لجريدة عمان:
2025-11-14@04:19:44 GMT

الـعَـظَـمة الأمريكية والانحدار

تاريخ النشر: 3rd, February 2024 GMT

في حين يعتقد أغلب الأمريكيين أن الولايات المتحدة في انحدار، يزعم دونالد ترامب أنه قادر على «جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى». لكن افتراض ترامب غير صحيح ببساطة، والعلاجات التي يقترحها هي التي تشكل التهديد الأكبر لأمريكا.

الواقع أن الأمريكيين لهم تاريخ طويل من القلق بشأن الانحدار. فبعد فترة وجيزة من تأسيس مستعمرة خليج ماساتشوستس في القرن السابع عشر، أعرب بعض البيوريتانيين (المتزمتين) عن أسفهم لخسارة فضيلة سابقة.

في القرن الثامن عشر، درس الآباء المؤسسون التاريخ الروماني عندما فكروا في كيفية الحفاظ على جمهورية أمريكية جديدة. وفي القرن التاسع عشر، لاحظ تشارلز ديكنز أنه إذا كان لنا أن نصدق الأمريكيين، فإن بلادهم «دوما في كساد، ودوما في ركود، ودوما تعيش أزمة مروعة، ولم تكن قَـط في حال غير ذلك».

على غلاف مجلة صادرة عام 1979 تناولت التدهور الوطني، ظهر تمثال الحرية ودَمـعة تتدحرج على خده. ولكن في حين انجذب الأمريكيون لفترة طويلة إلى ما أسميه «توهج الماضي الذهبي»، فإن الولايات المتحدة لم تملك قط القوة التي يتخيل كثيرون أنها كانت تملكها. وحتى في ظل الموارد الطاغية، فشلت أمريكا في كثير من الأحيان في الحصول على مرادها. ينبغي لأولئك الذين يتصورون أن عالم اليوم أشد تعقيدا واضطرابا مما كان عليه في الماضي أن يتذكروا عاما مثل 1956، عندما عجزت الولايات المتحدة عن منع القمع السوفييتي للثورة في المجر.

الحق أن فترات «الانحدار» تنبئنا عن السيكولوجية الشعبية بأكثر مما تخبرنا به عن السياسة الجغرافية. مع ذلك، من الواضح أن فكرة الانحدار تمس وترا حساسا في السياسة الأمريكية، مما يجعلها موردا يمكن التعويل عليه للسياسة الحزبية.

في بعض الأحيان، يُـفـضي القلق إزاء الانحدار إلى فرض سياسات الحماية التي تضر أكثر مما تنفع. وفي أحيان أخرى، تؤدي فترات الغطرسة إلى سياسات لا تخلو من مُـغالاة مثل حرب العراق. ليس هناك فضيلة في التقليل أو المبالغة في تقدير القوة الأمريكية. عندما يتعلق الأمر بالعوامل الجيوسياسية، من الأهمية بمكان التمييز بين الانحدار المطلق والنسبي. من الناحية النسبية، كانت أمريكا في انحدار منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. ولن تتمكن مرة أخرى أبدا من المساهمة بنصف الاقتصاد العالمي واحتكار الأسلحة النووية (التي اقتناها الاتحاد السوفييتي في عام 1949). لقد عززت الحرب اقتصاد الولايات المتحدة وأضعفت اقتصاد الآخرين جميعا. لكن مع تعافي بقية العالم، هبطت حصة أمريكا في الناتج المحلي الإجمالي العالمي إلى الثلث بحلول عام 1970 (وهي ذات حصتها تقريبا عشية الحرب العالمية الثانية).

رأى الرئيس ريتشارد نيكسون في ذلك علامة على التراجع وأخرج الدولار من معيار الذهب. لكن الدولار يظل متفوقا بعد نصف قرن من الزمن، ولا تزال حصة أمريكا في الناتج المحلي الإجمالي العالمي تبلغ نحو الربع. كما أن «انحدار» أمريكا لم يمنعها من الفوز في الحرب الباردة.

في أيامنا هذه، كثيرا ما يُستشهد بصعود الصين كدليل على الانحدار الأمريكي. إذا نظرنا بدقة إلى علاقات القوة بين الولايات المتحدة والصين، فسوف يتبين لنا أن تحولا ملموسا حدث بالفعل لصالح الصين، وهو ما يمكن تصويره على أنه تراجع أمريكي، بالمعنى النسبي. ولكن بالقيمة المطلقة، لا تزال الولايات المتحدة أكثر قوة، ومن المرجح أن تظل كذلك.

الواقع أن الصين منافس يستحق الإعجاب، ولكن تعيبها نقاط ضعف مهمة. وعندما يتعلق الأمر بتوازن القوى في المجمل، فإن الولايات المتحدة تتمتع بست مزايا طويلة الأمد على الأقل.

الأولى تتمثل في الجغرافيا. يحيط بالولايات المتحدة محيطان وجارتان صديقتان، في حين تشترك الصين في حدودها مع 14 دولة وتخوض نزاعات إقليمية مع دول عديدة، بما في ذلك الهند. والسبب الثاني هو استقلال أمريكا النسبي في مجال الطاقة، في حين تعتمد الصين على الواردات. ثالثا، تستمد الولايات المتحدة قوتها من مؤسساتها المالية الضخمة العابرة للحدود الوطنية والدور الدولي الذي يلعبه الدولار. يجب أن تكون العملة الاحتياطية الجديرة بالثقة قابلة للتحويل بحرية وأن تكون جذورها ضاربة بعمق في أسواق رأس المال وسيادة القانون ــ وكل هذا تفتقر إليه الصين.

رابعا، تتمتع الولايات المتحدة بميزة ديموغرافية نسبية باعتبارها الدولة المتقدمة الكبرى الوحيدة التي من المتوقع حاليا أن تحتل مرتبتها (الثالثة) في التصنيف السكاني العالمي. وسوف تشهد سبعة من أكبر خمسة عشر اقتصادا على مستوى العالم تقلصا في قوة العمل على مدار العقد المقبل؛ ولكن من المتوقع أن تزداد قوة العمل في الولايات المتحدة، في حين بلغت في الصين ذروتها في عام 2014.

خامسا، كانت أمريكا لفترة طويلة في طليعة التكنولوجيات الرئيسية (التكنولوجيا البيولوجية، وتكنولوجيا النانو، وتكنولوجيا المعلومات). تستثمر الصين بكثافة في البحث والتطوير ــ وهي الآن تسجل نتائج جيدة من حيث براءات الاختراع ــ ولكن بمقاييسها الخاصة، لا تزال جامعاتها البحثية تحتل مرتبة متأخرة عن المؤسسات الأمريكية.

وأخيرا، تظهر استطلاعات الرأي الدولية أن الولايات المتحدة تتفوق على الصين في قوة الجذب الناعمة. في مجمل الأمر، تتمتع الولايات المتحدة بمزايا قوية في منافسة القوى العظمى في القرن الحادي والعشرين. ولكن إذا استسلم الأمريكيون للهستيريا بشأن صعود الصين، أو الرضا عن الذات بشأن «ذروتها»، فقد تلعب الولايات المتحدة أوراقها بشكل سيء. والتخلص من الأوراق العالية القيمة ــ بما في ذلك التحالفات القوية والنفوذ في المؤسسات الدولية ــ سيشكل خطأ فادحا. وبعيدا عن جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى، فقد يؤدي ذلك إلى إضعافها بدرجة كبيرة. يجب أن تكون خشية الأمريكيين من صعود القومية الشعبوية في الداخل أكبر من خوفهم من صعود الصين. الواقع أن السياسات الشعبوية، مثل رفض دعم أوكرانيا أو الانسحاب من منظمة حلف شمال الأطلسي، من شأنها أن تلحق ضررا كبيرا بقوة الولايات المتحدة الناعمة. وإذا فاز ترامب بالرئاسة في نوفمبر، فقد يكون هذا العام نقطة تحول في القوة الأمريكية.

وأخيرا، قد يكون الشعور بالانحدار مبررا. حتى لو ظلت قوتها الخارجية مهيمنة، فمن الممكن أن تفقد الدولة فضيلتها الداخلية وجاذبيتها في أعين الآخرين. فقد ظلت الإمبراطورية الرومانية قائمة لفترة طويلة بعد أن فقدت شكل الحكم الجمهوري. وكما عَـلَّـق بنجامين فرانكلين حول شكل الحكومة الأمريكية التي أنشأها المؤسسون قائلا: «هي جمهورية ما دام بإمكانك الحفاظ عليها». بقدر ما أصبحت الديمقراطية الأمريكية أكثر استقطابا وهشاشة، فإن هذا التطور هو الذي قد يؤدي إلى انحدار أمريكا.

جوزيف س. ناي أستاذ فخري في كلية كينيدي بجامعة هارفارد ومساعد سابق لوزير الدفاع الأمريكي، وهو مؤلف كتاب «هل الأخلاق مهمة؟» الرؤساء والسياسة الخارجية من فرانكلين روزفلت إلى ترامب.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة أمریکا فی فی القرن فی حین

إقرأ أيضاً:

«غُرف دبي» تعلن افتتاح أول مكتب لها في الولايات المتحدة

 

نيويورك (الاتحاد)
أعلنت «غُرف دبي»، عن افتتاح أول مكتب تمثيلي لها في الولايات المتحدة الأميركية ومقره نيويورك، وذلك خلال فعاليات منتدى دبي للأعمال - الولايات المتحدة الأميركية الذي نظمته في نيويورك أمس الأول، بحضور أكبر وفد أعمال خارجي تقوده غُرف دبي شمل أكثر من 80 مسؤولاً من قادة القطاعين الحكومي والخاص في دبي، إضافة إلى 700 من كبار رجال الأعمال والمستثمرين والمسؤولين المشاركين في فعاليات المنتدى.
وينضم المكتب التمثيلي الجديد إلى شبكة مكاتب «غرفة دبي العالمية»، إحدى الغُرف الثلاث العاملة تحت مظلة غُرف دبي، حيث سيعمل على تعزيز العلاقات الاقتصادية، واستكشاف سبل زيادة التعاون التجاري والاستثماري بين دبي والولايات المتحدة، كما سيقدم دعماً كاملاً للشركات الأميركية الساعية لتأسيس أعمالها في الإمارة والتوسُّع منها إلى الأسواق الإقليمية والعالمية، بالتزامن مع دعم شركات دبي في خططها التوسعية في الولايات المتحدة.
وتحت شعار «فرص تحفّز النمو المشترك»، شهد المنتدى الذي نظّمته غُرف دبي بالتعاون مع غرفة تجارة الولايات المتحدة ومجلس الأعمال الأميركي - الإماراتي كشركاء داعمين، 14 جلسة حوارية بمشاركة 32 متحدثاً، حيث دار النقاش حول آفاق الشراكات بين مجتمعات الأعمال في دبي والولايات المتحدة، والفرص الاستثمارية الاستثنائية، التي تزخر بها أجندة دبي الاقتصادية D33 للشركات والمستثمرين الأميركيين في كافة القطاعات.
وقال معالي المهندس سلطان بن سعيد المنصوري، رئيس مجلس إدارة غُرف دبي، خلال كلمته الافتتاحية للمنتدى، إن دبي والولايات المتحدة تتمتعان بعلاقات اقتصادية وتجارية راسخة تم بناؤها على مدى عقود من التعاون المثمر والثقة المتبادلة، كما أنها تُعد شريكاً استراتيجياً رئيسياً لدبي، إذ احتلّت المرتبة الرابعة ضمن قائمة أكبر الشركاء التجاريين للإمارة في عام 2024، وبلغت قيمة التجارة غير النفطية بين الجانبين في العام ذاته نحو 116.4 مليار درهم، مسجلةً نمواً سنوياً نسبته 10%، مما يجسّد التطور الإيجابي المستمر في للتجارة البينية.
وأضاف أنه في مؤشر حيوي على تنامي جاذبية دبي لمجتمع الأعمال الأميركي، انضمت 787 شركة أميركية جديدة إلى عضوية غرفة تجارة دبي خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري، ليصل بذلك إجمالي عدد الشركات الأميركية النشطة المسجلة في عضوية الغرفة إلى 3690 شركة بنهاية شهر سبتمبر الماضي، فيما استقطبت دبي استثمارات أجنبية مباشرة من الولايات المتحدة بقيمة 79.6 مليار درهم خلال الفترة 2015 - 2024، في حين جاءت الولايات المتحدة في المرتبة الأولى بين قائمة دول المصدّرة للاستثمار الأجنبي المباشر إلى دبي خلال النصف الأول من 2025، مستحوذة على 35% من إجمالي التدفقات الاستثمارية إلى الإمارة.
وفي جلسة حوارية ضمن فعاليات المنتدى، ناقش المتحدثون الآليات التي يمكن بموجبها أن تستفيد الشركات من الفرص وتلبية متطلبات التوسع خارج الأسواق التقليدية، فيما ركّزت جلسة أخرى على أنشطة صناديق الثروة السيادية في العالم، ومكانة دبي كمركز استثماري عالمي ودور الإمارة في رسم خريطة حركة رؤوس الأموال دولياً في ظل المتغيرات المتسارعة على المستوى العالمي.
كما شهد المنتدى مناقشات معمقة لآفاق الذكاء الاصطناعي والأطر التنظيمية الاستباقية الناظمة لتقنياته في دبي، بالإضافة إلى البنية التحتية الرقمية القائمة على البيانات، إلى جانب توظيف الأدوات والتقنيات الجديدة لإعادة رسم مستقبل إدارة الأصول والاستثمار.

 

أخبار ذات صلة «غرف دبي» تفتح باب التسجيل في جائزة محمد بن راشد آل مكتوم للأعمال «غرف دبي» توعّي مجتمع الأعمال بقوانين هيكلة الشركات والعقود التجارية

مقالات مشابهة

  • الصين تتحدى الولايات المتحدة في البحار
  • الولايات المتحدة تتوقف عن سك البنس بعد أكثر من 230 عاما
  • انتهاء أزمة الإغلاق الحكومي الأطول في تاريخ الولايات المتحدة
  • «غُرف دبي» تعلن افتتاح أول مكتب لها في الولايات المتحدة
  • «كيمي كيه 2» ذكاء اصطناعي جديد يهدد عرش «شات جي بي تي».. هل تتفوق الصين على أمريكا؟
  • بوليتيكو: وثائق تكشف عن العقبات التي تواجه أمريكا لتحقيق خطة ترامب بغزة
  • روبيو: الولايات المتحدة لا تتطلع لإدارة قطاع غزة
  • بنما تضبط 12 طنًا من الكوكايين وتحبط تهريبها إلى الولايات المتحدة
  • الصين: تعليق الولايات المتحدة لـ«قاعدة الملكية بنسبة 50%» خطوة مهمة في تنفيذ توافق كوالالمبور
  • هؤلاء الجوعى في أمريكا…