لجريدة عمان:
2025-04-07@02:30:47 GMT

التركيز: القيمة الاجتماعية والاقتصادية

تاريخ النشر: 3rd, February 2024 GMT

في السنوات الأخيرة طُرحت الكثير من الأدبيات حول الأهمية الفائقة التي تمثلها قيمة «التركيز» في عصرنا الحالي، والذي يتسم بكونهِ «عصر المشتتات» بامتياز. حيث تتداخل عدة عوامل «تكنولوجية»، وإعلامية تسهم في سلب الإنسان - في أي سياق كان - قيمة التركيز كقيمة محورية ترتبط بالإنتاجية، وتحسين جودة الأداء، وتقليل نسب الخطأ.

يتحدث البعض عن الدور الذي تلعبه تحديدًا فكرة «الإشعارات Notifications» سواء من التطبيقات أو من مواقع التواصل الاجتماعي والبريد الإلكتروني أنها أصبحت العنصر الأساس في محاصرة الفرد وسلب خصيصة الانتباه منه. وهو ما أنشأ لاحقًا ما بات يُعرف باقتصاديات الانتباه Attention economy الذي يقوم على عمليات التسويق وصناعة المحتوى المؤثر عبر الشبكات الاجتماعية – وقد كتبنا عنه تفصيلًا في مقالات سابقة – ما يعنينا هنا هو كيف يمكن لنا استشعار هذا الخطر المحوري الذي أصبح وفق الأدلة العلمية مؤثرًا على الإنتاجية الاقتصادية، والمهنية، وعلى ممارسة عمليات التعلم، وحتى على أنماط من العلاقات الاجتماعية والأسرية؟

في دراسة بعنوان: «A Diary Study of Task Switching and Interruptions» توصل الباحثون إلى إن محاولة التركيز على أكثر من شيء واحد في وقت واحد يقلل من إنتاجية الفرد بنسبة تصل إلى 40%. وهذه النسبة تساوي ما يُعرف بالمعادل المعرفي للسهر طوال الليل». هناك دراسات دورية تجريها كذلك جامعة كاليفورنيا حول آثار التشتيت في أماكن العمل، وتشير خلاصاتها إلى أن أماكن العمل اليوم أصبحت محاصرة بالتشتيت المتعدد، حيث أن متوسط الوقت المتاح للفرد للتركيز في مهمة معينة أصبح لا يتجاوز 12 دقيقة قبل أن تتم مقاطعته بأحد المشتتات، فيما تزيد المدة التي يستغرقها الفرد للعودة إلى حالة التركيز الفائقة التي كان عليها لتصل إلى 25 دقيقة في أفضل الأحوال. وفيما يتعلق بالأثر المحتمل للتشتت على عمليات التعلم نشرت Pakistan Journal of Medical Sciences دراسة مطبقة على طلبة المرحلة الجامعية، حيث تم تعريضهم لمجموعة من المشتتات الداخلية والخارجية؛ وذلك لقياس أي هذه المشتتات أكثر تأثيرًا على انتباههم وإدراكهم. كشفت النتائج أن رنين الهواتف المحمولة في الفصل كان أكثر مصادر التشتيت الإلكترونية الخارجية شيوعًا بالنسبة لـ 68% من الطلاب، وهي النسبة الغالبة. هذه نتائج عرضية من دراسات مختلفة، ويمكن أن نسرد العديد من الكتب التي لاقت صيتًا واسعًا خلال السنوات الفائتة وتمحورت حول هذه القضية، لعل أهمها كتاب «Slow Productivity» لكال نيوبورت. وكتاب «Flow» ل ميهالي كسيسنتميهالي وكتاب «مصيدة التشتت» لفرانسيس بووث.

الأبعاد الأخرى التي يمكن أن تؤثر عليها ظاهرة انعدام قيمة «التركيز» هي مجالسنا الاجتماعية والأسرية تحديدًا، قد يكون من المكرر الحديث عن الصورة الاجتماعية للمجالس التي أصبح بعضها يغلب عليها الأشخاص المجالسون لهواتفهم وتطبيقاتهم أكثر من مجالستهم لمن حولهم من الحاضرين؛ ولكن الأخطر من ذلك أنه لم يعد هناك حديث اجتماعي مكتمل، وأصبحت النقاشات المجتمعية مصدرها في الأساس ما تورده إلينا الإشعارات وتطبيقات التواصل، وبالتالي فأصبح هناك سياق عام يسيطر عليه الاجتزاء والاختزال والنفور من العمق وتقليص مساحة النقاش الناقد والتفكير الناقد.

إن النقد بوصفه مولدًا للمعرفة الحقيقية إنما ينشأ من التعمق والإحاطة، وأن التشتت يهدم في مقامه الأول قدرة الإنسان على التعمق، ومكانته من السيطرة على موضوع ما والإحاطة به شمولًا في كل أبعاده. هذا ينسحب أيضًا إلى نقاشاتنا الأسرية، ونقاشاتنا مع الأقران، والأوقات التي نعتقد أننا لتغذية ذكائنا الاجتماعي. إذن هناك عمل هيكل ومؤسساتي مطلوب للتنبه إلى هذه الظاهرة – ظاهرة التشتت – وفقدان التركيز. هناك استراتيجيات (فنية) يتحدث عنها المختصون فيما يتصل بتحييد وجودنا لبعض الوقت بعيدًا عن هواتفنا أو تطبيقاتنا، ولكن أعتقد في المقام الأول أن الوعي بخطر الظاهرة في حد ذاته مهم وحاسم. نحن بوصفنا أفرادًا وجماعات ومؤسسات منخرطون في غياب التركيز دون وعي اليوم. أحد الأشكال المؤسسة لفهم هذه الظاهرة كذلك هو إجراء الدراسات التطبيقية حولها؛ الدراسات التي يمكن أن تطرح الأسئلة المتعددة من قبيل: هل مؤسسات وأنظمة العمل مصممة بطريقة مقاومة للتشتت؟ هل تنبه طرائق التدريس ومناهج التعلم لدينا الطلبة وتدفعهم نحو أعلى مراتب التركيز؟ هل يمكننا تصميم مقاييس واضحة لقياس أثر التشتت على الإنتاجية المهنية والاقتصادية في الاقتصاد المحلي لدينا؟ هل بيئات التعلم أقل عرضة للمشتتات الداخلية والخارجية؟ هل تعي الأسر بضرورة حماية أبنائها من خطر ظاهرة التشتت وتفعل أدوات التربية والمتابعة المناسبة لذلك.

إن «الانتباه» بوصفه موردًا اقتصاديًا هو في نفس الوقت مورد اجتماعي، وهو في الآن ذاته المحور الرئيس الذي يجب أن تتمحور حول تقنيات التعلم، ومن هذا المنطلق فإن التمرن على تحرير الإنسان من «التشتت» أصبح اليوم ضرورة حضارية. مثلما هي ضرورة لزيادة الإنتاجية، وتعزيز جودة أداء الفرد في مختلف مجالات نشاطه وإنتاجه. هناك دور حاسم اليوم أيضًا على مؤسسات العمل المختلفة – خاصة في القطاع الحكومي – إلى وضع هذه المعضلة على رأس الأولويات، وتحديد البرامج التدريبية، وآليات تطوير رأس المال البشري الملائم لتمرين العاملين على ضرورة العناية بالتركيز كقيمة مهنية عليا، وقيمة ذاتية كذلك. فليس من المستبعد خلال السنوات الفائتة أن تتصدر هذه القيمة مجموعة القيم الأكثر طلبًا في أسواق العمل وفي مقابلات واختبارات التوظيف والترقي الوظيفي.

مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع والتحولات المجتمعية في سلطنة عمان

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

آليات حددها القانون لتقدير القيمة الإيجارية السنوية للعقارات المبنية

يشهد القطاع العقاري، تطورات وتغيرات سريعة في الفترات الأخيرة وارتفاع الأسعار، يتسائل الكثير من المواطنين عن طرق حساب القيمة الإيجارية للعقارات المبنية.  


قانون الضريبة على العقارات المبنية، تضمن عدة آليات  لحساب القيمة الإيجارية السنوية للعقارات، حيث ألزم الحكومة بوضع القيمة الإيجارية لتلك المباني، على أن يتم إعادة تقييمها كل 5 سنوات وذلك قبل انتهاء المدة بسنة كاملة.


لذا فإن القيمة الإيجارية السنوية للعقارات تقدر كل مدة خمس سنوات، وذلك وفقا لما ورد بنص قانون الضريبة على العقارات المبنية، ويعاد التقدير فور انتهاء المدة المنصو عليها وهى 5 سنوات.


ويعاد تقدير القيمة الإيجارية لتلك العقارات فور انقضاء العلاقة الإيجارية بإحدى الطرق القانونية، ولا يجوز أن يترتب على إعادة التقدير الخمسي زيادة القيمة الإيجارية للعقارات المبينة المستعملة في أغراض السكن على (30%) من التقدير الخمسي السابق، وعلى (45%) من التقدير الخمسي السابق بالنسبة للعقارات المبينة المستعملة في غير أغراض السكن.


ويكون دين الضريبة وفقًا لهذا القانون واجب الأداء في مقر مديريات الضرائب العقارية بالمحافظات والمأموريات التابعة لها دون حاجة إلى مطالبة في مقر المدين.


ويختص القضاء الإداري دون غيره بالفصل في المنازعات التي تنشأ عن تطبيق أحكام هذا القانون.

فئات معفاة من الضريبة العقارية

تعفى الأبنية المملوكة للجمعيات المسجلة وفقا للقانون والمنظمات العمالية المخصصة لمكاتب إداراتها أو لممارسة الأغراض التى أنشئت من أجلها، وأبنية المؤسسات التعليمية والمستشفيات والمستوصفات والملاجئ والمبرات التى لا تهدف إلى الربح .


كما تعفى المقار المملوكة للأحزاب السياسية المهنية بشرط أن يتم استخدامها فى الأغراض المخصصة لها، والوحدة العقارية التى يتخذها المكلف سكناً خاصاً رئيسياً له ولأسرته والتى تقل صافى قيمتها الإيجارية السنوية عن 24000 ( أربعة وعشرون ألف جنيه )على يخضع ما زاد على ذلك للضريبة ، وتشمل الأسرة فى تطبيق حكم هذا البند المكلف وزوجه والأولاد القصر .

مقالات مشابهة

  • قائمة بالهواتف التي سيتوقف واتساب عن العمل عليها بداية من الشهر المقبل
  • نجم الزمالك السابق: الجماهير هي من تصنع القيمة الحقيقية لأي لاعب
  • باجعالة يطلع على سير العمل في مكتب الشؤون الاجتماعية بالأمانة
  • لماذا يتجاهل المعلمون أنماط التعلم لطلابهم؟
  • عمر مرموش: أشعر بالراحة في جميع مراكز الهجوم.. وأستفيد من خبرة جوارديولا
  • البلدان الفقيرة والناشئة.. الخاسر الأكبر من ارتفاع الرسوم الجمركية.. واشنطن تسعى لابتزاز الدول.. وتستخدم الكثير من وسائل الضغط الدبلوماسية والاقتصادية
  • 27.6 مليار ريال القيمة السوقية لبورصة مسقط في مارس الماضي
  • أحمد يعقوب: الحزمة الاجتماعية الحالية من أضخم الحزم التي أقرتها الدولة لدعم المواطنين
  • المركز الأول «مفاجأة».. أكبر 10 زيادات في القيمة التسويقية لأندية أوروبا
  • آليات حددها القانون لتقدير القيمة الإيجارية السنوية للعقارات المبنية