لجريدة عمان:
2025-04-26@08:08:49 GMT

التركيز: القيمة الاجتماعية والاقتصادية

تاريخ النشر: 3rd, February 2024 GMT

في السنوات الأخيرة طُرحت الكثير من الأدبيات حول الأهمية الفائقة التي تمثلها قيمة «التركيز» في عصرنا الحالي، والذي يتسم بكونهِ «عصر المشتتات» بامتياز. حيث تتداخل عدة عوامل «تكنولوجية»، وإعلامية تسهم في سلب الإنسان - في أي سياق كان - قيمة التركيز كقيمة محورية ترتبط بالإنتاجية، وتحسين جودة الأداء، وتقليل نسب الخطأ.

يتحدث البعض عن الدور الذي تلعبه تحديدًا فكرة «الإشعارات Notifications» سواء من التطبيقات أو من مواقع التواصل الاجتماعي والبريد الإلكتروني أنها أصبحت العنصر الأساس في محاصرة الفرد وسلب خصيصة الانتباه منه. وهو ما أنشأ لاحقًا ما بات يُعرف باقتصاديات الانتباه Attention economy الذي يقوم على عمليات التسويق وصناعة المحتوى المؤثر عبر الشبكات الاجتماعية – وقد كتبنا عنه تفصيلًا في مقالات سابقة – ما يعنينا هنا هو كيف يمكن لنا استشعار هذا الخطر المحوري الذي أصبح وفق الأدلة العلمية مؤثرًا على الإنتاجية الاقتصادية، والمهنية، وعلى ممارسة عمليات التعلم، وحتى على أنماط من العلاقات الاجتماعية والأسرية؟

في دراسة بعنوان: «A Diary Study of Task Switching and Interruptions» توصل الباحثون إلى إن محاولة التركيز على أكثر من شيء واحد في وقت واحد يقلل من إنتاجية الفرد بنسبة تصل إلى 40%. وهذه النسبة تساوي ما يُعرف بالمعادل المعرفي للسهر طوال الليل». هناك دراسات دورية تجريها كذلك جامعة كاليفورنيا حول آثار التشتيت في أماكن العمل، وتشير خلاصاتها إلى أن أماكن العمل اليوم أصبحت محاصرة بالتشتيت المتعدد، حيث أن متوسط الوقت المتاح للفرد للتركيز في مهمة معينة أصبح لا يتجاوز 12 دقيقة قبل أن تتم مقاطعته بأحد المشتتات، فيما تزيد المدة التي يستغرقها الفرد للعودة إلى حالة التركيز الفائقة التي كان عليها لتصل إلى 25 دقيقة في أفضل الأحوال. وفيما يتعلق بالأثر المحتمل للتشتت على عمليات التعلم نشرت Pakistan Journal of Medical Sciences دراسة مطبقة على طلبة المرحلة الجامعية، حيث تم تعريضهم لمجموعة من المشتتات الداخلية والخارجية؛ وذلك لقياس أي هذه المشتتات أكثر تأثيرًا على انتباههم وإدراكهم. كشفت النتائج أن رنين الهواتف المحمولة في الفصل كان أكثر مصادر التشتيت الإلكترونية الخارجية شيوعًا بالنسبة لـ 68% من الطلاب، وهي النسبة الغالبة. هذه نتائج عرضية من دراسات مختلفة، ويمكن أن نسرد العديد من الكتب التي لاقت صيتًا واسعًا خلال السنوات الفائتة وتمحورت حول هذه القضية، لعل أهمها كتاب «Slow Productivity» لكال نيوبورت. وكتاب «Flow» ل ميهالي كسيسنتميهالي وكتاب «مصيدة التشتت» لفرانسيس بووث.

الأبعاد الأخرى التي يمكن أن تؤثر عليها ظاهرة انعدام قيمة «التركيز» هي مجالسنا الاجتماعية والأسرية تحديدًا، قد يكون من المكرر الحديث عن الصورة الاجتماعية للمجالس التي أصبح بعضها يغلب عليها الأشخاص المجالسون لهواتفهم وتطبيقاتهم أكثر من مجالستهم لمن حولهم من الحاضرين؛ ولكن الأخطر من ذلك أنه لم يعد هناك حديث اجتماعي مكتمل، وأصبحت النقاشات المجتمعية مصدرها في الأساس ما تورده إلينا الإشعارات وتطبيقات التواصل، وبالتالي فأصبح هناك سياق عام يسيطر عليه الاجتزاء والاختزال والنفور من العمق وتقليص مساحة النقاش الناقد والتفكير الناقد.

إن النقد بوصفه مولدًا للمعرفة الحقيقية إنما ينشأ من التعمق والإحاطة، وأن التشتت يهدم في مقامه الأول قدرة الإنسان على التعمق، ومكانته من السيطرة على موضوع ما والإحاطة به شمولًا في كل أبعاده. هذا ينسحب أيضًا إلى نقاشاتنا الأسرية، ونقاشاتنا مع الأقران، والأوقات التي نعتقد أننا لتغذية ذكائنا الاجتماعي. إذن هناك عمل هيكل ومؤسساتي مطلوب للتنبه إلى هذه الظاهرة – ظاهرة التشتت – وفقدان التركيز. هناك استراتيجيات (فنية) يتحدث عنها المختصون فيما يتصل بتحييد وجودنا لبعض الوقت بعيدًا عن هواتفنا أو تطبيقاتنا، ولكن أعتقد في المقام الأول أن الوعي بخطر الظاهرة في حد ذاته مهم وحاسم. نحن بوصفنا أفرادًا وجماعات ومؤسسات منخرطون في غياب التركيز دون وعي اليوم. أحد الأشكال المؤسسة لفهم هذه الظاهرة كذلك هو إجراء الدراسات التطبيقية حولها؛ الدراسات التي يمكن أن تطرح الأسئلة المتعددة من قبيل: هل مؤسسات وأنظمة العمل مصممة بطريقة مقاومة للتشتت؟ هل تنبه طرائق التدريس ومناهج التعلم لدينا الطلبة وتدفعهم نحو أعلى مراتب التركيز؟ هل يمكننا تصميم مقاييس واضحة لقياس أثر التشتت على الإنتاجية المهنية والاقتصادية في الاقتصاد المحلي لدينا؟ هل بيئات التعلم أقل عرضة للمشتتات الداخلية والخارجية؟ هل تعي الأسر بضرورة حماية أبنائها من خطر ظاهرة التشتت وتفعل أدوات التربية والمتابعة المناسبة لذلك.

إن «الانتباه» بوصفه موردًا اقتصاديًا هو في نفس الوقت مورد اجتماعي، وهو في الآن ذاته المحور الرئيس الذي يجب أن تتمحور حول تقنيات التعلم، ومن هذا المنطلق فإن التمرن على تحرير الإنسان من «التشتت» أصبح اليوم ضرورة حضارية. مثلما هي ضرورة لزيادة الإنتاجية، وتعزيز جودة أداء الفرد في مختلف مجالات نشاطه وإنتاجه. هناك دور حاسم اليوم أيضًا على مؤسسات العمل المختلفة – خاصة في القطاع الحكومي – إلى وضع هذه المعضلة على رأس الأولويات، وتحديد البرامج التدريبية، وآليات تطوير رأس المال البشري الملائم لتمرين العاملين على ضرورة العناية بالتركيز كقيمة مهنية عليا، وقيمة ذاتية كذلك. فليس من المستبعد خلال السنوات الفائتة أن تتصدر هذه القيمة مجموعة القيم الأكثر طلبًا في أسواق العمل وفي مقابلات واختبارات التوظيف والترقي الوظيفي.

مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع والتحولات المجتمعية في سلطنة عمان

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

وزير التعليم يتفقد مدرسة "صلاح الدين الثانوية" بالشرقية ويحث الطلاب على التركيز في علوم الحاسب

تفقد وزير التربية والتعليم والتعليم الفني، محمد عبد اللطيف، صباح اليوم الأربعاء، مدرسة "صلاح الدين الثانوية بنين" التابعة لإدارة مشتول السوق التعليمية في محافظة الشرقية، وذلك في إطار جولته التفقدية لعدد من مدارس المحافظة.

حوار مع الطلاب

وخلال زيارته، حرص الوزير على تفقد إحدى فصول الصف الأول الثانوي، حيث أجرى حوارًا أبويًا مع الطلاب حول طموحاتهم العلمية ومدى استيعابهم للدروس داخل الفصل. كما استمع إلى آرائهم حول المنهج الدراسي وآلية شرحه من قبل المعلمين.

فصل الطلاب المتغيبين عن المدارس.. وهذه إجراءات إعادة القيد وزير التعليم في جولة مفاجئة بمدارس الشرقية لمتابعة انتظام الدراسة تحفيز الطلاب على التركيز في علوم الحاسب

أطلع الوزير أيضًا على كشاكيل الحصة والواجبات المدرسية للطلاب، موجهًا إياهم بضرورة التركيز على مجال علوم الحاسب باعتبارها "لغة العصر ومهن المستقبل"، مؤكدًا أهمية هذا المجال في تحقيق التقدم العلمي والتكنولوجي.

إشادة بمستوى المنظومة التعليمية

وفي ختام جولته، أثنى وزير التعليم على مستوى المنظومة التعليمية في محافظة الشرقية وعلى انضباط الطلاب، معربًا عن تقديره للجهود المبذولة من قبل المعلمين والإدارة المدرسية في تطوير العملية التعليمية.

مقالات مشابهة

  • الصين تختبر قنبلة من نوع خاص للأهداف العالية القيمة
  • «المشاط»: معدلات التشغيل وتنمية مهارات الشباب أحد أكبر التحديات التي تواجه قارة أفريقيا
  • صن داونز يتفوق علي الأهلي في القيمة التسويقية
  • برج الجدى | حظك اليوم الجمعة 25 إبريل 2025.. التركيز بشكل أفضل
  • لزيادة التركيز في المذاكرة قبل الامتحانات.. أطعمة وأكلات لها مفعول السحر
  • جامعة الملك عبدالعزيز تُكرم الفائزين بنشاط "ابتكار التعلّم الرقمي"
  • مصر ضمن أعلى 50 منتخب من حيث القيمة التسويقية حول العالم
  • تعليم جدة يبحث مقومات ترشيحها ضمن شبكة اليونسكو في ملتقى "مدن التعلم"
  • اليوغا والذاكرة.. وضعيات تساعد الطلاب على التركيز والتذكر أثناء الامتحانات
  • وزير التعليم يتفقد مدرسة "صلاح الدين الثانوية" بالشرقية ويحث الطلاب على التركيز في علوم الحاسب