبير في العلاقات الدولية: نتنياهو متمسك بالتصعيد العسكري لاعتبارات سياسية