لجريدة عمان:
2025-04-26@04:54:11 GMT

الـعَـظَـمة الأمريكية والانحدار

تاريخ النشر: 3rd, February 2024 GMT

في حين يعتقد أغلب الأمريكيين أن الولايات المتحدة في انحدار، يزعم دونالد ترامب أنه قادر على «جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى». لكن افتراض ترامب غير صحيح ببساطة، والعلاجات التي يقترحها هي التي تشكل التهديد الأكبر لأمريكا.

الواقع أن الأمريكيين لهم تاريخ طويل من القلق بشأن الانحدار. فبعد فترة وجيزة من تأسيس مستعمرة خليج ماساتشوستس في القرن السابع عشر، أعرب بعض البيوريتانيين (المتزمتين) عن أسفهم لخسارة فضيلة سابقة.

في القرن الثامن عشر، درس الآباء المؤسسون التاريخ الروماني عندما فكروا في كيفية الحفاظ على جمهورية أمريكية جديدة. وفي القرن التاسع عشر، لاحظ تشارلز ديكنز أنه إذا كان لنا أن نصدق الأمريكيين، فإن بلادهم «دوما في كساد، ودوما في ركود، ودوما تعيش أزمة مروعة، ولم تكن قَـط في حال غير ذلك».

على غلاف مجلة صادرة عام 1979 تناولت التدهور الوطني، ظهر تمثال الحرية ودَمـعة تتدحرج على خده. ولكن في حين انجذب الأمريكيون لفترة طويلة إلى ما أسميه «توهج الماضي الذهبي»، فإن الولايات المتحدة لم تملك قط القوة التي يتخيل كثيرون أنها كانت تملكها. وحتى في ظل الموارد الطاغية، فشلت أمريكا في كثير من الأحيان في الحصول على مرادها. ينبغي لأولئك الذين يتصورون أن عالم اليوم أشد تعقيدا واضطرابا مما كان عليه في الماضي أن يتذكروا عاما مثل 1956، عندما عجزت الولايات المتحدة عن منع القمع السوفييتي للثورة في المجر.

الحق أن فترات «الانحدار» تنبئنا عن السيكولوجية الشعبية بأكثر مما تخبرنا به عن السياسة الجغرافية. مع ذلك، من الواضح أن فكرة الانحدار تمس وترا حساسا في السياسة الأمريكية، مما يجعلها موردا يمكن التعويل عليه للسياسة الحزبية.

في بعض الأحيان، يُـفـضي القلق إزاء الانحدار إلى فرض سياسات الحماية التي تضر أكثر مما تنفع. وفي أحيان أخرى، تؤدي فترات الغطرسة إلى سياسات لا تخلو من مُـغالاة مثل حرب العراق. ليس هناك فضيلة في التقليل أو المبالغة في تقدير القوة الأمريكية. عندما يتعلق الأمر بالعوامل الجيوسياسية، من الأهمية بمكان التمييز بين الانحدار المطلق والنسبي. من الناحية النسبية، كانت أمريكا في انحدار منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. ولن تتمكن مرة أخرى أبدا من المساهمة بنصف الاقتصاد العالمي واحتكار الأسلحة النووية (التي اقتناها الاتحاد السوفييتي في عام 1949). لقد عززت الحرب اقتصاد الولايات المتحدة وأضعفت اقتصاد الآخرين جميعا. لكن مع تعافي بقية العالم، هبطت حصة أمريكا في الناتج المحلي الإجمالي العالمي إلى الثلث بحلول عام 1970 (وهي ذات حصتها تقريبا عشية الحرب العالمية الثانية).

رأى الرئيس ريتشارد نيكسون في ذلك علامة على التراجع وأخرج الدولار من معيار الذهب. لكن الدولار يظل متفوقا بعد نصف قرن من الزمن، ولا تزال حصة أمريكا في الناتج المحلي الإجمالي العالمي تبلغ نحو الربع. كما أن «انحدار» أمريكا لم يمنعها من الفوز في الحرب الباردة.

في أيامنا هذه، كثيرا ما يُستشهد بصعود الصين كدليل على الانحدار الأمريكي. إذا نظرنا بدقة إلى علاقات القوة بين الولايات المتحدة والصين، فسوف يتبين لنا أن تحولا ملموسا حدث بالفعل لصالح الصين، وهو ما يمكن تصويره على أنه تراجع أمريكي، بالمعنى النسبي. ولكن بالقيمة المطلقة، لا تزال الولايات المتحدة أكثر قوة، ومن المرجح أن تظل كذلك.

الواقع أن الصين منافس يستحق الإعجاب، ولكن تعيبها نقاط ضعف مهمة. وعندما يتعلق الأمر بتوازن القوى في المجمل، فإن الولايات المتحدة تتمتع بست مزايا طويلة الأمد على الأقل.

الأولى تتمثل في الجغرافيا. يحيط بالولايات المتحدة محيطان وجارتان صديقتان، في حين تشترك الصين في حدودها مع 14 دولة وتخوض نزاعات إقليمية مع دول عديدة، بما في ذلك الهند. والسبب الثاني هو استقلال أمريكا النسبي في مجال الطاقة، في حين تعتمد الصين على الواردات. ثالثا، تستمد الولايات المتحدة قوتها من مؤسساتها المالية الضخمة العابرة للحدود الوطنية والدور الدولي الذي يلعبه الدولار. يجب أن تكون العملة الاحتياطية الجديرة بالثقة قابلة للتحويل بحرية وأن تكون جذورها ضاربة بعمق في أسواق رأس المال وسيادة القانون ــ وكل هذا تفتقر إليه الصين.

رابعا، تتمتع الولايات المتحدة بميزة ديموغرافية نسبية باعتبارها الدولة المتقدمة الكبرى الوحيدة التي من المتوقع حاليا أن تحتل مرتبتها (الثالثة) في التصنيف السكاني العالمي. وسوف تشهد سبعة من أكبر خمسة عشر اقتصادا على مستوى العالم تقلصا في قوة العمل على مدار العقد المقبل؛ ولكن من المتوقع أن تزداد قوة العمل في الولايات المتحدة، في حين بلغت في الصين ذروتها في عام 2014.

خامسا، كانت أمريكا لفترة طويلة في طليعة التكنولوجيات الرئيسية (التكنولوجيا البيولوجية، وتكنولوجيا النانو، وتكنولوجيا المعلومات). تستثمر الصين بكثافة في البحث والتطوير ــ وهي الآن تسجل نتائج جيدة من حيث براءات الاختراع ــ ولكن بمقاييسها الخاصة، لا تزال جامعاتها البحثية تحتل مرتبة متأخرة عن المؤسسات الأمريكية.

وأخيرا، تظهر استطلاعات الرأي الدولية أن الولايات المتحدة تتفوق على الصين في قوة الجذب الناعمة. في مجمل الأمر، تتمتع الولايات المتحدة بمزايا قوية في منافسة القوى العظمى في القرن الحادي والعشرين. ولكن إذا استسلم الأمريكيون للهستيريا بشأن صعود الصين، أو الرضا عن الذات بشأن «ذروتها»، فقد تلعب الولايات المتحدة أوراقها بشكل سيء. والتخلص من الأوراق العالية القيمة ــ بما في ذلك التحالفات القوية والنفوذ في المؤسسات الدولية ــ سيشكل خطأ فادحا. وبعيدا عن جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى، فقد يؤدي ذلك إلى إضعافها بدرجة كبيرة. يجب أن تكون خشية الأمريكيين من صعود القومية الشعبوية في الداخل أكبر من خوفهم من صعود الصين. الواقع أن السياسات الشعبوية، مثل رفض دعم أوكرانيا أو الانسحاب من منظمة حلف شمال الأطلسي، من شأنها أن تلحق ضررا كبيرا بقوة الولايات المتحدة الناعمة. وإذا فاز ترامب بالرئاسة في نوفمبر، فقد يكون هذا العام نقطة تحول في القوة الأمريكية.

وأخيرا، قد يكون الشعور بالانحدار مبررا. حتى لو ظلت قوتها الخارجية مهيمنة، فمن الممكن أن تفقد الدولة فضيلتها الداخلية وجاذبيتها في أعين الآخرين. فقد ظلت الإمبراطورية الرومانية قائمة لفترة طويلة بعد أن فقدت شكل الحكم الجمهوري. وكما عَـلَّـق بنجامين فرانكلين حول شكل الحكومة الأمريكية التي أنشأها المؤسسون قائلا: «هي جمهورية ما دام بإمكانك الحفاظ عليها». بقدر ما أصبحت الديمقراطية الأمريكية أكثر استقطابا وهشاشة، فإن هذا التطور هو الذي قد يؤدي إلى انحدار أمريكا.

جوزيف س. ناي أستاذ فخري في كلية كينيدي بجامعة هارفارد ومساعد سابق لوزير الدفاع الأمريكي، وهو مؤلف كتاب «هل الأخلاق مهمة؟» الرؤساء والسياسة الخارجية من فرانكلين روزفلت إلى ترامب.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة أمریکا فی فی القرن فی حین

إقرأ أيضاً:

أمريكا: يجب على الصين إبرام اتفاق بشأن الرسوم الجمركية معنا

أكدت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، أمس الأربعاء أن الولايات المتحدة لا تزال متفائلة بإمكانية التوصل إلى اتفاق تجاري مع الصين، على الرغم من ارتفاع حدة التوترات الجمركية بين البلدين، مشددة على أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب "أوضحت بجلاء" أن الكرة الآن في ملعب بكين.

وفي مقابلة مع قناة "فوكس نيوز"، أوضحت ليفيت أن "الصين بحاجة إلى التوصل لاتفاق مع الولايات المتحدة الأمريكية، ونحن متفائلون بأن ذلك سيحدث"، في إشارة إلى المساعي المستمرة لخفض حدة الحرب التجارية التي تصاعدت في الأشهر الأخيرة.

وتأتي هذه التصريحات في وقت أفادت فيه صحيفة "وول ستريت جورنال" بأن إدارة ترامب تدرس خفض الرسوم الجمركية على الواردات الصينية، بنسبة قد تتراوح بين 50% و65%، بهدف تهدئة الأوضاع وفتح نافذة جديدة للمفاوضات مع بكين، التي ترد بالمثل على كافة الإجراءات الاقتصادية الأمريكية.

القاهرة الأخبارية: تصريح ترامب عن اتصالات جيدة مع الصين يُحدث تأثيرًاالبيت الأبيض يستبعد خفض الرسوم الجمركية على الصين من جانب واحدتراجع واردات الصين من إفريقيا بنسبة 9.4 بالمائة في الربع الأول من 2025تراجع واردات الصين من إفريقيا بنسبة 9.4 بالمائة في الربع الأول من 2025ترامب: سنبرم اتفاقا تجاريا عادلا مع الصينبندقية ومطاردة تنهيان حياة لصين بعد ارتكابهما واقعة سطو مسلح في جرجاوزير الاستثمار: زيارة مرتقبة للصين لتعزيز العلاقات الاقتصادية وتوسيع فرص التعاون

وبلغت الرسوم الجمركية المتبادلة بين البلدين مستوى غير مسبوق، حيث وصلت الرسوم الأمريكية الإضافية على السلع الصينية إلى 125%، فيما فرضت الصين نفس النسبة على السلع الأمريكية. كما أقدمت واشنطن على فرض رسوم إضافية بنسبة 20% بدعوى تقاعس بكين عن محاربة تجارة المخدرات، ما رفع إجمالي الرسوم الأمريكية المفروضة على الصين إلى نحو 145%.

وفي رد فعل على هذا التصعيد، شن الرئيس الصيني شي جين بينغ هجومًا على الحروب الجمركية، محذرًا من أنها "تقوض المنظومة التجارية متعددة الأطراف والنظام الاقتصادي العالمي"، وفق ما نقلته وكالة "شينخوا" الرسمية.

من جهتها، اتهمت الحكومة الصينية، الأربعاء، الولايات المتحدة بانتهاك قواعد منظمة التجارة العالمية، معتبرة أن فرض واشنطن رسوما جمركية أحادية الجانب يشكل "تعديًا واضحًا على المبادئ المنظمة للتجارة العالمية"، ويقوض "الحقوق والمصالح المشروعة للدول الأخرى".

وتؤكد بكين أن التصعيد الجمركي الأمريكي لا يستند إلى مبررات قانونية أو اقتصادية مقنعة، بل يعكس نهجًا أحاديًا في التعامل مع الشؤون الاقتصادية الدولية.


 

مقالات مشابهة

  • موقع أمريكي: تكلفة العمليات الهجومية على اليمن تثقل كاهل الولايات المتحدة الأمريكية
  • الصين: الولايات المتحدة أكبر مخل بالنظام الدولي لضبط التسلح ومنع الانتشار النووي
  • ليست الصين ولا أمريكا.. دولة تنتج أفضل وقود سيارات
  • خمس أوراق رابحة قد تستخدمها الصين في حربها التجارية مع الولايات المتحدة
  • الصين تنفي إجراء أي مفاوضات تجارية مع الولايات المتحدة
  • ترامب يعلنها ويجدد المخوف.. العد التنازلي بدأ للدول التي لم تتوصل لاتفاق تعرفة مع أمريكا
  • الصين : الرسوم الجمركية الأمريكية بمثابة تسونامي للتجارة العالمية
  • أمريكا: يجب على الصين إبرام اتفاق بشأن الرسوم الجمركية معنا
  • تداعيات معارك ترامب.. الولايات المتحدة تواجه خطر فقدان نفوذها في القارة مع توسّع نفوذ الصين
  • الصين: الباب مفتوح لمحادثات تجارية مع الولايات المتحدة