شكّل خطر توسع الحرب بين إسرائيل وحماس، إلى باقي أنحاء المنطقة، هاجس عدة دول، ما عجّل بنشر سفن عسكرية أميركية في البحر المتوسط، "ورد محسوب على ضربات استفزازية ينفذها منذ أشهر وكلاء إيران في المنطقة" وفق قول محلل أميركي.  

وبعد الهجوم الدامي الذي شنته حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر، قدمت واشنطن الدعم العسكري لإسرائيل وعززت قواتها في المنطقة، خصوصا من خلال حاملة الطائرات "يو إس إس جيرالد آر فورد" وغيرها من السفن الحربية.

وبعد مرور قرابة أربعة أشهر على بدء الحرب، لا يزال هاجس توسعها قائما، حيث لم تتوقف الاشتباكات بين حزب الله اللبناني والجيش الإسرائيلي على الحدود، بينما تضاعفت تهديدات المتمردين الحوثيين على السفن في البحر الأحمر، بالإضافة إلى الهجمات المتفرقة في سوريا والعراق على قواعد عسكرية أميركية هناك.

"غرفة عمليات مشتركة"

ينضوي حزب الله مع حركتي حماس والجهاد الإسلامي وفيلق القدس الموكل بالعمليات الخارجية في الحرس الثوري الإيراني "في غرفة عمليات مشتركة" وفق ما أفادت مصادر عدة لوكالة فرانس برس، تنسّق من خلالها تحركاتها.

وتنسّق هذه الأطراف مع مجموعات أخرى مناوئة لإسرائيل منذ سنوات تحركاتها في إطار "محور المقاومة" بقيادة إيران التي "حذّرت" من اتساع نطاق النزاع في المنطقة على وقع القصف الإسرائيلي الكثيف على قطاع غزة.

وتصنف واشنطن حركة حماس وأيضا "حركة أنصار الله" المعروفة كذلك بجماعة الحوثي أو الحوثيين كتنظيمات إرهابية.

وفي مواجهة هجمات الجماعات الموالية لإيران، عمدت قوات الجيش الأميركي على الرد في أكثر من مناسبة، لكن الرد بقي بحجم التهديد الذي "لم يرق لأن يشكل خطرا على المنطقة أو أمن إسرائيل" وفق ما قال المحلل الأميركي فان شيراك.

وردّت واشنطن على هجمات سابقة بسلسلة ضربات في العراق، خصوصا، استهدفت مجموعات موالية لإيران.

وتعرضت القوات الأميركية وقوات التحالف الدولي في العراق وسوريا لأكثر من 165 هجوما منذ أكتوبر، تبنت الكثير منها "المقاومة الإسلامية في العراق"، وهي تحالف فصائل مسلحة مدعومة من إيران تُعارض الدعم الأميركي لإسرائيل في الحرب بغزة ووجود القوات الأميركية في المنطقة.

والأحد، قتل ثلاثة جنود أميركيين وأصيب عد آخر في هجوم بطائرة مسيرة استهدف قوات أميركية في شمال شرق الأردن قرب حدود سوريا.

ردا على ذلك، شنّت الولايات المتحدة، الجمعة، ضربات جوية ضد مجموعات موالية لطهران في العراق وسوريا، في وقت حذّر الرئيس الأميركي جو بايدن من أنّ هذه "الضربات ستستمرّ".

"انطلقت من أميركا".. لماذا استخدمت واشنطن قاذفات "بي-1" في الرد على مقتل جنودها؟ استخدمت الولايات المتحدة، قاذفات "بي-1" في ردها  على الجماعات المسلحة الموالية لإيران في سوريا والعراق، وذلك إثر الهجوم بمسيّرة على قاعدة أميركية في الأردن قرب الحدود السورية أسفر عن مقتل ثلاثة جنود أميركيين في 28 يناير الماضي.

هل ستردع هذه الضربات الميليشيات القريبة من إيران أم ستساهم في توسيع الحرب؟

يقول شيراك في حديث لموقع الحرة، إن الإجابة على هذا التساؤل مرهونة بعدة معطيات، أولها "يجب أن نعرف مدى الضرر الذي تكبدته تلك الجماعت، من الضربات الأميركية الأخيرة".

ثم يتابع "أعتقد أنه لو أحست تلك الميليشيات بوجع كبير، ستخفض لا محالة من هجماتها، لأنها تعلم أنها ستكون في مواجهة قوة عالمية كبرى.. وأن لا مجال للعب" وفق قوله.

خسائر ميليشيات إيران في سوريا والعراق جراء الضربات الأميركية تعد الضربات الجوية التي شنتها الولايات المتحدة، ليل الجمعة السبت، على أهداف في سوريا العراق، الطلقة الأولى للانتقام الأميركي من غارة بطائرة مسيرة أسفرت عن مقتل ثلاثة جنود أميركيين في الأردن في نهاية الأسبوع الماضي.

يذكر أن البيت الأبيض أكد نجاح جميع الضربات الجوية في إصابة أهدافها في العراق وسوريا، حيث ذكر المتحدث باسم مجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض، جون كيربي، أن "المنشآت التي تم استهدافها كانت تستخدمها مجموعات تابعة للحرس الثوري الإيراني لاستهداف القوات الأميركية في الشرق الأوسط".

على أساس ذلك، يرى شيراك بأن القول بخطر توسع الحرب جراء الضربات الأميركية "منافٍ للواقع" وفق تعبيره.

يرى هذا الخبير في الشرق الأوسط، أن الهجمات المتكررة التي نفذها جميع وكلاء إيران تقريبا، منذ بدء الحرب الجديدة "هي من كانت ستوسع الحرب إلى الدول حيث تتواجد تلك الجماعات".

مقابل ذلك، يرى شيراك بأن  أي  قرار لواشنطن "غير الضرب بقوة" كان سيسمح بالتأكيد بتوسع الحرب "وجرأة أكبر من طرف وكلاء إيران".

ثم عاد ليؤكد أن حجم الضربات وقوتها على الميليشيات التابعة لإيران هو المؤشر الرئيسي لإصدار الحكم بخصوص "هل تردع الضربات الأميركية الميليشيات القريبة من إيران أم لا".

يقول في الصدد "في الواقع يصعب التكهن لأننا لم نشاهد حجم الضرر الذي أصاب تلك الميليشيات لا سيما فيلق القدس". ثم يتابع "لذلك لا يمكن إعطاء إجابة صريحة على هذا السؤال".

أما بخصوص توسع الحرب فيقول "العامل الوحيد الذي يمكن أن يوسع الحرب الآن، هو تدخل إيران، وأنا أشك في أنها ستعمل على مواجهة الولايات المتحدة.. هي تعلم أن ذلك مجازفة بوجودها بالكامل".

شيراك، خلص إلى نتيجة مفادها أن كبح الجماعات الموالية لطهران يتوقف على قوة واستمرار الضربات الأميركية بل وإشراك دول حليفة أخرى، مستبعدا توسيع الحرب جراء ذلك.

مثال المتمردين الحوثيين

يذكر أن الضربات الأميركية التي طالت مواقع المتمردين الحوثيين في اليمن، واعتراضها المتواصل للطائرات بدون طيار التي تستهدف وجودها في البحر الأحمر، لم تثنهم عن الاستمرار في استهداف السفن التجارية وبخاصة الأميركية والبريطانية، فهل ينطبق ذلك على الجماعات الموالية الأخرى لطهران في المنطقة؟.

يرى المحلل السياسي الأردني، خالد شنيكات،  بأن هناك عدة عوامل تحدد ما إذا كانت الضربات الأميركية ستردع الجماعات الموالية لإيران أم لا "منها ما هو مرتبط بتلك الجماعات ومنها ما يتعلق بأميركا نفسها".

وفي مقابلة مع موقع الحرة أوضح أن العوامل المرتبطة بتلك الجماعات تتلخص في الفكر المحرك لها، إن كانت ترى فيما تفعله تضحيات "فيصعب القول أن الضربات ستردعها" مشيرا إلى مثال حركة طالبان في أفغانستان.

أميركا تسقط عدة مسيرات حوثية.. وتدمر أخرى قبل إطلاقها قالت القيادة المركزية الأميركية، السبت، إن سفينة "يو إس إس كارني" أسقطت طائرة بدون طيار فوق خليج عدن، الجمعة، وأنه لم يتم الإبلغ عن وقوع إصابات أوأضرار.

ثم أضاف أن معرفة هيكلية تلك التنظيمات وقدرتها على الحفاظ على مصادر تمويلها تعد مؤشرا مهما أيضا حول إمكانيتها في الاستمرار أم لا أمام الضربات الأميركية.

أما العوامل المرتبطة بالولايات المتحدة فتتلخص في "قوة واستمرارية وكثافة الضربات" وهي مجتمعة، تعطي صورة عما إذا كانت تلك الجماعات ستعود أم لا.

ثم اشترط أن يكون هناك تدخل بري إلى جانب الضربات الجوية، حتى يتم تحييد عمل الجماعات المسلحة معطيا مثالا عن نجاح الولايات المتحدة في هزيمة تنظيم داعش بسبب تواجد قوات مساعدة على الأرض وهي القوات العراقية.

بعدها، عاد ليوضح أن صور الهدم في غزة والقتلى المدنيين والجرحى "عوامل تجنيد ذاتية" وقال "هذا ما يجعل المعركة مستمرة".

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: الضربات الأمیرکیة الولایات المتحدة تلک الجماعات وکلاء إیران توسع الحرب فی المنطقة أمیرکیة فی فی العراق إیران أم فی سوریا

إقرأ أيضاً:

تداعيات الحرب السودانية تفاقم معاناة جبال النوبة

كانت قضية جبال النوبة، وما زالت، مؤسسة على التهميش الذي لم يخفت في حالات الحرب أو السلم، بل ظلت التوترات على المستويات كافة سياسية واقتصادية واجتماعية متصاعدة، وعندما اندلعت الحرب الحالية زادت من مآسي المنطقة لطول عهد الصراع القائم هناك من دون أن يلتفت إليها الإعلام المحلي أو المجتمع الدولي.

التغيير: وكالات

عاشت منطقة جبال النوبة تاريخاً سياسياً مليئاً بالنزاعات، إذ تعرض سكان المنطقة لغزو السلطنات القديمة منذ القرن الـ16 للحصول على الرقيق، واستمر هذا النشاط خلال فترة الحكم التركي – المصري للسودان في بدايات القرن الـ19، واضطر سكان المنطقة إلى الاحتماء بسلسلة من عشرات الجبال مما زاد من عزلتهم.

وفي خضم حرب جنوب السودان التي انتهت بتوقيع اتفاق السلام الشامل (نيفاشا) عام 2005، ثم انفصاله عام 2011، عانى سكان المنطقة أيضاً، ولكن توقف الحرب في الجنوب لم ينعكس إيجاباً على المنطقة، إذ ظلت على هامش عملية السلام، وأصبحت قضاياها المنصوص عليها في الاتفاق، ضمن القضايا العالقة، حاملة اسم جنوب السودان بعد انفصال الإقليم الذي يحمل الاسم والموقع الجغرافي. وتزامناً مع إعلان انفصال الجنوب، اندلعت الحرب في جنوب كردفان بين جيش “الحركة الشعبية لتحرير السودان – قطاع الشمال” والجيش السوداني، بسبب الخلاف على نتيجة الانتخابات في الولاية، ثم امتد النزاع إلى ولاية النيل الأزرق. وعلى إثر ذلك أسست “الجبهة الثورية” أو “تحالف كاودا” الذي جمع بين “الحركة الشعبية – شمال” بقيادة مالك عقار، وحركات دارفور المسلحة، “حركة العدل والمساواة” بقيادة جبريل إبراهيم، و”حركة جيش تحرير السودان” بقيادة مني أركو مناوي، و”حركة جيش تحرير السودان” بقيادة عبدالواحد محمد نور.

وعندما اندلعت الحرب الحالية بين الجيش وقوات “الدعم السريع”، كانت المنطقة التي مزقتها الحرب الأهلية التي استمرت أكثر من نصف قرن، في خضم نزاع آخر منذ اشتعال الاحتجاجات التي أسقطت عمر البشير عام 2019، وذلك على إثر الانقسام الذي حدث في “الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال”، بين زعيميها مالك عقار وعبدالعزيز الحلو. وبينما تحالف الأول مع الحكومة (المجلس العسكري) خلال الفترة الانتقالية، ووقع على اتفاق السلام بجوبا 2020، واصل الثاني حربه على السلطة الجديدة ورفض التوقيع على الاتفاق، وكون تحالفاً مع عبدالواحد محمد نور الذي انشق عن “حركة تحرير السودان” بقيادة مني أركو مناوي الذي أصبح في ما بعد حاكم إقليم دارفور. وبعد الإطاحة بالنظام السابق، تلاشت الآمال في التغيير لأن الحكومة الانتقالية فشلت في معالجة مظالم شعب النوبة.

قضية التهميش

وكانت قضية جبال النوبة، وما زالت، مؤسسة على التهميش الذي لم يخفت في حالات الحرب أو السلم، بل ظلت التوترات على المستويات كافة سياسية واقتصادية واجتماعية متصاعدة. وشجع انفصال الجنوب المنطقة على المطالبة بالحكم الذاتي، إذ يرى قادتها أن حرمان الإقليم من المعاملة مثل بقية الأقاليم الأخرى، قد يستمر عقوداً أخرى، لا سيما مع تمتعها بالميزة النفطية، إضافة إلى تجاهل الحكومة القائم للمنطقة، فمع كل عهد جديد تظهر تعقيدات جديدة.

وكانت منطقة جبال النوبة بانتظار حسم قضية أبيي، فعلقت ما بين الوساطات الإقليمية ورفعها إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي. وبفضل التجميد الذي أحدثته الوساطة والمحكمة، وجد النظام السابق الفرصة سانحة لعدم حسم القضية سلباً أو إيجاباً بالنسبة إلى السودان وسكان المنطقة. من ناحية أخرى، أطالت مدة بقاء النظام لما يقارب عقداً آخر بعد اقتطاع جزء من السودان، إذ كان ذلك الحدث الأضخم منذ استقلال السودان. وأثار حفيظة تركيبات سكانية في عدد من الأقاليم، كما أثار احتجاجات وانتقادات واسعة من فرط السرعة التي تم بها انفصال الجنوب، من دون إظهار النظام السابق أي اعتراض أو مطالب بتأجيل الاستفتاء حوله، إلى حين حل القضايا العالقة، وتأتي أبيي في مقدمها.

وهناك قضية الحدود غير المحسومة فالخلاف حولها يعود لعهد الاستعمار، واقتصاد المنطقة القائم على الزراعة والرعي في مناطق تحركات موسمية تتقاسمها قبيلتا “الدينكا” التابعة لجنوب السودان، و”المسيرية” التابعة للشمال، ثم النزاع الناشئ حول النفط.

واستهدف النظام السابق المدنيين في جبال النوبة، ودمر القرى والمحاصيل والبنية الأساسية لإضعاف دعم الجيش الشعبي التابع لـ”الحركة الشعبية – شمال”. واعترف بروتوكول “ميشاكوس” 2002، الذي كان بمثابة مقدمة لاتفاق السلام الشامل بجبال النوبة كمنطقة متنازع عليها، لكنه لم يتطرق إلى التطلعات السياسية للمنطقة.

واشتمل الاتفاق الذي أبرم في عام 2002، وسمي باتفاق “جبال النوبة” على إنهاء حالة العداء وضمان حرية الحركة للمدنيين، وحركة السلع والمساعدات الإنسانية، ووقف إطلاق النار الذي يعني وقف التحركات العسكرية وأعمال العنف والهجمات الجوية والبرية كافة، واستهداف المواطنين على أساس إثني أو ديني أو انتماء سياسي.

خصائص المنطقة

وبوصف منطقة جبال النوبة موطناً لمجموعة شديدة التنوع من الإثنيات والثقافات والديانات المختلفة، إذ ظلت قضية الهوية إلى جانب القضايا الأخرى بعيدة من الحل، وربما أشد تعقيداً، بل لعبت دوراً مهماً في الصراع في منطقة جنوب كردفان. وتشمل المنطقة مكونات لأكثر من 50 مجموعة إثنية من السكان الأصليين لجبال النوبة منها (تييرا، هيبان، كواليب، مورو، أوتورو، مساكن، كاتشا)، وتختلف لغوياً وثقافياً ودينياً. وعلى رغم تنوعها، تحافظ هذه المجموعات على بعض العادات والتقاليد والممارسات الاجتماعية المشتركة، مثل الرقصات التقليدية ورياضة المصارعة التقليدية الخاصة بالمنطقة وأنماط الحياة الزراعية. ويتعاطف عدد من مجموعات النوبة بقوة مع مجتمعاتها المحلية، وتقاوم الاندماج في الثقافات السائدة. وربما كان هذا ما يستقوي به قائد الحركة عبدالعزيز الحلو، إذ إنه يلعب على هذا الوتر الحساس مما عمق من عزلة الإقليم. والتصور المضاد للاعتقاد السائد بأن النوبة مهمشين سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، هو تشجيع الحكومة المركزية، في كثير من الأحيان، لأن تسود سياسات التعريب والأسلمة، ومحاولات تجاهل التراث الثقافي واللغوي للنوبة.

أما في التنوع الديني ففاق الإقليم كل مناطق السودان الأخرى، إذ يعتنق عدد من أهل النوبة ديانات أصلية تتضمن عبادة الأسلاف والأرواحية والمعتقدات القائمة على عبادة الطبيعة والحيوانات. وكذلك يؤمن عدد منهم بالمسيحية التي انتشرت خلال فترة الاستعمار وما بعده، بتسهيل من المبشرين الذين سلكوا المسار النيلي مستهدفين جنوب السودان. ومع اختلاف ديانات قادة الحركة الشعبية إلا أن عدداً من مسيحيي النوبة ينتمون إلى الحركة، ويرون في أصلها، الذي أسسه جون قرنق منذ خمسينيات القرن الماضي، مدافعاً عن حقوقهم.

ويتحدث سكان جبال النوبة أكثر من 100 لغة، مصنفة إلى ثلاثة أقسام لغوية رئيسة هي: “التينجر”، وهي لغة فريدة من نوعها في المنطقة قادمة من وسط أفريقيا، ويتحدث بها عدد من المجموعات الأصلية، و”النيلية” تتحدث بها بعض المجموعات ذات الروابط الثقافية الوثيقة مع جنوب السودان، والعربية تستخدم كلغة مشتركة وتزداد انتشاراً بسبب التداخل الثقافي مع مجموعات الشمال.

خلفية معقدة

لكل هذا، ونظراً إلى الخلفية المعقدة، فإن الحرب الحالية عندما اندلعت زادت من مآسي منطقة جبال النوبة نظراً إلى طول عهد الصراع القائم هناك لدرجة أن الآثار الناجمة عن الحرب لم يلتفت إليها الإعلام المحلي أو المجتمع الدولي، بل ظلت غائبة عن رادار الأخبار والمتابعات ومطالبات المجتمع الدولي بضرورة تأمين المساعدات، ولم يأت ذكر المنطقة في كل هذا. كما ظل سكان المنطقة يواجهون تبادل الهجمات بين قوات الجيش وقوات الحلو، وهجمات من “الدعم السريع” من جهة أخرى.

فمع اشتداد الحرب، تعرضت المنطقة إلى موجات نزوح واسعة، وأجبر عدد من سكانها على الفرار من منازلهم، بسبب انعدام الأمن وفقدان الغذاء والمأوى والعلاج، وتعرضوا في مناطق نزوحهم الجديدة إلى ظروف أشد قسوة. كما لجأ آلاف من سكان المنطقة إلى دول الجوار، خصوصاً دولة جنوب السودان وإثيوبيا، التي سرعان ما حدثت فيها ارتدادات بسبب الضغوط التي أحدثها اللجوء على وضعها الداخلي، تمثلت في إثارة قضية وجودهم وتعرضهم لمضايقات عديدة.

وبحلول نهاية عام 2024، أعلنت الأمم المتحدة المجاعة في جبال النوبة الغربية، وهي أول مكان خارج شمال دارفور يطلق عليه هذا الوصف رسمياً.

أما ما يتعلق بالعنف الداخلي من ممارسات شملت القتل والاختطاف والعنف الجنسي، فظلت بعيدة من الضوء، إذ لم يكن بإمكان الجماعات الحقوقية ومنظمات المجتمع المدني رصد الوضع على الأرض. كما تقاصرت إمكاناتها عن مد المنطقة بالمساعدات اللازمة بسبب التحديات اللوجستية والمخاوف الأمنية والعزلة أيضاً، مما جعل السكان المحليين يعتمدون على مرونة المجتمع والشبكات السرية للبقاء على قيد الحياة. كل هذه الأزمات مثلت تحديات في طريق بناء السلام، وفاقمت الانقسامات بين المجتمعات وعمقت تآكل الثقة.

دائرة التعتيم

وهناك توقعات بأن العزلة المفروضة، بفعل الطبيعة والنزاع الدائر هناك، التي تعيشها منطقة جبال النوبة، لن تطول، وإنما سيكون هناك حراك يتخذ مسارين، الأول داخلي بأن تخرج أصوات مطالبة بالحكم الذاتي والفيدرالية، إذ إن منح المنطقة قدراً أكبر من الحكم الذاتي السياسي أو النظام الفيدرالي من شأنه أن يعمل على تمكين الحكم المحلي والحد من التهميش.

والمسار الثاني، هو تفعيل الوساطة الدولية مثل لعب دور في حض الحلو على القبول بالتفاوض من أجل السلام، أو ممارسة الضغوط الدولية عليه لضمان فتح ممرات إنسانية آمنة لتوصيل المساعدات، خصوصاً الغذاء والدواء إلى أولئك الذين يعيشون في المناطق النائية، وحماية المدنيين بإنشاء مناطق منزوعة السلاح مما من شأنه أن يحمي المدنيين ويوفر مساحات آمنة للنازحين، لا سيما أنهم وقعوا تحت دائرة التعتيم بسبب الحرب بين الجيش و”الدعم السريع”، إضافة إلى الفجوة الأساسية المتمثلة في الاستجابة الدولية لها.

المصدر: إندبيندت عربية

الوسومجبال النوبة جنوب السودان حرب الجيش والدعم السريع حرب السودان

مقالات مشابهة

  • تداعيات الحرب السودانية تفاقم معاناة جبال النوبة
  • خياران لا ثالث لهما.. أمريكا بين الضربة العسكرية والحلول السياسية مع إيران
  • خياران لا ثالث لهما.. أمريكا بين الضربة العسكرية والحلول السياسية مع إيران - عاجل
  • القندوسي يبرئ أمير توفيق من فرض وكلاء في ملف الصفقات
  • إيران: مستعدون لنقل الخبرات في الحكومة الذكية والأمن السيبراني للعراق
  • نائب جمهوري:حكومة السوداني تدعم إيران بـ(10) مليارات دولار سنوياً بعنوان شراء الكهرباء!
  • مكتب الشؤون الإفريقية التابع للخارجية الأميركية: المدنيون السودانيون عانوا الأمرّين خلال هذه الحرب
  • الأعرجي: أمن إيران أسبقية أولى
  • إيران لم تيأس بعد من نجاح مشروعها
  • وزير خارجية اليمن: ''الحوثيين سيواجهون مصير أذرع إيران في المنطقة والدور سيأتي عليهم''