كُتّاب ومؤرخون يناقشون "التراث الثقافى فى عالم متغير" بمعرض الكتاب
تاريخ النشر: 4th, February 2024 GMT
نظمت القاعة الرئيسية بمعرض القاهرة الدولي للكتاب فى دورته الـ55 ندوة بعنوان "التراث الثقافى فى عالم متغير"، بحضور كل من إسماعيل على فحيل من السودان، والكاتب والمؤرخ الليبى سالم الكبتى، ورئيس تحرير مجلة التراث الشعبى العراقى صالح زامل، والكاتبة عائشة الدرمكى من سلطنة عمان، وعبد العزيز المسلم من الشارقة، ونهلة إمام ممثل مكتب اليونسكو بالقاهرة، وأدار الندوة الكاتب الصحفي أحمد الخطيب .
في البداية، رحب الكاتب الصحفي أحمد الخطيب بالضيوف العرب المشاركين في الندوة، مؤكدا أن منطقة الشرق الأوسط مهد الثقافة والعلوم، وأنها تحظى دون غيرها عن دول العالم بتراث ثقافي عن غيرها من الدول، لكن الحروب والمعارك أثرت على التراث الثقافي بشكل مختلف.
وقال إن التراث الثقافي في الشرق الأوسط، يعد احدى السمات الرئيسية لهذه المنطقة الواقعة في قلب العالم القديم والحديث، حيث نشأت الحضارات، هذا التراث الثري الذي أصبح ملك للإنسانية جمعاء يجسد عمق الإبداعات البشرية، وتتميز منطقة الشرق الأوسط بمدنها التاريخية وتنوع أشكال التراث المادي مثل دور العبادة والقصور والأسوار والمكتبات والمنحوتات وغيرها من المعالم التراثية والأثرية، الى جانب التراث الثقافي بما يحويه من لغة وشعر وأمثال وألغاز وحكايات وفنون الأداء، والموسيقى، والزفات الشعبية والرقص والعادات والتقاليد والاحتفالات ومهارات الطعام وتقاليد الأواني والمهارات المرتبطة بالحِرف والصناعات اليدوية.
وقالت الدكتورة عائشة الدرمكى إن المتغيرات العصرية فى العالم بشكل عام متسارعة، وتؤثر بشكل مباشر على التراث الثقافي، ولأنها متسارعة تتمركز على موضوع التقنية أو التطورات التكنولوجية، والتى تعد من أهم التغيرات والتحديات التى تواجه التراث الثقافى.
وأضافت أن هناك إيجابيات للتطورات التكنولوجية تتحدد فى الاستثمار والإبداع الثقافى والمهارات التى يكتسبها الفرد فى المجتمع، ولكن التكنولوجيا تجعل التراث يواجه الكثير من التحديات منها حماية التراث وجمعه وصونه، وهناك دعوة لتحويل مواد التراث الثقافى إلى أشكال رقمية، وهى وسيلة من وسائل حفظ التراث ولكنها تواجه الكثير من التحديات بدءً من مواقع التواصل الاجتماعى وانتهاء بالذكاء الاصطناعى، وأصبح التراث يواجه اليوم مشكلة كبيرة على مستوى الملكية الفكرية .
وتابعت أنه فى مواقع التواصل الاجتماعى مصادر مفتوحة تتضمن مجموعة كبيرة من الصفحات تضم أحكاما شعبية وعادات وتقاليد ومواد التراث الثقافي، إلا أنها تواجه أخطارًا وتحديات تنعكس على القدرة على حماية وجود هذه المواد على الصفحات.
وقال سالم الكبتى إن العالم يتغير باختلاف الأجيال وظهور وسائل الاتصالات الحديثة، وتعرضنا للصراعات والحروب وغيره، كما تحدث عن التجربة الليبية فى الحفاظ على التراث الشعبى قائلا: "عشنا فى ليبيا ظروفا صعبة من ظروف الاحتلال والجهل والخراب مثلنا كباقى البلدان العربية المجاورة، وصمد التراث الشعبى فى وجه التخلف والاحتلال الإيطالى الذى حاول أن يغير من تراث ليبيا من لغتها ودينها وعاداتها وتقاليدها".
وأضاف: "كان الشعر فى ليبيا كل شيء فهو الرواية والقصة والكلمة، وكان الشاعر له مكانته الخاصة، وكان الشعر الشعبى صوتا للناس، فواجه كل صنوف الطغيان وعبر عن فرحة الناس وسرورهم وحزنهم، فنحن فى ليبيا فى الفرح والحزن نطلق الأغانى والأشعار، والشعر الليبى ظل يرافق الناس فى أغانى العمل والحصاد واستخراج المياه من الآبار وكل هذه الأشياء شكلت حصيلة غالية للتراث الشعبى الليبى".
وقال صالح الزامل إن هذا التفكير فى التراث المادى أو اللامادى والتخوف من التغيرات لم ينشأ إلا من طبيعة الإنسان نفسه، وهناك عمليات تحول كبيرة فى التاريخ لا تقف عند ميزان محدد أو صورة محددة، وتثير قضية الهوية سؤالا مهما وهو لماذا المخافة من التغير؟ .
وأضاف زامل: "إن الخوف من التغير شغل كل المعارف وشغل أهل الفلكلور بشكل مبكر ومن معرفتى ومتابعتى الخاصة فمنذ التسعينات طرح هذا السؤال والتخوف بشأن التراث الشعبى".
وتابع: "المتغيرات تواجه الهوية ولا بد من التساؤل حول ماذا يمثل الفلكلور من الهوية؟، ما من أمة تعرف نفسها إلا بما تملكه شخصيا، وما تمتلكه هو الذى يشكل هويتك، وفى ظل كل هذه التغيرات كيف نعلم أدواتنا لكى نقدمها إلى أبنائنا".
وتطرق فى حديثه إلى ما يشتمله الفلكلور قائلا: الفلكلور يضم الأزياء والطعام والحرف الشعبية والعمارة والأمثال الشعبية والحكايات والكثير من المواد .
وتحدث عن ظهور أول مجلة عربية تخصصت فى الأدب الشعبى عام 1963، وقال إنها لم يكن لها منافس، وكانت لها صدى وأثر كبير فى جميع البلدان العربية وعلى رأسها مصر، وكان يرافق هذه المجلة 3 ندوات وكانت ندوات عربية مهمة شارك فيها جميع الفلكوريين العرب وطرحت الكثير من الأسئلة المهمة ولازالت مستمرة حتى الآن .
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: القاعة الرئيسية معرض القاهرة الدولي للكتاب التراث الثقافى التراث الثقافی
إقرأ أيضاً:
الصراع حول إعادة تعريف ما يمثله الإسلام في عالم القرن 21.. قراءة في كتاب
لقد بدأت المعركة على الإسلام مع نزول الوحي. وتنوعت صورها والمشاركين فيها عبر العصور المختلفة، وتعددت أهدافها ووسائلها؛ لكنها اتخذت في هذا القرن والقرن الماضي صورا جديدة تغلفها مسميات جديدة للإسلام. وفي هذا الإطار نقدم عرضا لكتاب د. جيمس دوروسي "المعركة على روح الإسلام: تعريف العقيدة الإسلامية في القرن الحادي والعشرين"، والذي صدر عن دار باليغراف ماكميلان بلندن في يوليو 2024.
وللكاتب مجموعة من الدراسات والمقالات حول هذا الموضوع منشورة بمركز بيجين السادات للدراسات الاستراتيجية، والذي عرفه بأنه متخصص في خطوط الصدع السياسية والاجتماعية والاقتصادية في العالم الإسلامي، وهو تعريف يفسر لنا سر اهتمام المركز والصحافة الإسرائيلية والمراكز البحثية الغربية بما يكتبه، وخطورة ما تضمنه الكتاب الذي نقدم عرضا له في هذا المقال.
أهمية الكتاب
يأتي الكتاب في وقت تُرسم فيه الخرائط الإقليمية والدولية، وتتنافس القوى الدولية والإقليمية على السيطرة والهيمنة، وتتبارى الأنظمة المستبدة على تقديم الولاءات والتنازلات ومبررات البقاء في الحكم عبر محاولة السيطرة على القوة الناعمة لهذا الدين وتطويعها لمصالحهم، يقول مؤلف الكتاب:
ـ "المعركة على روح الإسلام" هي صراع لإعادة تعريف ما يمثله الإسلام في عالم القرن الحادي والعشرين. وهي أكبر بكثير من مجرد مواجهة وقمع الإسلام السياسي. إنها معركة طويلة الأمد منذ عقود من أجل القوة الدينية الناعمة، تتنافس فيها دول من الشرق الأوسط وآسيا على: الاعتراف بها كزعيمة للعالم الإسلامي، وأن تكون محركات لتفسير "معتدل" ومتسامح وتعددي للإسلام.
إن جهود السعودية والإمارات لتعريف "الإسلام المعتدل" على أنه أكثر ليبرالية اجتماعيا مع خضوعه لحاكم استبدادي، هي محاولة: لضمان بقاء النظام، وتعزيز تطلعاته لقيادة العالم الإسلامي، ودرء التحديات المتجذرة في فروع متنوعة من التيارات الدينية المحافظة المتطرفة.ـ يستخدم المتنافسون الدين لكسب التأييد والتعاطف في أروقة السلطة في الولايات المتحدة وأوروبا، وكذلك بين المجتمعات اليهودية والمسيحية المؤثرة.
ـ إن جهود السعودية والإمارات لتعريف "الإسلام المعتدل" على أنه أكثر ليبرالية اجتماعيا مع خضوعه لحاكم استبدادي، هي محاولة: لضمان بقاء النظام، وتعزيز تطلعاته لقيادة العالم الإسلامي، ودرء التحديات المتجذرة في فروع متنوعة من التيارات الدينية المحافظة المتطرفة.
ـ تكتسب المعركة أهمية إضافية في الشرق الأوسط، حيث يحاول الخصوم تخفيف حدة التوترات الإقليمية من خلال إدارة نزاعاتهم وصراعاتهم؛ بدلا من حلها. ويركز الخصوم على التنافس على القوة الناعمة؛ بدلا من مواجهة القوة الصلبة التي غالبا ما تشمل وكلاء بالمنطقة كأطراف فاعلة.
عرض موجز للكتاب
عندما ألغى أتاتورك الخلافة العثمانية، قال عبد الله بن الحسين مؤسس الأردن: "لقد انتحر الأتراك. فقد كانت الخلافة أعظم القوى السياسية لديهم. أود أن أشكر مصطفى كمال، فالخلافة عربية، كان النبي عربيا، والقرآن باللغة العربية، ويجب أن يكون الخليفة عربيا من قريش. وقد عادت الآن إلى الجزيرة العربية". لكن ذلك لم يحدث، إذ لم يُظهر القادة العرب اهتمامًا بعودتها، وركزت الحركات السياسية الإسلامية المبكرة على إحياء خلافة طموحة كهدف بعيد المدى بدلاً من كونها هدفًا فوريًا.
وبعد مرور قرن، لم تعد الخلافة هي محور الصراع الإسلامي العالمي. بدلاً من ذلك، تتورط القوى الإسلامية في الشرق الأوسط وآسيا في صراع ديني متعمق "على روح الإسلام"، للسيطرة على قوته الناعمة، وتوظيفه لتحقيق النفوذ والهيمنة الجيوسياسية. والمتنافسون في هذا الصراع متعددون، منهم: تركيا والسعودية والإمارات وقطر وإندونيسيا والمغرب، دون فائز واضح؛ لكن مسار المعركة يدور حول:
ـ تعريف الإسلام وشكل الإيمان في القرن الحادي والعشرين.
ـ الطاعة المطلقة للحكام، وتحويل المؤسسات الدينية إلى أدوات للدولة.
ـ جوهر العلاقة بين الدولة والدين، والدور الذي يجب أن تلعبه الدولة في تطبيق الأخلاق الدينية.
ـ مكانة الدين في التعليم والقضاء والسياسة.
ونظرا لأنه صراع على القوة الناعمة للدين، فقد أصبحت الحدود بين الدولة والدين أكثر غموضًا من أي وقت مضى خاصةً في البلدان الأكثر استبدادًا. وقد صمم المستبدون الاعتدال الديني للحفاظ على سيطرتهم مع تلبية متطلبات التنويع الاقتصادي، وتطلعات الشباب إلى تجربة دينية أقل تقييدا وطقوسا، مع الحفاظ.
السعودية اللاعب الرئيسي منذ الستينيات
بدأت "المعركة على روح الإسلام" على يد السعوديين خلال الستينيات، إذ وضعوا الأساس الأكثر تركيزًا وتمويلًا لحملة الدبلوماسية العامة الإسلامية لتعزيز الإسلام المحافظ. وقد اعتبرت القوى الغربية آنذاك هذه الجهود جزءًا من جهودها العالمية لاحتواء الشيوعية.
قامت السعودية بهذه العملية من أعلى إلى أسفل كمبادرة ممولة من الحكومة إلى حد كبير. ونجحت، بمرور الوقت، في الحصول على دعم شعبي واسع النطاق. وذهب الجزء الأكبر من الأموال السعودية إلى مؤسسات دينية وثقافية محافظة للغاية وغير عنيفة في بلدان متعددة. وكان بعض المتلقين للسخاء السعودي سياسيين؛ والبعض الآخر لم يكونوا كذلك. وقد امتد الجهد الديني السعودي، بعد الثورة الإيرانية عام 1979، لمواجهة المد الشيعي الإيراني، عبر الاستعانة الانتقائية بوكلاء في مختلف دول الشرق الأوسط، ومولت المملكة بشكل مباشر الجماعات المسلحة ردًا على ظروف محددة: أفغانستان ضد السوفييت في الثمانينات، وباكستان لدعم الجماعات المعادية للشيعة والمناهضة لإيران، والعراق الذي شهد تمردًا مناهضًا للشيعة، وإيران في محاولات لإثارة الاضطرابات العرقية. وتم نقل الأموال يدويًا، أو عبر رجال الأعمال والصرافين والبنوك المختارة، أو عبر أسماء تجعل من الصعب تعقب المتبرعين.
محمد بن سلمان ونهج جديد
مع صعود محمد بن سلمان، تبنت المملكة نهجًا جديدًا. قلل الأمير محمد بشكل كبير من دور الشخصيات والمؤسسات الدينية المحافظة للغاية، وخفض التمويل العالمي للنشاط الوهابي، وعزز حقوق المرأة، وبنى قطاع ترفيه على النمط الغربي، في سعى لتصوير المملكة وتقديم إسلامها كمتسامح طموح منفتح يهدف إلى فتح أبوابها. وعلى سبيل المثال، كانت "رابطة العالم الإسلامي" سابقا وسيلة للترويج عالميا ل"لإسلام المحافظ"؛ لكنها الآن تبني علاقات أقوى مع الجماعات اليهودية والمسيحية الإنجيلية، وحولها بن سلمان إلى منبر لنشر رؤيته حول "الإسلام المعتدل". وفي الوقت نفسه، تراجعت تبرعات المملكة الموجهة دينيًا، ويتم تنقية الكتب المدرسية، وهناك تغيير في لغة هذه الكتب فيما يتعلق بالصراع مع إسرائيل.
وبينما تطبق المملكة قوانين صارمة بشأن التبرعات الخيرية للخارج، فإن تمويل المقاتلين الذين يخدمون أهدافها الجيوسياسية يظل غامضًا. وقد ذكر متشددون باكستانيون تدفق أموال كبيرة إلى المدارس الدينية المحافظة على الحدود الباكستانية مع إيران وأفغانستان. وذكروا أن هذه الأموال كانت تُوجه عبر مواطنين سعوديين من أصول بلوشية، وغالبًا ما تُنقل في حقائب، في وقت كان صانعو السياسة الأمريكيون يقترحون فيه زعزعة استقرار النظام الإيراني عن طريق دعم الحركات الانفصالية العرقية.
الدور الإيراني بعد ثورة 1979
كانت الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 بمثابة الشرارة التي أطلقت مرحلة جديدة من التنافس السعودي الإيراني الذي اجتاح تدريجيا الشرق الأوسط ومناطق آخرى، مع الاختلاف بينهما في مفاهيم القوة الدينية الناعمة. كان التركيز الأساسي للسعودية عقائديا؛ بينما ركزت إيران الثورية على الحصول على القوة الصلبة، ومحاولة تصدير الثورة، ثم اتجهت إيران إلى رعاية وتجنيد الجماعات الشيعية بالمنطقة كخط دفاع أول بالنسبة لها. وفي جنوب شرق آسيا وغرب أفريقيا، ركزت إيران على القضايا الدينية والاجتماعية.
المعركة تصبح أكثر تعقيدا
بعد التنافس السعودي الإيراني على القوة الدينية الناعمة و"المعركة على روح الإسلام"، دخل معهما لاعبون جدد: الإمارات وتركيا وقطر وإندونيسيا، مما أدى إلى زيادة الخطوط الفاصلة بين القوة الناعمة الدينية والثقافية والقومية البحتة، والصراع داخل المجتمعات الإسلامية على القيم والحريات والحقوق والأنظمة السياسية المفضلة، والجمع بين القوتين الناعمة الدينية والقوة الصلبة، واستخدام الوكلاء:
ـ الحرب التي تقودها السعودية والإمارات لمواجهة إيران في اليمن.
ـ الدعم الإماراتي والمصري والتركي للأطراف المتصارعة في ليبيا والسودان.
ـ التورط التركي والخليجي في سوريا.
هذه التدخلات تكشف عن الانتهازية التي يتبناها معظم اللاعبين. فالإمارات داعية الاعتدال، لا تزال تدعم قوات خليفة حفتر في ليبيا التي تضم صفوفها عددا كبيرا من المقاتلين السلفيين.
اللاعبون والتعامل مع الإسلام السياسي والربيع العربي
كان انبعاث "الإسلام السياسي" نتيجة لثورات الربيع العربي سببا في تغذية أسوأ مخاوف قوى المنطقة سواء في الخليج أو العسكر في مصر. وخلقت الاضطرابات فرصة لتحرك مضاد قادته الإمارات، فأطلقت مشروعا لتسويق "مشروع الإسلام المعتدل المتسامح" الذي يحترم التنوع والحوار بين الأديان. وفي الوقت نفسه، رضخ بن زايد للسلفيين الذين سعوا إلى فرض الشريعة الإسلامية الصارمة على معقل حفتر في شرق ليبيا، بما يتناقض مع وجهة نظره القاتمة حول التيارات والتفسيرات الإسلامية المحافظة. وهي وجهة نظر عبر عنها يوسف العتيبة سفير الإمارات في واشنطن عندما قال: "خاضت أبوظبي 200 عام!! من الحروب مع السعودية بسبب الوهابية".
الإسلام المسيس
لعب بن زايد دورا رئيسيا في تشكيل سياسات بن سلمان ضد الوهابية والانحياز إلى ما يطلق عليه "الإسلام المسيس"، أو "الاتجاه الثالث في الإسلام السياسي"، وهو اتجاه مرتبط ارتباطا وثيقا بسلطة الدولة وخاضع لها. وقد آتت جهوده ثمارها في الترويج لهذا النوع من الإسلام، والترويج الدعائي للإمارات عبر جماعات الضغط الغربية على أنها مجتمع تعددي مستنير متسامح دينيا. كما قدمت نفسها كدولة علمانية على الرغم من أن دستورها يتطلب أن يكون التشريع متوافقا مع الشريعة الإسلامية. وسجلت واحدة من أهم نجاحاتها مع الزيارة البابوية الأولى لها وتوقيع وثيقة الأخوة الإنسانية مع شيخ الأزهر، والتي صاغها قاض مصري. وسعى بن زايد إلى نشر أفكاره عبر إنشاء منظمات دينية خاصة به، وإطلاق برامج تدريب للأئمة غير الإماراتيين، وتشجيع تبني الأزهر للغة معتدلة لمكافحة التطرف والتعصب. وقد حققت الإمارات نجاحات أولية بتدريب الآلاف من رجال الدين الأفغان، وعرضت تقديم خدمات مماثلة للأئمة الهنود.
الإٍسلام الإماراتي والثورة المضادة
النسخة الإماراتية من الإسلام "الإسلام المسيس" عززت الثورة المضادة لمواجهة الجماعات المرتبطة بالإخوان المسلمين وفروع أخرى من الإسلام السياسي. وساعد بن زايد في تدبير انقلاب عسكري بمصر في 2013 أطاح بالرئيس الذي فاز في الانتخابات الحرة والنزيهة الأولى والوحيدة في مصر. وفي 2017، هندست الدبلوماسية الإماراتية السعودية البحرينية المصرية المقاطعة الاقتصادية والسياسية المُنهِكة لقطر التي تُتهم بأنها ركيزة من ركائز الإسلام السياسي.
أدوات التغلل الإماراتي
كان التأثير العالمي المتنامي للإمارات واضحا في قائمة الأشخاص الذين شاركوا في مؤتمر غروزني عاصمة الشيشان 2016 ، الذي حرم الوهابية. كان من بين المشاركين: شيخ الأزهر، ومفتي مصر شوقي علام، وصوفي السلطة علي جمعة المؤيد القوي للرئيس السيسي، وأسامة الأزهري مستشاره للشؤون الدينية، ومفتي سوريا عبد الفتاح بزم المقرب من بشار، والحبيب علي الجفري رئيس "مؤسسة طابة الإسلامية" التي تتخذ من أبوظبي مقرا لها، ومفتي الهند الشيخ أبو بكر أحمد؛ ونظيره الأردني عبد الكريم الخصاونة.
النسخة الإماراتية من الإسلام "الإسلام المسيس" عززت الثورة المضادة لمواجهة الجماعات المرتبطة بالإخوان المسلمين وفروع أخرى من الإسلام السياسي. وساعد بن زايد في تدبير انقلاب عسكري بمصر في 2013 أطاح بالرئيس الذي فاز في الانتخابات الحرة والنزيهة الأولى والوحيدة في مصر. وفي 2017، هندست الدبلوماسية الإماراتية السعودية البحرينية المصرية المقاطعة الاقتصادية والسياسية المُنهِكة لقطر التي تُتهم بأنها ركيزة من ركائز الإسلام السياسي.وتمول الإمارات أيضا "منتدى تعزيز السلم في المجتمعات الإسلامية"، الذي أُنشئ ليواجه اتحاد علماء المسلمين الموجود بالدوحة. ويتبني المنتدى مفهوم مكيافيلي للدين كأداة قوية في يد الأمير. وبدأ أفراد الأسرة الحاكمة في مغازلة عبد الله بن بيه نائب رئيس اتحاد علماء المسلمين في أوائل 2013 الذي قبل دعوة الإمارات في نفس الشهر الذي أطاح بمرسي. ويرأس بن بيه مجلس الفتوى، ويتحدث نيابة عن حكومة الإمارات.
تأتي مغازلة الإمارات للشخصيات الدينية المؤثرة في العالم الإسلامي من إدراك بن زايد أنه بحاجة إلى القوة الدينية الناعمة لتبرير استخدام الإمارات للقوة الصلبة في بلدان مثل اليمن وليبيا. وسوف يقرر النفوذ المالي والسياسي للإمارات درجة نجاحها في حملة نشر الفكر السياسي الإسلامي المضاد للثورة. يقول يحيى بيرت، وهو باحث بريطاني مسلم من رجال الدين المدعومين من الإمارات: "ثمن الرعاية الإماراتية للعلماء مرتفع للغاية. إذ أن أي انتقاد لانتهاكات حقوق الإنسان فيها يبدو مستحيلا".
هذا لتغليف الأنيق لحملة العلاقات العامة يمنح الإمارات ميزة تنافسية مع السعودية المكبلة بصورتها كدولة متشددة محافظة تحاول التخلص من السجل المتضخم المشوه بشدة لحقوق الإنسان.
تركيا والتوق إلى المجد الإمبراطوري
تتمتع حملة القوة الناعمة الدينية التركية بميزة قومية وهي الشوق إلى المجد الإمبراطوري الماضي. فأعاد أردوغان مسجد آيا صوفيا الذي حوله آتاتورك إلى متحف، وشرع في حملة دعم المساجد والمجتمعات المسلمة التي كانت تابعة للإمبراطورية العثمانية. كما يشير إلى نيته استعادة المجد التركي وموقع بلاده كزعيمة للعالم الإسلامي، وكمدافعة عن المسلمين في جميع أنحاء العالم. وجعل لمؤسسة الديانة التركية دورا رئيسيا في السياسة الخارجية والمساعدات ونشر الشكل المعتدل من الإسلام، وزادت ميزانيتها 27 ضعفا أثناء حكمه. وبذلك غرس نسخته من الإسلام السياسي ضمن مكونات مهمة في استراتيجية تركية متعددة الجوانب لتقوية النفوذ عبر التنمية، والمساعدات الإنسانية، ومشروعات البنية التحتية، والاستثمار، وفتح الجامعات.
ليس أردوغان هو أول زعيم تركي يربط الهوية الإسلامية لتركيا بماضيها العثماني. فقد سبقه رئيس الوزراء تورغوت أوزال في الثمانينيات وأوائل التسعينيات، إذ كان رائدا في الانفتاح على آسيا الوسطى، وتشجيع الاستثمار التركي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
جمعية نهضة العلماء و"الإسلام الإنساني"
إندونيسيا هي المنافس الجديد على القوة الدينية الناعمة، مستفيدة في ذلك بجمعية "نهضة العلماء" وقدرتها على الوصول إلى ممرات السلطة في عواصم العالم، بما في ذلك واشنطن ولندن وبرلين والفاتيكان ودلهي، وما أقامته من علاقات عمل وثيقة مع القاعدة الشعبية المسلمة في مختلف أنحاء العالم، والجماعات اليهودية والمسيحية البارزة. كان هذا الوصول من خلال تبنيها عام 2015 لمفهوم "الإسلام الإنساني"، والذي يقوم على أن هناك إشكالية في المفاهيم الإسلامية فيما يتعلق بالعلاقة مع غير المسلمين، وعلاقة المسلمين بالدولة والنظام القانوني السائد في الدول التي يقيمون فيها، مما يجعلهم غير قادرين العيش بانسجام وسلام في إطار التعددية الثقافية، والمجتمعات متعددة الأديان في القرن الحادي والعشرين.
كان رئيس وزراء أندونيسيا يأمل في البداية، من خلال تبني "الإسلام الإنساني"، أن تصبح إندونيسيا منارة لتفسير معتدل للدين، فقال في احتفال وضع حجر الأساس للجامعة الإسلامية العالمية في جاوة الغربية: "إنه من الطبيعي والمناسب أن تصبح إندونيسيا المرجع الرسمي الذي يقدم الحضارة الإسلامية".
هناك مخاوف سعودية وإماراتية من أن تظهر إندونيسيا كمنافسة لقوتهما الناعمة الدينية عبر سعي نهضة العلماء إلى دفع مفهوم "الإسلام الإنساني" على مستوى العالم، وأعلى المستويات الحكومية في العواصم الغربية والهند، مدعومة في ذلك برئيس الوزراء الأندونيسي، مما أعطاها قدرة على المنافسة على القوة الناعمة للإسلام مع الإمارات والسعودية اللتين تحظران الأحزاب السياسية، ولا تعملان بالقواعد القائمة بعد الحرب العالمية الثانية: حقوق الإنسان، سيادة القانون، الديمقراطية، واحترام سيادة الدول الأخرى.
تستفيد الجمعية برفض "الوجه العربي للإسلام" الموسوم بالتطرف في الغرب. وهناك بعض العناصر الغربية مهتمة ب "الإسلام الآسيوي"، الذي يبدو لهم أكثر اعتدالا وتسامحا من الإسلام العربي.
بين التجاهل والتنسيق
خلال معظم العقد الماضي، اختارت دول الخليج تجاهل جمعية "نهضة العلماء"، المنافس الأقوى المحتمل لتفسيرهم للدين، ورفض أمين رابطة العالم الإسلامي الالتقاء بهم. لكن في 2018، وتلبية لاقتراح محاور أمريكي، تم اللقاء في مكة بين الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي وزعيم جمعية نهضة العلماء.
إندونيسيا هي المنافس الجديد على القوة الدينية الناعمة، مستفيدة في ذلك بجمعية "نهضة العلماء" وقدرتها على الوصول إلى ممرات السلطة في عواصم العالم، بما في ذلك واشنطن ولندن وبرلين والفاتيكان ودلهي، وما أقامته من علاقات عمل وثيقة مع القاعدة الشعبية المسلمة في مختلف أنحاء العالم، والجماعات اليهودية والمسيحية البارزة.لا يمكن للسعودية والإمارات تجاهل الجمعية، فهي أكبر وأقدم جمعية إسلامية رسمية في العالم، عدد أعضائها 90 مليون على مستوى العالم، ولها حزب سياسي ممثل في الحكومة، وسلطة دينية خاصة بها، ووصول إلى أروقة السلطة في العالم، وبنية تحتية تعليمية واسعة النطاق، وميليشيا قوية يبلغ قوامها خمسة ملايين. لذا، قامتا بالتواصل معها في محاولة لاستمالتها، مع منافستها في الوقت نفسه.
الخلاصة
يرى الكاتب أن المعركة الكبرى على القوة الناعمة للإسلام هي إلى حد كبير معركة حول تعزيز النفوذ العالمي والإقليمي؛ ولا علاقة لها بمفاهيم الإسلام المعتدل على الرغم من ادعاءات مختلف المنافسين، ومعظمها دول استبدادية مع القليل من الاهتمام بحقوق الإنسان وحقوق الأقليات أو الحريات الأساسية. لكن تأتي إندونيسيا خارج الإطار التقليدي والمحافظ، فجمعية نهضة العلماء، حازت على الاحترام والاعتراف الدوليين باحتضانها "إسلام إنساني" يعالج المفاهيم الإسلامية التي تعتبرها قديمة كالخلافة، بما يشكل تحديا للجهات الفاعلة القوية في "المعركة على روح الإسلام". ولا تزال "نهضة العلماء" تواجه تحدي التغلب على وجهة النظر العربية التي عبر عنها عبد الله الأول ملك الأردن بعد نهاية الخلافة بأنها يجب أن تعود إلى العرب.
يثير المدح المبالغ فيه الذي كاله المؤلف ل"جمعية نهضة العلماء" الكثير من التساؤلات حولها: هل هي كيان مواز في أندونسيا وجنوب شرق آسيا على غرار جمعية فتح الله جولن في تركيا؟ ما هي حدود علاقتها بإسرائيل واليمين الصهيوني فقد زار زعيمها فلسطين المحتلة والتقى بنتنياهو؟ وهل هي محاولة لتدجين الإٍسلام وإخراج نوع منه متوافق مع الغرب قيما وسلوكا، ومنفصل عن قضايا العالم الإسلامي، وفاقد لأسباب المقاومة؟ وهل هي محاولة أيضا لاختراق الجاليات المسلمة بالغرب وإضعاف دورها في نصرة قضايا العالم الإسلامي؟ وهل يكون الإسلام الإنساني الذي تدعو إليه الجمعية مدخلا لشرق أوسط جديد تكون إسرائيل عضوا مقبولا وفاعلا فيه؟ هذا على الرغم من أن القاعدة الأساسية للجمعية مؤيدة لفلسطين مثل باقي الشعب الأندونيسي.