التركيز: القيمة الاجتماعية والاقتصادية
تاريخ النشر: 3rd, February 2024 GMT
في السنوات الأخيرة طُرحت الكثير من الأدبيات حول الأهمية الفائقة التي تمثلها قيمة «التركيز» في عصرنا الحالي، والذي يتسم بكونهِ «عصر المشتتات» بامتياز. حيث تتداخل عدة عوامل «تكنولوجية»، وإعلامية تسهم في سلب الإنسان - في أي سياق كان - قيمة التركيز كقيمة محورية ترتبط بالإنتاجية، وتحسين جودة الأداء، وتقليل نسب الخطأ.
في دراسة بعنوان: «A Diary Study of Task Switching and Interruptions» توصل الباحثون إلى إن محاولة التركيز على أكثر من شيء واحد في وقت واحد يقلل من إنتاجية الفرد بنسبة تصل إلى 40%. وهذه النسبة تساوي ما يُعرف بالمعادل المعرفي للسهر طوال الليل». هناك دراسات دورية تجريها كذلك جامعة كاليفورنيا حول آثار التشتيت في أماكن العمل، وتشير خلاصاتها إلى أن أماكن العمل اليوم أصبحت محاصرة بالتشتيت المتعدد، حيث أن متوسط الوقت المتاح للفرد للتركيز في مهمة معينة أصبح لا يتجاوز 12 دقيقة قبل أن تتم مقاطعته بأحد المشتتات، فيما تزيد المدة التي يستغرقها الفرد للعودة إلى حالة التركيز الفائقة التي كان عليها لتصل إلى 25 دقيقة في أفضل الأحوال. وفيما يتعلق بالأثر المحتمل للتشتت على عمليات التعلم نشرت Pakistan Journal of Medical Sciences دراسة مطبقة على طلبة المرحلة الجامعية، حيث تم تعريضهم لمجموعة من المشتتات الداخلية والخارجية؛ وذلك لقياس أي هذه المشتتات أكثر تأثيرًا على انتباههم وإدراكهم. كشفت النتائج أن رنين الهواتف المحمولة في الفصل كان أكثر مصادر التشتيت الإلكترونية الخارجية شيوعًا بالنسبة لـ 68% من الطلاب، وهي النسبة الغالبة. هذه نتائج عرضية من دراسات مختلفة، ويمكن أن نسرد العديد من الكتب التي لاقت صيتًا واسعًا خلال السنوات الفائتة وتمحورت حول هذه القضية، لعل أهمها كتاب «Slow Productivity» لكال نيوبورت. وكتاب «Flow» ل ميهالي كسيسنتميهالي وكتاب «مصيدة التشتت» لفرانسيس بووث.
الأبعاد الأخرى التي يمكن أن تؤثر عليها ظاهرة انعدام قيمة «التركيز» هي مجالسنا الاجتماعية والأسرية تحديدًا، قد يكون من المكرر الحديث عن الصورة الاجتماعية للمجالس التي أصبح بعضها يغلب عليها الأشخاص المجالسون لهواتفهم وتطبيقاتهم أكثر من مجالستهم لمن حولهم من الحاضرين؛ ولكن الأخطر من ذلك أنه لم يعد هناك حديث اجتماعي مكتمل، وأصبحت النقاشات المجتمعية مصدرها في الأساس ما تورده إلينا الإشعارات وتطبيقات التواصل، وبالتالي فأصبح هناك سياق عام يسيطر عليه الاجتزاء والاختزال والنفور من العمق وتقليص مساحة النقاش الناقد والتفكير الناقد.
إن النقد بوصفه مولدًا للمعرفة الحقيقية إنما ينشأ من التعمق والإحاطة، وأن التشتت يهدم في مقامه الأول قدرة الإنسان على التعمق، ومكانته من السيطرة على موضوع ما والإحاطة به شمولًا في كل أبعاده. هذا ينسحب أيضًا إلى نقاشاتنا الأسرية، ونقاشاتنا مع الأقران، والأوقات التي نعتقد أننا لتغذية ذكائنا الاجتماعي. إذن هناك عمل هيكل ومؤسساتي مطلوب للتنبه إلى هذه الظاهرة – ظاهرة التشتت – وفقدان التركيز. هناك استراتيجيات (فنية) يتحدث عنها المختصون فيما يتصل بتحييد وجودنا لبعض الوقت بعيدًا عن هواتفنا أو تطبيقاتنا، ولكن أعتقد في المقام الأول أن الوعي بخطر الظاهرة في حد ذاته مهم وحاسم. نحن بوصفنا أفرادًا وجماعات ومؤسسات منخرطون في غياب التركيز دون وعي اليوم. أحد الأشكال المؤسسة لفهم هذه الظاهرة كذلك هو إجراء الدراسات التطبيقية حولها؛ الدراسات التي يمكن أن تطرح الأسئلة المتعددة من قبيل: هل مؤسسات وأنظمة العمل مصممة بطريقة مقاومة للتشتت؟ هل تنبه طرائق التدريس ومناهج التعلم لدينا الطلبة وتدفعهم نحو أعلى مراتب التركيز؟ هل يمكننا تصميم مقاييس واضحة لقياس أثر التشتت على الإنتاجية المهنية والاقتصادية في الاقتصاد المحلي لدينا؟ هل بيئات التعلم أقل عرضة للمشتتات الداخلية والخارجية؟ هل تعي الأسر بضرورة حماية أبنائها من خطر ظاهرة التشتت وتفعل أدوات التربية والمتابعة المناسبة لذلك.
إن «الانتباه» بوصفه موردًا اقتصاديًا هو في نفس الوقت مورد اجتماعي، وهو في الآن ذاته المحور الرئيس الذي يجب أن تتمحور حول تقنيات التعلم، ومن هذا المنطلق فإن التمرن على تحرير الإنسان من «التشتت» أصبح اليوم ضرورة حضارية. مثلما هي ضرورة لزيادة الإنتاجية، وتعزيز جودة أداء الفرد في مختلف مجالات نشاطه وإنتاجه. هناك دور حاسم اليوم أيضًا على مؤسسات العمل المختلفة – خاصة في القطاع الحكومي – إلى وضع هذه المعضلة على رأس الأولويات، وتحديد البرامج التدريبية، وآليات تطوير رأس المال البشري الملائم لتمرين العاملين على ضرورة العناية بالتركيز كقيمة مهنية عليا، وقيمة ذاتية كذلك. فليس من المستبعد خلال السنوات الفائتة أن تتصدر هذه القيمة مجموعة القيم الأكثر طلبًا في أسواق العمل وفي مقابلات واختبارات التوظيف والترقي الوظيفي.
مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع والتحولات المجتمعية في سلطنة عمان
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
البيض الأبيض أم الأحمر؟.. إليك القيمة الغذائية لكلًا منهما
يقع كثير من المواطنين في حيرة من أمرهم عند شراء البيض، فلا يعرفون ماذا يختارون البيض الأبيض أم البني (الأحمر)، ويظن البعض أن لون القشرة يرتبط بالجودة أو القيمة الغذائية، لكن الحقيقة قد تكون مختلفة عمّا هو شائع، ولذلك سنستعرض في السطور التالية أهم الفروق الحقيقية بين النوعين بناءً على ما تم نشره في موقع "Prevention".
يرتبط لون البيضة بالسلالة التي أنتجتها، حيث ان الدجاج ذو الريش الأبيض يضع بيضًا أبيض، بينما تضع الدجاجات الحمراء أو البنية بيضًا بنيًا.
هذا الاختلاف لا يعني وجود تباين في القيمة الغذائية، بل هو فقط انعكاس للصفات الوراثية للدجاجة.
لماذا يُباع البيض البني بسعر أعلى؟عادةً ما تكون السلالات التي تضع البيض البني أكبر حجمًا وتستهلك كميات أكبر من العلف والطاقة. وبسبب ارتفاع تكاليف التغذية والرعاية، يرتفع سعر البيض البني في الأسواق رغم أن مكوناته الغذائية لا تختلف عن البيض الأبيض.
القيمة الغذائية: تشابه كامل بين النوعينمن الناحية الغذائية، لا فرق تقريبًا بين البيض الأبيض والبني؛ فكلاهما يحتوي على:
6 جرامات من البروتين الكامل لكل بيضةفيتامينات: A، D، E، Kالكولين الداعم لوظائف الدماغ والأعصابمضادات الأكسدة التي تقلل الالتهاباتدهون صحية تمنح الشبع والطاقة وتنظم المزاجبالتالي، اختيارك لأي نوع لن يؤثر على كمية العناصر الغذائية التي تحصل عليها.
ماذا عن البيض العضوي؟أشارت دراسة نُشرت في مجلة Moleculesإلى أن البيض العضوي يحتوي على نسب أعلى من العناصر الغذائية المفيدة لنمو الأطفال والرضع، بينما يحتوي البيض التقليدي على مركبات تساعد على تحسين عملية التمثيل الغذائي وخفض الكوليسترول، ومع ذلك كلاهما غني بالعناصر الأساسية التي يحتاجها الجسم.
اختَر ما يناسبك دون قلقلخصت الدراسة نتائجها في أن لون قشرة البيضة لا يعكس جودتها أو قيمتها الغذائية، بل يرتبط فقط بلون الدجاجة، وأن البيض البني غالبًا ما يكون أغلى سعرًا، فإن ذلك يعود لتكلفة تربيته وليس لكونه أكثر فائدة، فالبيض الأبيض والبني كلاهما صحي ومفيد، والاختيار بينهما يعود للتفضيل الشخصي والسعر فقط، فينصح الفرد بتناول ما يفضله دون قلق.