هل ينفع الهربُ إلى المكتبة؟
تاريخ النشر: 4th, February 2024 GMT
من منا يستطيع أن يقوم بفعل أي شيء، دون أن تحيط به سحابة قاتمة من الشعور بالذنب. من يستطيع أن يحتفل أو يلتقي بالأصدقاء والأحبة، دون أن يبذل جهدًا كبيرًا لدفع فلسطين وما يحدث فيها إلى ما وراء ذهنه، ومع هذا ينتابه العجز الشديد جراء فعل ذلك. بالنسبة لي ولأصدقائي، ممن مثلت القراءة بالنسبة لنا، الملاذ الذي اعتمدناه كل العمر لكي لا يصبح هنالك مجال لأي شيء آخر عدا ما نقرأ، فقدنا أخيرا هذه الصلة، وإذا ما قرأنا، فإننا نتململ سريعا، وأكثرنا نجاة من عاد ليقرأ في التراث أو الأدب العربي المعاصر.
أحد الأصدقاء تأثر بأطروحة عالم الاجتماع الفرنسي هنري لوفيفر «الحق في المدينة» وقد قدم للمكتبة العربية قراءة متواشجة ومتقاطعة مع أطروحة لوفيفر والمدينة العربية، يسائل حضور لوفيفر في الكتابة النقدية العربية واستهلاكه بتطرف خلال السنوات الأخيرة. لكن الأمر تغير كثيرا بالنسبة لصديقي هذا بعد السابع من أكتوبر الماضي، ومع استمرار العدوان على غزة، وجد أنه من السخف بما كان أن ينطلق من أدبيات أوروبية في أطروحته حول المدينة العربية، لم يعد يستطيع فعل ذلك بعد الآن، لذا انكب على التراث وما زال يفعل، علّ روحه تجد ما تسلو به.
أما أنا فلقد قرأت أدبا عربيا، والكثير من الشعر العربي في الآونة الأخيرة، لكنني وجدتُ ضالتي في الأدب اللاتيني، بدا أن هذا العالم أكثر صدقا وتوافقا مع نفسه، تلقفتُ ماركيز في «خبر اختطاف» التي لم أقرأ من قبل، وكولمبيا إبان الاختطافات البابلو اسكوبارية، أتهجأ الأسماء ببطء، وأحاول حفظ الأسماء التي تستخدم لتدليل كل شخصية. أحاول اكتشاف أصولها، ومتابعة الثقافة الحية والملونة للاتينيين. قرأتُ الرواية ببطء غير مسبوق، مكتوبة كما لو أنها تقرير صحفي، إلا أن ماركيز ببصيرته النافذة وشعريته المتجاوزة، يضيء لك النص في جمل مختارة، تشفُ عما تعجز اللغة الصحفية عن الإتيان به. سرعان ما تحول الأمر لفضول أعيشه للمرة الأولى تجاه الموسيقى اللاتينية، وتعرفتُ أخيرا على Camarón de la Isla، والتفتُ لصديق بجانبي قائلة: ماذا لو أن العالم أقل قسوة مما هو عليه، أقل رعبا، وأكثر دعة، ماذا لو أن مركز العالم هم اللاتينيون أو الهنود، ماذا لو لم يكن هنالك مركز واحد؟ ثم بكيت.
وفي الوقت الذي أحار فيه ماذا أقرأ لكي أنسى وأهرب. فقد أصدقائي ممن غادروا غزة قبل سنوات مكتباتهم، بعضهم فقدها في تدمير كامل لبيوتهم، أما معظم أصدقائي فلقد شاهدوا صور كتبهم وهي تتحول لنار، يحاول أهلهم التدفئة بها أو استخدامها في الطبخ. تخيلتُ أن أفقد مكتبتي بهذه الطريقة العنيفة وعرفتُ جيدا كيف أن ما يحدث الآن لا عودة منه على الإطلاق. تماسك بعض أصدقائي الغزيين وانهار البعض الآخر منهم، ميزوا تلك الكتب التي تحرق حتى والصور التي تصلهم مترددة وشحيحة في ظل انقطاع الاتصالات المستمر في غزة، أردتُ أن أسألهم واحدا واحدا: قل لي هل هنالك كتاب وحيد أوصيت بعدم حرقه؟ ماذا سيكون؟ قبل فترة أهداني صديقي الغزي أعدادا قديمة من مجلة الكرمل، تعود للثمانينيات والتسعينيات أوصى عائلته بأن ترسلها له من مكتبته الصغيرة التي غادرها قبل أربع سنوات دون أمل قريب بالعودة، وذلك مع صديقة لنا عادت لزيارة أهلها بعد سنوات هي الأخرى. لديّ الآن في مكتبتي إذن، مشاريع نجت من الحرق، جثثٌ محتملة لتدفئة الأجساد المتجمدة من البرد القارص، لدي أعداد من مجلة الكرمل، فيها رسمت فنانة فلسطينية من غزة لا أعرف إن كانت ما زالت على قيد الحياة، رسوما بقلمها الرصاص فوق القصائد، وفوق مختارات من ديوان الغائب لبول شاؤول، الأمر الذي دفعني يومها لكي أسأل صديقي هذا، هل أحبتك هذه الرسامة؟ لابد وأنها فعلت، خصوصا وقد تركت وردة لتجف في وسط ذلك العدد من الكرمل.
أمل السعيدية – صحيفة عمان
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
مخرجة قلوب صغيرة لـ«الوفد»: براءتهم تحمل صوتًا لا يستطيع أحد تجاهله في ظل المعاناة
حصد فيلم "قلوب صغيرة" جائزة البرج الذهبي، في مسابقة الفيلم التسجيلي بمهرجان القاهرة الدولي للفيلم القصير، وهو عمل وثائقي مميز من إخراج مروة الشرقاوي، يسلط الضوء على تساؤلات ومشاعر الأطفال المصريين تجاه ما يحدث في غزة.
مروة شرقاوي مخرجة فيلم قلوب صغيرة: براءة الأطفال التي تتخطى حدود الألم"قلوب صغيرة" هو فيلم يعبر عن براءة الأطفال ومشاعرهم الطاهرة التي تتخطى الحدود، ليؤكد أن الصراعات والآلام لا تعرف العمر، وأن التعاطف والإنسانية هما اللغة الوحيدة التي يتحدث بها الجميع، بغض النظر عن المكان أو الزمان.
صناع فيلم قلوب صغيرة مع محررة بوابة الوفد
وأكدت مروة الشرقاوي، مخرجة الفيلم الوثائقي "قلوب صغيرة" في تصريحات خاصة لـ «بوابة الوفد» والذي يتناول التساؤلات والمشاعر التي يشعر بها الأطفال المصريون تجاه الأحداث الجارية في غزة، الفيلم يسلط الضوء على تفاعل الأطفال مع معاناة نظرائهم في فلسطين، من خلال تساؤلاتهم البريئة والمحملة بالحزن والاستفهام.
انطلقت فكرة الفيلم من مشاهدات المخرجة لأطفال شقيقاتها وهم يطرحون أسئلة عن الوضع في فلسطين، مثل "لماذا يحدث هذا؟ ولماذا يموت الأطفال هناك؟"، هذه الأسئلة البريئة حملت معها مشاعر صادقة تعكس مدى التأثر والتعاطف الذي يشعر به الأطفال في مصر تجاه معاناة أقرانهم في غزة، وكان من الضروري توثيق هذه المشاعر ومشاركتها مع العالم، لتكون نافذة تنقل أحاسيس الأطفال المصريين وتعبيرهم عن تضامنهم مع الأطفال في فلسطين.
فيلم قلوب صغيرةوأشارت مروة الشرقاوي إلى أنها شعرت بأن هناك حاجة لتوثيق تلك المشاعر والرد على أسئلتهم بطريقة تلامس وجدانهم، وخاصة أن الأطفال في مصر لا يقتصر اهتمامهم على ما يحدث في محيطهم، بل يمتد أيضًا إلى ما يعايشه الأطفال في فلسطين.
قررت المخرجة أن تنقل مشاعر هؤلاء الأطفال في مصر إلى نظرائهم في غزة، من خلال فيلم يسجل براءتهم ويعبر عن مشاعرهم تجاه الأحداث الجارية.
"قلوب صغيرة" هو محاولة لفهم تأثير الصراعات على الأطفال، وكيف يمكن لتلك البراعم الصغيرة أن تعبر عن تضامنهم ومشاعرهم تجاه الأطفال الذين يعيشون تحت وطأة الحرب والمعاناة.
حورية فرغلي تفتح قلبها لـ«الوفد»..أمنيات وأسرار تجربتها في مهرجان القاهرة للفيلم القصير