لجريدة عمان:
2025-02-07@12:20:53 GMT

الـعَـظَـمة الأمريكية والانحدار

تاريخ النشر: 3rd, February 2024 GMT

في حين يعتقد أغلب الأمريكيين أن الولايات المتحدة في انحدار، يزعم دونالد ترامب أنه قادر على «جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى». لكن افتراض ترامب غير صحيح ببساطة، والعلاجات التي يقترحها هي التي تشكل التهديد الأكبر لأمريكا.

الواقع أن الأمريكيين لهم تاريخ طويل من القلق بشأن الانحدار. فبعد فترة وجيزة من تأسيس مستعمرة خليج ماساتشوستس في القرن السابع عشر، أعرب بعض البيوريتانيين (المتزمتين) عن أسفهم لخسارة فضيلة سابقة.

في القرن الثامن عشر، درس الآباء المؤسسون التاريخ الروماني عندما فكروا في كيفية الحفاظ على جمهورية أمريكية جديدة. وفي القرن التاسع عشر، لاحظ تشارلز ديكنز أنه إذا كان لنا أن نصدق الأمريكيين، فإن بلادهم «دوما في كساد، ودوما في ركود، ودوما تعيش أزمة مروعة، ولم تكن قَـط في حال غير ذلك».

على غلاف مجلة صادرة عام 1979 تناولت التدهور الوطني، ظهر تمثال الحرية ودَمـعة تتدحرج على خده. ولكن في حين انجذب الأمريكيون لفترة طويلة إلى ما أسميه «توهج الماضي الذهبي»، فإن الولايات المتحدة لم تملك قط القوة التي يتخيل كثيرون أنها كانت تملكها. وحتى في ظل الموارد الطاغية، فشلت أمريكا في كثير من الأحيان في الحصول على مرادها. ينبغي لأولئك الذين يتصورون أن عالم اليوم أشد تعقيدا واضطرابا مما كان عليه في الماضي أن يتذكروا عاما مثل 1956، عندما عجزت الولايات المتحدة عن منع القمع السوفييتي للثورة في المجر.

الحق أن فترات «الانحدار» تنبئنا عن السيكولوجية الشعبية بأكثر مما تخبرنا به عن السياسة الجغرافية. مع ذلك، من الواضح أن فكرة الانحدار تمس وترا حساسا في السياسة الأمريكية، مما يجعلها موردا يمكن التعويل عليه للسياسة الحزبية.

في بعض الأحيان، يُـفـضي القلق إزاء الانحدار إلى فرض سياسات الحماية التي تضر أكثر مما تنفع. وفي أحيان أخرى، تؤدي فترات الغطرسة إلى سياسات لا تخلو من مُـغالاة مثل حرب العراق. ليس هناك فضيلة في التقليل أو المبالغة في تقدير القوة الأمريكية. عندما يتعلق الأمر بالعوامل الجيوسياسية، من الأهمية بمكان التمييز بين الانحدار المطلق والنسبي. من الناحية النسبية، كانت أمريكا في انحدار منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. ولن تتمكن مرة أخرى أبدا من المساهمة بنصف الاقتصاد العالمي واحتكار الأسلحة النووية (التي اقتناها الاتحاد السوفييتي في عام 1949). لقد عززت الحرب اقتصاد الولايات المتحدة وأضعفت اقتصاد الآخرين جميعا. لكن مع تعافي بقية العالم، هبطت حصة أمريكا في الناتج المحلي الإجمالي العالمي إلى الثلث بحلول عام 1970 (وهي ذات حصتها تقريبا عشية الحرب العالمية الثانية).

رأى الرئيس ريتشارد نيكسون في ذلك علامة على التراجع وأخرج الدولار من معيار الذهب. لكن الدولار يظل متفوقا بعد نصف قرن من الزمن، ولا تزال حصة أمريكا في الناتج المحلي الإجمالي العالمي تبلغ نحو الربع. كما أن «انحدار» أمريكا لم يمنعها من الفوز في الحرب الباردة.

في أيامنا هذه، كثيرا ما يُستشهد بصعود الصين كدليل على الانحدار الأمريكي. إذا نظرنا بدقة إلى علاقات القوة بين الولايات المتحدة والصين، فسوف يتبين لنا أن تحولا ملموسا حدث بالفعل لصالح الصين، وهو ما يمكن تصويره على أنه تراجع أمريكي، بالمعنى النسبي. ولكن بالقيمة المطلقة، لا تزال الولايات المتحدة أكثر قوة، ومن المرجح أن تظل كذلك.

الواقع أن الصين منافس يستحق الإعجاب، ولكن تعيبها نقاط ضعف مهمة. وعندما يتعلق الأمر بتوازن القوى في المجمل، فإن الولايات المتحدة تتمتع بست مزايا طويلة الأمد على الأقل.

الأولى تتمثل في الجغرافيا. يحيط بالولايات المتحدة محيطان وجارتان صديقتان، في حين تشترك الصين في حدودها مع 14 دولة وتخوض نزاعات إقليمية مع دول عديدة، بما في ذلك الهند. والسبب الثاني هو استقلال أمريكا النسبي في مجال الطاقة، في حين تعتمد الصين على الواردات. ثالثا، تستمد الولايات المتحدة قوتها من مؤسساتها المالية الضخمة العابرة للحدود الوطنية والدور الدولي الذي يلعبه الدولار. يجب أن تكون العملة الاحتياطية الجديرة بالثقة قابلة للتحويل بحرية وأن تكون جذورها ضاربة بعمق في أسواق رأس المال وسيادة القانون ــ وكل هذا تفتقر إليه الصين.

رابعا، تتمتع الولايات المتحدة بميزة ديموغرافية نسبية باعتبارها الدولة المتقدمة الكبرى الوحيدة التي من المتوقع حاليا أن تحتل مرتبتها (الثالثة) في التصنيف السكاني العالمي. وسوف تشهد سبعة من أكبر خمسة عشر اقتصادا على مستوى العالم تقلصا في قوة العمل على مدار العقد المقبل؛ ولكن من المتوقع أن تزداد قوة العمل في الولايات المتحدة، في حين بلغت في الصين ذروتها في عام 2014.

خامسا، كانت أمريكا لفترة طويلة في طليعة التكنولوجيات الرئيسية (التكنولوجيا البيولوجية، وتكنولوجيا النانو، وتكنولوجيا المعلومات). تستثمر الصين بكثافة في البحث والتطوير ــ وهي الآن تسجل نتائج جيدة من حيث براءات الاختراع ــ ولكن بمقاييسها الخاصة، لا تزال جامعاتها البحثية تحتل مرتبة متأخرة عن المؤسسات الأمريكية.

وأخيرا، تظهر استطلاعات الرأي الدولية أن الولايات المتحدة تتفوق على الصين في قوة الجذب الناعمة. في مجمل الأمر، تتمتع الولايات المتحدة بمزايا قوية في منافسة القوى العظمى في القرن الحادي والعشرين. ولكن إذا استسلم الأمريكيون للهستيريا بشأن صعود الصين، أو الرضا عن الذات بشأن «ذروتها»، فقد تلعب الولايات المتحدة أوراقها بشكل سيء. والتخلص من الأوراق العالية القيمة ــ بما في ذلك التحالفات القوية والنفوذ في المؤسسات الدولية ــ سيشكل خطأ فادحا. وبعيدا عن جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى، فقد يؤدي ذلك إلى إضعافها بدرجة كبيرة. يجب أن تكون خشية الأمريكيين من صعود القومية الشعبوية في الداخل أكبر من خوفهم من صعود الصين. الواقع أن السياسات الشعبوية، مثل رفض دعم أوكرانيا أو الانسحاب من منظمة حلف شمال الأطلسي، من شأنها أن تلحق ضررا كبيرا بقوة الولايات المتحدة الناعمة. وإذا فاز ترامب بالرئاسة في نوفمبر، فقد يكون هذا العام نقطة تحول في القوة الأمريكية.

وأخيرا، قد يكون الشعور بالانحدار مبررا. حتى لو ظلت قوتها الخارجية مهيمنة، فمن الممكن أن تفقد الدولة فضيلتها الداخلية وجاذبيتها في أعين الآخرين. فقد ظلت الإمبراطورية الرومانية قائمة لفترة طويلة بعد أن فقدت شكل الحكم الجمهوري. وكما عَـلَّـق بنجامين فرانكلين حول شكل الحكومة الأمريكية التي أنشأها المؤسسون قائلا: «هي جمهورية ما دام بإمكانك الحفاظ عليها». بقدر ما أصبحت الديمقراطية الأمريكية أكثر استقطابا وهشاشة، فإن هذا التطور هو الذي قد يؤدي إلى انحدار أمريكا.

جوزيف س. ناي أستاذ فخري في كلية كينيدي بجامعة هارفارد ومساعد سابق لوزير الدفاع الأمريكي، وهو مؤلف كتاب «هل الأخلاق مهمة؟» الرؤساء والسياسة الخارجية من فرانكلين روزفلت إلى ترامب.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة أمریکا فی فی القرن فی حین

إقرأ أيضاً:

الولايات الأمريكية تشهد زلزالًا من الاحتجاجات ضد سياسات ترامب في مختلف المجالات

عرضت قناة "القاهرة الإخبارية" تقريرا بعنوان "الولايات الأمريكية تشهد زلزالًا من الاحتجاجات ضد سياسات ترامب في مختلف المجالات".

الصين ترفض مًقترح ترامب: غزة لأهلها سفير أمريكي سابق لدى اسرائيل: مقترح ترامب بشأن غزة غير جاد دونالد ترامب 

قال التقرير: "بعد أسابيع من تنصيبه رئيسا للولايات المتحدة يواجه دونالد ترامب ما وصفته وسائل الإعلام الأمريكية بزلزال من الاحتجاجات الواسعة ضد سياساته وأوامره، 50 احتجاجا في 50 ولاية في يوم واحد، كان ذلك شعار الحملة التي نظمتها إحدى الحركات، والتي اكتسبت زخما شعبيا عقب دعوتها لتنظيم مسيرات احتجاجية في أنحاء البلاد دفاعا عن مجموعة متنوعة من القضايا بما في ذلك حقوق المهاجرين وإعادة هيكلة الوكالة الفيدرالية".

وأضاف: "أما الدافع الرئيسي فبحسب المنظمين معارضة ما يسمى بمشروع 2025 الساعي إلى إعادة تشكيل الحكومة الفيدرالية، وبالرغم من نفي ترامب المتكرر تورطه في هذا المشروع إلا أن أوامره التنفيذية تتوافق معه".

وتابع: "زلزال الاحتجاجات ضرب شوارع الولايات الخمسين، لكنها واجهت موجة مضادة من الانتقادات التي وصلت حد التهديدات من قبل أنصار الرئيس وداعميه، وذلك وفقا للمحتجين أنفسهم".

القضية الفلسطينية

واستطرد: "إلى جانب القضايا الداخلية كانت فلسطين حاضرة بقوة خلال تلك الاحتجاجات، حيث انتقد المتظاهرون بقوة سياسات رئيسهم التي وصفوها بالعنصرية ضد القضية الفلسطينية فضلا على استقباله لرئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو".

ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن السفير الأمريكي السابق لدى إسرائيل اعتبر أن المقترح الذي طرحه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض سيطرة أمريكية على قطاع غزة "ليس جادًا"، محذرًا من أن مجرد طرح الفكرة قد يؤدي إلى تصاعد موجات التطرف في المنطقة.

وأشار السفير السابق، وفقًا للتقرير، إلى أن هذا النوع من المقترحات يفتقر إلى الواقعية السياسية والدبلوماسية، مشددًا على أن أي تحرك أحادي الجانب بهذا الشكل قد يزيد من حالة عدم الاستقرار بدلاً من تحقيق أي حلول عملية.

كما حذّر من أن تداعيات اقتراح ترامب قد تؤثر سلبًا على الجهود المبذولة لإطلاق سراح مزيد من الرهائن المحتجزين في القطاع، حيث قد يدفع هذا الطرح بعض الأطراف إلى اتخاذ مواقف أكثر تشددًا، مما يعقد فرص التوصل إلى تفاهمات إنسانية.

ويأتي هذا التقرير في ظل الجدل المتصاعد حول تصريحات ترامب الأخيرة، التي اقترح فيها سيطرة أمريكية طويلة الأمد على غزة وتحويلها إلى "ريفييرا الشرق الأوسط"، وهو ما قوبل برفض دولي واسع، خاصة من الدول التي تؤكد على ضرورة الحفاظ على حقوق الفلسطينيين في أراضيهم.

جددت الكويت اليوم موقفها الثابت والداعم للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، مؤكدة على حق الفلسطينيين في إقامة دولة مستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، جاء ذلك في بيان رسمي أصدرته وزارة الخارجية الكويتية، حيث أكدت أن هذا الحق يمثل حجر الزاوية في أي حل عادل ودائم للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي.

وأشار البيان إلى "رفض دولة الكويت القاطع لسياسات الاستيطان الإسرائيلي وضم الأراضي الفلسطينية وتهجير الشعب الفلسطيني من أرضه"، وأضاف أن هذه السياسات تمثل "انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وتهديدًا لأمن واستقرار المنطقة".

في الوقت ذاته، دعت الكويت المجتمع الدولي إلى "تحمل مسؤولياته في توفير الحماية للشعب الفلسطيني وحقوقه غير القابلة للتصرف"، مع ضرورة "إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة"، وهو ما يتماشى مع الموقف الكويتي الثابت في دعم حقوق الفلسطينيين.

تأتي هذه التصريحات بعد أيام من تصريحات للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، التي أدلى بها في لقاء مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض الثلاثاء الماضي، وكان ترامب قد اقترح في تلك التصريحات فرض سيطرة أمريكية على قطاع غزة، مؤكدًا أن الولايات المتحدة "ستتولى السيطرة على القطاع" متوقعًا أن تكون لها "ملكية طويلة الأمد" هناك.

وقال ترامب في مؤتمر صحفي مشترك مع نتنياهو: "الولايات المتحدة ستتولى مسؤولية أعمال إعادة الإعمار في غزة، وتحويلها إلى ما أسماه "ريفييرا الشرق الأوسط" التي يمكن أن يستمتع بها كل العالم"، كما وصف غزة بأنها "منطقة للهدم"، وذكر أن السكان يجب أن يغادروا إلى دول أخرى بشكل دائم.

واستطاع ترامب في تصريحاته الأخيرة إلقاء الضوء على مقترحات سابقة له بنقل الفلسطينيين من غزة إلى دول مجاورة مثل مصر والأردن، حيث برر ذلك بعدم وجود أماكن صالحة للسكن في القطاع نتيجة للدمار الكبير الذي خلفته الحرب الإسرائيلية المستمرة منذ أكثر من 15 شهراً.

وقد أثارت هذه التصريحات استنكارًا دوليًا واسعًا، في وقت كانت الكويت قد أكدت فيه مرارًا على أهمية الحل العادل والشامل للقضية الفلسطينية، مع التزامها التام بدعم حقوق الفلسطينيين وفقًا للقرارات الدولية.

مقالات مشابهة

  • مسؤول: وزير خارجية أمريكا سيقوم بأول جولة في الشرق الأوسط منتصف فبراير.. ما الدول التي سيزورها؟
  • إيران تندد بالعقوبات الأمريكية على كيانات متهمة ببيع نفطها إلى الصين
  • ايران عن العقوبات الأمريكية: نحمل الولايات المتحدة عواقب الإجراءات المتغطرسة
  • الصين تتصدى لضغوط واشنطن وتحذر: لا لتهجير الفلسطينيين ولا لوصاية أمريكا على غزة
  • مقتل مهاجر غير شرعي واعتقال 15 آخرين أثناء محاولتهم الدخول إلى كندا من الولايات المتحدة الأمريكية
  • الولايات الأمريكية تشهد زلزالًا من الاحتجاجات ضد سياسات ترامب في مختلف المجالات
  • بنما تُحرج الولايات المتحدة الأمريكية وتنفي ما أوردته خارجيتها: "لا لم نعفيكم من دفع الجمارك"
  • الصين تأمل في اتفاق يجنبها حربا تجارية مع الولايات المتحدة
  • إن بي سي: الولايات المتحدة تضع خططا لسحب كامل القوات الأمريكية من سوريا
  • خدمة البريد الأمريكية تعلّق استلام الطرود من الصين