لجريدة عمان:
2024-10-05@15:14:24 GMT

التركيز: القيمة الاجتماعية والاقتصادية

تاريخ النشر: 3rd, February 2024 GMT

في السنوات الأخيرة طُرحت الكثير من الأدبيات حول الأهمية الفائقة التي تمثلها قيمة «التركيز» في عصرنا الحالي، والذي يتسم بكونهِ «عصر المشتتات» بامتياز. حيث تتداخل عدة عوامل «تكنولوجية»، وإعلامية تسهم في سلب الإنسان - في أي سياق كان - قيمة التركيز كقيمة محورية ترتبط بالإنتاجية، وتحسين جودة الأداء، وتقليل نسب الخطأ.

يتحدث البعض عن الدور الذي تلعبه تحديدًا فكرة «الإشعارات Notifications» سواء من التطبيقات أو من مواقع التواصل الاجتماعي والبريد الإلكتروني أنها أصبحت العنصر الأساس في محاصرة الفرد وسلب خصيصة الانتباه منه. وهو ما أنشأ لاحقًا ما بات يُعرف باقتصاديات الانتباه Attention economy الذي يقوم على عمليات التسويق وصناعة المحتوى المؤثر عبر الشبكات الاجتماعية – وقد كتبنا عنه تفصيلًا في مقالات سابقة – ما يعنينا هنا هو كيف يمكن لنا استشعار هذا الخطر المحوري الذي أصبح وفق الأدلة العلمية مؤثرًا على الإنتاجية الاقتصادية، والمهنية، وعلى ممارسة عمليات التعلم، وحتى على أنماط من العلاقات الاجتماعية والأسرية؟

في دراسة بعنوان: «A Diary Study of Task Switching and Interruptions» توصل الباحثون إلى إن محاولة التركيز على أكثر من شيء واحد في وقت واحد يقلل من إنتاجية الفرد بنسبة تصل إلى 40%. وهذه النسبة تساوي ما يُعرف بالمعادل المعرفي للسهر طوال الليل». هناك دراسات دورية تجريها كذلك جامعة كاليفورنيا حول آثار التشتيت في أماكن العمل، وتشير خلاصاتها إلى أن أماكن العمل اليوم أصبحت محاصرة بالتشتيت المتعدد، حيث أن متوسط الوقت المتاح للفرد للتركيز في مهمة معينة أصبح لا يتجاوز 12 دقيقة قبل أن تتم مقاطعته بأحد المشتتات، فيما تزيد المدة التي يستغرقها الفرد للعودة إلى حالة التركيز الفائقة التي كان عليها لتصل إلى 25 دقيقة في أفضل الأحوال. وفيما يتعلق بالأثر المحتمل للتشتت على عمليات التعلم نشرت Pakistan Journal of Medical Sciences دراسة مطبقة على طلبة المرحلة الجامعية، حيث تم تعريضهم لمجموعة من المشتتات الداخلية والخارجية؛ وذلك لقياس أي هذه المشتتات أكثر تأثيرًا على انتباههم وإدراكهم. كشفت النتائج أن رنين الهواتف المحمولة في الفصل كان أكثر مصادر التشتيت الإلكترونية الخارجية شيوعًا بالنسبة لـ 68% من الطلاب، وهي النسبة الغالبة. هذه نتائج عرضية من دراسات مختلفة، ويمكن أن نسرد العديد من الكتب التي لاقت صيتًا واسعًا خلال السنوات الفائتة وتمحورت حول هذه القضية، لعل أهمها كتاب «Slow Productivity» لكال نيوبورت. وكتاب «Flow» ل ميهالي كسيسنتميهالي وكتاب «مصيدة التشتت» لفرانسيس بووث.

الأبعاد الأخرى التي يمكن أن تؤثر عليها ظاهرة انعدام قيمة «التركيز» هي مجالسنا الاجتماعية والأسرية تحديدًا، قد يكون من المكرر الحديث عن الصورة الاجتماعية للمجالس التي أصبح بعضها يغلب عليها الأشخاص المجالسون لهواتفهم وتطبيقاتهم أكثر من مجالستهم لمن حولهم من الحاضرين؛ ولكن الأخطر من ذلك أنه لم يعد هناك حديث اجتماعي مكتمل، وأصبحت النقاشات المجتمعية مصدرها في الأساس ما تورده إلينا الإشعارات وتطبيقات التواصل، وبالتالي فأصبح هناك سياق عام يسيطر عليه الاجتزاء والاختزال والنفور من العمق وتقليص مساحة النقاش الناقد والتفكير الناقد.

إن النقد بوصفه مولدًا للمعرفة الحقيقية إنما ينشأ من التعمق والإحاطة، وأن التشتت يهدم في مقامه الأول قدرة الإنسان على التعمق، ومكانته من السيطرة على موضوع ما والإحاطة به شمولًا في كل أبعاده. هذا ينسحب أيضًا إلى نقاشاتنا الأسرية، ونقاشاتنا مع الأقران، والأوقات التي نعتقد أننا لتغذية ذكائنا الاجتماعي. إذن هناك عمل هيكل ومؤسساتي مطلوب للتنبه إلى هذه الظاهرة – ظاهرة التشتت – وفقدان التركيز. هناك استراتيجيات (فنية) يتحدث عنها المختصون فيما يتصل بتحييد وجودنا لبعض الوقت بعيدًا عن هواتفنا أو تطبيقاتنا، ولكن أعتقد في المقام الأول أن الوعي بخطر الظاهرة في حد ذاته مهم وحاسم. نحن بوصفنا أفرادًا وجماعات ومؤسسات منخرطون في غياب التركيز دون وعي اليوم. أحد الأشكال المؤسسة لفهم هذه الظاهرة كذلك هو إجراء الدراسات التطبيقية حولها؛ الدراسات التي يمكن أن تطرح الأسئلة المتعددة من قبيل: هل مؤسسات وأنظمة العمل مصممة بطريقة مقاومة للتشتت؟ هل تنبه طرائق التدريس ومناهج التعلم لدينا الطلبة وتدفعهم نحو أعلى مراتب التركيز؟ هل يمكننا تصميم مقاييس واضحة لقياس أثر التشتت على الإنتاجية المهنية والاقتصادية في الاقتصاد المحلي لدينا؟ هل بيئات التعلم أقل عرضة للمشتتات الداخلية والخارجية؟ هل تعي الأسر بضرورة حماية أبنائها من خطر ظاهرة التشتت وتفعل أدوات التربية والمتابعة المناسبة لذلك.

إن «الانتباه» بوصفه موردًا اقتصاديًا هو في نفس الوقت مورد اجتماعي، وهو في الآن ذاته المحور الرئيس الذي يجب أن تتمحور حول تقنيات التعلم، ومن هذا المنطلق فإن التمرن على تحرير الإنسان من «التشتت» أصبح اليوم ضرورة حضارية. مثلما هي ضرورة لزيادة الإنتاجية، وتعزيز جودة أداء الفرد في مختلف مجالات نشاطه وإنتاجه. هناك دور حاسم اليوم أيضًا على مؤسسات العمل المختلفة – خاصة في القطاع الحكومي – إلى وضع هذه المعضلة على رأس الأولويات، وتحديد البرامج التدريبية، وآليات تطوير رأس المال البشري الملائم لتمرين العاملين على ضرورة العناية بالتركيز كقيمة مهنية عليا، وقيمة ذاتية كذلك. فليس من المستبعد خلال السنوات الفائتة أن تتصدر هذه القيمة مجموعة القيم الأكثر طلبًا في أسواق العمل وفي مقابلات واختبارات التوظيف والترقي الوظيفي.

مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع والتحولات المجتمعية في سلطنة عمان

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

انحسار موجة صعود الذهب مع تحول التركيز صوب البيانات الاقتصادية الأمريكية

تراجع الذهب اليوم الأربعاء، لتتوقف موجة صعوده بعد ارتفاعه في الجلسة السابقة على خلفية تصاعد حدة الصراع في منطقة الشرق الأوسط، في حين يترقب المتعاملون مزيدا من المؤشرات على مسار أسعار الفائدة الأمريكية.

 

وانخفض الذهب في المعاملات الفورية 0.5% إلى 2650.89 دولار للأونصة خلال التعاملات، بعدما صعد أكثر من 1% أمس الثلاثاء في أعقاب شن إيران هجمات صاروخية على إسرائيل.

وانخفضت عقود الذهب الأمريكية الآجلة 0.7% إلى 2672 دولارا.

وكان ارتفاع الدولار من العوامل التي نالت من ارتفاع المعدن الأصفر، إذ إنه من الملاذات الآمنة شأنه شأن الذهب.

وقال كارلو ألبرتو دي كاسا محلل الأسواق لدى كينسيز موني: "يتعرض الذهب لبعض الضغوط في الأجل القريب بسبب صعود الدولار، لكن الأوضاع لا تزال مواتية للذهب بقوة".

وما زال الذهب غير بعيد عن المستويات المرتفعة التي سجلها في الآونة الأخيرة على خلفية المخاوف من مزيد اشتعال الأوضاع في الشرق الأوسط، بما في ذلك الرد الانتقامي من جانب إسرائيل.

وكان ارتفاع الذهب 28% منذ بداية العام مدفوعا بعوامل منها تيسير السياسة النقدية من مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي)، ما يعزز الإقبال نسبيا على الذهب الذي لا يدر عائدا.

وبالنسبة إلى المعادن النفيسة الأخرى، ارتفعت الفضة 0.1% إلى 31.44 دولار.

وقال بنك ساكسو في مذكرة: "بدعم من استقرار قطاع المعادن الصناعية، قد يكون أداء الفضة أفضل مقارنة بالذهب، خاصة بالنظر إلى كونها أرخص نسبيا، وهو ما قد يجعلها تتجه صوب مستوى 40 دولارا العام المقبل".

وصعد البلاتين 0.8% إلى 993.87 دولار، وزاد البلاديوم 1.2% إلى 1006.51 دولار.

مقالات مشابهة

  • 421 مليون درهم القيمة السوقية لقمة الأهلي والهلال
  • «المالية» تعلن تعديلات على اللائحة التنفيذية لمرسوم ضريبة القيمة المضافة
  • الإمارات..تعديلات على اللائحة التنفيذية لمرسوم ضريبة القيمة المضافة
  • أنشطة تدريبية لتأهيل الشباب لسوق العمل والتعلم الإلكتروني بقنا
  • عمرو الحلوانى: إمام عاشور يحتاج إلى التركيز داخل الملعب فقط
  • الجابر: نيمار رفع القيمة السوقية للهلال ولكن الفريق لم يتأثر بغيابه .. فيديو
  • العمل توضح سبب تأخر الاعانة الاجتماعية لبعض المستفيدين
  • وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية تفرض عقوبات على 222 صاحب عمل
  • انحسار موجة صعود الذهب مع تحول التركيز صوب البيانات الاقتصادية الأمريكية
  • وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية تفرض عقوبات على 222 صاحب عمل وإيقاف وسحب 36 مكتب استقدام لمخالفة لائحة العمالة المنزلية